عناصر الخطبة
1/ حالنا مع القرآن 2/ قوم لا يقرؤون القرآن إلا في رمضان 3/ فضل تلاوة القرآن الكريم 4/ القرآن الكريم يدهش العقول ببيانه 5/ وصايا نبوية عن قراءة القرآن 6/ انشغالنا عن تلاوة وتدبر كتاب اللهاقتباس
إنَّ الإنسانَ بلا قُرآنٍ كالحياةِ بلا ماءٍ ولا هَواءٍ، والقرآنُ هو الشِّفاءُ والدَّواءُ: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاءٌ). أتعلَمُ -أيُّها المُؤمنُ- مَنْ تُخاطِبُ وأنتَ تَقرَاُ القُرآنَ؟! إنَّكَ تُخاطِبُ الرَّحمنَ بالكَلِمِ: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الكبيرِ المُتعالِ، تَسجدُ له الظِّلالُ، وتخِرُّ مِن هَيبتِه الجبالُ. نحمدهُ حمدَ الشَّاكرينَ، ونَستغفرهُ استغفارَ المُذنِبِينَ المُقصِّرينَ. نَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له المَلِكُ الحقُّ المُبينُ، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ الأمينُ, بعثَه اللهُ بينَ يدَي السَّاعَةِ شَاهِدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنِهِ وسراجًا منيرًا، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ بإحسانٍ وإيمانٍ وَسَلِّم تَسليمًا مَزيدًا.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ وصيَّةَ اللهِ لنا تقواهُ سبحانهُ في السِّرِّ والعلانِيَةِ, فهي العِزُّ يومَ الذُّلِّ، وهي النَّجاةُ يومَ الهَلاكِ، بالتَّقوى تَشْرُفُ النَّفسُ، ويَثقُلُ المِيزانُ، وَيَعلُو القَدْرُ، ويحصُلُ القُربُ من الرَّبِّ: (فَتَّقُواْ اللَّهَ ياأُوْلِى الألْبَـابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
عبادَ اللهِ: في أيِّ تاريخٍ نحنُ؟! ألَسنَا في أواخِرِ شَهرِ رَجَبٍ؟! لو حدَّثتُكم أنَّ حَديثي عن شَهْرِ رَمضانَ, لقلتم: أينَ نَحنُ وإيَّاهُ؟! لقد بقي عليه خمسَةٌ وثلاثونَ يومًا وليلةً! وهذا صحيحٌ.
ولكنِّي سائلكَ -أخي الكريمَ-: ما أبرزُ أعمالِنا بعدَ الصِّيامِ في رَمَضَانَ؟! أليسَت تلاوةَ القُرآنِ؟! بلى واللهِ. حسنًا فما حالي وحالُكَ معَ القرآنِ من رَمَضَانَ المَاضي؟! خِلالَ عَشَرَةِ أشهُرِ أَمضَينَاها إلى يومِنا هذا؟! أليس جوابُنا مُحرجًا ومُخجِلًا ومُخزِيًا؟! أظُنُّ ذلِكَ ولا أتمنَّاهُ!
كم مَرَّةٍ عَرَضْتَ القرآنَ وختَمتَهُ؟! عَشْرَ مرَّاتٍ؟! أو خمسَ مَرَّاتٍ؟! لا تقل: ولا مرَّةً واحِدَةً! أتدري: أدَعُ الجوابَ لِدِينِكَ وضَمِيرِكَ, وأشعُرُ واللهِ بالذَّنبِّ والتَّقصيرِ أنَّنا -مَعَاشِرَ الخُطباءِ- لا نَفطَنُ لِلحديثِ عن فَضَائِلِ تِلاوةِ القُرآنِ إلاَّ في رمضانَ!
أيُّها المُباركُ: عفا اللهُ عمَّا سَلَفَ, ولنترُكِ التَّلاومَ الآنَ, ولْنَحَيا بالقُرآنِ من جديدٍ, ولْنَنْطَلِقْ من الآنَ وقبلَ رَمَضَانَ, فلْنَعِشْ معَ القرآنِ, فمن لم يقرأِ القرآنَ، ولم يَعمَل بِهِ فَمَا هُو بحيٍّ، وضلَّ وما اهتدى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَـاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا).
بل إنَّ الإنسانَ بلا قُرآنٍ كالحياةِ بلا ماءٍ ولا هَواءٍ، والقرآنُ هو الشِّفاءُ والدَّواءُ: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاءٌ).
أتعلَمُ -أيُّها المُؤمنُ- مَنْ تُخاطِبُ وأنتَ تَقرَاُ القُرآنَ؟! إنَّكَ تُخاطِبُ الرَّحمنَ بالكَلِمِ: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
دَخَلَ أبو جَهلٍ على الوليدِ بنِ المُغيرةِ يُحرِّضُهُ على النَّبِيِّ وعلى ما جَاءَ بِه من القُرآنِ، فَقَالَ لهُ: قُلْ فيه قَولًا يَبْلُغُ قَومَكَ أنَّكَ كَارِهٌ لَهُ، ومُنكِرٌ لِما جاءَ بهِ من القُرآنِ! فقَالَ الوليدُ: وَمَاذَا أَقُولُ؟! فَوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَم بِالأَشْعَارِ مِنِّي، وَلاَ أَعْلَم بِرَجَزه وَلاَ بِقَصِيده مِنِّي، وَلاَ بِأَشْعَارِ الْجِنِّ منِّي، ووَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ مُحمَّدٌ شَيْئًا مِنْ هَذَا ولا ذاكَ، وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلاَوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاَوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاَهُ, مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ!!
عبادَ اللهِ: وتأمَّلوا: بعثت قُريشٌ بِجُبيرَ بنِ مُطعِمٍ قبلَ أنْ يُسلِمَ لِيُفَاوضَ النَّبِيَّ بشأنِ أَسرى غزوةِ بدرٍ الكبرى, يقولُ: فسَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ)، كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ.
هذا وهو مُشرِكٌ آنذاكَ، وفي لَحظَةِ عَدَاوةٍ! وفي هذه الحَالَةِ يَبعُدُ أنْ يَتَأَثَّرَ المَرءُ بِكلامِ خَصْمِهِ، وَلَكِنَّ سَكِينةَ القُرآنِ هزَّتهُ حتى كَادَ قَلْبُهُ أَنْ يَطِيرَ.
نَعم -يا مُؤمنون- هذا هو القُرآنُ الذي أدهشَ العقولَ، وأبكَى العُيونَ، وأخَذَ بِالألبابِ والأَفئِدَةِ، وطأطأت له رؤوسُ الكُفرِ والنِّفاقِ: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
بل تَأمَّلوا كيف انبَهَرَت تَلكَ المَخلُوقاتُ الخَفِيَّةُ بِسَكِينَةِ القُرآنِ فِي مَوضِعٍ يُقالُ لَهُ بَطْنُ نَخْلَةٍ، حينَ كان النَّبِيُّ يُصلِّي بِأصحَابِهِ الفَجْرَ، فهيأَ اللهُ له مَجموعَةً من الجنِّ يَستَمعونَ القرآنَ، فانبهروا بِسَكِينةِ القُرآنِ، وأصبحَ يوصي بَعضُهم بعضًا بالإنصاتِ! فإذا هم يَرجِعُونَ إلى قومِهم مُنذرينَ: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ).
عبادَ اللهِ: حتى الجبال الرَّواسي, والحِجَارَة الصَّمَاء, لتَخشَعُ وتتصدَّعُ وتَخِرُ حينَ يُنَزَّلُ عليها القُرآنُ! فهذه حالُ المَخلوقاتِ مَعَ كِتَابِ رَبِّها، إنسِهم وجنِّهم، مُؤمنهم وكافِرهم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).
أيها الأخُ المُباركَ: إليكَ جُملةً من الوصايا النَّبويةِ علَّها تُوقِظُ ضَمائِرناَ, وتَبعثُ هِمَّتنا نَحوَ كِتابِ ربِّنا! فعن أَبي أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ يقولُ: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ". رواه مسلم.
وعن عثمانَ بنَ عفَّانَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". رواه البخاري.
وعن عائشةَ -رضي الله عنها- قالت: قَالَ رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم-: "الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أجْرَانِ". متفقٌ عَلَيْهِ.
فاللهمَّ انفعنا وارفعنا بالقرآنِ العظيمِ الذي رفعتَ مكانَهُ, وأيَّدتَ سُلطانَهُ, وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِرِ المُسلمينَ من كُلِّ ذَنبٍّ وخَطِيئَةٍ وتَقصيرٍ، فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبةُ الثَّانيةُ:
الحمدُ للهِ المُتفضِّلِ على عبادِهِ بالخيرِ والبَشَائِر، نَحمدُهُ سبحانَهُ ونَشكُرُهُ، ونَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ يَعلمُ خائنةَ الأعيُنِ وما تُخفِي السَّرائِرُ، ونَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، من اتَّبَعَهُ فإلى الجّنَّةِ صَائِرٌ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ أولي العِلمِ والفضلِ والبَصَائِرِ.
أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ -عبادَ الله- واعمُروا العُمَرَ في تِلاوةِ كِتَابِهِ وتَدَبُّرِ آيَاتِهِ، والنَّهلِ من عِبَرهِ وعِظاتِهِ؛ إذْ فيه نَبَأُ مَنْ قَبلَنَا، وَخَبَرُ ما بَعدَنا، وَفَصْلُ ما بَينَنَا، طُوبَى لِمَن تَدبَّرَ كِتَابَ رَبِّهِ حَقَّ تَدَبُّرِهِ، وهنيئًا لِمَن تَقشَعِرُّ جُلُودُهم, وتلينُ قُلوبُهم إلى ذِكرِ ربِّهم: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
عبادَ اللهِ: أخشى ما أخافُهُ وأخشاهُ, أنْ نُشابِهَ مَنْ شَكَاهُم رسُولُ اللهِ إلى اللهِ حينَ جأرَ رَسُولُنا فقالَ: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).
فَوَا حسرَتَاهُ إنْ شابَهْنا هؤلاءِ الكُفَّارَ, وأيُّ حِرمَانٍ أَنْ يَمضيَ بِنَا الكَسَلُ حتى نهجُرَ كلامَ ربِّنا!!
الأمرُ -يا كِرامُ- يحتاجُ منَّا إلى يَقَظةٍ وإخلاصٍ وهِمَّةٍ, وَلَن تُكَلِّفَنا الكَثِيرَ، إنَّما هِي دَقَائِقُ مَعدُودَةٍ أصبحنا فيها من الزَّاهِدينَ! رَبَّاهُ مَا أَعظَمَ كَلامَكَ!! وما أَحسنَ كِتَابَكَ!! (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).
عبادَ اللهِ: الواحِدُ مِنَّا إذا سَمِعَ عن أخبارِ التَّالينَ لِكتابِ اللهِ, تَحجَّجَ وقالَ: هؤلاءِ غَيرُ مَشغولينَ, وليسَ عندَهم مسؤوليَّاتٌ ولا أعمالٌ! ولو تَفَكَّرَ المُتَعَلِّلُ في حالِهِ لأبصرَ أنَّهُ يَصرفُ أوقاتًا كثيرةً هَدَرًا! يَتَصَفَّحُ فيها يوميًا عَشَراتِ التَّعلِيقَاتِ والمُحادَثاتِ وَمَقَاطِعَ الجوَّلاتِ وَالقَنواتِ والأَخبَارَ! وَسَهَراتٍ مع الأصدقاءِ! ولَيسَ لِكتَابِ اللهِ عندَهُ حَظٌّ في يومِهِ كُلِّهِ؟! فلا هو أنجزَ عملاً ولا تَلا قُرآنًا! وهل كِتَاباتُ النَّاسِ أَعظَمُ مِن كِتَابِ اللهِ تعالى؟! وهل كَلامُ المَخلُوقِينَ ألذُّ مِن كَلامِ الخَالِقِ -جلَّ في عُلاهُ-؟! وهل رواياتُ السَّابقينَ أَعظَمُ مِن قَصَصِ القُرآنِ العظيمِ؟!
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ).
أيُّها الأخُ المُباركُ: تَغَانَم حالَ صِحَّتِكَ ورَغَدِكَ وفَرَاغِكَ، وأكثِر من تِلاوةِ كِتابِ رَبِّكَ, فواللهِ لَيسَ شَيءٌ أنفعَ لِلعبدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ وأقربَ إلى نَجَاتِه وسَعَادَتِهِ في الدَّارَينِ مِن تَلاوةِ وتدبُّرِ كِتابِ ربِّه آناءَ الَّليلِ وأَطرَافَ النَّهارِ، وواللهِ إنَّكَ لَتغبطَ أناسًا كَبُرَ سِنُّهم ورقَّ عظمُهم وضَعُفَ بَصَرُهم وهم يُجاهِدونَ كُلَّ ذلِكَ لِيتلو كتابَ ربِّهم, وإنَّكَ لَتُسَرُّ حينَ تُبصِرُ شابًّا قد تناولَ مِصحَفَهُ وأخذَ يَتلُو كِتَابَ رَبِّهِ, قبلَ وبعدَ الصِّلاةِ, ويا أيُّها المُباركُ: حينَ يُوفِّقُكَ رَبُّكَ لِتلاوةِ القرآنِ وختمِهِ فاحمدِ اللهَ على أنْ هداكَ لهذا وما كُنتَ لِتهتديَ لولا أنْ هداكَ اللهُ، ولا تَشعُر بِأَيَّة مِنَّةٍ وإِدلالٍ على اللهِ: (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
عبادَ اللهِ: مَنْ لازمَ تلاوةَ القرآنِ فإنَّهُ يُطلِعُهُ على جوامعِ الخيرِ والشَّرِ وَحَالِ أَهلِهما، ويَرى صُورةَ الدُّنيا وحقِيقَتَها, ويَرى أيَّامَ اللهِ في الذينَ خَلوا من قَبلُ وما اللهُ صانِعٌ بأمثالِهم: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).
لَعَلَّكَ -أيُّها المُسلِمُ- أنْ تَعيشَ صوَرةً جَدِيدَةً مِن التَّدبُّرِ والتَّأمُّلِ في خِضَمِّ هذهِ الأَحدَاثِ المُتسَارِعَةِ والزَّوابِعِ المُدلهِمَّة؛ لِتَقولَ: سُبحانَ اللهِ!! ما أشبَهَ الَّليلةَ بِالبَارِحَةِ!
فتُبصِرُ أنَّ التاريخَ يُعيدُ نَفسَهُ, وأنَّها سُنَّةَ واحِدَةٌ: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا).
أيُّها المُؤمنونَ: عُودوا لِكتابِ رَبِّكم، فهو يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ, نُورٌ لا تنطفِئ مَصَابِيحُهُ، ومِنهاجٌ لا يَضِلُّ نَاهِجُه، هو مَعدِنُ الإيمانِ، وَينبُوعُ العِلمِ، ورَبِيعُ القُلوبِ، والشِّفَاءُ مِن كُلِّ دَاءٍ، كِتابٌ كَريمٌ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ؛ فَما نَحنُ صَانِعونَ فيه؟!
أيكون رائِدَنا في حلِّنا وتِرحَالِنا، وغَضَبِنا ورِضَانَا، وَمنْشَطِنا وَمَكرَهِنا، أمْ ضَيفًا على الرُّفُوفِ لا يلحقُه البِرُّ إلاَّ فِي رَمَضَانَ؟! وهل يُعذرُ أحدٌ في زَمنِ التَّقنياتِ والصَّوتياتِ والمرئيَّاتِ عن تِلاوةِ القُرآنِ وسماعِهِ.
فاظفَر -أيُّها المُباركُ- ولو بِختمَتينِ قبلَ شهر رمضانَ, عن أَبي موسى الأشعري قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ: لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثلُ المُنَافِقِ الَّذِي يقرأ القرآنَ كَمَثلِ الرَّيحانَةِ: ريحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرّ". متفقٌ عَلَيْهِ.
ألا فاتقوا الله -عباد الله-، وأرُوا اللهَ من أنفسِكم قُربًا من كتابه؛ تلاوةً وتدبُّرًا, وعملًا وهدايةً: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).
فاللهم اجعلنا من السابِقينَ بالخيراتِ, اللهمَّ اجعلنا من أهلِ القرآنِ الذين هم أهلُكَ وخاصَّتُكَ, واجعلهُ رَبيعَ قُلُوبِنا، ونُورَ صُدُورِنا، وجلاءَ هُمُومِنا, وذَكِّرنَا منه ما نُسِّينا، وَعَلِّمْنا منه مَا جَهِلْنا، واجعلْه حجةً لنا لا علينا.
اللهمَّ اغفر لنا جِدَّنا وهَزْلَنا، وخَطَأَنا وعمدَنا، وكُلّ ذلِكَ عندنا, اللهمَّ ثَبِّتنا بالقولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدُّنيا ويَومَ يقومُ الأشهادُ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم