المقدمة
الحمد لله الذي نزَّل الكتاب تِبيانًا لكل شيء، وهدىً ورحمة وبُشرى للمسلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي نزل الله - تعالى - إليه الذكر؛ ليبين للناس ما نزل إليهم لعلهم يتفكرون، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعدُ:
فإنَّ من نِعَم الله - تعالى - العظام أنْ أرسلَ إلى الناس عبده ورسوله محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - بشريعة معصومة غرَّاء، مَن تَمسك بها نجا، ومن ابتعد عنها هلك، وهذه السنة هي سلم الوصول إلى فَهم كتاب الله - تعالى - ورضاه؛ لأنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعلم خلق الله - تعالى - بمُراد الله - تعالى - وعليه نزل القرآن الكريم، وقد تكفل الله - تعالى - بحفظ هذا الدين، كما قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فحفظ الله - تعالى - كتابه من التحريف والتبديل، كما جعله في صدور أوليائه من المؤمنين، الذين جعلهم أهلاً وخاصَّة له - سبحانه وتعالى - كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته))[1].
وإنَّ من حفظ الله - تعالى - لسُنَّةِ نبيِّه محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن سخَّر لها جهابذةً حُفَّاظًا لِمُتُونها، باحثين وجامعين لمتونها، ويُميِّزون صحيحَها من سقيمها، نُقادًا لألفاظها وعللِها، من خلال علمٍ عُرف بعلم "الجَرْح والتَّعْدِيل"؛ حيث إنَّهم يبحثون ويمحصون في النظر في متن الحديث وسنده (إسناده) وفيهما معًا، مع تتبُّع أحوال الرُّواة وأوطانهم ومواليدهم وَوَفَيَاتهم، حتى يصلوا إلى الرُّواة العُدُول، وتثبت هذه العدالة بأحد أمرَيْن[2]:
أ - إمَّا بتنصيص مُعدِّلين عليها؛ أي: ينص علماء التعديل أو واحد منهم عليها.
ب - وإما بالاستفاضة والشُّهرة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم، وشاع الثناء عليه، كفى ولا يحتاج بعد ذلك إلى مُعدِّل ينص عليها، وذلك مثل الأئمة المشهورين كالأئمة الأربعة[3]، والسُّفْيانَيْن[4]، والأوزاعي[5]، وغيرهم؛ انتهى.
هذا، ويقبل التعديل[6] مِن غير ذكر سببه على الصحيح المشهور؛ لأنَّ أسبابه كثيرة يصعب حصْرها؛ إذ يحتاج المعدِّل أن يقول مثلاً: لم يفعل كذا، لَم يرتكب كذا، أو يقول: هو يفعل كذا، ويفعل كذا وكذا...
أما الجَرْح فلا يُقبل إلا مُفَسَّرًا؛ لأنه لا يصعب ذكره؛ ولأن الناس يختلفون في أسباب الجرح، فقد يجرح أحدهم بما ليس بجارح.
قِسْمَا علم الحديث الشريف
ينقسم علم الحديث الشريف قسمَيْن[7]:
الأول: علم الحديث دراية، (وهو المعروف بـ"علم مصطلح الحديث").
الثاني: علم الحديث رواية.
ولكلٍّ من العِلْمَيْن مبادئ ينبغي معرفتها والإحاطة بها؛ ليكون الشارعُ فيهما على بصيرةٍ تامة.
مبادئ علم مصطلح الحديث:
دَرَجَ المصنفون في بداية مُؤلفاتِهم على ذكر مبادئ كل علم من العلوم التي يتحدثون عنها، وحيثُ إنَّ مصطلح الحديث يُعَدُّ فنًّا مُستَقلاًّ بذاته، شأنه كغيره من سائر الفنون، فإنَّ له مبادئ خاصَّة به، وهذه المبادئ عشرة، وقد جمعها العلامة أبو العرفان محمد بن علي الصَّبَّان[8] بقوله: "وقد نظمتُ العشرة فقلتُ:
إِنَّ مَبَادِي كُلِّ فَنٍّ عَشَرَهْ
الحَدُّ وَالْمَوْضُوعُ ثُمَّ الثَّمَرَهْ
وَنِسْبَةٌ وَفَضْلُهُ وَالْوَاضِعْ
وَالِاسْمُ الِاسْتِمْدَادُ حُكْمُ الشَّارِعْ
مَسَائِلٌ وَالْبَعْضُ بِالْبَعْضِ اكْتَفَى
وَمَنْ دَرَى الْجَمِيعَ حَازَ الشَّرَفَا".
ولذلك فإنه "يُحَدُّ علم الحديث درايةً - وهو المعروف بعلم مُصطلح الحديث - بأنَّه: علم[9] يعرف به أحوال السند والمتن[10]، وكيفية التحمُّل[11] والأداء[12]، وصفات الرجال[13]، وغير ذلك[14].
- وموضوعه: السند والمتن من حيث الصِّحَّة والحسن ونحو ذلك.
- وثَمرته: معرفة الحديث الصحيح من غيره.
- وأول من صنَّف فيه: القاضي أبو محمد الحسن بن عبدالرحمن الرَّامَهُرْمُزِي[15] - رحمه الله - وسُمِّي كتابه: "المُحَدِّث الفاصِل بين الراوي والواعِي".
- واسمه: "علم الحديث دراية"، ويُسمى "مصطلح الحديث"... [وسميت هذا الكتاب: الموجز لتيسير مصطلح الحديث].
- واستمداده: مِن تتبُّع أحوال رُواة الحديث.
- وحكمه: أنه فرض عيْن على مَنِ انفرد به، وفرض كفاية عند التعدُّد.
- ونسبته: إلى غيره من العُلُوم التباين.
- وفضله: أنه مِن أشرف العلوم؛ إذ به يعرف المقبول والمرْدود.
- ومسائله: قضاياه كقولنا: كل حديث صحيح يستدل به.
التعريف بعلم مصطلح الحديث:
ويعرف بأمرَيْن:
الأول: باعتباره لقبًا لفنٍّ معين.
الثاني: باعتبار مفرداته.
أما الأول: فيعرف على أنه: "علم بأصول وقواعد يُعرف بها أحوال السند والمتن، من حيث القَبول والرد[16]".
وأما الثاني: فيكون كما يلي:
- العلم: وهو "إدراك الشيء على ما هو عليه، أو إن شئت فقل: معرفة الشيء على ما هو عليه[17]".
- مصطلح: وهو لفظٌ لما يتَّفق عليه أهل كل فن بحسب اللُّغة العرفية.
- الحديث: وهو "ما أضيف إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من قولٍ أو فِعْل أو تقرير أو صفة[18] ".
الهدَف من دراسة علم مصطلح الحديث[19]:
إنَّ الهدَف من دراسة علم مصطلح الحديث، وهو من علوم الآلة؛ ذلك لأنَّه من الوسائل التي تخدم هذا العلم العظيم، فالهدف من مصطلح الحديث معرفة المقبول والمردود من السنة، ووسيلة إلى معرفة ما يقبل وما يرد من السنن، لكن كيف نعرف المقبول لنعمل به، والمردود لنجتنبه، إلاَّ بواسطة هذا العلم؟
فهو من أهم المهمات، يُقاربه قواعد التفسير، أو أصول الفقه كذلك، كلها تخدم وإن كانت من علوم الآلة، ومثلها علوم العربيَّة بفروعها، إلاَّ أنَّها مما يضطر إليه طالب العلم.
نبذة[20] تاريخيَّة عنْ نشأة علم المصطلح، والأطوار التي مرَّ بها، وأول مَنْ صنَّف فيه[21]:
يُلاحظ الباحثُ المتفحِّص أنَّ الأُسسَ والأركان الأساسيَّة لعلم الرِّواية ونقل الأخبار موجودة في الكتاب العزيز، والسنة النبوية، فقد جاء في القرآن الكريم قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، وجاء في السنة قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نَضَّر الله امرأً سمع منَّا شيئًا فبلَّغه كما سمعه، فرُب مُبلَّغٍ أوعى من سامع))[22]، وفي رواية: ((فرُبَّ حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه))[23].
ففي هذه الآية الكريمة وهذا الحديث الشَّريف مبدأ التثبُّت في أخذ الأخبار، وكيفية ضَبطها بالانتباه لها، ووعيها، والتدقيق في نقلها للآخرين.
وامتثالاً لأمر الله - تعالى - ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد كان الصَّحابة - رضي الله عنهم - يتثبَّتون في نقل الأخبار وقَبولها، لا سيما إذا شكُّوا في صدْق الناقل لها، فظهر بناءً على هذا موضوعُ الإسناد وقيمته في قَبول الأخبار أو رَدِّها، فقد جاء في مقدمة "صحيح مسلم" عن ابن سيرين: "قال: لَم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سَمُّوا لنا رجالَكم، فينظر إلى أهل السنة، فيُؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدَع، فلا يؤخذ حديثهم"[24]، وبناءً على أنَّ الخبر لا يقبل إلا بعد معرفة سنده، فقد ظهر علمُ الجَرْح والتعديل، والكلام على الرُّواة، ومعرفة المتصل أو المنقطع من الأسانيد، ومعرفة العلل الخفيَّة، وظهر الكلام في بعض الرواة، لكن على قلة؛ لقلة الرواة المجروحين في أول الأمر.
ثم توسَّع العلماء في ذلك، حتى ظهر البَحث في علومٍ كثيرة تتعلَّق بالحديث من ناحية ضبطه، وكيفيَّة تحمُّله وأدائه، ومَعرفة ناسخه من منسوخه وغريبه وغير ذلك، إلاَّ أنَّ ذلك كان يتناقله العلماء شفويًّا.
ثم تطور الأمرُ، وصارتْ هذه العلوم تكتب وتُسجَّل، لكن في أمكنة مُتفرِّقة من الكتب، مَمزوجة بغيرها من العلوم الأخرى، كعِلْم الأصول، وعلم الفقه، وعلم الحديث، مثل: كتاب "الرِّسالة"، وكتاب "الأم"؛ للإمام الشافعي.
وأخيرًا، لما نضجت العلوم، واستقرَّ الاصطلاح، واستقلَّ كلُّ فنٍّ عن غيره - وذلك في القرْن الرابع الهجري - أفرد العلماءُ علمَ المصطلح في كتاب مُستَقل، وكان من أول مَن أفرده بالتَّصْنيف القاضي أبو محمد الحسن بن عبدالرحمن بن خلاد الرَّامَهُرْمُزِي - المُتَوَفَّى سنة 360 هـ - في كتابه: "المحدِّث الفاصل بين الرَّاوي والواعي" - وسأذكر أشهر المصنفات في علم المصطلح من حين إفراده بالتصنيف إلى يومنا هذا.
حتى استقرَّ هذا العلم بوَضْع شروط خمسة لقَبول الحديث، وهذه الشروط هي[25]:
1 - اتصال السند (الإسناد).
2- عدالة الرواة.
3 - ضبط الرواة.
4 - عدم الشذوذ.
5 - عدم العلة.
وعلى هذا، فالحديث الصَّحيح هو: الحديث المسند الذي يتَّصل إسناده بنقل العَدْل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذًّا ولا مُعللاً.
ولقد جمع الشيخ البَيْقُونِي هذه الشروط الخمسة في منظومته المشهورة بقوله:
أَوَّلُهَا الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصَلْ
إِسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلّْ
يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ
مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَنَقْلِهِ
إذًا فالحديث = متن + [سند (إسناد) = (أ + ب + ج + د + هـ...)]
وأمَّا المتن: نص الحديث.
وأمَّا السند: سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن.
الصَّحابي لغةً: الصحابةُ لغةً: مصدر صَحِبَ، بمعنى "الصُّحبة"، ومنه "الصَّحابي"، و"الصَّاحب"، ويُجمع على أصحاب وصَحْب، وكَثُر استعمال "الصحابة" بمعنى الأصحاب.
الصحابي اصطلاحًا: مَن لَقِي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مُسلمًا ولو لَم يره - كابن أم مكتوم - رضي الله عنه - ومات على ذلك "الإسلام"، ولو تخللتْ ذلك رِدَّة على الأصح.
التابعي لغةً: التابعون جمع تابعي أو تابع، والتابع اسم فاعل من "تبعه" بمعنى مَشَى خلفه.
التابعي اصطلاحًا: مَن لقي صحابيًّا مسلمًا، ومات على الإسلام، وقيل: هو مَن صَحِبَ صحابِيًّا.
[لطيفة]:
ذكر الإمام الذهبي[26] أنَّ أَصْحَمَة (النَّجاشِي) - رضي الله عنه - صاحِبٌ وتابِعٌ في آنٍ واحدٍ؛ حيث قال: "كان ممن حَسُنَ إسلامه ولم يهاجر ولا انتهى له رؤية، فهو تابعيٌّ من وَجْهٍ، وصاحِبٌ من وَجْهٍ".
الحديث = متن (نص الحديث) + سند (إسناد) وهو سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن.
"...........................(المتن)............................................"
ملحوظات:
1- إذا صَحَّ الحديثُ - بشروطه كما سيأتي - من المصنف "الإمام الترمذي مثلاً" إلى (هـ)، ورفعه (هـ) إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقولٍ أو بفعل أو بصفة أو بتقرير، فهو صحيحٌ مرفوع، والمرفوع إمَّا أن يكون قوليًّا أو فعليًّا، أو تقريرًا أو وصفًا.
2 - إذا صح الحديث إلى (هـ) ولم يرفعه، بل حكى عنه، فهو صحيح موقوف، وإذا لم يعرف عن الصَّحابي الأخْذ عن أهل الكتاب، وقال قولاً لا مَجال للاجتهاد فيه، ولا له تعلُّق ببيان اللغة، فله حكم الرفع.
3 - إذا صح الحديثُ إلى (د)، ورفعه إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو مُرْسَل[27].
4 - إذا سقط راوٍ مثل: (ب)، أو (ج)، أو (د)، فهو مُنْقَطِعٌ "ضعيف".
5 - إذا سقط راويان مُتتاليان مثل: (ب) و(ج)، أو (ج) و(د)، فهو مُعْضَلٌ "ضعيف".
6 - إذا قال المصنف مثلاً: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - (بأن يَحذف كلَّ السند): فهو مُعَلَّقٌ ضعيف، أو يَحذف (أ)، أو (أ) و(ب)، أو (ج)، فهو مُعَلَّقٌ "ضعيف".
[فائدة]:
مُعَلَّقاتُ الصَّحيحين يُحكم بصحتِها، وذلك إنْ كانت بصيغة الجزم؛ مثل: "قال"، و"ذَكَر"، و"حَكَى"، فيُحكم بصحتها عن المضاف إليه.
أمَّا ما ذُكِرَ بصيغة التمريض؛ مثل: "قيل"، و"ذُكِر"، و"حُكِيَ"، ففيه الصحيح والحسن والضَّعيف.
وأحسن مَنْ بحث في المُعَلَّقاتِ التي في صحيح الإمامِ البخاريِّ الإمامُ الحافظُُ ابنُ حَجَر العسقلاني في كتابه الماتع "تَغْلِيق التعليق" في 5 مجلدات.
وأما شرح[28] شروط تعريف الحديث الصحيح، فهي كما يلي:
1 - أمَّا اتصال السند (الإسناد)، فمعناه: أنَّ كلَّ راوٍ من رواته قد أخذه مباشرة عمَّن فوقه من أول السند (الإسناد) إلى منتهاه.
2 - وأمَّا عدالة الرُّواة؛ أي: إنَّ كل راوٍ من رواته اتَّصف بكونه مُسلمًا بالغًا عاقلاً، غير فاسق وغير مَخروم المروءة.
3 - وأما ضبط الرواة؛ أي: إنَّ كل راوٍ من رواته كان تامَّ الضبط.
[فائدة]:
الضبط قسمان:
أ - ضبط صدر.
ب - ضبط كتاب.
4 - وأما عدم الشذوذ فمعناه: ألا يكون الحديثُ شاذًّا.
والشذوذ: هو مُخالفة الثقة لِمَنْ هو أوثق منه.
[تنبيه]:
هناك فرقٌ بين شذوذ الثِّقة عن باقي الثِّقات، وبين زيادة ثقة عن باقي الثقات؛ أمَّا الأول: فمردودٌ شذوذه، وأما الثاني: فمقبولة زيادته، ويتَّضح ذلك من خلال ما يلي:
فلو أنَّ خمسًا من الثقات قالوا:
إنَّ هذا كوب زجاجي، وهو في الحقيقة كذلك، ثُم جاء ثقةٌ سادس أقل توثيقًا منهم، فقال عن الكوب نفسه: إنَّ هذا كوب زجاجي ومليء بسائل، فإنَّ هذه الزيادة تُسمى زيادة ثقة، وهي مقبولة.
أمَّا إن قال: إنَّه من البلاستيك، أو أي شيء آخر غير الزجاج، فإنَّ هذا يُسمَّى شذوذًا.
[تنبيه]:
إذا كان هذا السادس ضَعيفًا، وخالف الثقات، فإنَّه يُعرف بالمنكر، وليس بالشاذ.
وقال الحافظ ابن حجر[29]: "وقد غفل مَن سوَّى بينهما"؛ انتهى.
مثال الحديث الصحيح:
ما أخرجه الإمامُ البخاري في صحيحه قال: حدثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب، عن محمد بن جُبَيْر بن مطعم عن أبيه، قال: سمعْتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قرأ في المغرب بالطور.
فهذا الحديث صحيح؛ لأن:
1 - سنده (إسناده) متصل؛ إذ إنَّ كل راوٍ من رواته سمعه من شيخه.
2، 3 - رُواته كلهم عدول ضابطون، وهذه أوصافهم عند علماء الجَرْح والتعديل:
- عبدالله بن يوسف: ثقة مُتقن.
- مالك بن أنس: إمام حافظ.
- ابن شهاب الزُّهْرِي: فقيه حافظ متفق على جلالته وإتقانه.
- محمد بن جُبير: ثقة.
- جُبير بن مُطْعِم: صحابي - رضي الله عنه.
4 - عدم الشذوذ؛ لأنَّه غير شاذ؛ إذ لم يعارض ما هو أقوى منه.
5 - عدم العلة؛ لأنَّه ليس فيه علة من العلل.
والعلة: هي سبب غامض خفي قادح في صحة الحديث.
ومعرفة العلل مِن أجلِّ علوم الحديث وأدقها؛ لأنَّه يَحتاج إلى كشف العلل الغامضة الخفية التي لا تظهر إلاَّ للجهابذة النُّقاد في علوم الحديث، وإنَّما يتمكن منه ويقوى على معرفته أهلُ الحفظ والخبرة والفهم الثَّاقب؛ ولهذا لم يَخُضْ غماره إلاَّ القليل من الأئمة؛ كابن المَدِينِي، وأحمد، والبخاري، وأبي حاتم، والدَّارَقُطْني، والباحث في علة الحديث يَتَطَرَّق إلى الحديث الذي ظاهره الصِّحَّة؛ لأنَّ الحديث الضعيف لا يَحتاج إلى البحث عن علله؛ إذ إنَّه مرْدود لا يُعمل به، ويكفيه أنه ضعيف.
[فائدة]:
يُقَسَّم الحديث الصحيح سَبْعَ مراتب، وهي:
1 - ما اتَّفق عليه البُخاري ومسلم (أعلى مرتبة في الصحة).
رواه البخاري ومسلم = متفق عليه = الشيخان = الصحيحان.
[تنبيه]:
رواه البخاري ومسلم = متفق عليه إلاَّ عند مجد الدين ابن تيميَّة (جد شيخ الإسلام)، فمعناها عنده: (أحمد + البخاري ومسلم)، ولو قال: أخرجاه فمن دون الإمام أحمد.
2 - ثم ما انفرد به البخاري.
3 - ثم ما انفرد به مسلم.
4 - ثم ما كان على شرطهما ولم يخرجاه.
5 - ثم ما كان على شرط البخاري ولم يخرجه.
6 - ثم ما كان على شرط مُسلم ولم يخرجه.
7 - ثم ما صح عند غيرهما من الأئمة مما لم يكن على شرطهما، كابن خُزيمة، وابن حِبَّان.
ذلك وقد نظم ذلك الإمام العراقي في ألفيَّته الماتعة بقوله:
وَأَرْفَعُ الصَّحِيحِ مَرْوِيُّهُمَا
ثُمَّ الْبُخَارِيِّ فَمُسْلِمٍ فَمَا
شَرْطَهُمَا حَوَى فَشَرْطَ الْجُعْفِي
فَمُسْلِمٍ فَشَرْطَ غَيْرٍ يَكْفِي
وحكم الصحيح: وُجُوب العمل به.
[لطيفة]: قال الشيخ الألباني[30]: "وجوب العمل بالحديث الصَّحيح، وإن لَم يعمل به أحد"؛ انتهى.
الحديث الحسن:
أمَّا ما يتعلق بالحديث الحسن، فهو كما يلي:
تعريفه: كتعريف الحديث الصَّحيح، لكن الضبط يَخف عن الصحيح، وقد عرَّفه الحافظُ ابن حجر بعد أن ذكر تعريفَ الحديث الصحيح قائلاً: "فإنْ خف الضبط فالحسن لذاته"؛ انتهى.
وعرفه الدكتور محمود الطَّحَّان - بناءً على تعريف الحافظ ابن حجر - بقوله: "هو ما اتصل سنده بنقل العدل الذي خَفَّ ضبطه عن مثله إلى مُنتهاه، من غير شذوذ ولا علة"؛ انتهى.
ونظم ذلك الشيخ البَيْقُونِي بقوله:
وَالْحَسَنُ الْمَعْرُوفُ طُرْقًا وَغَدَتْ
رِجَالُهُ لاَ كَالصَّحِيحِ اشْتَهَرَتْ
ومثاله:
ما أخرجه الإمام الترمذي في سُنَنه قال: حدثنا قُتيبة، حدثنا جعفر بن سليمان الضُّبَعِي، عن أبي عمران الجَوْني، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، قال: سمعتُ أبي بحضرة العدو يقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أبواب الجنة تحت ظلال السيوف...))، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب؛ انتهى.
وكان هذا الحديث حسنًا؛ لأنَّ رجال إسناده الأربعة ثِقَات، إلاَّ جعفر بن سليمان الضُّبَعِي، فإنَّه حسن الحديث؛ لذلك نزل الحديث عن مَرتبة الصَّحيح إلى الحسَن؛ انتهى.
- حكم الحديث الحسن: وجوبُ العمل به كالصحيح، وإن كان دونه في القوة.
وهذا ما يتعلَّق بالحديث الحسن لذاته:
- قسما الحديث الحسن:
ينقسم الحديث الحسن قسمين:
أ - الحسن لذاته: وقد سبق الكلام عنه.
ب - الحسن لغيره: وهو الضَّعيف إذا تعدَّدت طرقه ولم يكن سبب ضَعفه فسق الرَّاوي أو كذبه، وهو دون الحسن لذاته في الرُّتبة، كما أنَّه أرفع من الضعيف منزلةً؛ ولهذا فقد يكون للحديث مُتابِعٌ أو شاهِدٌ[31].
- فلو تعارض الحسنُ لذاته مع الحسن لغيره قُدِّم الحسن لذاته.
ومثال الحسن لغيره:
ما رواه الترمذي وحسنه، من طريق شُعبة عن عاصم بن عبيدالله عن عبدالله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه أنَّ امرأةً من بني فزارة تزوجتْ على نعلين، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟))، قالت: نعم، فأجاز.
قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة وأبي حَدْرَد؛ انتهى.
فعاصم ضعيف؛ لسُوء حفْظه، وقد حسَّن له الترمذيُّ هذا الحديث؛ لمجيئه مِنْ غير وجه.
الصحيح لغيره:
ويكون ذلك إذا روى الحديث الحسن لذاته من طريقٍ آخر مثله، أو أقوى منه، سُمِّي صحيحًا لغيره؛ لأنَّ الصِّحَّةَ لَم تأتِ من ذات السند، وإنَّما جاءتْ من انضمام غيره إليه، وهو أعلى مرتبةً من الحسن لذاته، ودون الصحيح لذاته.
ومثاله: ما رواه الإمام الترمذي من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لولا أنْ أشُقَّ على أمتي، لأمرتهم بالسِّواك عند كل صلاة)).
قال الإمام ابن الصلاح: "محمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصِّدق والصِّيانة، لكنه لم يكن من أهل الإتقان، حتى ضعفه بعضُهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم؛ لصدقه وجلالته، فحديثُه من هذه الجهة حسن، فلَمَّا انضَمَّ إلى ذلك كونه رُوِي من أوجه أُخَر، زال بذلك ما كُنَّا نَخشاه عليه من جهة سوء حفظه، وانجبر به ذلك النَّقص اليسير، فصَحَّ هذا الإسناد والْتَحَق بدرجة الصحيح[32]"؛ انتهى.
الحديث المتواتِر:
ويكون إذا روى الحديث الصَّحيح عددٌ كثير من الرُّواة تُحيل العادةُ تواطؤهم على الكذب، فإن هذا الحديث يُسمَّى بالمتواتر.
ومعنى ذلك: أنَّ الحديث (أو الخبر) الذي يرْويه في كلِّ طبقة من طبقات سنده رُواةٌ كثيرون يَحكم العقلُ عادة باستحالة أن يكون أولئك الرُّواة قدِ اتَّفقوا على اختلاق هذا الحديث (الخبر).
وعلى هذا، فشروط الحديث المتواتر أربعة، وهي:
1 - أن يَرْوِيه عددٌ كثير.
2 - أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند.
3 - أن تُحيل العادةُ تواطُؤَهم على الكذب.
4 - أن يكون مستند خبرهم الحس؛ كقولهم: سمعنا، أو رأينا، أو لمسنا.
وحكمه: يُفيد العلم الضَّروري اليقيني الذي يضطر الإنسانُ إلى التصديق به تَصديقًا جازمًا، كمن يشاهد الأمر بنفسه، فلا يتردَّد في تصْديقه، فكذلك الخبر المتواتر؛ لذلك كان المتواتر كله مقبولاً، ولا حاجة إلى البحث عن أحوال رُواته.
قسما المتواتر: الحديث المتواتر ينقسم قسمين هما:
أ - المتواتر اللفْظي: وهو ما تواتر لفظُه ومعناه، ومثاله قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن كذب عليَّ متعمِّدًا، فليتبوأ مقْعده من النار))[33].
ب - المتواتر المعنوي: وهو ما تواتر معناه دون لفْظه.
ومثاله: أحاديث رفع اليدَيْن في الدُّعاء، فقد ورد عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - نحو مائة حديث في قضايا مُختلفة أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - رفع يديه في الدُّعاء، وكل قصة منها لَم تتواتر، والقدرُ المشترك بينها - وهو الرفع عند الدعاء - تَوَاتَرَ باعتبار مَجموع الطُّرق، وهكذا حديث حوض النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسح على الخُفَّين، والعمامة، واللِّحية، ورفع اليدين في الصلاة، وحديث: ((نَضَّرَ الله امرأً))، ((ولا تزال طائفة من أمتي))، وهكذا.
وما سوى المتواتر آحاد، وهو ينقسم قسمين: مقبول ومردود.
وكلٌّ من الحديث المتواتر والصحيح والحسن يُعرَف بالخبر المقبول، وما سواه مرْدود، ويتَّضح ذلك من الشكل التالي:
والكلام على الحديث والخبر المقبول يشمل كلاًّ من: المشهور، والعزيز، والغريب، سواء كان صحيحًا لذاته، أم لغيره، وكذلك الحسن لذاته ولغيره، أو كان مردودًا.
أمَّا المشهور والعزيز والغريب، فهو كما يلي:
المشهور:
تعريفه:
أ - لُغَةً: هو اسم مفعول من "شَهَرْتُ الأمرَ"، إذا أعلنتُهُ، وأظهرتُهُ، وسُمِّيَ بذلك؛ لظهوره.
ب - اصطلاحًا: ما رواه ثلاثة - فأكثر في كل طبقة - ما لم يبلغ حد التواتر.
مثاله:
قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا))[34].
وأما المُسْتَفِيض فيعرف كما يلي:
أ - لُغَةً: اسم فاعل من "استفاض" مشتق من فاض الماء، وسُمِّيَ بذلك؛ لانتشاره.
ب - اصطلاحًا: اختلف في تعريفه على ثلاثة أقوال، وهي:
1 - هو مرادف للمشهور.
2 - هو أخصُّ منه؛ لأنه يشترط في المستفيض أن يستوي طرفا إسناده، ولا يشترط ذلك في المشهور.
3 - هو أعم منه؛ أي: عكس القول الثاني.
المشهور غير الاصطلاحي:
ويُقصد به ما اشتهر على الأَلْسِنة من غير شروط تُعتَبر، فيشمل:
أ - ما له إسناد واحد.
ب - وما له أكثر من إسناد.
ج - وما لا يوجد له إسناد أصلاً.
أنواع المشهور غير الاصطلاحي:
له أنواع كثيرة أشهرها:
أ - مشهور بين أهل الحديث خاصَّة:
ومثاله حديث أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَنَتَ النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَان، وَيَقُولُ: ((عُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ))[35].
ب - مشهور بين أهل الحديث والعلماء والعوام:
مثاله: قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: عَنْ عَبْداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قَالَ: ((المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))[36].
ج - مشهور بين الفقهاء:
مثاله قوله: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق))[37].
د - مشهور بين الأصوليِّين:
مثاله حديث: عَائِشة - رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قَالَ: ((رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبَرَ))[38].
هـ - مشهور بين النُّحاة: مثاله حديث: ((نِعْمَ العبدُ صُهَيْبٌ، لو لم يَخَفِ الله لم يَعْصِهِ))[39].
و - مشهور بين العامة: مثاله حديث: ((الأَنَاةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ))[40].
حكم المشهور:
المشهور الاصطلاحي وغير الاصطلاحي لا يوصف بكونه صحيحًا أو غير صحيح، بل منه الصحيح ومنه الحسن والضَّعيف بل الموضوع، لكن إنْ صح المشهورُ الاصطلاحي، فتكون له مَيْزة ترجحه على العزيز والغريب.
العَزيز
تعريفه:
أ - لُغَةً: هو صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ من: "عَزَّ يَعِزُّ" - بالكسر - أي: قَلَّ ونَدَرَ، أو من: "عَزَّ يَعَزُّ" - بالفتح - أي: قوي واشتد، وسُمِّيَ بذلك إمَّا لقلة وجوده وندرته، وإمَّا لقوته بمجيئه من طريق آخر.
ب - اصطلاحًا: ألا يقل رُواته عن اثنين في جميع طبقات السند.
شرح التعريف:
يعني: ألا يوجد في طبقة من طبقات السند أقلّ من اثنين، أمَّا إن وُجِدَ في بعض طبقات السند ثلاثةٌ فأكثر فلا يضر، بشرْط أن تبقى ولو طبقة واحدة فيها اثنان؛ لأنَّ العبرة لأقل طبقة من طبقات السند.
هذا التعريف هو الراجح - كما حرَّره الحافظ ابن حجر[41] - وقال بعض العلماء: إنَّ العزيز هو رواية اثنين أو ثلاثة، فلم يفصلوه عن المشهور في بعض صُوَره.
وعلى هذا يُوَجَّه قول الشيخ البَيْقُونِي:
عَزِيزُ مَرْوِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَهْ
مَشْهُورُ مَرْوِي فَوْقَ مَا ثَلاَثَهْ
مثاله:
عَنْ أَنَس - رضي الله عنه - قال: قال النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِه وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين))[42].
ورواه عن أنس - رضي الله عنه - قتادة وعبدالعزيز بن صُهيب، ورواه عن قتادة شُعبة وسعيد، ورواه عن عبدالعزيز إسماعيل بن عُلَيَّة وعبدالوارث، ورواه عن كُلٍّ جماعةٌ.
الغريب
تعريفه:
أ - لُغَةً: هو صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، بمعنى المنفرد، أو البعيد عن أقاربه.
ب - اصطلاحًا: هو ما ينفرد بروايته راوٍ واحد.
شرح التعريف:
أي: هو الحديث الذي يستقل بروايته شخصٌ واحد، إمَّا في كل طبقة من طبقات السند، أو في بعض طبقات السند، ولو في طبقة واحدة، ولا تضرُّ الزيادة عن واحد في باقي طبقات السند؛ لأنَّ العبرة للأقل.
تسْمية ثانية له:
يطلق كثيرٌ من العلماء على الغريب اسمًا آخر هو "الفَرْد" على أنَّهما مترادفان، وغايَرَ بعضُ العلماء بينهما، فجعل كلاًّ منهما نوعًا مستقلاًّ، لكن الحافظ ابن حجر يعدهما مترادفين لُغَةً واصطلاحًا، إلاَّ أنه قال: "إنَّ أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كَثْرَة الاستعمال وقلته، فـ"الفَرْد" أكثر ما يطلقونه على "الفَرْد المُطْلَق"، و"الغريب" أكثر ما يطلقونه على "الفرْد النَّسْبي"[43].
أقسامه:
يُقَسَّمُ الغريب بالنسبة لموْضِع التَّفَرُّدِ فيه قسمين هما: "غريب مُطْلق"، و"غريب نِسْبي".
أ - الغريب المُطْلَق: أو الفَرْدُ المُطْلَق.
تعريفه: هو ما كانت الغرابة في أصل سنده؛ أي: ما ينفرد بروايته شخصٌ واحد في أصْل سنده[44].
وقد قال الشيخ البَيْقُونِي:
.......................
وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ
وَالْفَرْدُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقَةِ
أَوْ جَمْعٍ اوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايَةِ
مثاله: قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَقُولُ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))[45]، تفرَّد به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.
هذا، وقد يستمر التفرُّد إلى آخر السند، وقد يرويه عن ذلك المتفرد عددٌ من الرواة.
ب - الغريب النِّسْبِي، أو: الفَرْد النِّسْبِي:
تعريفه: هو ما كانت الغرابة في أثناء سنده؛ أي: أنْ يرويَه أكثر من راوٍ في أصل سنده، ثم ينفرد بروايته راوٍ واحد عن أولئك الرُّواة.
مثاله: حديث "مالك، عن الزُّهْرِي، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَر، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: ((اقْتُلُوهُ))[46]، تفرَّد به مالك عن الزُّهْرِي.
سبب التسمية: وسُمِّيَ هذا القسم بـ"الغريب النِّسْبِي"؛ لأن التفرُّد وقع فيه بالنسبة إلى شخصٍ معين.
5 - من أنواع الغريب النَّسْبِي:
هناك أنواع من الغرابة أو التفرُّد يُمكن اعتبارها من الغريب النِّسْبِي؛ لأن الغرابة فيها ليست مُطْلَقَة، وإنَّما حَصَلَتِ الغرابةُ فيها بالنسبة إلى شيء مُعين، وهذه الأنواع هي:
أ - تفرد ثقة برواية الحديث، كقولهم: لم يَرْوِهِ ثقة إلا فلان.
ب - تفرد راوٍ مُعين عن راو معين، كقولهم: "تفرد به فلان عن فلان"، وإن كان مرويًّا من وجوه أخرى عن غيره.
ج - تفرد أهل بلد أو أهل جهة؛ كقولهم: "تفرد به أهل مكة أو أهل الشام".
د - تفرد أهلُ بلد أو جهة عن أهل بلد أو جهة أخرى، كقولهم: "تفرد به أهلُ البصرة عن أهل المدينة، أو: تفرد به أهلُ الشام عن أهل الحجاز"[47].
تقسيم آخر له:
قَسَّمَ العلماءُ الغريبَ من حيث غرابةُ السند أو المتن إلى:
أ - غريب مَتْنًا وإسنادًا: وهو الحديث الذي تفرَّد برواية متنه راوٍ واحد.
ب - غريب إسنادًا لا متنًا؛ كحديث روى مَتْنَهُ جماعةٌ من الصحابة، انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر، وفيه يقول الترمذي: "غريب من هذا الوجه".
هذا ما له تعلق بكلٍّ من: المشهور والعزيز والغريب.
أما الحديث (الخبر) المردود: هو ما لم يجمع صفة الحُسن بفقْد شرط من شروطه.
وقد نظم ذلك الشيخ البيقوني بقوله:
وَكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الْحُسْنِ قَصُرْ
فَهْوَ الضَّعِيفُ وَهْوَ أَقْسَامٌ كُثُرْ
والحديث الضَّعيف لا يُعمل به في الأحكام، لكن يُعمل به في فضائل الأعمال بشروطٍ ثلاثة، ذكرها الحافظ ابنُ حجر، كما نقلها عنه تلميذه الحافظ السَّخَاوي[48]؛ حيث قال[49]:
1 - أن يكون الضعفُ غير شديد.
2 - أن يندرج الحديث تحت أصلٍ معمول به.
3 - ألا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط؛ انتهى.
[فائدة]:
يقول الإمام النووي[50]: " قال العلماءُ المحقِّقون من أهل الحديث وغيرهم: إذا كان الحديث ضعيفًا لا يُقال فيه: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو: فعل، أو: أمر، أو: نَهَى، أو: حكم، وما أشبه ذلك مِنْ صيغ الجزم... وإنَّما يُقال في هذا كله: رُوي عنه، أو: نُقل عنه، أو: حُكي عنه، أو: جاء عنه، أو: بلغنا عنه، أو: يُقال، أو: يُذكر، أو: يُحكى، أو: يُروى، أو: يُعزى... من صيغ التمريض لما سواها"؛ اهـ.
أمَّا قول: "حديث ضعيف"، فليس معناها احتمالية صحَّة الحديث، كما مَرَّ في الشروط، لكن قد يرتقي الضعيف، فيُصبح حسنًا لغيره، "والذي يقول هذا الحكم علماء الحديث، وأهل هذا الفن لا العوام" إذا تعددتْ طرقه، ولَم يكن حسنًا في ذاته.
والمرْدود إمَّا بسبب سَقْطٍ منَ الإسناد، وإمَّا بسبب طَعْنٍ في الرَّاوي.
أولاً: المردود بسبب السقط منَ الإسناد، والمرادُ بذلك انقطاع سلسلة السند (الإسناد) بسقوط راوٍ أو أكثر، عمدًا أم بغير عمد، وسواء كان هذا السقط مِنْ أول السند أم من آخره، وسواء كان ظاهرًا أم خفيًّا.
ويتَّضح المردود بسبب سقط الإسناد من خلال الشكل التالي:
أما السقط الظاهِر: فيشترك في معْرفته الأئمة وغيرهم من المشتغلين بعلوم الحديث، ويُعرف هذا السقْط من عدم التلاقي بين الراوي وشيْخِه؛ لأنه لَم يدرك عصره، أو أدرك عصره لكنَّه لم يَجتمع به؛ لذلك يحتاج الباحث في الأسانيد إلى معرفة تاريخ الرواة؛ لأنَّه يتضمَّن بيانَ مواليدهم وَوَفَيَاتِهم وأوقات طلبهم وارتحالهم وغير ذلك، وهذا السقط له أسماء وهي:
1 - المُنقْطِع: وهو ما لَم يتصل إسناده على أيِّ وجهٍ كان انقطاعه.
ومثاله: ما رواه عبدالرزاق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيع، عن حذيفة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((إن وليتموها أبا بكر فقويٌّ أمين))؛ أخرجه الحاكم في "معرفة علوم الحديث"، وأحمد، والبزار، والطبراني في "الأوسط" بمعناه.
فهنا سقط شريك من بين الثوري وأبي إسحاق.
وحكمه: ضعيف باتِّفاق العلماء، وذلك للجهل بحال الرَّاوي المحذوف.
ويتَّضح من الشكل التالي:
2 - المُعْضَل: وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر على التوالي.
ومثاله:
ما رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث" بسنده إلى القَعْنَبي عن مالك أنَّه بلغه أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((للمملوك طعامُه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق))، قال الحاكم: "هذا معضل عن مالك أعضله هكذا في "الموطأ""؛ انتهى.
وسبب الإعضال؛ لأنَّه سقط منه اثنان متواليان بين مالك وأبي هريرة - رضي الله عنه - وهما: محمد بن عَجْلان عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وحكمه: ضعيف، وهو أسوأ حالاً من المُنْقْطِع.
ويتَّضح من الشكل التالي:
3 - المُرْسَلُ: وهو ما سقط من آخر إسناده مَنْ بعد التابعي.
(يعني الصَّحابي، وممكن أنْ يكون تابعيًّا مثله).
ومثاله: ما أخرجه مسلم في صحيحه قال: حدَّثني محمد بن رافع، ثنا حُجَيْن، ثنا الليث عن عُقَيْل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المُسيَّب، أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن بيع المزابنة.
فهذا مُرْسَلٌ؛ لأن سعيد بن المُسيَّب تابعي كبير[51].
وقد روى هذا الحديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما رآه، وقد أسقط الواسطة بينه وبين النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وممكن أن يكون قد سقط الصحابي أو التابعي مثله.
وحكمه عند المحدَّثين: ضعيف؛ لجهالة الرَّاوي المحذوف، وعند الفقهاء يُحتج به بشروط.
ويتَّضح مِن خلال الشكل التالي:
[فائدة]:
إذا أخبر الصَّحابي عن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا وهو لَم يره، أو لَم يسمعه، أو يشاهده؛ لصغر سنه أو تأخَّر إسلامه، لكنه رواه عن صحابي آخر، فهذا يُعرف بـ"مُرْسَل الصحابي"، وهو محتج به؛ لأنَّ حذف الصحابي لا يضر، ولأنَّ الأصل أنه سمعه مِنْ صحابي آخر.
4 - المُعَلَّقُ: وهو ما حُذِف مِنْ مبدأ إسناده راوٍ فأكثر على التوالي، سواء كان الحذف لجميع السند ثم يقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كذا، أو فعل كذا، وسواء حذف كل الإسناد إلاَّ الصحابي أم إلاَّ الصحابي والتابعي.
مثاله: ما أخرجه البخاري في مقدمة باب ما يذكر في الفخذ: "وقال أبو موسى: غطى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ركبتيه حين دخل عثمان".
فهذا مُعَلَّقٌ؛ لأن البخاري حذف جميع إسناده إلاَّ الصحابي، وهو أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه.
حكمه: المُعَلَّقُ مردودٌ؛ لأنه فَقَد شرطًا من شروط القَبول: وهو اتِّصال السند، سواء أكان راويًا أم أكثر، مع عدم علمنا بحال ذلك المحذوف.
وهذا الحكم ليس على إطلاقه، بحيث إنَّه إذا وجد الحديث المُعَلَّقُ في كتابٍ التُزِمتْ صحته، كالبخاري ومسلم، فهذا له حكم خاص كما يلي:
أ - ما ذكر بصيغة الجَزْم كـ: قَال، وذَكَر، وحَكى، فهو حُكْمٌ بصحته عن المضاف إليه.
ب - ما ذكر بصيغة التَّمريض كـ: قِيل، وذُكر، وحُكي، فليس فيه حُكْمٌ بصحته عن المضاف إليه، بل منه الصحيح، والحسن، والضعيف، وطريق معرفة ذلك بالبحث عن إسناد هذا الحديث والحكم عليه بما يليقُ به، كما فعل ذلك الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في مُعَلَّقات البخاري[52].
لكن وجوده في أحد الصَّحيحين له شأن آخر ومَزِيَّة خاصَّة؛ لاشتراط الشيخين الصِّحَّة في كتابَيْهما.
ويتضح ذلك من خلال الشكل التالي:
وأما السَّقْطُ الخفي: فهذا السَّقْطُ لا يدركه إلا الأئمة الحُذَّاق، المطلعون على طرق الحديث وعِلَلِ الأسانيد، وله تسميتان:
1 - المُدلَّسُ: وهو إخفاء عَيْبٍ في الإسناد وتَحسين لظاهره.
أقسام التدليس: ينقسم التدليس إلى ثلاثة أقسام:
أ - تدليس التسوية: وهو رواية الرَّاوي عن شيخه، ثُمَّ إسقاط راوٍ ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر، فيأتي الذي سمع الحديث من الثقة الأول، ويسقط الضعيف الذي هو بعد الثقة الأول وقبل الثقة الثاني، مع عِلْمه أن كلاًّ من الثقة الأول لقي الآخر، فيجعل الحديث عن شيخه الأول.
الثقة عن الثقة الثاني بلفظ مُحتمل، فيُسوِّي الإسناد كله ثقات، وأشهر مَن فعل ذلك بَقِيَّة بن الوليد؛ لذلك قال أبو مِسْهِر: "أحاديث بَقِيَّة ليستْ نقيَّة، فكن منها على تقية"[53].
ومثال ما فعله بَقِيَّة[54]:
إسحاق بن راهويه عن بَقِيَّة، حدثني أبو وَهْب الأسدي، عن نافع، عن ابن عمر.
قال ابن أبي حاتم في "العِلَل": قال أبي: هذا الحديث له أمر قَلَّ من يفهمه، روى هذا الحديث عُبيدالله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فَرْوَة (ضعيف)، عن نافع (ثقة).
وعبيدالله بن عمرو كنيته أبو وَهْب، وهو أسدي، فكناه بَقِيَّة ونسبه إلى بني أسد؛ كي لا يفطن له حتى إذا ترك ابن أبي فَرْوَة لا يُهتدى له؛ انتهى.
ب - تدليس الشيوخ: وهو أن يرويَ الراوي عنْ شيخ حديثًا سمعه منه، فيُسمِّيه، أو يكنيه، أو ينسبه، أو يصفه بما لا يُعرف به؛ كي لا يعرف.
ومثاله[55]: قول أبي بكر بن مجاهد عن أبي بكر بن أبي داود السِّجِسْتاني[56]، فقال: حدثنا عبدالله بن أبي عبدالله و...، "حدثنا محمد بن سند" نسبة إلى جد له.
ج - تدليس الإسناد: وهو أن يروي الراوي عمَّن قد سمع منه ما لم يسمع منه، من غير أنْ يذكر أنَّه سمعه منه، فيسقط ذلك الشيخ، ويرويه عنه بلفظ محتمل للسَّماع وغيره، كـ: قال أو عن؛ ليوهم غَيْرَهُ أنه سمعه منه، لكن لا يصرح بأنه سمع منه هذا الحديث، فلا يقول: سمعت أو حدثني حتى لا يصير كذابًا، ثم قد يكون الذي أسقطه واحدًا أو أكثر.
مثاله[57]: قول علي بن حَشْرم: كنا عند سُفْيان بن عُيينة فقال: قال الزُّهْرِي: كذا فقيل له: أسمعت منه هذا؟ قال: حدثني به عبدالرزاق، عن مَعْمَر عنه.
حكم التدليس[58]: أشد كراهة تدليس التسْوية، يليه الإسناد، ثم الشيوخ.
[فائدة]:
قال الشيخ أحمد محمد شاكر في "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث":
"ومنه تدليس العطف، كأنْ يقول: حدثنا فلان وفلان، وهو لم يسمع من الثاني...
ومنه تدليس السُّكوت، كأن يقول: حدَّثنا، أو: سمعت، ثم يسكت، ثم يقول: هشام بن عروة أو الأعمش، موهمًا أنَّه سمع منهما، وليس كذلك"[59]؛ انتهى.
بم يعرف التدليس[60]؟
يُعرف التدليس بأحد أمرين:
أ - إخبار المدلس نفسه إذا سئل مثلاً، كما جرى لابن عُيَيْنة.
ب - نص إمامٍ مِنْ أئمة هذا الشأن بناءً على معرفته ذلك من البحث والتتبُّع.
2 - المُرْسَلُ الخفي: وهو أن يروي عمَّن لقيه أو عاصره ما لم يسمع منه بلفظٍ يَحتمل السماع وغيره كقال.
ومثاله: ما رواه ابن ماجَه، من طريق عُمر بن عبدالعزيز، عن عُقبة بن عامر مرفوعًا: ((رَحِمَ الله حارسَ الحرس))، فإن عمر لم يَلْق عُقبة كما قال المِزِّي في "الأطراف".
وحكمه: هو ضعيف؛ لأنَّه من نوع المُنْقَطِع، فإذا ظهر انقطاعه، فحكمه حكم المُنْقَطِع.
وسيأتي له مثال تَحت المزيد في متصل الأسانيد.
[فائدة[61]]:
يتبع الحديثَ المردود بسبب سقط من الإسناد كلٌّ من المُعَنْعن والمُؤَنَّن.
- أما المُعَنْعَنُ: قول الراوي فلان عن فلان.
- وأما المُؤنَّنُ: قول الراوي: حدثنا فلان أنَّ فلانًا...
ويكون متصلاً بشروط:
الأول: ألا يكون المُعَنْعِنُ مُدلِّسًا.
الثاني: أن يمكن لقاء بعضهما الآخر؛ أي: لقاء المُعَنْعِن بمن عَنْعَنَ عنه.
وهذان الشرطان مُتَّفق عليهما، ومذهب مسلم الاكتفاء بهما.
وهناك شروط مختلف فيها منها:
أ - ثبوت اللقاء: وهو قول البخاري وابن المَدِيني والمحققين.
ب - طول الصحبة: وهو قول أبي المُظفَّر السَّمْعاني.
ج - معرفته بالرواية عنه: وهو قول أبي عمرو الداني.
هذا ما يتعلَّق بالحديث المردود بسبب سقط من الإسناد.
ثانيًا: المردود بسبب طعن في الرَّاوي: والمرادُ بالطعن في الراوي جَرْحُه باللسان والتكلُّم فيه من ناحية عدالته ودينه، ومن ناحية ضبطه، وحفظه، وتيقظه.
وهذا الطعن إمَّا بالعدالة، وإمَّا أن يتعلق بالضبط، ويتضح من الشكل التالي:
أما ما يتعلَّق بالطعن في العدالة، فكما يلي:
1 - الكذب: فإذا كان سببُ الطعْن في الرَّاوي هو الكذب على الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحديثه يُسمَّى: الموْضوع، ويُعرَف على أنَّه الكذب المُختلق المصْنوع المنْسُوب إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو شَرُّ الأحاديث الضعيفة وأقبحها، واعتبره بعضُ العلماء قسمًا مستقلاًّ، وليس من أنواع الأحاديث الضَّعيفة.
وقد أجمع العلماءُ على أنه لا تَحِلُّ روايته لأحدٍ عَلِمَ حالَه في أيِّ معنًى كان، إلاَّ مع بيان وضعه؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذِبين))[62].
ويعرف الوضع بأمور منها:
- إقرار الواضع بالوضع.
- ما يتنزَّل منزلة إقراره، كأنْ يحدث عن شيخٍ توفي قبل مولد هذا الوضَّاع.
- قرينة في الراوي، كأنْ يكون الراوي رافضيًّا، والحديث في فضائل أهْل البيت.
- قرينة في المرْوي: مثل كون الحديث ركيكَ اللفظ، أو مُخالفًا للحِسِّ، أو صريح القرآن الكريم.
ودواعي الوضع أصناف:
- فمنهم من يفعله قربةً لله - تعالى - ترغيبًا وترهيبًا، ومنهم من يقول: نكذب له لا عليه.
- ومنهم من يفعله انتصارًا لمذهبٍ سياسيٍّ أو ديني.
- ومنهم من يفعله طعْنًا في الإسلام مثل حديث... رفعه: "لا نبيَّ بعدي إلا أن يشاء الله".
- ومنهم من يفعله تزلُّفًا إلى الحكام؛ مثل: قصة غياث بن إبراهيم النَّخعي الكوفي مع المهدي حين دخل عليه وهو يلعب بالحَمَام، فساق بسنده على التوِّ حديثًا: "لا سَبْق إلا في نصل، أو خف، أو حافر، أو [جناح]"، فزاد كلمة [جناح]؛ لأجل المهدي، فَعَرَف[63] المهدي ذلك، فأَمَرَ بذبح الحمام، وقال: أنا حملته على ذلك.
- ومنهم من يفعله طلبًا للتكسُّب وطلب الرِّزق، كبعض القصاص من سرد قصص عجيبة خرافية.
- ومنهم من يفعله قصدًا للشُّهرة، وذلك بإيراد الأحاديث الغريبة التي لا توجد عند أحدٍ من شيوخ الحديث؛ ليُستغرب فيُرَغِّب في سماعه.
2 - التهمة بالكذب: وهو المتروك، وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ متَّهم بالكذب.
3 - الفسق: وكذلك فُحش الغلط، أو كثرة الغفلة، ويُسمى: المنكر، وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ فَحُشَ غلطُه، أو كثرتْ غفلته، أو ظهر فسقُه.
وقد نظم معناه الشيخ البيقوني في منظومته قائلاً:
وَالْمُنْكَرُ الْفَرْدُ بِهِ رَاوٍ غَدَا
تَعْدِيلُهُ لاَ يَحْمِلُ التَّفَرُّدَا
ورتبة المنكر أنَّه من أنواع الضَّعيف جدًّا؛ لأنَّه إما راويه موصوف بفُحش الغلط، أو كثرة الغفلة، أو الفسق، وإمَّا روايه ضعيفٌ مُخالف في روايته تلك لرواية الثِّقات، وكلا القسمين فيه ضعف شديد.
4 - الوَهْم: وهو المُعَلَّلُ: وهو الحديث الذي اطَّلع فيه على عِلَّة تقدح في صحته، مع أنَّ الظاهر السلامة، والعلة: سببٌ غامض خفي قادح في صحة الحديث، ولا بد لتحققها من وجود شرطَيْن:
الأول: الغموض والخفاء.
الثاني: القدحُ في صِحَّة الحديث، وتكون في المتن كما تكون في الإسناد، وقد مَرَّ الكلام على العلة عند شرح شروط الحديث الصحيح.
5 - مخالفة الثقات: مخالفة الثقات ينتج عنها خمسة أنواع، وهي:
الأول: المُدْرَج: إذا كانت المخالفة بتغيير سياق الإسناد، أو بدَمْج موقوف بمرفوع، ويكون الإدراج في أول الحديث، أو في وسطه، أو في آخره، ومثال إدراج السند قِصَّة رواية ثابت بن موسى الزاهد مع عبدالله القاضي، وهو يُملي، فلما رآه، قال: مَن كَثُرت صلاته بالليل، حسن وجهه بالنهار.
الثاني: المَقْلُوب: وهو إبدالُ لفظٍ بآخر في سند الحديث أو مَتنه، بتقديمٍ أو تأخير ونحوه.
ومثال مقلوب السند، فيقول الراوي مثلاً: عن مرة بن كعب، والصواب هو: كعب بن مرة، أو يبدل الراوي شخصًا بآخر بقصد الإغراب، كحديث مشهور عن سالم، فيجعله الراوي عن نافع.
ومثال مقلوب المتن، كقول الراوي: "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله"، والصواب: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، كما في الصحيحَيْن.
وكذلك يجعل متن حديث على إسناد آخر، وإسناده لمتن آخر، وذلك بقصد الامتحان وغيره.
ومثاله: ما فعله أهلُ بغداد مع الإمام البخاري؛ إذ قَلَبوا له مائة حديث، وسألوه عنها؛ امتحانًا لحفْظه، فَرَدَّها على ما كانتْ عليه قبل القلب، ولَم يُخطئ في واحدٍ منها.
الثالث: المَزِيد في متصل الأسانيد: وهو زيادة راوٍ في أثناء سندٍ ظاهره الاتِّصال.
وترد الزيادة بشرطَيْن مجتمعين معًا:
1 - أن يكون من لَم يزدها أتقن مِمَّن زادها.
2 - أن يقع التصريحُ بالسَّماع في موضع الزيادة.
فإِنِ اختلَّ الشرْطان أو أحدهما، ترجَّحت الزيادة وقبلتْ، واعتبر الإسناد الخالي من تلك الزيادة مُنْقَطِعًا، لكنَّ انْقِطاعَه خَفِيٌّ، وهو الذي يُسَمَّى بالمُرْسَل الخفي، وقد تقدَّم الكلام عنه.
4 - المُضْطَرِب: وهو ما رُوِيَ على أوْجُه مختلفة متساوية في القوة.
والمُضْطَرب هو الذي يُروى على أشكالٍ مُتعارضة مُتدافعة، لا يُمكن التوفيقُ بينها أبدًا، وتكون جميعُ تلك الروايات متساوية في القوة من جميع الوجوه؛ بحيث لا يُمكن ترجيح إحداها على الأخرى بوجه من وجوه الترجيح.
ولا يُسمى مضطربًا إلا إذا تحقَّق فيه شرطان، وهما:
1 - اختلاف روايات الحديث؛ بحيث لا يُمكن الجمْع[64] بينها.
2 - تساوي الروايات في القوة؛ بحيث لا يُمكن ترجيح رواية على أخرى، سواء كان في السند أم في المَتْن.
ومثال مُضْطَرِب المتن: ما رواه الترمذي لحديث: ((إنَّ في المال لحقًّا سوى الزكاة))، ورواه ابن ماجَه بلفظ: ((ليس في المال حق سوى الزكاة)).
قال الإمام العراقي: "فهذا اضْطِرابٌ لا يحتمل التأويل".
وسبب ضعف المُضْطَرِب: أنَّ المُضْطَرِب يشعر بعدم ضبط رُواته.
5 - المُصَحَّف: وهو تغيير الكلمة في الحديث إلى غير ما رَواها الثِّقات لفظًا أو معنًى.
وتكمُن أهميته في كشف الأخطاء التي وقع فيها بعضُ الرواة، وإنَّما ينهض بأعباء هذه المهمة الحُذَّاق من الحفَّاظ؛ كالدَّارَقُطْني.
ومن أمثلة التصحيف قولُ الراوي في الحديث: "مَنْ صام رمضان وأتبعه [شيئًا] من شوال"، والصواب: ((ستًّا من شوال))، كما في "مسند الإمام أحمد"، وصحيح الإمام مسلم، والسنن الأربعة.
ويقدح في الراوي إنْ كَثُرَ ذلك منه، وسبب ذلك الأخْذ عن الصُّحُف لا من الشيوخ، وقالوا: "لا يُؤخذ الحديث من صُحُفي".
- ومن أقسام المردود بسبب الطعن في العدالة: الجهالةُ بالراوي، ومعناها: عدم معرفة عين الراوي أو حاله.
وأسبابُها: إما كثرة نعوت الراوي من اسم، أو كنية، أو لقب، أو صفة، أو حرفة، أو نسب، فيشتهر بشيء منها، ويذكر بغير ما اشتهر به لغَرَضٍ من الأغراض، فيُظن أنه راوٍ آخر، فيحصل الجهل بحاله.
ومنها: قِلَّة روايته، ومنها: عدم التصريح باسمه لأَجْل الاختصار، ويُسمى الراوي غير المصرح به (المُبْهَم).
- والمجهول: مَن لَم تُعرف عينه أو صفته، وهو:
أ - إما مجهول العين، وهو مَنْ ذُكِرَ اسْمُه، ولكن لم يَرْوِ عنه إلا راوٍ واحد، وهذا لا تُقْبَلُ روايته إلاَّ إذا وُثِّق من غير مَنْ روى عنه، وأن يكون من أهل الجَرْح والتعديل.
ب - وإمَّا مجهول الحال (وهو المَسْتور)، وهو مَنْ روى عنه اثنان فأكثر، لكن لَم يُوَثَّقْ، وروايتُه مَردُودة.
ج - المُبْهَم: وهو مَنْ لم يُصرَّحْ باسمه في الحديث، ولا تقبل روايتُه حتى يصرح الراوي عنه باسمه، أو يُعرف اسمه بوُرودِه من طريق آخر مُصرَّح فيه باسمه.
ومن أقسام المردود بسبب الطعن في العدالة البدعة:
ومعناه: الحَدَثُ في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدثَ بعد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الأهواء والأعمال.
وهي قسمان: مكفرة، كالمُنكِر معلومًا من الدين بالضَّرورة، وهذا تُرد روايته.
والقسم الثاني: بدعة مُفسِّقة؛ أي: يُفسَّق صاحِبُها بسببها، وهو مَن لا تقتضي بدعته التكفير أصلاً.
وروايته مقبولة بشرطَيْن:
الأول: ألا يكون داعيًا إلى بدعته.
الثاني: ألا يروي ما يروِّج بدعته.
- ومن أقسام المردود بسبب الطعن في العدالة: سوءُ الحفظ.
وسيِّئ الحفظ هو ما لم يُرجَّح جانبُ إصابته على جانب خطئه.
وسيئ الحفظ إمَّا أن يكون سوءُ الحفظ من أول حياته مُلازمًا له في جميع حالاته، (فهذا روايته مردودة).
وإمَّا أن يكون سوءُ الحفظ طارئًا عليه إما لكِبره، أو لذهاب بَصَرِه، أو لاحتراق كتبه، فهذا يُسمَّى (المُخْتَلِط)، وحكم روايته فيها تفصيل كما يلي:
1 - ما حدَّث به قبل الاختلاط وتميَّز ذلك (فمقبول).
2 - ما حدَّث به بعد الاختلاط (فمردود).
3 - ما لم يتميز أنه حدَّث به قبل الاختلاط أو بعده، (تُوُقِّف فيه حتى يتميز).
الفرق بين القرآن الكريم والحديث القُدْسي[65]:
1 - تعريفه:
- لغةً: القُدْسِيُّ نسبة إلى "القُدْس"؛ أي: الطُّهْر، كما في القاموس[66]؛ أي: الحديث المنسوب إلى الذات القدسية، وهو الله - سبحانه وتعالى.
- اصطلاحًا: هو ما نُقل إلينا عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع إسناده إياه إلى ربه - عزَّ وجلَّ.
2 - الفرق بينه وبين القرآن:
هناك فروق كثيرة أشهرها ما يلي:
أ - أنَّ القرآنَ لفظُه ومعناه عن الله - تعالى - والحديث القُدسي معناه من الله، ولفظه عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ب - والقرآن يُتَعَبَّدُ بتلاوته، والحديث القدسي لا يُتَعَبَّدُ بتلاوته.
ج - القرآن يشترط في ثبوته التواتر، والحديث القدسي لا يشترط في ثبوته التواتر.
3 - عدد الأحاديث القدسية:
والأحاديث القدسية ليست بكثيرة بالنسبة لعددِ الأحاديث النبوية، وعددها يزيد على مائتي حديث.
4 - مثاله:
ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما روى عن الله - تبارك وتعالى - أنَّه قال: ((يا عبادي، إنِّي حَرَّمت الظُّلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تَظَالموا...)).
5 - صيغ روايته:
لراوي الحديث القدسي صيغتان يَرْوِي الحديث بأيهما شاء، وهما:
- قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يرويه عن ربه - عزَّ وجلَّ.
- قال الله - تعالى - فيما رواه عنه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
6 - أشهر المصنفات فيه:
"الإتحافات السَّنِيَّة بالأحاديث القدسية"؛ لعبدالرؤوف المُنَاوِي، جمع فيه 272 حديثًا.
فوائد متفرقة حول علم مصطلح الحديث:
أشهر المصنفات في علم المصطلح[67]:
1 - المُحَدِّث الفاصِل بين الراوي والواعي:
صنَّفه القاضي أبو محمد الحسن بن عبدالرحمن بن خلاد الرَّامَهُرْمُزِي المُتَوَفَّى سنة 360 هـ، لكنَّه لم يستوعب أبحاث المصطلح كلها، وهذا شأن مَن يفتتح التصنيفَ في أي فن أو علم غالبًا.
2 - معرفة علوم الحديث:
صنفه أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، المُتَوَفَّى سنة 405 هـ، لكنه لم يهذب الأبحاث، ولم يرتبها الترتيب الفني المناسب.
3 - المُسْتَخْرَج على معرفة علوم الحديث:
صنفه أبو نُعَيْم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، المُتَوَفَّى سنة 430 هـ، استدرك فيه على الحاكم ما فاته في كتابه "معرفة علوم الحديث" من قواعد هذا الفن، لكنَّه ترك أشياء يُمكن للمُتَعَقِّب أن يستدركها عليه أيضًا.
4 - الكفاية في علم الرواية:
صنَّفه أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي المشهور، المُتَوَفَّى سنة 463 هـ، وهو كتاب حافل بتحرير مسائل هذا الفن، وبيان قواعد الرِّواية، ويُعَدُّ من أَجَلِّ مصادر هذا العلم.
5 - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع:
صَنَّفه الخطيب البغدادي أيضًا، وهو كتابٌ يبحث في آداب الرِّواية، كما هو واضحٌ مِن تسميته، وهو فريد في بابه، قيِّم في أبحاثه ومُحتوياته، وقَلَّ فنٌّ من فنون علم الحديث إلاَّ وصنف الخطيب فيه كتابًا مفردًا، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نُقْطَة: "كلُّ مَن أنصف عَلِمَ أن المحُدِّثين بعد الخطيب عِيالٌ على كُتبه".
6 - الإِلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع:
صنَّفه القاضي عياض بن موسى اليَحْصُبِي، المُتَوَفَّى سنة 544 هـ، وهو كتابٌ غير شامل لجميع أبحاث المصطلح، بل هو مَقصور على ما يتعلَّق بكيفية التحمُّل والأداء وما يتفرع عنها، لكنَّه جيد في بابه، حسن التنسيق والترتيب.
7 - ما لا يَسَعُ المُحَدِّثَ جَهْلُهُ:
صنفه أبو حفص عمر بن عبدالمجيد المَيَانَجِي المُتَوَفَّى سنة 580 هـ، وهو جزء صغير ليس فيه كبير فائدة.
8 - علوم الحديث:
صنفه أبو عَمْرو عثمان بن عبدالرحمن الشَّهْرَزُورِي المشهور بابن الصلاح، المُتَوَفَّى سنة 643 هـ، وكتابه هذا مشهور بين الناس بـ"مقدمة ابن الصلاح"، وهو مِنْ أجودِ الكتب في المصطلح، جمع فيه مُؤلفه ما تفرَّق في غيره من كتب الخطيب ومَنْ تَقَدَّمَهُ، فكان كتابًا حافلاً بالفوائد، لكنَّه لم يُرتبه على الوضع المناسب؛ لأنَّه أملاه شيئًا فشيئًا، وهو مع هذا عمدة مَنْ جاء بعده من العلماء، فكم من مختصر له وناظم، ومُعَارِض له ومُنْتَصِر!
9 - التقريب والتيسير لمعرفة سُنَن البشير النذير - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
صنفه محيي الدين يَحيى بن شرف النووي، المُتَوَفَّى سنة 676 هـ، وكتابه هذا اختصار لكتاب "علوم الحديث"؛ لابن الصلاح، وهو كتاب جيد، لكنَّه مغلق العبارة أحيانًا.
10 - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي:
صنَّفه جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السُّيوطي، المُتَوَفَّى سنة 911 هـ، وهو شرح لكتاب "تقريب النواوي"، كما هو واضح من اسمه، جمع فيه مُؤلفه من الفوائد الشيء الكثير.
11 - نَظْم الدُّرَر في علم الأثر:
صنَّفها زين الدين عبدالرحيم بن الحسين العراقي، المُتَوَفَّى سنة 806 هـ، ومشهورة باسم "ألفيَّة العراقي"، نظم فيها "علوم الحديث"؛ لابن الصلاح، وزاد عليه، وهي جيدة غزيرة الفوائد، وعليها شروحٌ متعددة، منها شرحان للمؤلف نفسه.
12 - فتح المغيث في شرح ألفية الحديث:
صنَّفه محمد بن عبدالرحمن السَّخَاوي، المُتَوَفَّى سنة 902 هـ، وهو شرح على ألفية العراقي، وهو من أوْفَى شروح الألفية وأجودها.
13 - نُخْبَة الفِكَر في مصطلح أهل الأَثر:
صنَّفه الحافظ ابن حجر العَسْقَلاني المُتَوَفَّى سنة 852 هـ، وهو جزءٌ صغير مختصر جدًّا، لكنَّه من أنفع المختصرات وأجودها ترتيبًا، ابتكر فيه مُؤلفه طريقةً في الترتيب والتَّقسيم لَم يُسْبَق إليها، وقد شرحه مُؤلفه بشرح سماه: "نُزْهَة النظر" كما شرحه غيره.
14 - المنظومة البَيْقُونِيَّة:
صنفها عمر بن محمد البيقوني، المُتَوَفَّى سنة 1080 هـ، وهي من المنظومات المختصرة؛ إذ لا تتجاوز أربعة وثلاثين بيتًا، وتُعَدُّ من المختصرات النافعة المشهورة، وعليها شُرُوح متعددة.
15 - قواعد التحديث:
صنفه محمد جمال الدين القاسمي، المُتَوَفَّى سنة 1332 هـ، وهو كتاب مُحَرَّر مفيد، وهناك مصنفات أخرى كثيرة يطول ذكرُها، اقتصرت على ذكر المشهور منها، فجزى الله الجميعَ عَنَّا وعن المسلمين خَيْرَ الجزاء؛ انتهى.
وتيسيرًا لتعلم ومعرفة علم مصطلح الحديث الرجوع إلى ما يلي:
1 - مقدمة ابن الصلاح = علوم الحديث؛ للإمام أبي عمرو ابن الصلاح[68].
2 - مختصر التقريب؛ للإمام النووي.
3 - التدريب؛ للإمام السيوطي، وهو شرح للتقريب.
لكن كتاب الدكتور/ محمود الطَّحَّان "تيسير مصطلح الحديث" يُعَدُّ مِفتاحًا لها، فيُمكن البَدْء به أولاً.
4 - اختصار علوم الحديث المعروف بمُقدمة ابن الصلاح؛ للإمام ابن كثير، وشرحه المعروف بالباعث الحثيث؛ للشيخ أحمد محمد شاكر.
فيبدأ كما يلي:
- حفظ المنظومة البيقونية (34) بيتًا، مع شرحٍ لها، مثل: شرح الشيخ المشاط، أو الشيخ علي حسن الحلبي.
- ثم دراسة "تيسير مصطلح الحديث"؛ للدكتور محمود الطَّحَّان.
- ثم ليدرس مقدمة الإمام النووي[69] لشرحه لصحيح الإمام مسلم، وشرحه[70] لمقدمة الإمام مسلم في صحيحه.
- ثم مَن أراد فليحفظ نُخْبَة الفِكَر، للإمام ابن حجر، مع شرحه لها في نُزْهَة النَّظَر، وهو أفضلُ مِن شَرْح عَصْرِيِّه الشُّمُنِّي لها، ثم حفظ منظومة قَصَب السُّكَّر لنُخبة الفِكَر؛ للإمام الصنعاني، ثم ألفية العراقي وشرحه لها، وشرح الإمام السَّخَاوي "فتح المغيث"، أو يحفظ ألفية الحافظ السُّيوطي مع شرح الهُرْمُسي عليها.
ثانيًا: أنواع التصنيف في الحديث[71]:
يَجب على من يَجد في نفسِه المقدرة على التصنيف في الحديث - وغيره - أنْ يقومَ بالتصنيف، وذلك لجمع المتفرِّق، وتوضيح المُشْكِل، وترتيب غير المرتب، وفهرسة غير المفهرَس؛ مما يسهل على طلبة الحديث الاستفادة منه بأيسر طريق وأقرب وقت، وليحذر إخراج كتابه قبل تَهذيبه وتَحريره وضَبْطه، وليكن تصنيفه فيما يعم نفعه وتكثر فائدته.
هذا، وقد صَنَّف العلماءُ الحديثَ على أشكال متنوعة، فمن أشهر أنواع التصنيف في الحديث ما يلي:
أ - الجوامع:
الجامع: كل كتاب يَجمع فيه مُؤلِّفه جميعَ الأبواب من العقائد، والعبادات، والمعاملات، والسِّيَر، والمناقب، والرِّقاق، والفتن، وأخبار يوم القيامة؛ مثل: "الجامع الصحيح للبخاري".
ب - المسانيد:
المُسْنَد[72]: كل كتاب جُمِعَ فيه مَرويَّات كل صحابي على حِدَة، من غير النَّظَر إلى الموضوع الذي يتعلق فيه الحديث، مثل: "مُسْنَد الإمام أحمد بن حنبل".
ج - السنن:
وهي الكتب المصنَّفة على أبواب الفقه؛ لتكونَ مصدرًا للفُقهاء في استنباط الأحكام، وتَختلف عن الجوامع بأنَّها لا يوجد فيها ما يتعلَّق بالعقائد، والسِّيَر، والمناقب، وما إلى ذلك، بل هي مَقصورة على أبواب الفقه، وأحاديث الأحكام؛ مثل: سنن أبي داود.
د - المعاجم:
المُعْجَم: كلُّ كتاب جَمَع فيه مُؤلفُه الحديث مُرتبًا على أسماء شيوخه على ترتيب حروف الهجاء غالبًا، مثل المعاجم الثلاثة للطبراني، وهي: المُعجْمَ الكبير، والأوسط، والصغير.
هـ - العِلَل:
كتب العِلَل هي الكتبُ المشتملة على الأحاديث المعلولة مَع بيان عِلَلِها، وذلك مثل: "العِلَل"؛ لابن أبي حاتم، و"العِلَل"؛ للدَّارَقُطْنِي.
و - الأَجْزاء:
الجُزْءُ: كل كتاب صغير جُمِع فيه مَرويات راوٍ واحد من رُواة الحديث، أو جُمِع فيه ما يتعلق بموضوعٍ واحد على سبيلِ الاستقصاء؛ مثل: "جُزْء رفع اليدين في الصلاة؛ للبخاري".
ز - الأطراف:
كلُّ كتاب ذكر فيه مُصنِّفُه طرف كل حديث، الذي يدل على بقيته، ثم يذكر أسانيد كل متن من المتون، إمَّا مُستوعِبًا أو مقيِّدًا لها ببعض الكتب؛ مثل: "تحفة الأَشْراف بمعرفة الأطراف"؛ للمِزِّي.
ح - المُسْتَدْرَكات:
المُسْتَدْرَك: كل كتاب جمع فيه مؤلفُه الأحاديثَ التي استدركها على كتابٍ آخرَ مما فاتته على شرطه، مثل: "المُسْتَدْرك على الصحيحين"؛ لأبي عبدالله الحاكم.
ط - المُسْتَخْرَجَات:
المُسْتَخْرَج: كل كتاب خَرَّجَ فيه مؤلفُه أحاديثَ كتابٍ لغيره من المؤلفين بأسانيد لنفسه، من غير طريقِ المؤلف الأول، ورُبَّما اجتمع معه في شيخه أو من فوقه، مثل: "المُسْتَخْرج على الصحيحين"؛ لأبي نُعَيْم الأصبهاني.
ثالثًا: أعداد ومعانٍ في علْم مصطلح الحديث:
1 - معنى رواه التِّسعة = موطأ الإمام مالك + مسند الإمام أحمد + سنن الدارمي + (البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسائي وابن ماجَه).
2 - السبعة = التسعة - (مالك والدارمي).
3 - الستة = السبعة - مسند أحمد = رواه الجماعة، والستة كلُّهم أعاجم غير الإمام مُسلم فعربي.
4 - الخمسة = الستة - (البخاري ومسلم) + مسند أحمد.
5 - الأربعة = الخمسة - مسند أحمد = أصحاب السنن.
6 - الثلاثة = الأربعة - ابن ماجَهْ.
رابعًا: مراتب علماء الحديث:
وهي ألقاب علمية تَرِدُ كثيرًا في كتب أهل العلم، وهي كما يلي ترقيًا إلى الأعلى:
أ - المُحدِّث: وهو من يشتغل بعلم الحديث روايةً ودرايةً، وليس شرطًا أن يكون حافظًا للأحاديث؛ مثاله من علماء هذين القرنين: الشيوخ: "أحمد ومحمود" شاكر، ومحمد جمال الدين القاسمي، والألباني و(عبدالقادر وشعيب) الأرناؤوط، و(محمود وعبدالرحيم) الطَّحَّان.
ب - الحافظ: هو مَن يَحفظ (مائة ألف حديث)، وقيل: هو بمعنى المُحَدِّث... مثاله من المتقدمين الحفاظ: النَّووي، وابن حجر، والذهبي، وابن كثير، وابن القيم، وابن رجب، والسيوطي، والمنذري.
ج - الحجة: هو من يَحفظ (ثلاثمائة ألف حديث).
د - الحاكم: وهو من أحاط بالسُّنة، ولم يفتْه إلا اليسير منها.
هـ - أمير المؤمنين في الحديث: وهي رُتبة ومنزلة لم ينلها إلاَّ الأفذاذ النوادر من هذه الأُمَّة ومن أشهرهم:
- الإمام سُفْيان الثوري.
- الإمام أحمد بن حنبل.
- الإمام إسحاق بن راهُويه.
- الإمام شُعبة بن الحجَّاج.
- الإمام البخاريُّ.
- الإمام الدَّارَقُطْني.
- الإمام أحمد بن حَجَر العَسْقلاني (مؤلف كتاب "فتح الباري بشرح صحيح البخاري").
[تنبيه]:
هذه المراتب مشهورة بين أهل العلم، ولكن غير مُجمَع عليها بينهم، وليس المقصود من هذه الأعداد أنَّها مختلفة، بل لو كان الحديث برواياتٍ مُختلفة عن الصَّحابي نفسه أو عن غيره، فإنَّها داخلة في العدد.
هذه الفائدة العظيمة أوردها الشيخُ الدكتور محمد محمد أبو شَهبة في كتابه الماتع: "الصِّحاح الستة"[73]، وقد انتقد العلماء كأبي طاهر السِّلَفي[74] وغيره إطلاق لفظ الصِّحاح الستة على الكتب الستة، وأن هذا فيه تساهُل؛ لأمور منها:
1 - البخاري ومسلم فقط اشترطا الصِّحَّة في كتابيهما.
2 - السنن الأربعة: أبو داود والترمذي والنَّسائي وابن ماجَهْ فيها الصحيح، والحسن، والضَّعيف، وأحيانًا الموضوع، خاصَّة في الأخير منها.
3 - اتِّفَاق علماء الحديث على أن هناك في السنن الأربعة أحاديث غير مقبولة؛ ولهذا قال الإمام العراقي في ألفيته الماتعة:
وَمَنْ عَلَيْهَا أَطْلَقَ الصَّحِيحَا
فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيحَا
4 - إطلاق لفظ الحسان على السنن الأربعة تساهلٌ أيضًا، كما قال الإمام العراقي في ألفيته مُنتقدًا صنيعَ الإمام البَغَوي في "مصابيح السنة" أنَّ ما رواه الشيخان صحيحٌ، وما رواه أهلُ السنن الأربعة حسن، فقال:
وَالْبَغَوِي إِذْ قَسَّمَ الْمَصَابِحَا
إِلَى الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ جَانِحَا
أَنَّ الْحِسَانَ مَا رَوَوْهُ فِي السُّنَنْ
رُدَّ عَلَيْهِ إِذْ بِهَا غَيْرُ الْحَسَنْ
سادسًا: متفرقات:
إذا أُطْلِقَ:
1 - الحافظ، فهو الحافظ ابن حَجَر العسقلاني.
2 - رواه أحمد، فهو في المسند.
3 - رواه البخاري، فهو في صحيحه، مثال ذلك: لو قلنا: رواه البخاري في الأدب، فإن ذلك يعني أنَّه رواه في كتاب الأدب من صحيحه، وليس المقصود رواه في كتاب الأدب المفرد؛ لأنَّ "صحيح البخاري" كله صحيح، بينما الأدب المفرد كتاب في الرَّقائق فيه الصحيح، والحسن، والضعيف.
4 - رواه مسلم، فهو في صحيحه.
5 - رواه البيهقي، فهو في السنن.
6 - رواه الطبراني، فهو في معجمه الكبير.
7 - في الصحيح، فهو إمَّا البخاري، وإمَّا مسلم، وإمَّا البُخاري ومسلم.
8 - في السُّنَن، فهو في سُنَن أبي داود إلاَّ لو كانت السنن الأربعة، فهم أصحاب السنن الأربعة: أبو داود، والترمذي، والنَّسائي، وابن ماجَه.
9 - إذا سكت الحافظ ابن حجر عن حديثٍ في "فتح الباري" ولم يُصححه ولم يضعفه، فإنَّه إمَّا حسن أو صحيح[75].
10 - إذا سكت أبو داود عن حديثٍ في سُننه، فالعلماءُ في تَحسين ذلك مدرستان؛ لقوله[76]: "... وما لم أذكر منه شيئًا، فهو صالح"؛ انتهى.
- منهم من يُحسِّن الحديث.
- ومنهم من لا يُحسنه
11 - إذا قال إمامٌ أو عالم أو شيخ مُعتبر من أهل الصناعة الحديثيَّة عن حديث: إنَّه:
- متواتر.
- صحيح.
- حسن.
- جيد.
- صالح.
- لا بأس به.
- مقبول.
- إسناده نظيف.
- رجاله رجال الصِّحاح.
- رجاله ثقات.
- مستقيم الإسناد: حسن أو صالح أو ليس في الإسناد مطعن، فقد خَرَج بذلك الحديث عن حيِّز الرد جملةً، ويعمل بقوله فيه.
[فائدة]:
إذا أردت معرفةَ كيفية تَخريج الأحاديث، فعليك لزامًا بكتاب: "أصول التخريج ودراسة الأسانيد"؛ للدكتور/ محمود الطَّحَّان.
[سابعًا]: الصَّحابة - رضي الله عنهم - كلهم عدول؛ لتعديل الله - تعالى - لهم، ولمدح سيِّدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهم في أحاديثه الكثيرة، والتحذير من انتقاصهم؛ حيث شهد لهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهم بالخيريَّة والأفضليَّة.
هذا، وإن الطعن في عدالتهم اتِّهام وانتقاصٌ لحضرة المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ كيف يصحب أناسًا مجروحين؟! ثم إن الطعن فيهم فيه سُوء أدب مع الله - تعالى - إذ كيف يختار الله - تعالى - لنبيه أقوامًا مجروحين؟! ثم كيف امتدحهم في ثلاثة كتب كما في آخر آية من سورةِ الفتح، ويقال للطاعن في أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: هَلْ علم أحوال الصحابة - رضي الله عنهم - قبل بعثة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو لا؟
فإن كان الجوابُ بالنفي، فقد كفر المجيب، وأمَّا إن كان الجوابُ بالإثبات، فيُقال له: هل الله - تعالى - لا يعلم ما سيكون من أحوالهم، أو أنَّهم خرجوا عن قُدرته، أو لم يستطع تغييرهم، أو أُكْرِهَ عليهم؟!
ثامنًا: أكثر الصحابة - رضي الله عنهم - روايةً ستة، وهم:
1 - أبو هريرة - رضي الله عنه - روى 5374 حديثًا.
2 - عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - روى 2630 حديثًا.
3 - أنس بن مالك - رضي الله عنه - روى 2286 حديثًا.
4 - أم عبدالله أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - روت 2210 من الأحاديث.
5 - عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - روى 1660 حديثًا.
6 - جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - روى 1540 حديثًا.
ورحم الله - تعالى - من قال:
سَبْعٌ مِنَ الصَّحْبِ فَوْقَ الْأَلْفِ قَدْ نَقَلُوا
مِنَ الْحَدِيثِ عَنِ الْمُخْتَارِ خَيْرِ مُضَرْ
أَبُو هُرَيْرَةَ سَعْدٌ[77] جَابِرٌ أَنَسٌ
صِدِّيقَةٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا ابْنُ عُمَرْ
[تاسعًا]: العبادلة أربعة:
فإذا ذكروا في كلامِ أهل العلم، فالمقصود هم:
1 - عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما.
2 - عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما.
3 - عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما.
4 - عبدالله بن الزبير - رضي الله عنهما.
- أمَّا عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - لم يُذكر من العبادلة؛ لأنَّ وفاة هؤلاء الأربعة قد تأخَّرت عنه، ومع ذلك إذا قال العلماء: عن عبدالله (فالمقصود عند الإطلاق) هو عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه.
[عاشرًا]: آخر الصحابة موتًا وأطولهم عمرًا - رضي الله عنهم - أجمعين.
- أما آخر الصحابة وفاة فهو أبو الطُّفَيْل عامر بن واثلة الليثي - رضي الله عنه - وقد مات سنة مائة للهجرة النبوية المطهرة، والدليل على ذلك حديثان رواهما الإمام مسلم في صحيحه:
الأول: قول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تأتي مائة سنة على الأرض نَفْسٌ منفوسة اليوم))، والحديث رواه الإمام البخاري، ورواه الإمام الترمذي في سننه، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والثاني: قول أبي الطُّفَيْل - رضي الله عنه -: "رأيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما على الأرض رجلٌ رآه غيري... كان أبيضَ مليحًا مقصدًا"؛ رواه الإمام الترمذي في الشمائل - صلَّى الله عليه وسلَّم - أي: يتحدث عمن عاصروه في زمانه؛ لأنَّ كل الصحابة - رضي الله عنهم - قد تُوفُّوا قبله.
وأمَّا أطول الصحابة عمرًا، فهو سَلْمان الفارسي - رضي الله عنه - لأنَّه عاش مائتين وخمسين سنة، كما نصَّ على ذلك أئمةُ الإسلام، كالإمام ابن الجوزي[78]، والإمام النووي[79]، والإمام ابن كثير[80]، والحافظ ابن حجر العسقلاني[81]، والإمام ابن علاَّن[82]؛ ذلك أن سَلْمان - رضي الله عنه - تُوفِّي سنة بضع وثلاثين، وعلى ذلك، فإنه يكون قد دخل في الإسلام، وقد تجاوز المائتين قطعًا.
وممن قال بأنَّه عاش مائتين وخمسين سنة من العلماء: الإمام العَيْني في "عُمدة القاري"[83]، والعلامة الشيخ مُلَّا علي القاري في "مرقاة المفاتيح"[84]، والعلامة المُنَاوِي في "فيض القدير"[85]، والشيخ المباركفوري في "تُحْفَةِ الأحوذي"[86].
[تنبيه]:
الإمام الذهبي ذكر ذلك في "تاريخ الإسلام"[87]، و"الكاشف"[88]، ثم تراجع عن ذلك في "سير أعلام النبلاء"[89]، ورَدَّ عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني اعتراضَه[90].
ومما يدل على ذلك أمران:
الأول: ما جاء في صحيح الإمام البخاري تحت باب إسلام سَلْمان الفارسي - رضي الله عنه - عن سَلْمان الفارسي - رضي الله عنه – "أنَّه تداوله بِضْعَةَ عشر مِن رَبٍّ إلى ربٍّ".
الثاني: قصة إسلامه الطويلة التي رواها الإمامُ أحمد وغيره، كابن حبان في صحيحه، وابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح، كما قال الحافظ: على شرط البُخاري في الصَّحيح، والحديث صحَّحه الشيخ الألباني.
[الحادي عشر]: آداب طالب الحديث[91]:
1- مقدمة:
المراد بآداب طالب الحديث ما ينبغي أنْ يتَّصف به الطالب من الآداب العالية، والأخلاق الكريمة، التي تُناسِب شَرَف العلم الذي يطلبه، وهو حديثُ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمن هذه الآداب ما يشترك فيها مع المُحدِّث، ومنها ما ينفرد بها عنه.
2- الآداب التي يشترك فيها مع المُحدِّث:
- تصحيح النية والإخلاص لله - تعالى - في طلبه.
- الحذر من أن تكون الغاية من طلبه التوصُّل إلى أغراض الدُّنيا، فقد أخرج أبو داود وابن ماجَهْ [بإسناد صحيح]، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تعلَّم علمًا مما يُبتَغَى به وجه الله - تعالى - لا يتعلمه إلاَّ ليصيب به غرضًا من الدُّنيا، لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة)).
- العمل بما يسمعه من الأحاديث.
3 - الآداب التي ينفرد بها عن المحدث:
- أن يسأل الله - تعالى - التوفيقَ والتسديدَ والتيسيرَ والإعانة على ضبطه الحديث وفهمه.
- أن ينصرف إليه بكليته، ويفرغ جهده في تحصيله.
- أن يبدأ بالسماع من أرجحِ شيوخ بلده إسنادًا وعلمًا ودينًا.
- أن يعظم شيخه، ومَنْ يسمع منه ويوقِّره، فذلك من إجلال العلم وأسبابِ الانتفاع، وأن يتحرَّى رضاه، ويصبر على جفائه لو حصل.
- أن يرشد زملاءه وإخوانه في الطَّلب إلى ما ظفر به من فوائد، ولا يكتمها عنهم، فإنَّ كتمانَ الفوائد العلميَّة على الطلبة لُؤمٌ يقع فيه جهلة الطلبة الوُضعاء؛ لأنَّ الغاية من طلب العلم نشره.
- ألاَّ يَمنعه الحياء أو الكبر من السَّعي في السَّماع والتحصيل، وأخذ العلم، ولو ممن هو دونه في السن أو المنزلة.
- عدم الاقتصار على سماع الحديث وكتابته دون مَعرفته وفهمه، فيكون قد أتعب نفسه دون أن يظفر بطائل.
- أن يقدم في السماع والضَّبط والتفهم الصَّحيحين، ثم سنن أبي داود والترمذي والنَّسائي، ثُمَّ "السنن الكبرى"؛ للبيهقي، ثم ما تَمَسُّ إليه الحاجة من المسانيد والجوامع، كمسند أحمد، و"موطأ مالك"، ومن كتب العِلَل: "عِلَل الدَّارَقُطْني"، ومن الأسماء "التاريخ الكبير"؛ للبُخاري، و"الجَرْح والتعديل"؛ لابن أبي حاتم، ومن ضَبْطِ الأسماء كتاب ابن ماكُولا، ومن غريب الحديث "النهاية"؛ لابن الأثير.
والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - أشرف الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، كلما ذكره الذَّاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون.
بسم الله الرحمن الرحيم
متن المنظومة البيقونية في علم مصطلح الحديث
للشيخ عمر بن محمد البيقوني المُتَوَفَّى سنة 1080هـ - رحمه الله تعالى
أَبْدَأُ بِالحَمْدِ مُصَلِّيًا عَلَى
مُحَمَّدٍ خَيْرِ نَبِيٍّ أُرْسِلاَ
وَذِي مِنَ اقْسَامِ الحَدِيثِ عِدَّهْ
وَكُلُّ وَاحِدٍ أَتَى وَحَدَّهْ
أَوَّلُهَا الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصَلْ
إسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلّْ
يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ
مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَنَقْلِهِ
وَالْحَسَنُ المَعْرُوفُ طُرْقًا وَغَدَتْ
رِجَالُهُ لاَ كَالصَّحِيحِ اشْتَهَرَتْ
وَكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الْحُسْنِ قَصُرْ
فَهْوَ الضَّعِيفُ وَهْوَ أَقْسَامًا كَثُرْ
وَمَا أُضِيفَ لِلنَّبِي المَرْفُوعُ
وَمَا لِتَابِعٍ هُوَ المَقْطُوعُ
وَالْمُسْنَدُ الْمُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ مِنْ
رَاوِيهِ حَتَّى الْمُصْطَفَى وَلَمْ يَبِنْ
وَمَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِلْ
إِسْنَادُهُ لِلْمُصْطَفَى فَالْمُتَّصِلْ
مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى
مِثْلُ أَمَا وَاللَّهِ أَنْبَانِي الْفَتَى
كَذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائِمَا
أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا
عَزِيزُ مَرْوِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَهْ
مَشْهُورُ مَرْوِي فَوْقَ مَا ثَلاَثَهْ
مُعَنْعَنٌ كَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ كَرَمْ
وَمُبْهَمٌ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمّْ
وَكُلُّ مَا قَلَّتْ رِجَالُهُ عَلاَ
وَضِدُّهُ ذَاكَ الَّذِي قَدْ نَزَلاَ
وَمَا أَضَفْتَهُ إِلَى الْأَصْحَابِ مِنْ
قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَهْوَ مَوْقُوفٌ زُكِنْ
وَمُرْسَلٌ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ سَقَطْ
وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ
وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحَالِ
إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعُ الْأَوْصَالِ
وَالْمُعْضَلُ السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ
وَمَا أَتَى مُدَلَّسًا نَوْعَانِ
الْأَوَّلُ الْإِسْقَاطُ لِلشَّيْخِ وَأَنْ
يَنْقُلَ عَمَّنْ فَوْقَهُ بِعَنْ وَأَنْ
وَالثَّانِ لاَ يُسْقِطُهُ لَكِنْ يَصِفْ
أَوْصَافَهُ بِمَا بِهِ لاَ يَنْعَرِفْ
وَمَا يُخَالِفْ ثِقَةٌ بِهِ الْمَلاَ
فَالشَّاذُ والْمَقْلُوبُ قِسْمَانِ تَلاَ
إِبْدَالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ قِسْمُ
وَقَلْبُ إِسْنَادٍ لِمَتْنٍ قِسْمُ
وَالْفَرْدُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقَةِ
أَوْ جَمْعٍ اوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايَةِ
وَمَا بِعِلَّةٍ غُمُوضٍ اوْ خَفَى
مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قدْ عُرِفَا
وَذُو اخْتِلاَفِ سَنَدٍ أَوْ مَتْنِ
مُضْطَرِبٌ عِنْدَ أُهَيْلِِ الْفَنِّ
وَالْمُدْرَجَاتُ فِي الحَدِيثِ مَا أَتَتْ
مِنْ بَعْضِ أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ
وَمَا رَوَى كُلُّ قَرِينٍ عَنْ أَخِهْ
مُدَبَّجٌ فَاعْرِفْهُ حَقًّا وَانْتَخِهْ
مُتَّفِقٌ لَفْظًا وَخَطًّا مُتَّفِقْ
وَضِدُّهُ فِيمَا ذَكَرْنَا الْمُفْتَرِقْ
مُؤْتَلِفٌ مُتَّفِقُ الخَطِّ فَقَطْ
وَضِدُّهُ مُخْتَلِفٌ فَاخْشَ الْغَلَطْ
وَالْمُنْكَرُ الْفَرْدُ بِهِ رَاوٍ غَدَا
تَعْدِيلُهُ لاَ يَحْمِلُ التَّفَرُّدَا
مَتْرُوكُهُ مَا وَاحِدٌ بِهِ انْفَرَدْ
وَأَجْمَعُوا لِضَعْفِهِ فَهْوَ كَرَدّْ
وَالْكَذِبُ الْمُخْتَلَقُ الْمَصْنُوعُ
عَلَى النَّبِي فَذَلِكَ الْمَوْضُوعُ
وَقَدْ أَتَتْ كَالْجَوْهَرِ الْمَكْنُونِ
سَمَّيْتُهَا مَنْظُومَةَ الْبَيْقُونِي
فَوْقَ الثَّلاَثِينَ بِأَرْبَعٍ أَتَتْ
أَقْسَامُهَا تَمَّتْ بِخَيْرٍ خُتِمَتْ
[1] رواه الإمام أحمد والنَّسائي وابن ماجَهْ وصححه الألباني.
[2] "تيسير مصطلح الحديث"؛ للشيخ الدكتور محمود الطَّحَّان، ص 146، وهكذا الأصل في النقول.
[3] أي: الأئمة: أبو حنيفة (ت 150 هـ)، ومالك (ت 179 هـ)، والشافعي (ت 204 هـ)، وأحمد (ت 241 هـ).
[4] أي: الإمام سُفْيان الثوري (ت 161 هـ)، وسُفْيان بن عُيَيْنَة (ت 197 هـ).
[5] تُوُفِّي سنة (157 هـ).
[6] "تيسير مصطلح الحديث"، ص 147 بتصرف يسير.
[7] "منحة المغيث في علم مصطلح الحديث"؛ للشيخ المسعودي، تحقيق: أبي مالك محمد بن حامد بن عبدالوهَّاب، ص 7.
[8] المُتَوَفَّى سنة 1206 هـ، وقالها في حاشيته على شرح شيخه الْمَلَّوِي للسُّلَّم ص 33 من المخطوطة المصورة، والتي نُسِخَتْ سنة 1241 هـ.
[9] علم: أي: قواعد؛ كقولهم: كل حديث صحيح أو حسن يستدل به.
[10] أحوال السند والمتن؛ أي: سواء أكانت الأحوال عامة لهما؛ كالصِّحة، والحسن، والضعف، أم خاصة بالسند كالعلو والنُّزول، أم خاصة بالمتن؛ كالرفع والوقْف والقطع.
[11] وكيفية التحمل؛ أي: استماع الحديث وروايته عن الشيخ.
[12] والأداء؛ أي: أداء مسموعه وروايته.
[13] صفات الرجال؛ أي: من عدالةٍ وغيرها.
[14] وغير ذلك؛ أي: كرواية الحديث بالمعنى، ورواية الأكابر عن الأصاغر؛ "منحة المغيث"، ص 7.
[15] المُتَوَفَّى سنة 360 هـ.
[16] "تيسير مصطلح الحديث"، للدكتور محمود الطَّحَّان، ص 15.
[17] "شرح نظم الورقات"، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ص 43.
[18] "تيسير مصطلح الحديث"، للدكتور محمود الطَّحَّان، ص 15.
[19] "مقارنة بين شروح الكتب الستة"، للشيخ الدكتور/ عبدالكريم الخُضير، مادة مفرغة بموقعه على شبكة الإنترنت www.khudheir.com
[20] بضم النون وفتحها؛ أي: ناحية؛ "مختار الصِّحاح"؛ للرازي، ص 642.
[21] "تيسير مصطلح الحديث"؛ للدكتور محمود الطَّحَّان ص 9، 10
[22] الترمذي - كتاب العلم - وقال عنه: حسن صحيح.
[23] المصدر نفسه، لكن قال عنه: حسن، وروى الحديث أبو داود وابن ماجَه.
[24] "مقدمة صحيح مسلم بشرح الإمام النووي"، (1/21).
[25] "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث"؛ للإمام ابن كثير؛ للشيخ أحمد محمد شاكر، ص 30
[26] في كتابه الماتع "سير أعلام النبلاء"، ج 1 ص 428.
[27] وأمَّا إذا قال التابعي: من السنة كذا، فقد قال الإمام النووي في شرحه لصحيح الإمام مسلم، ص30: "فالصحيح أنَّه موقوف، وقال بعض أصحابنا الشافعيين: إنَّه مرفوع مرسل"؛ انتهى.
[28] "تيسير مصطلح الحديث"، للدكتور محمود الطَّحَّان، ص 34.
[29] في "نُزْهة النَّظر شرح نخبة الفكر"، ص 52.
[30] "تمام المنة في التعليق على فقه السنة"؛ للشيخ الألباني، ص 40، القاعدة 14 من المقدمة.
[31] والمتابع: هو الحديث الذي قد تابع رواية غيره في الرِّواية عن شيخه، أو شيخ شيخه، وفي لفظ ما رواه.
والمتابعات نوعان: (تامَّة - قاصرة).
فالتامَّة: أن تكون رواية المتابِع - بكسر الباء - عن شيخ المتابَع - بفتحها.
والقاصرة: أنْ تكون روايته ممن فوق شيخه مطلقًا.
وأمَّا الشاهد: فهو حديث يُوافق آخر في معناه دون لفظه. اهـ؛ "منحة المغيث في علم مصطلح الحديث"؛ للشيخ المسعودي، ص68 - 69، بتحقيق الشيخ أبي مالك محمد بن حامد بن عبدالوهاب، وقد علَّق المحقق على ذلك بقوله في ص 69 تعليق (2): "فالفرقُ بين الشاهدِ والمتابعِ اختلافُ الصحابي في الشاهد، واتِّحاده في المتابع". اهـ.
ولهذا يقول الإمام النووي - كما في شرحه لصحيح الإمام مسلم - ص 32: "وتُسمَّى المتابعة شاهدًا، ولا يُسمَّى الشاهد متابعة"؛ انتهى.
أما الاعتبار: فَبِنَظَرِ مَنْ مِنَ الثقات روى عن الرَّاوي الأول غير فلان، وهكذا من روى عن الثاني،... حتى الصحابي مَنْ مِنَ الصحابة روى عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - غير هذا الصحابي؛ قال الإمام النووي في شرحه لصحيح الإمام مسلم: ص32: "فأي ذلك وُجِدَ، عُلِمَ أنَّ له أصلاً يُرْجَعُ إليه، فهذا النظر والتفتيش يُسَمَّى اعتبارًا"؛ انتهى.
[32] "علوم الحديث"؛ للإمام ابن الصلاح، والمعروفة بـ"مقدمة ابن الصلاح"، ص98.
[33] وهذا أول حديث في رسالة الحافظ السيوطي: "الأزهار المتناثرة من الأخبار المتواترة"، ص15، وقد روى هذا الحديث (72) صحابيًّا، منهم العشرة المبشرون بالجنة، والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري ومسلم في صحيحيهما، ورواه غيرهم.
[34] أخرجه الإمام أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجَهْ.
[35] متفق عليه.
[36] رواه الإمام البخاري وأبو داود والنَّسائي.
[37] رواه أبو داود وابن ماجَه والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن حجر: أُعِلَّ بالإرسال.
[38] أخرجه الأربعة، وصححه ابن حبان والحاكم.
[39] لا أصل له.
[40] رواه الترمذي وحسنه، ورواه أبو يعلى والبيهقي في "الشُّعب" وحسنه الألباني.
[41] انظر: "نُخْبَة الفِكَر وشرحها نُزْهَة النظر" له، ص21 و24.
[42] رواه الشيخان.
[43] "نُزْهَة النظر"، ص 28.
[44] وأصل السند؛ أي: طرفه الذي فيه الصَّحابي، والصحابي حلقة مِنْ حلقات السند؛ أي: إذا تفرَّد الصحابي برواية الحديث، فإنَّ الحديث يُسمى غريبًا غرابةً مطلقة، وأمَّا ما فهمه المُلاَّ علي القاري من كلام الحافظ ابن حجر عندما شرح أصل السند بأنه: "الموضع الذي يدور الإسناد عليه ويرجع، ولو تعدَّدت الطرق إليه، وهو طرفُه الذي فيه الصَّحابي"، مِنْ أنَّ تفرُّد الصحابي لا يُعَدُّ غرابة، وتعليله ذلك بأنَّه ليس في الصحابة ما يوجب قدْحًا، أو أنَّ الصحابة كلهم عدول، فما أظن أنَّ ابن حجر أراد ذلك - والله أعلم - بدليل أنه عرف الغريب بقوله: "هو ما ينفرد بروايته شخص واحد في أيِّ موضع وقع التفرد به من السند"؛ أي: ولو وقع التفرُّد في موضع الصحابي؛ لأن الصحابي حلقة من حلقات السند - والعلم عند الله تعالى.
[45] وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، أخرجه الإمام مالك والسبعة.
[تنبيه]: قصة مهاجر أم قيس ثابتة وصحيحة، كما قال الحافظ في "الفتح" (1/40)؛ حيث رواها سعيد بن منصور، والطبراني، ونبَّه الحافظ على أنَّها ليستْ سببًا للحديث، ولا علاقة لها به.
[46] رواه الشيخان.
[47] لم آتِ بالأمثلة؛ لأجل الاختصار؛ "تيسير مصطلح الحديث" ص30.
[48] المُتَوَفَّى سنة 902 هـ، وهو يَختلف عن الإمام علم الدين السَّخَاوي صاحب "جمال القراء وكمال الإقراء"، والمُتَوَفَّى سنة 643 هـ - رحمهما الله تعالى - وسائر المسلمين.
[49] في "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" - صلَّى الله عليه وسلَّم، ص 198.
[50] "في المجموع"، ج1 ص 63.
[51] - وهو ابن المُسيَّب بن حزْن، وكلاهما صحابي - رضي الله عنهما - وسعيد زوج ابنة أبي هريرة - رضي الله عنه.
[52] حيث ألَّف فيه كتابًا من خمس مُجلدات ماتعة، واسم هذا الكتاب "تغليق التعليق"، بتحقيق الشيخ سعيد القزقي.
[53] "ميزان الاعتدال في نقد الرجال"؛ للإمام الذهبي، ج 1 ص 332 .
[54] من "تيسير مصطلح الحديث"؛ للدكتور محمود الطَّحَّان، ص 81
[55] "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث"؛ للشيخ أحمد شاكر، ص 64.
[56] بكسر السين وفتحها، والكسر أشهر، والجيمُ مكسورة فيها، "تهذيب الأسماء واللغات"؛ للإمام النووي، ج 3 ص 106.
[57] نفسه، ص 62.
[58] "تيسير مصطلح الحديث"؛ للدكتور محمود الطَّحَّان، ص 82 .
[59] ص 64، حاشية رقم (2).
[60] "تيسير مصطلح الحديث"، ص 84 .
[61] نفسه، ص 86 بتصرف.
[62] وهو حديث صحيح رواه الإمام مسلم، وابن حبان، وأبو داود، وضُبط الحديث بضم الياء وفتحها في ((يُرى))، وبفتح الباء وكسرها في ((الكاذبين)).
[63] أما الحديث من دون تلك الزيادة فصحيحٌ؛ رواه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربعة.
[64] ثم النسخ ثم التوفيق، وإلا فالتوقف.
[65] "تيسير مصطلح الحديث"؛ للدكتور محمود الطَّحَّان، ص 127، 128.
[66] ج1 ص 248.
[67] "تيسير مصطلح الحديث"؛ للدكتور محمود الطَّحَّان، ص 11.
[68] مطبوع بتحقيق د/ عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ).
[69] من ص15 إلى ص 36.
[70] من ص37 إلى ص 76.
[71] "تيسير مصطلح الحديث"؛ للدكتور محمود الطَّحَّان، ص 168.
[72] أمَّا المُسْنِد - بكسر النون - فهو مَنْ يروي الحديث بإسناده؛ "منحة المغيث"؛ للشيخ المسعودي، ص12.
[73] ويقصد الشيخ بالصِّحاح: التغليب؛ أي: غالبها صحيح، وإلاَّ ففي غير صحيحي البخاري ومسلم أحاديثُ كثيرة ضعيفة، بل موضوعة.
[74] (بكسر السين المشددة وفتح اللام).
[75] كما قال هو ذلك في "هَدْي الساري مقدمة فتح الباري"، ج 1 ص 3؛ حيث قال: "منتزعًا كل ذلك من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشروط الصحة أو الحُسْن فيما أورده من ذلك"؛ انتهى.
[76] "سنن أبي داود"، ج 1 ص 13.
[77] وأما سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فله في مُسْنَدِ الإمام بَقِيِّ بن مَخْلَدٍ [تلميذ الإمام أحمد بن حنبل] 270 حديثًا، كما في "سير أعلام النبلاء"، للإمام الذهبي، ج 1ص 92.
[78] في المُنْتَظَم، ج 2 ص 70.
[79] في "المجموع"، ج 2 ص 102، وفي "تهذيب الأسماء واللُّغات"، ج1 ص 309.
[80] في "البداية والنهاية"، ج 2 ص 384، ج 5 ص 338.
[81] في "تهذيب التهذيب"، ج 4 ص 122، وفي "الإصابة"، ج 2 ص 62.
[82] في "دليل الفالحين شرح رياض الصالحين"، ج 6 ص 116.
[83] ج 17ص72.
[84] ج7 ص85.
[85] ج1 ص159.
[86] ج10 ص202.
[87] ج1 ص462.
[88] ج1 ص451، ترجمة رقم (2019).
[89] ج1 ص 505، 506 وفي "الكاشف" أيضًا، ج1 ص451 ترجمة رقم (2019).
[90] في "تهذيب التهذيب"، ج 4 ص 122، وفي "الإصابة"، ج 2 ص 62.
[91] "تيسير مصطلح الحديث"؛ للدكتور محمود الطَّحَّان، ص 178.
وللتوسُّع في التعرف على آداب طالب العلم، يُمكن الرجوع إلى ما يلي:
- "مقدمة الإمام النووي للمجموع"، ج1 ص 16 حتى ص 40.
- "التبيان في آداب حملة القرآن"؛ للإمام النووي.
- "تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم"؛ للإمام ابن جماعة.
- "حلية طالب العلم"؛ للشيخ بكر عبدالله أبي زيد مع شرحها للشيخ محمد بن صالح العثيمين.
- "التعالم"؛ للشيخ بكر بن عبدالله أبي زيد.
- "آداب العلماء والمتعلمين"؛ للشيخ حسين اليمني.
- "إحياء علوم الدين"؛ للإمام أبي حامد الغزالي (فيما يتعلق بالعالم والمتعلم).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم