عناصر الخطبة
1/ امتنان الله علينا باللباس 2/ اللباس الحسي واللباس المعنوي 3/ أحكام شرعية في اللباس 4/ المعيار الشرعي ظهور معاني الرجولة وكمال المروءةاقتباس
إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما حذرنا من هذه الأشياء؛ الإسبال في اللباس والتشبه بالنساء ولبس الحرير والتحلي بالذهب، إنما نهانا عن هذه الأشياء لنتخلق بكل معاني الرجولة ونتصف بكامل المروءة؛ إذ العادة أنه لا يبالغ في الزينة والعناية بجسمه وثوبه ومركوبه وفراشه وأثاثه إلى درجة الإفراط إلا مترف لين. والرجل خشن بطبعه وكل ما تلين خفت رجولته ونقصت ذكورته. وعجز عن الكفاح والكد وما خلق له في معترك الحياة ..
الحمد لله الذي امتن على عباده بلباس يواري سوءاتهم. ويجمّل هيئاتهم. وحث على لباس التقوى وأخبر أنه خير اللباس. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له ملك السموات والأرض. وإليه المصير يوم العرض.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ما ترك خيراً إلا دل أمته عليه، ولا شراً إلا حذرها منه. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته وسلم تسليماً كثيراً...
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى، قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) يمتن تعالى على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش. واللباس المراد به ستر العورات وهي السوءات. والريش ما يتجمل به ظاهراً؛ فاللباس من الضروريات، والريش من التكميليات. روى الإمام أحمد قال: لبس أبو أمامة ثوباً جديداً، فلما بلغ ترقوته قال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي. ثم قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من استجد ثوباً فلبسه فقال حين يبلغ ترقوته: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي، ثم عمد إلى الثوب الخَلَق فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنف الله حياً وميتاً ".
ولما امتن -سبحانه- باللباس الحسي الذي يتخذ لستر العورة وتدفئة الجسم وتجميل الهيئة - نبه على لباس أحسن منه وأكثر فائدة وهو لباس التقوى الذي هو التحلي بالفضائل. والتخلي عن الرذائل. ولباس التقوى هو الغاية وهو المقصود. ولباس الثياب معونة عليه، ومن فقد لباس التقوى لم ينفعه لباس الثياب.
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عرياناً وإن كان كاسياً
ولباس التقوى يستمر مع العبد لا يبلى ولا يبيد. وهو جمال القلب والروح. ولباس الثياب إنما يستر العورة الظاهرة في وقت من الأوقات ثم يبلى ويبيد. وقوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي المذكور لكم من اللباس مما تتذكرون به نعمة الله عليكم فتشكرونه.
وتتذكرون بحاجتكم إلى اللباس الظاهر حاجتكم إلى اللباس الباطن، وتعرفون من فوائد اللباس الظاهر حاجتكم إلى اللباس الباطن، وتعرفون من فوائد اللباس الظاهر ما هو أعظم منها من فوائد اللباس الباطن الذي هو لباس التقوى.
عباد الله: إن اللباس من نعم الله على عباده التي يجب شكرها والثناء عليه بها. وإن اللباس له أحكام شرعية تجب معرفتها والتقي دبها؛ فالرجال لهم لباس يختص بهم في نوعه وكيفيته، وللنساء لباس يختص بهن في نوعه وكيفيته، ولا يجوز لأحد الجنسين أن يشارك الآخر في لباسه، فقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، وقال -صلى الله عليه وسلم-: " لعن الله المرأة تلبس لبسة الرجل والرجل يلبس لبسة المرأة ". رواه أحمد وأبو داود.
ويحرم على الرجال إسبال الإزار والثوب والبشت والسراويل. وهو من الكبائر. والإسبال هو نزول الملبوس عن الكعبين. قال تعالى: (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ". رواه البخاري وغيره، وعن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جر شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً ". متفق عليه. ولأحمد والبخاري: " ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار" وقال عليه الصلاة والسلام: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ".
عباد الله: مع هذا الوعيد العظيم الوارد في حق المسبل نرى بعض المسلمين لا يهتم بهذا الأمر فيترك ثوبه أو بشته أو سراويله تنزل عن الكعبين، وربما تلامس الأرض، وهذا منكر ظاهر ومحرم شنيع وكبيرة من كبائر الذنوب. فيجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله ويرفع ثيابه على الصفة المشروعة. قال عليه الصلاة والسلام: " إزرة المؤمن إلى نصف ساقيه ولا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين. ما كان أسفل من الكعبين فهو فيا النار ".
وبجانبه أولئك المسبلين فريق من المستهترين الذين يرفعون لباسهم فوق الركبتين فتبدوا أفخاذهم أو بعضها كما يفعله بعض الفرق الرياضية في الملاعب ويفعله بعض العمال. والفخذان من العورة التي يجب سترها ويحرم كشفها. عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " رواه أبو داود وابن ماجة.
عباد الله: ومما يحرم على الرجال لبسه الحرير، ففي الصحيحين: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " وهذا وعيد شديد يدل على شدة تحريم لبس الحرير في حق الرجال، وأن من لبسه مهم في الدنيا حرم لبسه في الآخرة حينما يلبسه أهل الجنة، قال تعالى: (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق لهم في الآخرة " متفق عليه.
ويحرم على الرجال لبس الذهب أو شيء فيه ذهب؛ سواء كان خاتماً أو حزاماً أو سلسلة أو في النظارتين أو الساعة؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى ختماً من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه وقال: " يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ". فيقال للرجل بعد ما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد صار بعض المسلمين يتساهل في هذا الأمر الخطير فيلبس خاتم الذهب ولا يبالي أنه بفعله هذا قد عصى الله ورسوله وحمل في يده جمرة من النار طيلة لبسه لهذا الخاتم. نعم لا يبالي بذلك ما دام أنه أتبع نفسه هواها وقلد من لا خلاق لهم من أوباش الناس وطغامهم، وبعض الشباب يتحلون بسلاسل الذهب تقليداً للنساء وإغراقاً في الميوعة، ومتجاهلين ما في ذلك من فقد الرجولة وتعريض أنفسهم للوعيد الشديد بالعذاب الأليم لمن فعل ذلك.
عباد الله: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما حذرنا من هذه الأشياء؛ الإسبال في اللباس والتشبه بالنساء ولبس الحرير والتحلي بالذهب، إنما نهانا عن هذه الأشياء لنتخلق بكل معاني الرجولة ونتصف بكامل المروءة؛ إذ العادة أنه لا يبالغ في الزينة والعناية بجسمه وثوبه ومركوبه وفراشه وأثاثه إلى درجة الإفراط إلا مترف لين. والرجل خشن بطبعه وكل ما تلين خفت رجولته ونقصت ذكورته. وعجز عن الكفاح والكد وما خلق له في معترك الحياة.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبس البرد الغليظ الحاشية، ويفترش الحصير، ويتوسد الجلد حشوه الليف، ويركب البعير والفرس والحمار والبغلة مرة بسرج ومرة بلا سرج، ويردف خلفه وبين يديه، ويمشي المسافة الطويلة على رجليه، ويأكل ما تيسر من الطعام، ويأتدم بما تيسر من الإدام؛ وقد قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم