عناصر الخطبة
1/نص حديث: \"بعثت بالسيف\" 2/إقامة الدين بالقرآن والسيف 3/أصناف الناس الواجب جهادهم وقتالهم 4/بعض غايات الجهاد في الإسلام وأهدفه 5/بعض العواقب الوخيمة لترك الجهاد في الدنيا والآخرة 6/مراحل وخطوات تسبق الجهاد في سبيل الله 7/تحصيل الرزق عن طريق الجهاد في سبيل الله 8/خطر التشبه بالكفار والعصاةاقتباس
إن الجهاد لم يشرع عبثاً، ولا لتحقيق أهداف شخصية، أو مطامع مادية، أو مكاسب سياسية، أو لبسط النفوذ وتوسيع الرقعة، ولا لإزهاق النفوس، وسفك الدماء، والتسلط على الناس واستعبادهم، ولكن؛ شرع الجهاد؛ لـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له".
وفي رواية: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذَّلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
ولنا -معاشر الأحبة- بعض وقفات مع هذا الحديث العظيم.
لماذا بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسيف؟
الجواب: بعث بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بعث بالسيف؛ كما أنه بعث بالوحي، ولهذا قَرن الله -جل وتعالى- بينهما في كتابه، فقال: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ)[الحديد: 25].
فالأمران مجتمعان، ولا يُمكِن للدين أن يقوم إلا بالأمران معاً، ولم تقم دولة الإسلام الأولى على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بالأمران.
ومن كان يظن بأن الدين سوف تستقر دعائمه، ويَثْبُت أركانه بشيء واحد من الأمرين، فهو مخطئ، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أخذ لكلا الأمرين عدته، وبذلك الأمران انتشر الدين، وكانت دولة الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ودُحر أعداء الملة، وأُخرست ألسن المنافقين، وأُبطلت حيلهم وكيدهم، فلا غنى لهذا الدين في كل زمان ومكان من الكلمة والبيان، ومن السيف والسنان.
أيها المسلمون: لقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بستة أسياف:
السيف الأول: على المشركين، قال الله -تعالى-: (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً)[التوبة: 36].
السيف الثاني: على أهل الكتاب من اليهود والنصارى، قال الله -تعالى-: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة: 29].
السيف الثالث: على المنافقين، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[التوبة: 73].
السيف الرابع: على البغاة، قال الله -تعالى-: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)[الحجرات: 9].
هذه الأسياف الأربعة جاءت في كتاب الله -جل وتعالى-.
السيف الخامس: على المرتدين عن الإسلام بعد الدخول فيه؛ ثبت في الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من بدل دينه فاقتلوه".
السيف السادس: على المارقين من أهل البدع؛ كالخوارج ونحوهم، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه أَمر بقتالهم، وأن الله -عز وجل- قد ادخر أجراً عظيماً لمن قتلهم.
أيها المسلمون: هذه هي الأسياف التي بعث بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما غايتها؟
غايتها؛ حتى يعبد الله وحده لا شريك له.
فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يُبعث، ولم يحمل السيف لكي يُخضع الناس لحكم العرب، ولم يُبعث لجمع الأموال، ولم يُبعث، لكي يدير رحى الحروب والمعارك.
إنما بعث صلوات ربي وسلامه عليه؛ ليخضعهم لحكم الله -عز وجل-، وليزيل الفتنة التي قد يتعرض لها المؤمنون؛ كما قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ)[البقرة: 193].
وبهذا السيف صار المؤمنون أعزة، وبهذا السيف صار المسلمون أقوياء، ودانت لهم الشعوب والأمم.
وهذا سبب من أسباب عزتهم ألا وهو: حمل السيف في وجوه أعداء الله، وإحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمات ولافتات وشعارات الذين كفروا السفلى.
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه، حتى ترجعوا إلى دينكم".
فلماذا سُلط الذل على المسلمين اليوم؟
لأنهم تبايعوا بالعينة، أي بالربا، واشتغلوا بالدنيا والزرع، وتركوا الجهاد، وسيبقى هذا الذل مضروباً على أعناق المسلمين مادام الربا قد ضرب بأطنابه في بلادهم، وسيبقوا أذلةً مادامت سيوفهم منكسة، بل لم يملكوا السيوف حتى الآن، ولم يفكروا في رفعها، وستبقى عليهم الذلة ما داموا يأخذون بأذناب البقر، وما داموا منشغلين بزروعهم وتجاراتهم ودنياهم، فأسباب العزة واضحة جلية في هذا الحديث.
أيها المسلمون: إن أعداء الله والمحاربين لهذا الدين لا بد أن يُخَوّفُوا بالسيف أحياناً، ولا بد أن يعلموا بأن مقاومتهم للدين وحربهم للإسلام قد يعرضهم للسيف والذبح، وهذا أحد الوسائل التي استخدمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لدرء شر وفتنة وأذى كفار قريش.
روى ابن إسحاق في السيرة بسند حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه سئل عن أشد ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- من المشركين في مكة، فقال عبد الله: "كنت عندهم يوماً من الأيام، وقد اجتمعوا في الحجر، فتذاكروا ما دخل عليهم من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقالوا: "ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من شأن هذا الرجل، لقد شتم آلهتنا، وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا، وفرق جماعتنا، إذ دخل عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فطاف بالبيت، واستلم الركن، حتى إذا طاف بهم غمزوه ببعض القول.
قال عبد الله بن عمرو: فعرفت ذلك في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمرّ ولم يقل شيئاً، ثم مر بهم الثانية فغمزوه ببعض القول، فمرّ ولم يقل شيئاً، ثم مرّ بهم الثالثة فغمزوه ببعض القول، فالتفت إليهم، وقال: تسمعون يا معشر قريش والله لقد جئتكم بالذبح، والله لقد جئتكم بالذبح، قال: فأخذت القوم كلمته حتى ما كان منهم أحد إلا وكأنه على رأسه طائر واقع".
فيقال: بأنه أحياناً لا بد من تذكير كل من يحارب الدين بهذه القضية.
أيها المسلمون: الجهاد في سبيل الله، ذروة سنام هذا الدين، ناشر لوائه، وحامي حماه، بل لا قيام لهذا الدين في الأرض إلا به.
إن الجهاد لم يشرع عبثاً، ولا لتحقيق أهداف شخصية، أو مطامع مادية، أو مكاسب سياسية، أو لبسط النفوذ وتوسيع الرقعة، ولا لإزهاق النفوس، وسفك الدماء، والتسلط على الناس واستعبادهم.
ولكن؛ شرع الجهاد؛ لتعبيد الناس لله وحده وإعلاء كلمة الله في الأرض وإظهار دينه على الدين كله، ولو كره المشركون، قال الله -تعالى-: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)[البقرة: 193].
وقال سبحانه: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الأنفال: 39].
لقد شرع الجهاد؛ لرد اعتداء المعتدين على المسلمين، قال الله -تعالى-: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة: 190].
وقال تعالى: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ)[التوبة: 13].
لقد شرع الجهاد؛ لمنع الكفار من تعذيب المستضعفين من المؤمنين، والتضييق عليهم، ومحاولة فتنتهم في دينهم، قال الله -تعالى-: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا)[النساء: 75].
لقد شرع الجهاد؛ لتغيير الأوضاع والأنظمة الشركية، وما ينتج عنها من فساد في شتى مجالات الحياة.
فإن هذه من شأنها أن تفتن المسلم عن دينه، ولذلك فإن أهل الجزية من أهل الذمة، ونحوهم يمنعون من المجاهرة بدينهم، والتعامل بالربا، وبإظهار الزنا؛ لأن هذه الأوضاع تفتن المسلم عن دينه.
لقد شرع الجهاد؛ لمنع صد الكفار من تحت ولايتهم عن استماع الحق، وإقامتهم سياجاً منيعة أمام دين الله لئلا يدخله الناس، فيجب أن يقام على هؤلاء الجهاد حتى يتسع المجال لدين الله أن يراه الناس ويعرفونه، وتقوم عليهم الحجة به.
لقد شرع الجهاد؛ لحماية الدولة الإسلامية من شر الكفار، ودفع الظلم والدفاع عن الأنفس والحرمات والأوطان والأموال، قال الله -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا الله)[الحج: 40].
لقد شرع الجهاد؛ لتأديب المتمردين والناكثين للعهود المنتهزين سماحة الإسلام وأهله، قال الله -تعالى-: (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ)[التوبة: 12].
لقد شرع الجهاد؛ لإرهاب الكفار، وإخراجهم وإذلالهم، وإغاظتهم ودحرهم، قال الله -تعالى-: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)[الأنفال: 60].
وقال سبحانه: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ)[التوبة: 14].
فلهذا ولغيره -عباد الله- شرع الجهاد في سبيل الله.
هل من يموت بميدان الجهاد كما *** موت البهائم في الأعطان تنتحر
كلا وربي فلا تشبيه بينهمُ *** قد قالها خالد إذ كان يحتضر
أهل الشهادة في الآثار قد أمنوا *** من فتنةٍ وابتلاءاتٍ إذا قبروا
ويوم ينفخ صور ليس يزعجهم *** والناس قائمةٌ من هوله ذعروا
وما سوى الدّين من ذنب وسيئةٍ *** على الشهيد فعند الله مغتفر
أرواحهم في عُلى الجنات سارحةٌ *** تأوي القناديل تحت العرش تزدهر
وحيث شاءت من الجنات تحملها *** طير مغرّدةٌ ألوانها خضر
إن الشهيد شفيع في قرابته *** سبعين منهم كما في مسندٍ حُصِرُ
والترمذي أتى باللفظ في سنن *** وفي كتاب أبي داود معتبر
مع ابن ماجة والمقدام ناقله *** في ضمن ست خصال ساقها الخبر
ما كل من طلب العلياء نائلها *** إن الشهادة مجد دونه حفر
وقد تردد في الأمثال من زمن *** لا يبلغ المجد حتى يُلعق الصَّبِر
ربي اشترى أنفساً ممن يجود بها *** نعم المبيع ورب العرش ما خسروا
أيها المسلمون: إن هذه الأمة ما خلقت لكي تتمتع بحطام الدنيا، وإن هذه الأمة لم توجد لكي تكون تابعة لغيرها، لكنها وجدت لنشر دين الله، ووجدت لكي تقود الأمم، لا أن تقاد، وهذا لن يكون إلا بفتح باب الجهاد على مصراعيه.
وقد وردت نصوص كثيرة تحذر من ترك الجهاد، وتبين عواقب تركه، وتصف الناكلين عنه بأقبح الأوصاف، فهل تعلم -يا أخي الحبيب- أن:
ترك الجهاد؛ سبب للهلاك في الدنيا والآخرة.
أما هلاك الدنيا؛ فبالذلة والاستعباد، وتسلط الكفار علينا، واستعمارنا الاستعمار المباشر، وغير المباشر.
وأما هلاك الآخرة، فيقول الله -تبارك وتعالى-: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195].
ترك الجهاد؛ سبب لعذاب الله وبطشه، قال الله -تعالى-: (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التوبة: 39].
ترك الجهاد والفرح بالقعود؛ من صفات المنافقين، قال الله -تعالى-: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)[التوبة: 82].
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق".
ترك الجهاد؛ سبب لإفساد أهل الأرض بالقضاء على دينه، قال الله -تعالى-: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[البقرة: 251].
ترك الجهاد؛ قد يعرض لعقوبة عاجلة تنزل بالقاعدين عن الجهاد، كما قص الله -تعالى- من خبر بني إسرائيل لما طلب إليهم موسى -عليه الصلاة والسلام- أن يدخلوا الأرض المقدسة، فقالوا: (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)[المائدة: 24-25].
وقد وعى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الدرس جيداً، ففي يوم بدر لما استشارهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القتال، قال له المقداد: "يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن امضي ونحن معك"[رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاءً، فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم"[رواه الإمام أحمد].
ترك الجهاد؛ سبب للذل والهوان، قال الله -تعالى-: (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التوبة: 39].
ومن الذي ينكر: أن الأمة الآن لا تعيش في أقصى درجات الذل والهوان، والمشكلة ليس في إعلان الجهاد الآن المشكلة أن الأمة إلى الآن لم تتحرك، ولا حتى في مرحلة الإعداد والتهيؤ النفسي والشعوري، وبث هذه القضية في روح أبناء الأمة.
تجد أن التوجه وتربية الناشئة على الدفاع، وزرع فكرة الأمن العام، والتعايش السلمي وغيرها من العبارات العائمة، حتى أن الناس تربوا على الخوف والجبن، والرغبة في الحياة، وعدم التفكير في البذل والعطاء والتضحية، واقتنع الناس شيئاً فشيئاً بمبدأ عدم الاعتداء -زعموا-.
والأعداء لم يقصدوا من ترسيخ هذه المفاهيم إلا منع حركة الجهاد، بينما اعتداءاتهم هم في وضح النهار، ويبرر لها بألف تبرير.
ولا يمكن إيقاف هذه الألاعيب، ولن يرجع العدل إلى نصابه إلا بعودة الأمة إلى الجهاد.
أيها المسلمون: إن إقامة الجهاد ليست قضية سهلة، بل يجب أن يسبقها مراحل وخطوات وجهود، في مقدمتها: تحكيم الشريعة أولاً.
وثانيا: تربية الناس على الإسلام
وثالثا: والتهيؤ والإعداد.
فنسأل الله –تعالى- أن يُهيأ لهذه الأمة من أمرها رشدا، وأن يعجل بفرجها إنه سميع قريب مجيب.
ردد حديثاً بشجو النفس يضطرم *** يشكو لظاه عبادُ الله والحرمُ
بشر صِحابك والأيام قادمة *** أن الجهاد على الأبواب يحتدمُ
نم يا حبيبَ قرير العين مبتهجاً *** إن الضياغم للأخطار تقتحمُ
أما فهمت من التاريخ موعظة *** وفي العقيدة نهج ليس ينخرمُ
إن الشعوب وإن هيضت كرامتها *** يوماً على جحفل الأعداء تلتئمُ
هلاَّ سمعت نداءاً للجهاد على الــ *** آفاق رَدَدَ إن الله منتقمُ
الله أكبر في ساح الوغى رفعت *** راياتنا وإلى الرحمن نحتكمُ
سِرْ واثق الخطو مسروراً بيقظتنا *** هناك أُسْدٌ بحبل الله تعتصمُ
هذي الخيول استشاطت في مرابطها *** وذي الجنود بأرض الشام تلتحمُ
ها قد تنادوا لحرب الدين قاطبة *** علام يحجم جند الله ويحهمُ
جند الصليبية الرعناء يدعمهم *** مكر الشيوعية الحمراء ينحطمُ
فارفع لواءاً لحرب الكفر نعهده *** واحمل لواءاً لأهل الدين كلهمُ
فإن قُتلتَ فذاك المجد من طرف *** وإن نُصِرتَ ففضل الله والكرمُ
بارك الله لي ولكم ...
أقول ما قلت، فإن كان صواباً فمن الله وحده وإن كان غير ذلك فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ...
أما بعد:
ثم قال عليه الصلاة والسلام: "وجعل رزقي تحت ظل رمحي".
سبحان الله الرزق الذي يظن كثير من الناس أنه هنا أو هناك، أو أنه بيد فلان أو فلان، فيحسم عليه الصلاة والسلام القضية؛ بأن رزقه تحت ظل رمحه.
وهذا ليس خاصاً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو عام.
والمعنى: بأن المسلمين الحقيقيين لا يشتغلون بالدنيا عن الجهاد في سبيل الله، بل يجاهدون ويحاربون ويستعدون لهذا الأمر، والله -جل وتعالى- يرزقهم من عدوهم.
ولهذا لما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الطائفة المنصورة، قال: "ويُزيغ الله قلوب أقوام، ويرزقهم منهم".
ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري".
إن مخالفة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلة وصغار، ولهذا فإن المسلم عزيز والمخالف ذليل أياً كان هذا المخالف، وأياً كانت المخالفة، فبمقدار المخالفة تكون الذلة.
وفي هذا إشارة إلى أن المطيع عزيز، والفاسق والعاصي والمخالف ذليل.
إن أصحاب المعاصي والفسوق والفجور والمخالفات لهم من الذلة في الدنيا، ولهم من الذلة عند الموت ولهم من الذلة في القبر، ولهم من الذلة في الآخرة بقدر ما معهم، وما فيهم من المخالفة والمعصية.
ثم ختم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث العظيم، بقوله: "ومن تشبه بقوم فهو منهم".
إن المتشبه يجد في نفسه من التعظيم والتوقير لمن تشبه به، ولذلك تجد أن الغالب لا يقلد المغلوب، والكبير لا يتشبه بالصغير، والعزيز لا يمكن أن يتشبه بالذليل، والعكس هو الصحيح.
وقد فهم العلماء من هذا الحديث حرمة التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، سواءً كان شيئاً من دينهم أو ملابسهم أو أحوالهم وعاداتهم، فكل ما كان من خصائصهم، فإنه يحرم على المسلم أن يتشبه بهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إن أقل أحوال هذا الحديث يقتضي تحريم التشبه بالكفار، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِه بهم"
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الكفرة الظالمين من النصارى واليهود، ومن شايعهم وعاونهم.
اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
اللهم رد كيدهم في نحورهم، واجعل الدائرة عليهم.
وانصر اللهم المجاهدين في الشيشان وأفغانستان، وفلسطين والفلبين وكشمير، اللهم سدد رميهم، وثبت أقدامهم، وانصرهم على عدوهم، وأنزل السكينة عليهم، وافتح لهم فتحاً مبيناً من عندك، يا رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم