عناصر الخطبة
1/تعريف اليقين 2/آثار اليقين 3/من بواعث اليقيناقتباس
واليَقِيْنُ يَنْهَضُ بِصَاحِبِهِ إلى الإِقْدَامِ والعَمَل، ونَبْذِ التَّسْويفِ والكَسَل. وَتَأَمَّلْ حَالَ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي أَخَذَ تَمْرَاتِهِ، وَقَعَدَ يَأْكُلُهَا عَلَى حَاجَةٍ وَجُوْعٍ، فَلَمَّا قَامَ سُوْقُ الشَّهَادَةِ، وسَمِعَ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
عِبَادَ الله: إِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرُّوْحِ مِنَ الجَسَدِ، وَبِهِ تَفَاضَلَ العَارِفُون، وَفِيهِ تَنَافَسَ الْمُتَنَافِسُون، وَإِلَيْهِ شَمَّرَ الْعَامِلُون، وَهُوَ رُوْحُ الأَعمَالِ القَلبِيَّة، وَحَقِيقَةُ الصِّدِّيقِيَّةِ؛ إِنَّهُ اليَقِين!
واليَقِينُ: هُوَ الإِيمَانُ الرَّاسِخ، الَّذِي لَا يَشُوْبُهُ شَكٌّ وَلَا شُبْهَة؛ فَالمُسْلِمُ المُوْقِن؛ يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ إلى خَبَرِ اللهِ وَرَسُوْلِه، بِحَيْثُ يَصِيرُ الخْبَرُ لِقَلْبِه كَالْمَرْئِيِّ لِعَيْنِه وهذا مَقَامُ الإِحسَان، وَهُوَ: "أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ"(رواه البخاري ومسلم) قال بَعضُ السَّلَفُ: "رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقِيقَةً!. قِيلَ: وَكَيْف؟. قال: رَأَيْتُهُمَا بِعَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَرُؤْيَتِي لَهُمَا بِعَيْنَيْهِ: آثَرُ عِنْدِي مِنْ رُؤْيَتِي لَهُمَا بِعَيْنِي!".
وَبِالْيَقِينِ تُدْفَعُ الشُّبُهَاتُ، وبِالصَّبْرِ تُتْرَكُ الشَّهَوَاتُ، وإِذَا تَزَوَّجَ الصَّبرُ بِاليَقِين وُلِدَتِ الإِمَامَةُ فِي الدِّينِ (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون)[السجدة:24].
وأَهْلُ الْيَقِينِ هُمُ المُنْتَفِعُونَ بِالآيَاتِ والبَرَاهِين، قال تعالى -وَهُوَ أَصْدَقُ القَائِلِين-: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)[الذاريات:20].
وَخُصَّ أَهْلُ الْيَقِينِ بِالهُدَى والفَلاحِ مِنْ بَيْنِ العَالَمِين! قال تعالى: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[البقرة:4-5].
وَمَتَى بَاشَرَ اليَقِينُ القَلْبَ امْتَلأَ حَيَاةً وَنُوْرًا وَبَهْجَةً، وانْتَفَى عَنْهُ كُلَّ هَمٍّ وحَسْرَة، وصَارَ البَلَاءُ عِنْدَهُ نِعْمَةً! قال ابْنُ مَسْعُود: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضَا، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ".
والقُرْآنُ شِفَاءٌ لِلْقَلْبِ، وَيَصِلُ بِهِ إلى أَعْلَى دَرَجَاتِ اليَقِين! (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)[يونس:57].
والتَّفَكُّرُ في مَلَكُوْتِ الله يَبْعَثُ اليَقِين، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأَرْض وَلِيَكُونَ مِنَ المُوْقِنِيْنَ)[الأنعام: 75].
والتَّشْكِيكُ في نُصُوصِ اليَقِين، والطَّعْنُ في ثَوَابِتِ الدِّيْن؛ ضَلَالٌ مُبِيْن، قال تعالى عَنْ أَهْلِ النَّار: (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِين)[الجاثية:32].
وَحِيْنَ يَرَوْنَ العَذَابَ يَقُوْلُونَ: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)[السجدة:12]؛ أَيْ: صَارَ عِنْدَنَا يَقِينٌ بِمَا كُنَّا نَشُكُّ بِه.
إِنَّهُ مَشْهَدُ الاِعْتِرَاف، وَإِعْلَانُ اليَقِينِ، وَلَكِنْ بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَان!
واليَقِيْنُ يَنْهَضُ بِصَاحِبِهِ إلى الإِقْدَامِ والعَمَل، ونَبْذِ التَّسْويفِ والكَسَل. وَتَأَمَّلْ حَالَ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي أَخَذَ تَمْرَاتِهِ، وَقَعَدَ يَأْكُلُهَا عَلَى حَاجَةٍ وَجُوْعٍ، فَلَمَّا قَامَ سُوْقُ الشَّهَادَةِ، وسَمِعَ قَوْلَهُ -صلى الله عليه وسلم-: "قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ!" قال –حِيْنَئِذٍ-: "لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ؛ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ"؛ فَرَمَى بِتِلْكَ التَّمَرَات، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (رواه مسلم).
واليَقِينُ عِنْدَ المَصَائِبِ هُوَ العِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهَا، والثِّقَةُ في تَقْدِيْرِه، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن:11]. قال عَلْقَمَة: "هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ؛ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّه؛ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ!".
وَمَنْ لا يَقِيْنَ ولا صَبْرَ عِنْدَه خَفِيْفٌ طَائِش، تَنْطَلِي عَلَيْهِ الشُّبُهَاتِ، وتَلْعَبُ بِهِ الشَّهَوات، والمُوْقِنُ الصَّابِر رَزِينٌ عَاقِل، لا يَلْتَفِتُ إِلى مُحَاوَلَاتِ التَّشْكِيْك، وزَعْزَعَةِ اليَقِين، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)[الروم:60].
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
عِبَادَ الله: إِذَا ظَهَرَ اليَقِينُ على الجَوَارِح أَثْمَرَ الأَدَب؛ لأَنَّ مَنْ أَيْقَنَ أَنَّ اللهَ يَرَاهُ ويَسْمَعُهُ؛ تَأَدَّبَ، قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر:19].
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَومًا فَلا تَقُلْ *** خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَليَّ رَقِيْبُ
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم