عناصر الخطبة
1/حفظ الإسلام للضروريات الخمس 2/عظم إثم القتل والتحذير منه 3/فتنة الاقتتال بين المسلمين والمخرج منها 4/الحث على إغاثة المنكوبين في السوداناقتباس
فإذا اضطرمت الفتنة بين المسلمين، فالواجب تهدئتها، ومنع وقوعها قبل أن تقع أصلاً، والقضاء على أسبابها، والحذر من تأجيج نار الفتن، وقدح أوارها، وتأليب الأطراف بعضهم على بعض، حتى يسلم للمسلمين دينهم ودنياهم...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد الله نحمدُه على النعمِ الغامرة، حمدًا يُعيد قِفارَ القلوبِ عامرة، ونقرُّ له بالتوحيد على عقيدة ظاهرة، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمدٍ صلاةً تجلب لنا صلاةً إلى صلاةٍ إلى عاشرة، وعلى آله أولي المناقب الفاخرة، وصحبه ذوي الفضائل المتكاثرة، وسلم تسليماً إلى يوم القيامة والآخرة.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: لقد جاءت شريعة الإسلام بما يحقق الأمن والاطمئنان، فحفظت الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع السماوية برعايتها، وفي طليعتها حفظ النفس الإنسانية، قال -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة: 32].
وقد جاءت الشريعة بأمور كثيرة من أجل حفظ النفس، فمن ذلك: تحريم قتل النفوس البريئة، بغير حق؛ (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93]، وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؛ إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، ولعظم النفس المقتولة عند الله فإنه: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء"(متفق عليه).
ولأجل حفظ النفس جاءت الشريعة بتبيان الموقف الصحيح في الفتن؛ فإن الفتن لا تبقي في صاحب عقل عقلاً، تدع الحليم حيران، وتفضي إلى التقاتل بين الناس، حتى لا يدري القاتل فيم قَتل؟! ولا المقتول فيم قُتل؟! ومن هنا جاءت النصوص الشرعية ببيان الموقف الرشيد في التعامل مع الفتن، خاصة التي قد تقع بين المسلمين أنفسهم، حتى يكون للمسلم فيها بصيرة ونور من ربه وبرهان.
ومن ذلك: تحريم الاقتتال بين المسلمين ورفع السلاح عليهم، فعَنْ أَبِي بَكْرةَ الثقفي -رضي الله- عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا القَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟! قَالَ: "إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ"(متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض"(متفق عليه)، وقال: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"(متفق عليه).
وكذلك الحذر من السعي في القتال بين المسلمين في وقت الفتنة، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ"(متفق عليه).
فإذا اضطرمت الفتنة بين المسلمين، فالواجب تهدئتها، ومنع وقوعها قبل أن تقع أصلاً، والقضاء على أسبابها، والحذر من تأجيج نار الفتن، وقدح أوارها، وتأليب الأطراف بعضهم على بعض، حتى يسلم للمسلمين دينهم ودنياهم، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من أي عمل يزيد الفتنة، فقالَ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ، وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَإِنْ دُخِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ بَيْتَهُ، فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ"(رواه أحمد وأبو داود).
فالمخرج من الفتن هو باجتنابها، واعتزال أهلها، وكَفِّ اليد واللسان عن الخوض فيها، قال عبد الله بن عمرو بن العاص: بينا نحن حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ ذَكَرَ الفتنة، فقال: "إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا"، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك -جعلني الله فداك-؟ قال: "الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ"(رواه أحمد وأبو داود).
والواجب على المسلمين إذا اقتتلت طائفتان أن يسعوا في الصلح بينهما؛ عملاً بقوله -تعالى-: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الحجرات: 9].
وقد امتدح النبي -صلى الله عليه وسلم- سبطه الحسن بن علي -رضي الله عنهما- فقال: "ابْنِي هذا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بين فِئَتَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ"(رواه البخاري)، فوقع ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فأصلح الله به بين أهل الشام وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة والفتن المهولة، إذ ترك الحسنُ القتال، وبايع معاوية -رضي الله عنهما-؛ فاجتمعت الأمة بعد الافتراق، وحُقنت الدماء، وسُمي ذلك العام عام الجماعة.
وإن من أعظم أسباب النجاة من الفتن لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والصبر على مقتضيات ذلك، وعدم التنازع فهو سبب الفشل وذهاب الريح؛ (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال: 46]، وجميع شؤون الناس في سلمهم وحربهم يجب رده إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء: 59].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واعلموا أن قِيامَ المسلمين بنَجدةِ المنكوبِين وإغاثةِ الملهوفِين ممن نزَلت بهم الحروب والفتن هو من أفضلِ القربات، ومن صنائعِ المعروف التي تقي مصارع السوء، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
وإن قيام ولاة الأمر -أيدهم الله- بالتوجيه بإغاثة إخواننا في السودان؛ من تقديم مساعدات إنسانية متنوعة، وتنظيم حملة شعبية عبر منصة "ساهم"؛ لتمكين المواطنين والمقيمين من مساعدتهم ليس بمستغرب عليهم في قيامهم بحق إخوانهم المسلمين؛ فهي امتداد لمواقف المملكة الإنسانية -حرسها الله- في إغاثة المنكوبين، والإصلاح بين المتخاصمين، جزاهم الله خيراً وزادهم إحساناً وتوفيقاً.
فلنبادر بالمساهمة عبر منصة "ساهم" بالمستطاع؛ لنجدة المنكوبين، فهم في كربة وغربة، مع بذل الدعاء وصدق الرجاء برفع محنتهم والله لطيف بعباده لا يرد سائلا سأله بصدق وإخلاص.
اللهم الطف بعبادك في السودان، واحقن دماءهم، وأمن روعهم، وأصلح ذات بينهم، ياذا الجلال والإكرام، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وانصر جنودنا المرابطين في الثغور، اللهم أعذنا من الفتن والشرور، يا عزيز يا غفور.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم