عناصر الخطبة
1/ مراعاة خصائص مرحلة المراهقة 2/ دور الوالدين والمعلمين في توجيه الشباب 3/ واجبات رجال الأمن والحسبة تجاه الشباب 4/ دور المجتمع تجاه الشباب 5/ نصائح وتوجيهات للشباباقتباس
عباد الله: إنَّ قضيَّتنا هذه مسؤوليَّة الجميع، فعلى الأب أنْ يربي أولاده، ويُنشئهم على معالي الأمور، وعلى المدرسة ومُعلِّميها وإدارتها أن تستكمل العمليَّة التربوية بالمحافظة على ما تعلَّمه الشابُّ من الخير، وتزويده بما يَنفعه، وعلى الدُّعاة والناصحين الحِرْص على...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أمَّا بعدُ:
فاتقوا الله ربَّكم -أيها المؤمنون-، وأطيعوا الله والرسول لعلكم تُرحمون.
عباد الله: عَرَّجْنا في الجمعة الماضية على قضيَّة مهمَّة تتعلَّق بالشباب الذين هم زاد الأُمة وذُخرها، وبهم تَنهض الأُمة أو تكبو -بإذن الله تعالى-.
وقد مضَت سُنَّة الله في خَلقه أن تُبتلى هذه الفئة من الناس بتغيُّرات نفسيَّة وعضويَّة بحُكم انتقال الشاب من مرحلة الطفولة واللَّهو إلى مرحلة الرجولة وسنِّ التكليف الشرعي، وإنَّ واجب المجتمع أن يتفهَّم هذه التغيُّرات، ويتعامل معها تعامُل الحاذق الحكيم الذي يُقَدِّر لهذه المرحلة العُمريَّة خُطورتها وأهميَّتها في تركيب مستقبل الفتى -بإذن الله تعالى- إذ إنَّ الخطأ في التعامل والتربية رُبما ولَّد آثارًا لا تُمحى مع مرور الزمن، وتَدَع بَصماتها على الشاب، ولئن كان للوالدين والبيت دورٌ كبير وأثرٌ فاعل في تربية الشاب، وعلاج قضاياه ومشاكله، فإنَّ للمعلِّمين والمربِّين دورًا آخرَ لا يقلُّ عنه أهميَّةً، فالشاب يتلقَّى من معلِّمه القِيَم السامية، ويتأثَّر بسلوك معلِّمه، ومتى أحسن المعلِّم تعامُلَه مع الشاب، وعرَف كيف يُخاطبه، واستَطاع كَسْب الطالب واحتواءَه، أثمرَ سلوكًا حسنًا، وأثرًا لا يُنكر.
فيا معشر المعلِّمين والمربِّين، ويا مسؤولي المدارس، ويا أيها القائمون عليها: إنَّ لكم دورًا لا يُنكر، وأثرًا لا يَخفى في استصلاح أبنائنا من الشباب والمراهقين، فلا بدَّ من معرفة واقعهم، وما يعانونه من تغيُّرات عضويَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة.
يا معشر المعلِّمين: ضَعوا نُصب أعينكم حاجةَ الشاب إلى اليد الحانية والقلب المُشفق، الذي يأخذ بيده إلى برِّ الأمان، ويُلقِّنه ما يُفيده من القِيَم والمُثُل التي تُحيي قلبه، وتُشعره بانتمائه لدِينه، وتَجعله يعتزُّ بكونه مسلمًا، ولا بدَّ أن يُحسن المعلم الدخول إلى عالم الشاب، وأنْ يبحث عن الأساليب المناسبة في علاج مشاكله، وأنْ يستغلَّ الفرص في ذلك بما يهمُّ الشاب، ويُثير عوامل الخير فيه، والداعية والمربي الحصيف هو ذلك الذي يتحسَّس ما يُعانيه الشباب والمراهقون، ثم يبذل جُهده في طرْح الحلول والعلاجات المناسبة، بعيدًا عن التهويل والتصريح المُزعج، كما لا يكون تلميحًا لا يُفهَم ما وراءه، وما أجمل استعمال أسلوب النُّصح المباشر في وقته المناسب، وبالطريقة المناسبة البنَّاءة.
ويَحسُن أن يتولَّى هذا النوع من مشاكل الطلاب الأساتذة القديرون الثِّقات، الذين يؤتَمنون على أسرار الناس، ويُجيدون حلَّ المشاكل، وغنيٌّ عن القول أنْ تُنَبَّه إدارة المدرسة ومعلِّموها لما قد يَحدث من الطلاب أو بينهم من القضايا غير الأخلاقيَّة قيامًا بالواجب، والتخلِّي عنه أو التساهُل في العلاج، يعود بالضرر على الطلاب وعلى عمليَّة التربية بكاملها، كما لا يخفى الأثر البالغ الذي تترُكه زيارات الدُّعاة والناصحين إلى المدارس، ولُقيا الطلاب والحديث معهم فيما يهمُّهم، وفي ذلك خطواتٌ جيِّدة تَشهدها بعض مدارسنا، والحاجة قائمةٌ للمزيد منها.
أمَّا رجال الأمن على اختلاف جهاتهم، فلهم دورٌ آخر نحو مشاكل الشباب والمراهقين، يتمثَّل في الآتي:
1- أن يتولَّى التحقيق في قضايا الأعراض والأخلاق المحقِّقون الأُمناء الثِّقات، الذين يحملون همَّ استصلاح المجتمع، ويُجيدون التعامل مع هذه القضايا.
2- المحافظة على أسرار ما قد يحدث من القضايا، أو يُضبَط من المحظورات.
3- التنبُّه للتجمُّعات المُريبة، والتواصُل الجاد مع المختصين من رجال الحِسبة في متابعتها، ورَصْد أنشطتها التي قد يكون ضحاياها أبناء المسلمين.
4- ضرورة الحد من العبث بالسيارات، واستعراض المراهقين بها، والحَزْم في هذه المخالفات، وتطبيق العقوبات على الجميع، دون محاباة أو تَغاضٍ عن البعض من المخالفين.
5- استشعار رجل الأمن أنَّه مسؤول عمَّا يراه، أو يُبلغ عنه، وأنْ تخلِّيَه عن واجبه يُعتبر خيانة للأمانة، وظُلمًا للنفس والمجتمع، وقد يكون ضحيَّة هذا التهاون أقربَ الناس إليه.
6- أن يعلم رجل الأمن أنَّ خطورة القضايا غير الأخلاقيَّة، لا تقلُّ أهميَّة عن الحوادث الجنائيَّة إن لم تكن أهمَّ منها، وأحيانًا تكون القضايا غير الأخلاقيَّة سببَ الحوادث الجنائيَّة أو امتدادًا لها.
ولرجال الحِسبة دور فاعل أيضًا في منْع ما يخلُّ بالدين والخُلق؛ فهم رجال الأمن الخُلقي، ولهم دور مهم في حِفظ عورات المسلمين، وكَبْحِ جِماح ذَوِي الشهوات، وللبلديَّة إسهامها في علاج مشكلتنا هذه، بالمسارعة في إزالة المباني المهجورة القديمة، التي ربما كانت أوكارًا لبعض ضُعفاء النُّفوس.
عباد الله: إنَّ قضيَّتنا هذه مسؤوليَّة الجميع، فعلى الأب أنْ يربي أولاده، ويُنشئهم على معالي الأمور، وعلى المدرسة ومُعلِّميها وإدارتها أن تستكمل العمليَّة التربوية بالمحافظة على ما تعلَّمه الشابُّ من الخير، وتزويده بما يَنفعه، وعلى الدُّعاة والناصحين الحِرْص على تقويم الاعوِجاج بالحِكمة والموعظة الحسَنة، والصبر على الأذى وتحمُّل ما قد يظهر من سوء تعامُل، وعلى المسؤول المكلَّف القيام بمهامه وأداء وظيفته في تعديل الخطأ، ومَنْع وقوع الجريمة بحُكم ما لديه من ولاية وسلطة فُوِّضَتْ إليه من وُلاة الأمور، وقد قال عثمان -رضي الله عنه-: "إنَّ الله ليَزع بالسُّلطان ما لا يَزع بالقرآن" أي: إنَّ لذَوِي السلطة من الأثر في مَنْع التعدِّي على الحُرمات والرَّدع لِمَن يتجاوزها، ما قد يفوق أثر القرآن الكريم، فالناس مختلفو الأهواء والمشارب، ولكلٍّ حاجات وشهوات؛ منهم مَن يصدُّه الخوف من الله عن الوقوع في المحظور، وتَمنعه قوارع الكتاب والسُّنة عن مقارفة الحرام، ومنهم مَن لا يصده إلاَّ سطوة حاكم وقوَّة مسؤول، ولو تُرِك الناس لشهواتهم دون حسيبٍ أو رقيب لرتَع الكثيرون؛ ولذا جاء الشرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضَّح القرآن أثر ذلك في صلاح الأُمم والمجتمعات، وأنه لا غنى لأي مجتمع عن القيام بهذه الشعيرة العظيمة: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
وبيَّن الله -سبحانه- أن خيريَّة هذه الأُمة مَنوطة بالقيام بهذه الشعيرة، فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110].
ومتى ما قام الجميع بواجبه، وتمكَّن التعاون على البر والتقوى في نفوس الجميع، واستشعَر كلُّ واحد دورَه المنوط به بإتقانٍ، فإنَّ العاقبة حميدة -بإذن الله تعالى-.
اللهم احْفَظ لنا دينَنا وأمْنَنا، اللهمَّ احفظ شبابنا وارزقْهم الصَّلاح والثبات، واجْعَلهم قُرَّة عينٍ لوالديهم ومجتمعهم.
الخطبة الثانية:
أمَّا بعدُ:
فلئن خاطَبنا الجميع وطلبنا القيام بالواجب، فإنَّ هناك همسة أهمسُ بها في أُذن كلِّ شاب؛ علَّها أن توافق أذنًا صاغية وقلبًا مُقبلاً:
أخي الشاب: تذكَّر أنَّ الله -تعالى- قد خلَقنا لعبادته، ولَم يَخلقنا لنرتَع في الشهوات والمعاصي: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 115].
تذكَّر أنَّ الاستقامة على الطاعة، وترْك المعاصي، يُوصلانك إلى الجنَّة التي فيها من النعيم والأُنس ما لَم يخطر على قلب بشرٍ، نعيم لا انقطاعَ له، وسعادة لا مُنغِّصَ لها: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[الزخرف: 71].
تذكَّر -أيها الشاب- أنَّك أملُ والديك، وبك يفخران ويعتزَّان، ولك يبذلان من الوقت والجهد والمال الكثير، لتشبَّ صالحًا نافعًا لِمَن حولك، فلا تُخيِّب ظنَّهما.
تذكَّر أنَّك أملُ الدُّعاة والمربين الذين يحتسبون الأجْر في إرشادك وتعليمك وتوجيهك.
تذكَّر أنَّ لك إخوانًا قد ضَرَبوا مُثُلاً عُليا في الاستقامة والصلاح؛ قد حَفِظوا من كتاب الله -تعالى- الكثير، وقرَّت أعينهم ببِرِّ والديهم، ارتفَعت هِمَمهم عن سَفاسف الأمور، وطَمَحت إلى مَعاليها، برَزوا في دِراستهم، وفاقوا أقْرانهم، عُرِفوا بالخُلق الجميل، فأحبَّهم الناس وأَلِفوهم، إن حضروا مَحفلاً أُشير إليهم، وإن غابوا فُقِدوا، وهم بحمد الله كثيرٌ، فلا تَقعد بك هِمَّتك عن اللحاق برَكْبهم، فاستعنْ بالله وتوكَّل عليه، واعْلَم أنَّ للشاب الذي نشأ في طاعة الله جزاءً عظيمًا؛ ففي الصحيحين: "سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظله: إمام عادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله -عزَّ وجلَّ-...".
نسأل الله -تعالى- أنْ يَجعلك أيها الشاب عبدًا لله صالحًا، ولأُمَّتك نافعًا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم