عناصر الخطبة
1/هنيئا لم تم حجه وقُبل سعيه 2/الوصية بالإحسان بعد أداء فريضة الحج 3/علامات الحج المبرور 4/اختصار الخطبة وتخفيف الصلاة مراعاة للزحام وشفقة بالمصليناقتباس
إنَّ مَنْ لبَّى في الحجِّ للرحمنِ فَلْيُلَبِّ بالطاعاتِ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ؛ ومَنِ امتنعَ في حَجِّهِ عنْ محظوراتِ الإحرامِ، فَليَعْلَمْ أنَّ هناكَ محظوراتٍ على الدوامِ، فَليَحْذَرْ مِنْ خُطُواتِ الشيطانِ، ولا يَقْتَرِبْ مِنْ حِمَى الرَّحمنِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي سهَّلَ بفضلِهِ سُبلَ الخيرِ ويسَّرَ، وبلَّغَ عبادَهُ سبيلَ بيتِهِ المُطهرِ، فقضَى الحاجُّ تفثَهُ ووفَّى مَا نَذرَ، وأمَّلَ مِنْ ربِّهِ مغفرةَ مَا سَلفَ وسطَّرَ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الَّذِي خَلَقَ وشَرَعَ ودبَّرَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وبارَكَ عليه، وعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ خيرِ البشرِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ المَحشرِ.
أمَّا بعدُ: فأُوصيكُم -أيُّها الناسُ ونفسي- بتقوَى اللهِ؛ فإنَّ تقواهُ أفضلُ زادٍ، وأحسنُ عاقبةٍ ليومِ المَعادِ، فاتَّقوا اللهَ في كلّ حينٍ، وتذكَّرُوا قولَ الحقِّ في كتابِهِ المبينِ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[الْمَائِدَةِ: 27].
معاشرَ المسلمينَ: لقدِ انقضَى موسمٌ مِنْ أشرفِ مواسمِ أهلِ الإسلامِ، وانتَهَتْ أيامُ الحجِّ وشعائرِهِ العظامِ، وعاشَ الحُجَّاجُ معَهَا أفضلَ الأيامِ، فوقفُوا في المشاعرِ بخضوعٍ واستسلامٍ، ورفعُوا الأكفَّ سائلينَ ربَّ الأنامِ، وتَطَهَّروا مِنَ الذنوبِ والآثامِ، فَهَنِيئًا لهُمْ علَى التمامِ، وهَنِيئًا لهُمْ مَا آتاهُمُ اللهُ مِنَ الفضلِ والإنعامِ؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يُونُسَ: 58]، فلتشكُرُوا للهِ نعمَهُ وإمدادَهُ، فالشكرُ لهُ مُؤذِنٌ بالزيادةِ، وبذلكَ تحقِّقُونَ مقصَدًا مِنْ مقاصدِ الحجِّ والعبادةِ، قالَ عالم الغيب والشهادة: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[إِبْرَاهِيمَ: 7].
حُجَّاجَ بيتِ اللهِ الحرامِ: ها أنتم قد استفتحتُم حياتَكم بصفحةٍ بيضاءَ، ورجعتُم بعدَ حَجِّكُم بثيابِ الطُّهرِ والنَّقاءِ، فأَرُوا اللهَ مِنْ أنفسِكُم خَيرًا، وَاعزِمُوا على المُحافَظةِ على الطاعاتِ مَا بَقِيتُم، والبُعدِ عنِ المعاصِي مَا حَيِيتُم؛ وحافِظُوا على مَا اكتسبْتُم وَجنيْتُم، وإيَّاكُم مِنْ هَدْمِ مَا شَيَّدْتُم وبَنيْتُم؛ (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)[النَّحْلِ: 92].
وإنَّ أمارةَ الحجِّ المبرورِ ومنارةَ قَبولِهِ، إيقاعُ الحسنةِ بعدَ الحسنةِ، والمداومةُ على ذلكَ، قالَ الله -تعالَى-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)[الشَّرْحِ: 7]، وهكذَا حالُ المؤمنِ؛ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ عبادةٍ أعقبَها بعبادةٍ أخرَى، فللهِ دَرُّ أقوَامٍ أعيادُهُم قَبُولُ الأعمالِ، ومُرَادُهُم أشرفُ الآمالِ، وأحوالُهُم تَجْرِي على كَمَالٍ؛ فالمؤمن ليس له منتهى من العمل، إلا بحلول الأجل؛ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْرِ: 99].
أيها المؤمنون: إنَّ مَنْ لبَّى في الحجِّ للرحمنِ فَلْيُلَبِّ بالطاعاتِ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ؛ ومَنِ امتنعَ في حَجِّهِ عنْ محظوراتِ الإحرامِ، فَليَعْلَمْ أنَّ هناكَ محظوراتٍ على الدوامِ، فَليَحْذَرْ مِنْ خُطُواتِ الشيطانِ، ولا يَقْتَرِبْ مِنْ حِمَى الرَّحمنِ، قالَ -عليه الصلاة والسلام-: "أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى؛ أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ"(متَّفَقٌ عليه).
عبادَ الله: بَارَكَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ والسُّنَّةِ، ونفعَنِي وإياكُم بِمَا فيهِما مِنَ الآياتِ والحكمةِ، أَقُولُ مَا سمعتُم، وأستَغفِرُ اللَهَ لي ولكُمْ ولسائرِ المسلمينَ منْ كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستَغْفِرُوهُ، إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي يُجزلُ العطاءَ لعبادِهِ المتقينَ، المُتفضِّلِ عليهِم بالنَّعْمَاءِ في كلِّ حينٍ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ إمامُ المتقينَ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.
أما بعدُ، ضيوفَ الرحمنِ: إنَّ مِنْ توفيقِ اللهِ -تعالَى- أَنْ يعودَ الحاجُّ بعدَ الحجِّ بالتوحيدِ الخالصِ، وَقَدْ صَلَحَ قَلبُهُ، وازدادَ إيمانُهُ، واستقامَ حالُهُ، وحَسُنَ خُلُقُهُ، وقَوِيَ يقينُهُ، وزادَ وَرَعُهُ، سُئِل الحسنُ البصريُّ -رحمَهُ اللهُ-: "ما الحجُّ المبرورُ؟ فقالَ: أنْ تعودَ زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرةِ".
فيَا مَنْ تقلَّبتُم في أنواعِ العبادةِ، الزَموا طريقَ الاستقامةِ؛ فلستُمْ بدارِ إقامةٍ.
حُجَّاجَ بيتِ اللهِ، أيها المصلونَ: ألَا وإنَّ ما يجري بالمسجد الحرام في هذه الأيام من اختصار للخطبة، وتخفيف للصلاة يأتي مراعاة للزحام، وحرارة الأجواء، وتيسيرًا على المصلين، جزى اللهُ ولاةَ أَمرِنَا في هذهِ الدولةِ المباركةِ على جهودِهِم العظيمةِ المعهودةِ، وأعمالِهِم الجليلةِ المشهودةِ؛ والتي أَثْمَرَتْ -بتوفيقِ اللهِ- نجاحًا عظيمًا لموسمِ الحجِّ في هذا العامِ وفي كلِّ عامٍ، فجزاهُم اللهُ عنَّا وعنكُم وعنِ الإسلامِ والمسلمينَ مِنَ الخير أعظمَهُ، ومِنَ الأجر أجزَلَهُ، وجَعَلَ الله ذلكَ في ميزانِ حسناتِهِم.
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
فاللهمَّ صلِّ وسلِّم وبَارِكْ على الرسولِ الأمينِ، وعلى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ، وعلى أزواجِهِ أمهاتِ المؤمنينَ، وارضَ اللهمَّ عنِ الخلفاءِ الأربعةِ الراشدينَ، وعنِ الصحابةِ أجمعينَ، والتابعينَ، ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وعنَّا معَهُم بعفوِكَ وجُودِكَ وإحسانِكَ يا أكرمَ الأكرمينَ.
اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وانصرْ عِبادَكَ الموحدينَ، واحمِ حَوزةَ الدِّينِ، واجعلْ هذا البلدَ آمنًا مطمئنًّا رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ، يا ربَّ العالمين.
اللهمَّ تقبَّلْ مِنَ الحُجَّاجِ حجَّهُم وسعيَهُم، واجعلْ حجَّهُم مبرورًا، وسعيَهُم مشكورًا، وذنبَهُم مغفورًا.
اللهمَّ اجْعَلْ سفرَهُم سعيدًا، وعودَهُم إلى بلادِهِم حميدًا، واجْعَلْ دَربَهُم دربَ السلامةِ والأمانِ.
اللهمَّ وفِّقْ إمامَنَا ووليَّ أمرِنَا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ، ووليَّ عهدِهِ الأمين لكلِّ مَا تُحِبُّ وترضَى، وأَجْزِلْ لهم الأجرَ والمثُوبةَ على كلِّ مَا يبذلونَهُ للحرمينِ الشريفينِ، واجزِ جميعَ العاملينَ في خدمةِ ضيوفِ الرحمنِ خيرَ الجزاءِ، وَاجْزِ رجالَ أمنِنَا وجنودَنا على ثغورِنَا خير الجزاء.
اللهمَّ فرِّجْ همَّ المهمومِينَ، ونفِّسْ كَربَ المكرُوبِينَ، واقضِ الدَّينَ عنِ المَدِينِينَ، واشفِ مَرضانَا ومرضَى المسلمِينَ، وارحمِ اللهمَّ موتانَا وموتَى المسلمِينَ، وانصرِ المُستضعَفِينَ مِنَ المسلمِينَ في كلِّ مكانٍ، وفي فلسطينَ، اللهمَّ انصرهم في فلسطين، واجعلْ لهُم مِنْ كلِّ هَمٍّ فرجًا، ومِنْ كلِّ ضيقٍ مَخرجًا، ومنْ كلِّ بلاءٍ عافيةً.
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم