عناصر الخطبة
1/ عَرْضٌ لانتصارات رمضان 2/ أسباب تنزُّل النصر في رمضان 3/ ترقُّب تنزُّل النصر بسوريااقتباس
تلمُّسُ المنح واستبصار الفضائل سبيلٌ للظفر وحيازة المغانم، ورمضان منحة ربانية تحمل في طياتها صنوف البر والخيرات. ومن مفردات تلك المنح: تنزّل النصر فيه؛ فللنصر مع رمضان اقتران قدريٌّ وثيق الارتباط، ترتبت فيه النتائج على الأسباب بأمر الله سبحانه ..
الحمد لله ذي القوة والجبروت، والقهر والملكوت، قديرٌ فما شيء عليه يفوت، عليمُ الحال بالجهر والسكوت، والظهور والخفوت، وأشهد ألا إله إلا الله وحده الحي الذي لا يموت، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ذوي اليمن والقنوت.
أما بعد: فاتقوا الله عبادَ الله.
أيها المؤمنون: تلمُّسُ المنح واستبصار الفضائل سبيلٌ للظفر وحيازة المغانم، ورمضان منحة ربانية تحمل في طياتها صنوف البر والخيرات. ومن مفردات تلك المنح: تنزّل النصر فيه؛ فللنصر مع رمضان اقتران قدريٌّ وثيق الارتباط، ترتبت فيه النتائج على الأسباب بأمر الله -سبحانه-.
معشر الصائمين: أيام رمضان مآثر لعزِّ الأمة المعقود، وأملها المنشود؛ ففي هذا الشهر من ثاني سنيّ الهجرة النبوية فرض الله الجهاد على الأمة مع افتراض شعيرة الصيام؛ فكان رمضان موسم نصر للمسلمين على امتداد التاريخ، حين شهدت أيامه الخالدة معارك خاضها المسلمون مع الأعداء على تنوع دياناتهم، واختلاف أقطارهم، وتفاوت عَددهم وعُدَّتهم، أكرَمَ الله فيها أولياءه بالنصر المبين، فكانت تلك المواقع الرمضانية فيصلاً في تاريخ الأمة، ونقطة تحوُّل في مسيرتها واتساع رقعتها، وشامة في جبين عزها وهامة هيبتها.
ففي رمضان من السنة الثانية كان يوم الفرقان حين انتصر المسلمون على كفار قريش في غزوة بدر، وفي رمضان من السنة الثامنة كان فتح مكة.
وفي رمضان من السنة الثالثة عشرة كانت موقعة البويب مع الفرس على يد الصحابي المثنى بن حارثة -رضي الله عنه-، وفي رمضان من السنة الخامسة عشرة كانت معركة القادسية الشهيرة بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-.
وفي رمضان عام ثلاث وخمسين استعاد المسلمون جزيرة رودس على يد القائد جنادة بن أبي أمية بأمر الخليفة الصحابي معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-، وفي رمضان من عام ثلاثة وتسعين فتحت الأندلس على يد القائد طارق بن زياد.
وفي رمضان من السنة الرابعة والتسعين افتتحت بلاد الهند والسند على يد القائد الشاب محمد بن القاسم، وفي رمضان من عام ثلاثة وعشرين ومائتين كان فتح عمورية المشهور، وفي رمضان من عام أربعة وستين ومائتين فتحت مدينة سرقوسة في جزيرة صقلية الأوربية.
وفي رمضان من عام ثلاثة وثمانين وخمسمائة كان تحرير مدينة صفد من قبضة الروم على يد القائد صلاح الدين الأيوبي، وفي رمضان من عام ثمانية وخمسين وستمائة كانت هزيمة المغول في معركة عين جالوت، وفي رمضان من عام ستة وستين وستمائة كان فتح أنطاكية، وفي رمضان من عام ثلاثة وسبعين وستمائة افتتحت أرمينيا الصغرى.
وفي رمضان من عام اثنين وسبعمائة كُسرت شوكة المغول في معركة شقحب، وفي رمضان من عام واحد وتسعين وسبعمائة فتحت بلاد البوسنة والهرسك على يد القائد العثماني السلطان مراد، وفي رمضان من عام تسعة وثمانين وثمانمائة فُلّ حدُّ الروس على يد العثمانيين في واقعة القرم، [وفي رمضان عام ثلاثة وسبعين وتسعمائة وألف حطَّم الجيش المصري خط بارليف وجرع اليهود هزيمة نكراء، فكانت الهزيمة الوحيدة لهم في تاريخنا المعاصر في رمضان]...
معشر الصائمين: إن المتأمل في أسباب إنزال الله نصره لعباده يجد أنها فضل من الله أفاضه على أوليائه حين انتصروا على نفوسهم؛ فكانوا مؤهلين لتنزُّل النصر عليهم، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40].
وفي رمضان يكون الانتصار على النفوس أقوى ما يكون؛ انتصار على الرياء وملاحظة الخلق بتصفية العمل للخالق ابتداءً بتبييت نية الصوم، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "لَا صِيَام لمن لم يبيِّت الصّيام من اللَّيْل" رواه النسائي وصححه الدارقطني.
وانتصار على الشياطين بالتصفيد وتضييق مجاريهم بالصيام، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ" رواه مسلم.
وانتصار على الشهوات التي كثيراً ما يكون داعيها الفرج والبطن واللسان، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي" رواه البخاري ومسلم، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" رواه البخاري.
وانتصار على الشح والبخل والأثرة، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" رواه البخاري ومسلم.
وانتصار على سوء الخلق، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. إِنِّي صَائِمٌ" رواه البخاري ومسلم.
وانتصار بالاجتماع وعدم التفرق، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ" رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه الألباني.
وانتصار بالاعتزاز بالإسلام، وخلع ربقة التقليد المهين، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ" رواه مسلم.
ويضاف لهذه الانتصارات أنَّ رمضانَ وقتُ تنزُّلِ القرآن، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]، والقرآن من أعظم ما يجاهد به الكافرون، كما قال الله -تعالى-: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان:52].
كما أن رمضان شهر الصبر، والنصر قرينه، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "اعلم أن النصر مع الصبر" رواه أحمد وصححه الألباني.
وفي رمضان الأدعية التي لا تُرَدّ، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَة لَا ترد دعوتهم: الصَّائِم حَتَّى يفْطر، وَالْإِمَام الْعَادِل، والمظلوم" رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
فلأجل ذا غدا رمضان من أعظم مواسم نصر المؤمنين...
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: وإمعاناً في حسن الظن بالله، وامتداداً لعوائد نصره الرمضاني، فإنا نترقب مخايل تنزل النصر في سوريا بهلاك الطاغية وإبادة نظامه وزوال ملكهم في هذا الشهر الكريم على أيدي المجاهدين ودعوات ملايين الصائمين القائمين، ونرقب بعين الأمل بزوغ شمس السُّنة الحاكمة؛ ليكون نصر سوريا حلقة من سلسلة انتصارات رمضان.
فانتصارات رمضانَ أثبتَتْ أنَّ طريقَ تنزُّلِ النصرِ الإلهي الوحيد للأمة إنما يكون بانتصارها على ذاتها، حين تستقيم على صراط الله المستقيم، الذي يظل رمضان أقوى محطَّةِ تزوُّدٍ للسَّيْرِ فيه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) [البقرة:183].
اللهم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم