النعم والمطر: حكم وأحكام

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-12-27 - 1446/06/25 2025-01-02 - 1446/07/02
عناصر الخطبة
1/النعم كلها من الله تعالى 2/كيفية شكر نعم الله سبحانه 3/النهي عن نسبة الأمطار لغير الله تعالى 4/في نزول الأمطار عبرة وآية 5/أحكام مشروعة عند نزول الأمطار.

اقتباس

إنَّ نِعَم الله -عَزَّ وَجَلَّ- لَا بُدَّ أن يعتقد المؤمن أنَّ المنعِم بها في قلبه، هو الله وحده، وأن يعلنها بلسانه حمدًا وشكرًا للمنعِم -سُبْحَانَهُ-، وأن يُوظِّفها ثالثًا في طاعة ربه عليه، وهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تفضَّل علينا بهذه الخيرات في أمطارٍ أصابت أنحاء من بلادنا، فضلاً منه -سُبْحَانَهُ- ونعمة، فالمنعم بهذا المطر والمنعم بهذا الغيث هو الله المنزِّل له وحده...

الخطبةُ الأولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فلن تجد له وليًا مرشدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بعثه الله جَلَّ وَعَلَا بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إِلَى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فصلوات الله وتسليمه عليه، وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه من المرسلين وسار عَلَى نهجهم واقتفى أثرهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم الدين، وسلم تسليمًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإنَّ أجسادنا عَلَى النَّار لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون: إنَّ نِعَم الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما زالت علينا تترى، وما زالت إلينا تتوالى؛ لينظر -سُبْحَانَهُ- منَّا أنشكره ونحمده عليها وحده دون ما شريك، أو نُشرك في شكره معه غيره.

 

إنَّ نِعَم الله -عَزَّ وَجَلَّ- لَا بُدَّ أن يعتقد المؤمن أنَّ المنعِم بها في قلبه، هو الله وحده، وأن يعلنها بلسانه حمدًا وشكرًا للمنعِم -سُبْحَانَهُ-، وأن يُوظِّفها ثالثًا في طاعة ربه عليه، وهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تفضَّل علينا بهذه الخيرات في أمطارٍ أصابت أنحاء من بلادنا، فضلاً منه -سُبْحَانَهُ- ونعمة، فالمنعم بهذا المطر والمنعم بهذا الغيث هو الله المنزِّل له وحده؛ (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28].

 

ولا يجوز أن يُنسَب هذَا المطر إِلَى غير الله؛ لا إنزالاً، ولا إضافةً إِلَى غيره، فإنَّ هذا من اعتقادات الجاهلية، ومن أعمالهم وخصالهم الَّتِي لا تزال باقيةً في هذِه الأُمَّة.

 

روى الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي مالك الأشعري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أربع من أمور الجاهلية في أمتي لا يتركونهن"، وفي رواية: "لا يدعونهن: الفخر بالأحساب، والطعن بالأنساب، والاستسقاء بالأنواء"؛ أي: نسبة إنزال المطر إِلَى النُّجُوم والكواكب وحركات القمر ومنازله، "والاستسقاء بالأنواء، والنياحة عَلَى الموتى".

 

قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "والنائحة إذا لم تتب، تُقام يوم القيامة وعليها درعٌ من جرب وسربال من قطران"؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

 

في آخر الزمان -يا عباد الله- كما سلف في أيام الجاهلية، يتعجب ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فيقول كما جاء في الحديث القدسي: "إني وابن آدم في شأن عظيم؛ أخلق ويُعبَد غيري، وأرزق ويُشكَر غيري"، وَهذَا ضروب من كفران النِّعم وَالشِّرْك بها مع الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- غيره.

 

فاحمدوا ربكم عَلَى ما أولاكم، واشكروه عَلَى ما آتاكم، والهجوا له بقلوبكم قبل ألسنتكم، وبقلوبكم وألسنتكم قبل أعمالكم وجوارحكم؛ شكرًا له عَلَى هذِه النِّعم، وحمدًا له وحده عليها -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فهو المنزِّل للغيث، وهو الَّذِي يُنبت به الكلأ، وهو الَّذِي يطرح به البركة.

 

واعلموا -عباد الله- أنه مِمَّا شاع عند بعض النَّاس، أنَّ العِبْرَة بكثرة الأمطار، وأنَّ العِبْرَة بما حفروا فيه من الأرض من بلوغ الثرى، وليس هذَا والله هو المعتبر؛ فقد ثبت عن النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "ليس السَّنة ألا تمطروا، ولكن السَّنة أن تُمطروا، ثُمَّ تمطروا، ولا تُنبت الأرض شيئًا".

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له -سُبْحَانَهُ- عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ذلكمُ الدَّاعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومَن سلف من إخوانه وسار عَلَى نهجهم واقتفى أثرهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله! إنَّ في نزول الأمطار عبرة، وفي نزولها آية، وفي نزولها أحكام ينبغي الاعتبار بها، فمن ذلك:

أولًا: أن تعتقد أنَّ المنعِم بهذا المطر نزولًا وإنباتًا، هو ربنا -جَلَّ وَعَلَا- وحده دون شريك.

 

ومن ذلكم أَيْضًا: أن تحمده -جَلَّ وَعَلَا- عَلَى نزول الغيث، فتقول: مُطرنا بفضل الله ورحمته، كما قاله المؤمنون به -سُبْحَانَهُ-.

 

ففي الصحيحين من حديث زيد خالد الجهني -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: صلى بنا النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الغداة في الحديبية عَلَى إثر سماء كانت من اَللَّيْل، ثُمَّ لما انصرف أقبل علينا بوجهه؛ فحمِد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟". قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بفضل اللهِ ورحمته، فذلك مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بنوء كَذَا وكذا، فذلك كافرٌ بي، مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ".

 

ومن ذلك: أن تدعو ربك أن يطرح في هذَا المطر البركة، فتقول كما علمنا نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللهم اجعله صيبًا نافعًا، اللهم اجعله صيبًا هنيئًا، اللهم اجعله صيبًا مباركًا"، في أحاديث عدة وردت في مثل هذَا الْدُّعَاء يا عباد الله.

 

ومن ذلكم -عباد الله-: أنَّ هذَا المطر سبب للشكر لا للكفران، وسبب لحمد الله -جَلَّ وَعَلَا- لا لعجزك عن ذلك بنسبة المطر بلا استمطار وغيره.

 

والاستمطار -يا عباد الله- إِنَّمَا هو سبب قد يحصل معه المسبَّب، وقد يتخلف عنه، وَأَمَّا المنزِل للمطر فهو الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-. وَهذَا الاستمطار إِنَّمَا هي من العلوم الَّتِي علَّم الله بها عباده، كما امتن -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بمثل ذلك عَلَى رسله؛ (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)[النساء: 113].

 

وَمِمَّا يُشرَع -يا عباد الله- عند نزول المطر كثرةً وغزارةً حَتَّى يبتل ثوب أقرب قريب للمسجد: أن يُجمَع بين الصلاتين، بين المغرب والعشاء، سواء كان المطر نازلًا أو كان في الأرض والطين خائضًا، فإنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- أباح لنا أن نجمع بين الصلاتين؛ تشوفًا من هذِه الشَّرِيْعَة لجمع الصَّلَاة.

 

ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ عزًّا تعز به أولياءك، وذلًّا تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذِه الأُمَّة أمر رشدًا يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيها أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آمنا والمسلمين في أوطاننا، وفي ديننا وأعراضنا وفي أموالنا وأهلينا وديارنا.

 

 اللهم كن لولاة أمورنا مؤيدًا ونصيرًا، اللهم خذ بنواصيهم للبر وَالتَّقْوَى، واجعلهم عزًّا للإسلام وأهله، وكفًّا للمسلمين، وذلًّا ونصرةً عَلَى أعدائنا يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللهم ارفع ما أصاب إخواننا من اللأواء والبأساء، اللهم ارحم موتاهم واكتبهم شهداء، اللهم عافِ مبتلاهم، اللهم صب عَلَى أعدائنا وأعدائهم من هؤلاء الصهاينة، صُب عليهم العذاب صبا، اللهم اجعلهم عليهم سنين كسني يوسف.

 

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العظيم الحليم، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رب العرش الكريم، نعوذ بك اللهم من شرور أعدائنا، وندرأ بك اللهم في نحورهم، اللهم مَن أراد بنا أو بولاتنا وعلمائنا أو بمجتمعاتنا أو بالمسلمين سوءًا، اللهم فاجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم اكفنا شره بما شئت، واحفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم وارض عنا رضاءً لا تسخط علينا معه أبدًا، لنا ولكم ولوالدينا ووالدينا ومشايخنا وولاتنا وذرارينا وجميع المسلمين.

 

سُبْحَانَ رَبِّنَا رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

النعم والمطر حكم وأحكام.doc

النعم والمطر حكم وأحكام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات