عناصر الخطبة
1/تأملات في اسم الله الوتر.اقتباس
تَتَجَلَّى مَحَبَّتُهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِلْوَتْرِ (وَهُوَ التَّوْحِيدُ) فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ؛ فَالصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَةُ خَمْسٌ، وَصَلَاةُ اللَّيْلِ خِتَامُهَا وَتْرٌ، وَيُغْتَسَلُ وَتْرًا، وَأَعْدَادُ الطَّهَارَةِ وَتْرٌ، وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ وَتْرٌ، وَالِاسْتِغْفَارُ أَدْبَارَ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "إِذَا اسْتَغْنَى النَّاسُ بِالدُّنْيَا؛ فَاسْتَغْنِ أَنْتَ بِاللَّهِ، وَإِذَا فَرِحُوا بِالدُّنْيَا؛ فَافْرَحْ أَنْتَ بِاللَّهِ، وَإِذَا أَنِسُوا بِأَحْبَابِهِمْ؛ فَاجْعَلْ أُنْسَكَ بِاللَّهِ، وَإِذَا تَعَرَّفُوا إِلَى مُلُوكِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِمْ لِيَنَالُوا بِهِمُ الْعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ؛ فَتَعَرَّفْ أَنْتَ إِلَى اللَّهِ، وَتَوَدَّدْ إِلَيْهِ تَنَلْ بِذَلِكَ غَايَةَ الْعِزِّ وَالرِّفْعَةِ".
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: "طُوبَى لِمَنْ صَحَّتْ لَهُ خُطْوَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُرِيدُ بِهَا إِلَّا اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-".
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا *** مَنَازِلُنَا الْأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ
وَحَيَّ عَلَى رَوْضَاتِهَا وَخِيَامِهَا *** وَحَيَّ عَلَى عَيْشٍ بِهَا لَيْسَ يُسْأَمُ
جَاءَ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا؛ مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ، يُحِبُّ الْوَتْرَ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَهَذَا لَفْظُهُ)، فَرَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- الْفَرْدُ؛ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ، بَلْ هُوَ الْإِلَهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ؛ الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.
وَرَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- الْمُتَفَرِّدُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ.
وَهُوَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْفَرْدُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَفِي صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، لَا مَثِيلَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ لَهُ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا عَدِيلَ لِكَمَالِهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشُّورَى: 11]، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 4]، (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مَرْيَمَ: 65]، (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 22].
وَمَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ ذَلَّ لَهُ وَخَضَعَ لَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَأَحَبَّهُ وَرَجَاهُ وَوَحَّدَهُ، وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَأَنَابَ إِلَيْهِ، وَأَخْلَصَ عِبَادَتَهُ لَهُ، وَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَخْلُقْنَا إِلَّا لِذَلِكَ؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56]، وَهِيَ إِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ.
وَكُلُّ مَا دُونَهُ شَفْعٌ؛ فَهُوَ مِنَ الْخَلِيقَةِ، وَهِيَ لَا تَسْتَقِرُّ وَلَا تَعْتَدِلُ إِلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ؛ (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الذَّارِيَاتِ: 49].
وَلِأَنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؛ (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا)[الزُّخْرُفِ: 32].
وَرُبَّمَا وَصَلَ بِهِمُ الْحَالُ أَنْ يَتَّكِلُوا عَلَى الْمَخْلُوقِينَ وَيَنْسَوُا الْخَالِقَ، ثُمَّ يَحْصُلُ أَنْ يَبْلُغَ بِهِمُ الْحُبُّ مَبْلَغًا كَحُبِّ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ؛ فَتَنْصَرِفَ الْقُلُوبُ مِنَ الْخَالِقِ إِلَى الْمَخْلُوقِ؛ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)[الْبَقَرَةِ: 165].
وَالْقُلُوبُ مَفْطُورَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا، وَمِنْ هُنَا يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ.
وَهُنَا حَذَّرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْخَلْقَ أَنْ يَقَعُوا فِي الشِّرْكِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ؛ كَمَنِ اتَّخَذَ الْمَحْبُوبَ رَبًّا أَوْ شَفِيعًا، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 22]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ)[الزُّمَرِ: 43].
وَمِنْ قَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 1] تَنْطَلِقُ قَاعِدَةُ: "الْإِيمَانُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا"، وَيُذَكِّرُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ: "وَهُوَ وَتْرٌ، يُحِبُّ الْوَتْرَ"؛ أَيْ أَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا نِدَّ لَهُ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ مُوَحِّدِينَ ذَاكِرِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: تَتَجَلَّى مَحَبَّتُهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِلْوَتْرِ (وَهُوَ التَّوْحِيدُ) فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ؛ فَالصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَةُ خَمْسٌ، وَصَلَاةُ اللَّيْلِ خِتَامُهَا وَتْرٌ، وَيُغْتَسَلُ وَتْرًا، وَأَعْدَادُ الطَّهَارَةِ وَتْرٌ، وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ وَتْرٌ، وَالِاسْتِغْفَارُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَتْرٌ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَذْكَارِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَاعِي الْوَتْرَ فِي سَائِرِ شُؤُونِهِ؛ فَجَاءَ عَنْهُ الِاصْطِبَاحُ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ، وَشُرْبُ الْمَاءِ فِي أَنْفَاسٍ ثَلَاثَةٍ.
وَمِنْ حُبِّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِلْوَتْرِ: أَنَّهُ خَصَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى بِأَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
إِلَيْكَ وَجَّهْتُ يَا مَوْلَايَ آمَالِي *** فَاسْمَعْ دُعَائِي وَارْحَمْ ضَعْفَ أَحْوَالِي
فَلَا تَكِلْنِي إِلَى مَنْ لَيْسَ يَكْلَؤُنِي *** وَكُنْ كَفِيلِي فَأَنْتَ الْكَافِلُ الْكَافِي
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْوَتْرِ: أَنْ تُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ، وَتُجِيرَنَا مِنَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم