عناصر الخطبة
1/ فضل الوقف وأهميته 2/ الاجتهاد بالوقف والتصرف فيه منوط بالمصلحة 3/ أفضل الوقف 4/ مجال الوقف الواسعاقتباس
والوقف عقد لازم يمنع التصرف في الوقف بالبيع والهبة والميراث وغير ذلك فبمجرد التلفظ بقول وقفت ونحوها تخرج العين الموقوفة من مالك الموقف وتنتقل إلى ملك الله ظاهراً فيخرج عن اختصاص الآدميين التصرف بها بخلاف منفعتها. فالوقف لا يباع فالأصل فيه التحبيس وعدم البيع إذا لم يكن هناك حاجة لكن يجوز إبدال الوقف بالبيع في حالين ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ
عباد الله: من الأعمال الصالحة التي ينتفع بها المؤمن والمؤمنة في حياته وبعد مماته الوقف على جهات البر لاسيما الجهات التي تمس الحاجة لها ولا يجوز صرف الزكاة إليها فالوقف من الصدقة الجارية فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
والوقف عقد لازم يمنع التصرف في الوقف بالبيع والهبة والميراث وغير ذلك فبمجرد التلفظ بقول وقفت ونحوها تخرج العين الموقوفة من مالك الموقف وتنتقل إلى ملك الله ظاهراً فيخرج عن اختصاص الآدميين التصرف بها بخلاف منفعتها. فالوقف لا يباع فالأصل فيه التحبيس وعدم البيع إذا لم يكن هناك حاجة لكن يجوز إبدال الوقف بالبيع في حالين:
الأولى الحاجة: إذا تعطلت مصالحه كالمسجد إذا ارتحل من حوله أو الأرض إذا لم يمكن زراعتها فيباع الوقف ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه فإذا لم يحصل بالوقف المقصود قام بدله مقامه.
الثانية المصلحة الراجحة: فإذا كان ينتفع بالوقف لكن بإبداله يكون النفع أكثر كالمسجد يباع ويبنى بدله مسجد آخر أصلح لأهل الحي منه وكالعقار ينقل لمكان أكثر غلة من مكانه فيجوز ذلك على أرجح القولين وهو رواية عن الإمام أحمد وقال به شيخ الإسلام وغيره وبعض الحنابلة وبعض الأحناف وهو اختيار الشيخ وتلميذه الشيخ محمد العثيمين، فعن عبدالله بن عمر قال: "إنَّ المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر رضي الله عنه شيئاً وزاد فيه عمر رضي الله عنه وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً ثم غيره عثمان رضي الله عنه فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالسَّاج" رواه البخاري.
ولا فرق بين إبدال البناء ببناء وبين إبدال الأرض بأرض إذا اقتضت المصلحة ذلك، ولما يروى أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أبدل مسجد الكوفة بمسجد آخر فصارت أرضه سوقاً بعد أن كانت مسجداً" رواه الإمام أحمد -في مسائل ابنه صالح انظر : مجموع الفتاوى (31/215)- ورواته ثقات إلا أنَّ فيه انقطاعاً. وإذا تعذر تحصيل الغرض من الوقف بالكلية استوفي منه ما أمكن وتترك مراعاة المحل الخاص عند تعذره لأنَّ مراعاته مع تعذره تفضي إلى فوات الانتفاع بالوقف بالكلية.
إخواني: قد يكون لأحدنا عقار أو غيره فيريد أن يوقفه لكن يريد أن ينتفع به في حياته فالراجح أنه إذا وقف على نفسه ثم على غيره صح الوقف والشرط. فالواقف ليس مملكاً لنفسه بل مخرج للملك عن نفسه ومانع لها من التصرف في رقبته مع انتفاعه بالعين كأم الولد ينتفع بها سيدها حياته وليس له بيعها ثم إذا مات عتقت. قال ابن قدامة في المغني (6/193): "لو وقف شيئاً على المسلمين فيدخل في جملتهم مثل أن يقف مسجداً فله أن يصلي فيه أو مقبرة فله الدفن فيها أو بئراً للمسلمين فله أن يستقي منها أو سقاية أو شيئاً يعم المسلمين فيكون كأحدهم لا نعلم في هذا كله خلافاً" أ هـ .
فإذا جاز للواقف أن يكون موقوفاً عليه في الجهة العامة جاز مثله في الجهة الخاصة لاتفاقهما في المعنى بل الجواز هنا أولى من حيث أنَّه موقوف عليه بالتعيين وهناك دخل في الوقف بالعموم. و هذا القول رواية عن الإمام أحمد و قال به جمع من أهل العلم ابن حزم وبعض الحنفية وبعض الشافعية والشيخ محمد العثيمين.
فللواقف اشتراط أن ينفق على نفسه منه مدة حياته أو مدة معلومة وكذلك إذا شرط أن يأكل أهله منه
ومما يستحب وقفه على الراجح من قولي أهل العلم الأوراق النقدية للقرض فتقرض المحتاجين من الأقارب أو الأباعد ممن يريد الزواج أو غير ذلك أو يضارب بها والربح يصرف على شرط الواقف من أبواب الخير فرد مثلها قائم مقام بقاء عينها لأنَّ المراد قيمتها لا عينها وكونها قد تتلف لا يمنع الوقف فالحيوان والدار والسلاح عرضة للتلف ولا يمنع ذلك وقفها فالموقوف عليه ينتفع في قرضها بعين الوقف وفي المضاربة بربحه وقال بهذا القول بعض أهل العلم من السلف والخلف وبعض الحنابلة وبعض المالكية وبعض الأحناف ولم يستبعد جوازه شيخ الإسلام.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: أفضل الوقف أنفعه للمسلمين كالوقف على الجهة التي نفعها متعدٍ كوقف كتب العلم الشرعي والمدارس الشرعية والوقف على العلماء وطلاب العلم ومن يقوم بوظيفة دينية. وعلى الجهاد في سبيل الله حينما يكون المسلمون في حال مدافعة الكفار أو مالا غنى لهم عنه كالمقابر والمساجد وعلى المحتاجين كالفقراء والمرضى.
وتشتد الحاجة في هذا الوقت على الوقف على الجهات الخيرية التي لا يجوز صرف الزكاة لها كالمكاتب التعاونية للدعوة وجمعيات تحفيظ القرآن ومنها الدور النسائية فالحاجة إليها ماسة ومما يحز في النفس حينما تتقلص أنشطة بعض هذه الدور المباركة بسبب قلة الإمكانات المادية أو تغلق.
إخواني: الدعم المقطوع يتوقف ويقل بخلاف الموارد الثابتة فهي دائمة بإذن الله فهذه الدور وغيرها من الجهات الدعوية بحاجة إلى تخصيص أوقاف ووصايا لها تستثمر وما يدر منها يصرف في حوائجها فلا تنسوا هذه المشاريع وخصوها بشيء فهذا الضمان بإذن الله لاستمرارها والانتفاع بها.
إخواني: لننظر إلى واقع كثر من الوصايا فهي إما عقار معطل لا ينتفع به أو كان سبباً في عدواة أولاد الموصي و تقاطعهم فكل واحد منهم يتهم الآخر بأنه استأثر به دون غيره، أقول هذا وإني ليحدوني الأمل أن يقوم الوقف بدور رائد في الدعوة إلى الله وتعليم كتابه وسنة نبيه فلنوقف في حياتنا ونقم بالإشراف عليه وإدارته في حياتنا فالواقف أعلم بوقفه من غيره وأنصح له.
إخواني: لنعد نظرنا في نظرتنا للوقف فالوقف عند البعض منا مقصور على وقف مسجد أو برادة مياه. والأمر على خلاف ذلك في عهد النبي فقد كانت أوقاف الصحابة في حياتهم في أبواب الخير المتعددة العامة والخاصة للقريب والبعيد فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "أصاب عمر رضي الله عنه أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله: إنَّي أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أَنْفَسُ عندي منه فما تأمرني به قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها قال فتصدق بها عمر رضي الله عنه أنَّه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب قال فتصدق عمر رضي الله عنه في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متمول فيه" رواه البخاري ومسلم، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " أما خالد فإنَّكم تظلمون خالداً قد احتبس أدْرَاعَه وأعْتُدَه في سبيل الله "رواه البخاري ومسلم. في الختام مما يذكر به أن الوقف غير الوصية ويأتي الكلام عليها إن شاء الله. وبينهما فروق منها الوقف في الحياة والوصية بعد الممات.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم