الوصية ببيوت الله عامة والمسجد الأقصى خاصة

الشيخ د محمد أحمد حسين

2024-05-03 - 1445/10/24 2024-05-12 - 1445/11/04
عناصر الخطبة
1/استنكار الاعتداءات على بيوت الله تعالى 2/تواصُل الاعتداءات الظالمة على المسجد الأقصى المبارك 3/وجوب النصرة والمؤازرة لإخواننا في غزة 4/الوصية بالرباط بالمسجد الأقصى وحمايته

اقتباس

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنها أمانة العقيدة، وأمانة الحبيب الأعظم -صلى الله عليه وسلم-، وأمانة الأجيال من عهد الصحابة الكرام، إلى عهدنا هذا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأن المسجد الأقصى وسائر بيوت الله أمانة في أعناقنا، وأعناق المسلمين جميعًا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، حرم الظلم على نفسه، وجعله بين العباد محرما، فقال في الحديث القدسي: "يا عبادي، حَرَّمْتُ ‌الظُّلْمَ ‌عَلَى ‌نَفْسِي، وَحَرَّمْتُهُ عَلَى عِبَادِي، فَلَا تَظَالَمُوا"، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا، محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبع سنتهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والقائمين الساجدين الراكعين، في المسجد الأقصى المبارَك، وفي أرجاء فلسطين.

 

وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: يقول الله -تعالى- في محكم كتابه العزيز، وهو أصدق القائلينَ: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى في خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ في الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ في الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 114].

 

يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: العمل على تسريب المساجد ظلمٌ، ولا أحد أظلم ممن يهدم المساجد، ويخرب المساجد، ويمنع عباد الله القائمين الراكعين الذاكرين، من أن يعمروا مساجد الله -تعالى-؛ (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الْجِنِّ: 18]، ومن الظلم قتل النساء والأطفال والأبرياء، من أبناء شعبنا الفلسطيني، هناك في غزة، وهنا في الضفة، وفي القدس الشريف، ومن الظلم أن تهدم المساجد، هناك في غزة، ويمنع عباد الله من إعمارها والصلاة فيها، ومن الظلم أن يحرم أبناء شعبنا من الدواء والغذاء والكساء، ومن الظلم أن أيها المسلمون أن يظلم الإنسان أخاه الإنسان، مهما كان اعتقاد هذا الإنسان؛ فالله -تعالى- خلق العباد جميعًا وأمدهم جميعا؛ (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ)[الْإِسْرَاءِ: 20]، فمن الظلم أن يُحرَم نوع من البشر، أو شعب من الشعوب، أن تصل إليه وسائل الغذاء والدواء والصحة، ومن الظلم كذلك أن تهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها، ولا ذنب لهم إلا أنهم من أبناء هذا الشعب، هذا الشعب الصابر المرابط، في كل أرض فلسطين الحبيبة.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ولعل المسجد الأقصى المبارَك أُولى القِبلتين، وثاني المسجدين، وثالث المساجد التي لا تُشَدّ الرحالُ إلَّا إليها، يُعانِي ظلمًا كبيرًا، وحَيفًا عظيمًا، من أعداء الله، من أعداء المساجد الذين لا يقيمون حرمة لبيوت الله، ولا يعرفون قانونًا يحافظ على هذه البيوت، بل يتخطَّون كلَّ القوانين، وكلَّ الأنظمة، من شرائع سماوية، وقوانين وأنظمة دوليَّة وأعراف إنسانية؛ ليعتدوا على المساجد جملة، وعلى المسجد الأقصى على وجه الخصوص.

 

لقد عانى المسجد الأقصى وما زال يعاني، استباحة المتطرفين، والمتغطرسين، والمستعمرين، وجمعيات الاحتلال، ما زال يعاني استباحة هؤلاء جميعًا، يشجعهم في ذلك المستوى الرسميّ في حكومة الاحتلال البغيض.

 

أيها المسلمون: في الأسابيع الماضية، لا بل منذ بداية هذا العام، والأعوام السابقة كان المسجد الأقصى محط اعتداء المعتدين، ومحل ظلم الظالمين، الذين لا يقيمون للعقائد وزنًا، ولا يقيمون للأديان اعتبارًا، أَعْمَتْهُم عنصريتُهم، وأعماهم حقدُهم، وأعماهم أن يروا أبناء المسلمين يغدون إلى هذا المسجد ويروحون، يعمرونه في جميع الأحوال والأوقات، فلم يرق هذا العمل وهذا الإصرار من أبناء شعبنا الصابر المرابط، لم يرق هذا لأعداء الله، والجمعيَّات اليهودية على اختلاف مسمياتها، إلا أن يصروا على العدوان والاعتداء، على حرمة وقدسية هذا المسجد المبارَك، ظنًّا منهم أن تكرار العدوان والاعتداء وأن ترددهم على المسجد الأقصى، واعتداءاتهم المتكررة عليه قد تجعل قَبولًا عند أبناء شعبنا الصابر المرابط، بمثل هذه الترددات، أو هذه الاعتداءات، أو هذه الاقتحامات، خاب ظنهم، وطاش سهمهم، وارتد كيدهم إلى نحرهم، فلن يفرط أبناء شعبنا الصابر المرابط، لا بل بالمسجد الأقصى المبارَك، ولا بأية ذرة تراب من ترابه الطهور، لا بل ويتمسكون ويزدادون عزما وإصرارا، على التمسك بعقيدتهم، ودينهم، وعبادتهم وإسلامهم، ألم يجعل الله -سبحانه وتعالى- هذا المسجد المبارَك جزءًا من عقيدة كل مسلم في هذا العالم؟! من خلال معجزة الإسراء والمعراج، بنبينا -صلى الله عليه وسلم-، ألم يسلم كل رسل الله وأنبياء الله أمانة هذا المسجد لرسولكم الأعظم، ونبيكم الأكرم يوم كان إمامًا للأنبياء جميعًا، في رحاب المسجد الأقصى المبارك؟! إنها بَيعة الأنبياء، وأمانة الله -تعالى- في عنق المسلمين جميعا؛ لأنَّنا نقتدي بحبينا الأعظم -صلى الله عليه وسلم-، فلا نبيع ولا نقيل ولا نستقيل، من حمل هذه الأمانة، من المحافظة على المسجد الأقصى المبارَك، مسجدًا إسلاميًّا للمسلمين وحدهم، لا يشاركهم فيه أحد.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنها أمانة العقيدة، وأمانة الحبيب الأعظم -صلى الله عليه وسلم-، وأمانة الأجيال من عهد الصحابة الكرام، إلى عهدنا هذا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأن المسجد الأقصى وسائر بيوت الله أمانة في أعناقنا، وأعناق المسلمين جميعًا، فوطنوا أنفسكم يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، وطنوا أنفسكم كما كنتم، وكنتم دائمًا السدنة المخلصين، والحراس الأمناء الأوفياء، للمسجد الأقصى، وللقدس، ولمقدساتها، ولفلسطين، أرض الوقف التي هي وقف على المسلمين جميعًا.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: قد يغر هذه الجماعات اليهودية المتطرفة، وقد يُغريها الوضع القائم في هذه الأيام، من حروب وعدوان، على أبناء شعبنا في أرضنا الفلسطينية، وقد يغريهم تخاذل المسلمين، أو تلكؤ العرب والأعراب عن نخوتهم، وأمانتهم، تجاه المسجد الأقصى المبارَك، لكنهم ما دروا ولم يقفوا على معنى بشارة نبيِّكم -عليه الصلاة والسلام-، إليكم وإلى المسلمين في جميع أنحاء المعمورة، أن المسجد الأقصى أمانة في أعناق الجميع، لم يَدُرْ بخلدهم أن المسجد الأقصى الذي أفشل عماره، وأفشل رواده، وأفشل أهله، وأفشل شعبه، كل المحاولات السابقة، واللاحقة، أفشلوها على صخرة صمودهم، وثباتهم، وصخرة عزتهم، وعقيدتهم، وإسلامهم وإيمانهم، فأخذوا بقول الله -تعالى-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)[التَّوْبَةِ: 18]، وأخذوا على عاتقهم أن يكونوا الدرع الواقي والحصن الحصين، لدفع كل استهداف للمسجد الأقصى المبارَك، فقد فشل حريق عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين، وفشل عدوان الجندي اليهودي الإسرائيلي، على قبة الصخرة المشرفة عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين، وفشلت محاولات من يزعمون أنهم أمناء الهيكل المزعوم، في عام ألف وتسعمائة وتسعين، يوم زعموا أنهم سيضعون حجرًا للهيكل المزعوم في رحاب المسجد الأقصى المبارَك، وفشلوا يوم النفق، وفشلوا يوم اقتحم بعض قياداتهم المسجد الأقصى في عام ألفين، وفشلوا يوم أرادوا أن يضعوا بوابات على المسجد الأقصى، تَحُول دونَ وصول المسلمين إليه، وفشلوا يوم عمرتم وافتتحتم وصليتم في مصلى باب الرحمة، وفي كل جزء وفي كل شبر من أرض المسجد الأقصى المبارَك، التي باركها الله من فوق سبع سماوات في كتابه العزيز: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، جاء في الحديث الشريف: "عينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" أو كما قال، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبيَّ بعدَه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدِينهم ودُنياهم؛ حتى يفوزوا بنِعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أدَّى الأمانةَ وبلَّغ الرسالةَ ونصَح للأمة، وترَكَنا على بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

 

وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، أيها المرابطون في هذه الأرض المبارَكة المقدَّسة: هذه الأرض التي اصطفاها الله -سبحانه وتعالى- من أرضه، فجاء في الحديث الشريف: "إن الله تكفل لي بالشام وأهله"، وجاء أيضًا: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، وفي حديث أبي أمامة: "قلنا: أين هم يا رسول الله؟ قال: هم في بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ".

 

نعم، إنها ذرية المرابطين، ذرية الصامدين الصابرين، ذرية المحتسبين، ذرية من أسند الله إليهم -سبحانه وتعالى- وكرمهم وشرفهم بأن يكونوا المرابطين في هذه الديار، وأن يكونوا حراس مسجدها ومقدساتها، وأن يكونوا أبناء الشعب الذي عجم الله عوده، فرماهم بأعدائه؛ لأنهم على ذلك أهل.

 

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: مزيدًا من الثبات والرباط، والالتفاف حول القدس ومقدساتها، والمسجد الأقصى المبارَك الذي هو أمانة في أعناقنا جميعًا، وفي عنق كل مسلم في هذا العالم، فعلينا أن ننهض بهذه الأمانة، حتى نلقى الله -سبحانه وتعالى- وهو راضٍ عَنَّا، ونحشر تحت لواء الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، الذي أَمَّ الأنبياءَ في رحاب هذا المسجد، نُحشَر تحتَ لوائه الشريف، هناك في ظل الله، يوم لا ظل إلا ظله، ونفوز بعونه -تعالى- بأن نكون المرابطين الذين أخبر عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خيرُ جهادِكم الرباطُ"، وقال عليه الصلاة والسلام: "رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من الدنيا وما فيها، وموضعُ سوطِ أحدِكم من الجنةِ خيرٌ من الدنيا وما فيها، والغدوةُ أو الروحةُ يَرُوحُها العبدُ خيرٌ من الدنيا وما فيها".

 

اللهمَّ رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهُمَّ واغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، اللهُمَّ يسر الفرج لأسرانا البواسل، اللهُمَّ اجمعهم بنا في أرضنا أعزة يا ربَّ العالمينَ، ونسألك الرحمة لكل شهدائنا وشهداء المسلمين، الذين سنقيم عن أرواحهم صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة مباشرة، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

الوصية ببيوت الله عامة والمسجد الأقصى خاصة.doc

الوصية ببيوت الله عامة والمسجد الأقصى خاصة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات