عناصر الخطبة
1/أهمية الاستعداد لليوم الآخر 2/أنواع علامات الساعة 3/من علامات الساعة الصغرى 4/خطر الغفلة عن اليوم الآخراقتباس
قسم العلماءُ علاماتِ الساعةِ إلى علاماتٍ صغرى وعلاماتٍ كبرى، فالكبرى هي التي تعقُبُها الساعةُ مباشرةً إذا ظهرت، وهي عشرُ علاماتٍ فقط. وأما الصغرى فتكونُ قبلها وهي كثيرةٌ وعدها بعضُ العلماءِ فوصلت أكثرَ...
الخطبة الأولى:
أما بعد: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ)[الأنبياء:1-3].
في لحظةٍ من لحظاتِ هذه الحياة! ستتوقف عجلةُ الأيام، وسينتهي هذا العالم، ولن تقلبَ صفحةُ التقويمِ لبدءِ يومٍ جديد.
ذاك حقٌ لا ريب فيه، ووعدٌ لا خُلفَ فيه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فَاطِر:5].
اليوم الآخر!
ذلك اليومُ الذي سيأتي علينا جميعا، سنعيشُ أحداثَه، ونرى أهوالَه. أنا وأنت، وهو وهي (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ)[يس: 32].
فماذا أعددنا لهذا اليوم، الذي سيكون فيه كل فرد منا إما إلى نعيم مقيم أو عذاب أليم؟!
وأعظمُ إعدادٍ لهذا اليوم هو الإيمانُ به وبما جاء فيه عن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم الاستحضارُ الدائمُ لذكرى هذا اليومِ في القلب، وقد أثنى اللهُ على عددٍ من أنبيائِه فقال عنهم: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ)[ص:46]؛ فحريٌّ بمن فعل ذلك أن يوفقَه الله لحسنِ الإعدادِ لهذا اليومِ فيكونَ فيه من الفائزين بإذن الله.
ولعلنا إن شاء الله نتحدثُ في خطبٍ متفرقةٍ عن هذا اليوم؛ لتعميقِ الإيمانِ به في النفوس، وإحياءِ ذكراهُ في القلوب (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55].
أيها المؤمنون: لهذا اليومِ علاماتٌ وأماراتٌ أخبرنا بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نتذكرَ هذا اليوم، ويكونَ حاضراً في قلوبنا. وهذه العلاماتُ والأماراتُ كثيرةٌ متعددة، وهي من الغيبِ الذي أظهره اللهُ لرسولِه -صلى الله عليه وسلم- وأخبرنا به، فمنها جزءٌ كبيرٌ قد وقع، وهذا من دلائلِ صدقِه -صلى الله عليه وسلم- وأنه لا ينطقُ عن الهوى، وجزءٌ لم يقع، فنؤمنُ أنه واقعٌ لا محالةَ كما أخبرنا بذلك الصادقُ المصدوقُ -صلى الله عليه وسلم-.
وقد قسم العلماءُ علاماتِ الساعةِ إلى علاماتٍ صغرى وعلاماتٍ كبرى، فالكبرى هي التي تعقُبُها الساعةُ مباشرةً إذا ظهرت، وهي عشرُ علاماتٍ فقط. وأما الصغرى فتكونُ قبلها وهي كثيرةٌ وعدها بعضُ العلماءِ فوصلت أكثرَ من مئةِ علامة.
ولعلنا نتحدثُ اليومَ عن بعضِ العلامات الصغرى التي وقعت والتي لم تقعْ بعد.
فمن ذلك: العلاماتُ الستةُ التي أخبر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه: قال: أتيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في غزوةِ تبوكَ، وهو في قُبَّةٍ من أُدْمٍ، فقال: "اعددْ ستًا بين يديْ الساعةِ: مَوْتِي" -وقد وقع- "ثم فَتْحُ بيتِ المقدسِ" -وقد وقع في عهدِ عمرَ بن الخطاب- "ثم موتانِ يأخذُ فيكم كقُعَاصِ الغنمِ" - أي وباءٌ يُصيبكم، يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعاصِ الغَنَمِ، و"قُعاص الغَنمِ": هو داءٌ يأخُذ الغَنَمَ، فيسيلُ مِن أُنوفِها شيءٌ، فتموت فجأةً، وقد حدَث هذا في طاعون عَمَواسَ في عهد عمر أيضا، حيثُ مات منه سَبعون ألفًا في ثلاثةِ أيَّام ثم قال: "ثم استفاضةُ المالِ حتى يُعْطَى الرجلُ مائةُ دينارٍ فيظَلُّ ساخطًا" -وقيل أن هذا حصل أيضا في عهد عمرَ بن عبدِالعزيزِ فاغتنى الناسُ وفاض المالُ، فكان الرجلُ يطوفُ بصدقتِه فلا يجدُ من يقبلُها ثم قال: "ثم فتنةٌ لا يَبْقَى بيتٌ من العربِ إلا دخلتْهُ، ثم هُدْنَةٌ تكونُ بينكم وبين بني الأصفرِ، فيَغدِرونَ فيأتونكم تحتَ ثمانينَ غايةٍ -أي راية-، تحت كلِّ غايةٍ اثنا عشرَ ألفًا" -ولعل الآخرتين لم تحدثْ بعدُ كما قال أهلُ العلم-.
فانظر كيف أخبرَ -صلى الله عليه وسلم- بهذه الأمورِ المستقبليةِ الغيبيةِ، ووقع ما وقع منها بالترتيبِ الذي ذكره -صلى الله عليه وسلم-..
ومن العلاماتِ الصغرى: خروجُ نارٍ من أرضِ الحجازِ تضيءُ لها أعناقَ الإبلِ ببصرى، وبصرى في الشام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَخْرُجَ نارٌ مِن أرْضِ الحِجازِ تُضِيءُ أعْناقَ الإبِلِ ببُصْرَى".
"وقد ظهرت هذه النَّارُ في مُنتَصَفِ القَرنِ السَّابعِ الهِجريِّ في عامِ أربعٍ وخمسينَ وسِتِّمائةٍ، وكانت نارًا عظيمةً خرَجَتْ مِنَ الحِجازِ، بِقُرْبِ المدينةِ، مِن جانبِ المدينةِ الشَّرقيِّ، وَتَوَاتَرَ العِلْمُ بها عندَ جَميعِ أهلِ الشَّامِ، وسائرِ البُلدانِ، فَسَطَعَتْ، واشْتَعَلَتْ، حتَّى أحْرَقَتْ أكْثَرَ بُنيانِ المدينةِ، وَرَآهَا كُلُّ مَن حَوْلَ المدينةِ، وَلَبِثَتْ نَحْوًا مِن خَمسين يومًا، تَتَّقِدُ، وتَرمي بالأحجارِ المُحْمَاةِ المُجْمَرَةِ مِن بَطْنِ الأرضِ".
فسبحان الله العظيم! كيف تحقق خبر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
ومن العلاماتِ: قولُ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقومُ الساعةُ حتَّى يُقبضَ العلمُ وتَظَهرَ الفتنُ ويكثُرَ الهَرْجُ" قالوا: وما الهرجُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: "القتلُ".
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفْسِي بيدِهِ ! لا تذهبُ الدُّنيا حتَّى يأتيَ على الناسِ يومٌ، لا يَدري القاتلُ فِيمَا قَتلَ، ولا المقتولُ فيمَ قُتلَ".
ولم ينتشرِ القتلُ ويتساهلُ الناسُ فيه كما في زماننا هذا، فصار يُقتلُ بالأسلحةِ الحديثةِ والقنابلِ الفتاكةِ آلافَ وعشراتِ الآلافِ من البشرِ في غمضةِ عين، وأصبحت أخبارُ القتل أخباراً يوميةً يتناقلُها الناسُ كما يتناقلون أخبارَ السوقِ والاقتصادِ والله المستعان!.
ومن العلاماتِ: أن يتبعَ فئامٌ من هذه الأمةِ سبيلَ اليهودِ والنصارى، يتشبّهون بأفعالِهم، ويسلكون طريقَهم، حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍ لدخلوه معهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَأْخُذَ أُمَّتي بأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَها، شِبْرًا بشِبْرٍ وذِراعًا بذِراعٍ، فقِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كَفارِسَ والرُّومِ؟ فقالَ: ومَنِ النَّاسُ إلَّا أُولَئِكَ".
وصرنا نسمعُ اليومَ من المسلمين من يجاهرُ ويتفاخرُ بالتشبهِ باليهودِ والنصارى، يحتفلُ بأعيادِهم، ويلبسُ لباسَهم، ويقلدُ سمتَهم. وقد قال -صلى الله عليه وسلم- محذراً هذا السبيل: "من تشبَّهَ بقومٍ فَهوَ منْهم".
ومن العلاماتِ: ازدهارُ الجزيرةِ العربيةِ بالمروجِ والأنهار، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقومُ الساعةُ حتى تَعودَ أرضُ العربِ مُروجًا وأنهارًا". وقد أثبتت دراساتُ علومِ الأرضِ والأبحاثُ الأحفوريةُ أن الجزيرةَ العربيةَ كانت أرضاً زاهرةً بالغاباتِ الكثيفةِ والأنهارِ الجارية، وهناك العديدُ من التنبؤاتِ المناخيةِ بأنها ستعودُ في المستقبلِ كما كانت، وصدقَ الصادقُ المصدوقُ -صلى الله عليه وسلم-.
ومن العلاماتِ العجيبةِ: ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "يكون في آخرِ أمتي رجالٌ يركبون على سُروجٍ كأشباه الرّحالِ، ينزلون على أبوابِ المساجدِ، نساؤهم كاسياتٌ عارياتٌ، على رؤوسهنَّ كأسْنِمَةِ البُخْتِ العجافِ، الْعنوهنَّ فإنهن ملعوناتٌ".
وقد ذكر بعضُ العلماءِ أنه قد يكونُ المقصودُ بالسروجِ التي كأشباهِ الرحالِ، هي المركوباتُ الحديثةُ كالسياراتِ والله أعلم..
وذكر في الحديثِ ظاهرةَ تبرجِ النساءِ وظهورُهن كاسياتٍ عارياتٍ، وهذا الأمرُ قد انتشرَ في زمانِنا والله المستعان، ولم يكن هذا التفسخُ والعريُّ موجودا في أزمنةٍ سابقةٍ حتى عند الكفار والمشركين، فكان الأصل في النساءِ من جميعِ الأديانِ الاحتشامُ وعدمُ التفسخِ الحاصلِ في هذه الأيام..
اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك يا أكرم الأكرمين
بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
أما بعد: إن في ذكرى الساعةِ لعبرة، فإلى متى يا عبادَ اللهِ الغفلة؟!
هذه الدنيا -يا مؤمنُ- لا تدومُ لأحد، ولا يبقى نعيمُها للأبد.
انظر إلى من حولك!
غنىً بعد فقر، وفقرٌ بعد غنى، شدةٌ بعد رخاء، ورخاءٌ بعد شدة، مرضٌ بعد صحة، وصحةٌ بعد مرض، خوفٌ بعد أمن، وأمنٌ بعد خوف. الدنيا تتقلبُ بأهلِها، ولا يزيدُ كثيرٌ من أهلِها ذلك إلا تعلقاً بها ورغبةً فيها، ونسياناً للدارِ الآخرة.
إن الخاسرَ كلَّ الخسران، هو من آثرَ الدنيا على الآخرة، فكانت هي همّه الأكبرُ وغايتُه العظمى، لها يحيا، ولها يموت، ومن أجلها يضحي بآخرتَه (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ)[القيامة:20-21].
أتلهثُ وراءَ المتاعِ الفاني، وتتركَ النعيمَ الأبديَّ الباقي؟!
حتى إذا أتاكَ الموتُ بغتةً أبصرتَ الحقيقةَ التي كنتَ غائباً عنها (لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)[ق:22].
أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا!
قال علي -رضي الله عنه-: "ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، الْيَوْمَ الْعَمَلُ وَلا حِسَابَ، وَغَدًا الْحِسَابُ وَلا عَمَل ".
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم