عناصر الخطبة
1/ النهي عن أكل أموال الناس بالباطل 2/ حرمة مال المسلم 3/ بيان انتشار داء الرشوة 4/ الرشوة سحت 5/ الرشوة توجب اللعنة 6/ صور من الرشوة 7/ حكم هدايا الموظفين والعمال 8/ آثار أكل المال الحراماقتباس
فأموال المسلمين حرام لا يجوز استحلالها إلا بحقها أو بطيب من أنفسهم، وقد حرم الإسلام أموال المسلمين، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" ..
يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188]، ففي هذه الآية الكريمة ينهى الله -سبحانه وتعالى- عن أكل أموال الناس بالباطل، وذلك بالطرق غير الشرعية، فإن الواجب على المسلم أن لا يأكل المال إلا بالطرق المشروعة، ويأمره أن لا يستحل أموال الناس بالإثم والحرام؛ قال علي بن طلحة عن ابن عباس: "هذا في الرجل يكون عليه ماله وليس عليه فيه بينة، فيجمد المال ويخاصم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل الحرام". وكذا روي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا: "لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم"، قال قتادة: اعلم -يا ابن آدم- أن قضاء القاضي لا يحل لك حرامًا ولا يحق لك باطلاً، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا".
فأموال المسلمين حرام لا يجوز استحلالها إلا بحقها أو بطيب من أنفسهم، وقد حرم الإسلام أموال المسلمين، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".
وإن من وسائل أكل أموال الناس بالباطل: الرشوة التي انتشرت في هذا الزمان، وفي بلادنا على وجه الخصوص حتى صارت ديدن كثير من المسلمين، يأخذونها ولا يخافون من أكل الحرام، ولا يتحرجون من أكل الأموال بالإثم، فقل أن تجد موظفًا أو قاضيًا أو عاملاً إلا وهو يمد يديه لأخذ الرشوة من دون حياء من الله، ولا خجل من الناس، فاعلموا -يا عباد الله- أن هذا المال الذي يؤخذ بطريق الرشوة حرام وسحت، وآخِذُه متعاطٍ مالاً حرامًا، وقد وصف الله تعالى اليهود بأنهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) [المائدة:42]، وقد حكى ابن رسلان في شرح السنن عن الحسن وسعيد بن جبير أنهما فسرا قوله تعالى: (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) بالرشوة، وحكي عن مسروق عن ابن مسعود أنه لما سئل عن السحت أهو الرشوة؟! قال: لا، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون، ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمة فيهدي لك، فإن أهدى لك فلا تقبل.
وقال أبو وائل شقيق بن سلمة -أحد أئمة التابعين-: "القاضي اذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر".
أيها المسلمون: إن الإسلام قد نهى عن الرشوة لأنها سحت ومال حرام، وهي من أكبر الكبائر والذنوب، وصاحبها معرض للوعيد؛ فقد لعن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المرتشين؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم"، وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "الراشي والمرتشي والرائش"، يعني الذي يمشي بينهما، والراشي هو دافع الرشوة، والمرتشي هو آخذها وقابضها، والرائش الوسيط بين الراشي والمرتشي، فهؤلاء جميعًا ملعونون من الله وعلى لسان رسوله –صلى الله عليه وسلم- (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) [النساء:52].
فيا عباد الله: اعلموا أن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله -عز وجل-، والملعون لا يفلح أبدًا إلا إن تاب من ذنبه وتاب الله عليه، وما استحق الراشي والمرتشي والرائش اللعن إلا لعظم الذنب والجرم الذي اقترفه، فالحذر الحذر من التساهل في الرشوة وتعاطيها وقبضها وأخذها. وتوبوا إلى الله جميعًا -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون.
الخطبة الثانية:
إن مما يدل على مسمى الرشوة وإطلاقها ما يدفعه الناس إلى القضاة والحكام، وكذلك ما يأخذه العمال على أخذ الصدقات، وما يأخذه الموظفون والعمال وأرباب المهن من الناس في الوظائف الحكومية العامة التي يتقاضون منها أجورًا شهرية، فما يأخذونه من الناس نظير ما يقدمونه من الأعمال التي هي من صميم ما أوكل إليهم مما يتقاضون به أجرًا هو أيضًا من الرشوة، وهو حرام بالإجماع، فيا عباد الله: إنه قد عم في هذه الأيام بين المسلمين قبض الرشوة ودفعها، وتهاون المسلمون في ذلك نتيجة الفساد الإداري المالي الذي يضرب بأطنابه في جذور المجتمع، فقلّ أن تجد من يتحرز عن هذه الأموال التي يأكلها أكثر الناس سحتًا يكسبونه حرامًا، فالمال الحرام لا يأتي بخير أبدًا، وصاحبه لا يبارك الله له في أهله وماله، وعاقبة المال الحرام وخيمة.
واعلموا أن الهدايا التي تقدم لعمال الصدقة والموظفين حرام، وهي من الرشوة، ودليله عن أبي حميد عبد الرحمن بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: استعمل النبي –صلى الله عليه وسلم- رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي. فقام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا، والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر"، ثم رفع يديه حتى رؤي عفرة إبطيه فقال: اللهم هل بلغت" ثلاثًا. والرغاء هو صوت الإبل، والخوار هو صوت البقر.
أيها المسلمون: إن المصائب التي تتوالى علينا بين حين وآخر، وتفاقم المشكلات، وتعاظم المنكرات، وانعدام الأمن، وشيوع الفساد، وتتابع المحن والابتلاءات، كلها بسبب ذنوبنا ومعاصينا، ونحن نضج ونشكو وندعو الله ولا يستجاب لنا، إذ كيف يستجاب للإنسان وهو يأكل المال الحرام، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة:172] الآية، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك"، أي كيف يستجاب لمن هذه حاله؟!
إن المال الحرام كما أنه سبب من أسباب شقاء الإنسان فهو من أسباب حجب إجابة الدعاء، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فإن آكل أموال الناس بالباطل معرض للوعيد؛ فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما المفلس؟!"، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار"، فيا من يأكلون الرشوة ويستحبونها: احذروا من أكل أموال الناس بالباطل، واعلموا أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وردوا المظالم إلى أهلها، وتوبوا إلى الله قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم