عناصر الخطبة
1/اسم الله المهيمن وحقيقته ودلائله 2/مظاهر فضل المهيمن على عباده 3/هيمنة القرآن على الكتب السابقة 4/أثر الإيمان باسم المهمين على العبد.اقتباس
وَرَبُّنَا الْمُهَيْمِنُ هُوَ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا سَيْكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، يَعْلَمُ الشَّيْءَ وَيَكْتُبُهُ وَيُقَدِّرُهُ؛ فَيَأْتِي كَمَا عَلِمَ وَكَتَبَ وَقَدَّرَ، وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ، عَلِمَ الْخَلَائِقَ وَالْأَعْمَالَ وَالسَّرَائِرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا وَيُقَدِّرَهَا وَيَقْضِيَهَا، النَّجْوَى عِنْدَهُ جَهْرٌ، وَالسِّرُّ عِنْدَهُ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: هَذِهِ رِسَالَةٌ إِلَى.. كُلِّ مَنْ مَلَّ مِنَ الْحَيَاةِ، وَسَئِمَ مِنَ الْعَيْشِ، وَضَاقَ ذَرْعًا بِالْأَيَّامِ، وَذَاقَ الْغُصَصَ.. نُبَشِّرُكَ بِأَنَّ هُنَاكَ فَتْحًا مُبِينًا، وَنَصْرًا قَرِيبًا، وَفَرَجًا بَعْدَ شِدَّةٍ، وَيُسْرًا بَعْدَ عُسْرٍ؛ هُنَاكَ أَمَلٌ مُشْرِقٌ، وَمُسْتَقْبَلٌ حَافِلٌ، وَوَعْدٌ صَادِقٌ: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)[الرُّومِ: 6]، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَاكَ وَخَالِقُكَ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْأَعْرَافِ: 180]، ثُمَّ إِذَا دَعَوْتَهُ بِهَا؛ فَمَا النَّتِيجَةُ؛ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غَافِرٍ: 60].
وَنَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِمَعْرِفَةِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى؛ الْمُهَيْمِنِ، وَمَعْرِفَةُ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ هُوَ: أَصْلُ الدِّينِ، وَأَسَاسُ الْهِدَايَةِ، وَأَفْضَلُ وَأَوْجَبُ مَا اكْتَسَبَتْهُ الْقُلُوبُ، وَحَصَّلَتْهُ النُّفُوسُ، وَأَدْرَكَتْهُ الْعُقُولُ.
اسْمُ اللَّهِ الْمُهَيْمِنُ -سُبْحَانَهُ- وَرَدَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ؛ (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الْحَشْرِ: 23].
وَرَبُّنَا الْمُهَيْمِنُ -سُبْحَانَهُ- هُوَ؛ الْقَائِمُ عَلَى خَلْقِهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِمْ وَشُؤُونِهِمْ؛ فَهُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى خَفَايَا الْأُمُورِ، وَخَبَايَا الصُّدُورِ؛ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، الشَّاهِدُ عَلَى الْخَلْقِ بِأَعْمَالِهِمْ، الرَّقِيبُ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ شَيْءٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ؛ (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[يُونُسَ: 61].
هَذِهِ حَالَاتُ الْعَبْدِ وَتَقَلُّبَاتُهُ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ، وَسِرِّهِ وَجَهْرِهِ، وَحَضَرِهِ وَسَفَرِهِ؛ عَلِمَهَا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَأَحْصَاهَا عَلَى الْعَبْدِ: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)[طه: 7].
وَرَبُّنَا الْمُهَيْمِنُ هُوَ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا سَيْكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، يَعْلَمُ الشَّيْءَ وَيَكْتُبُهُ وَيُقَدِّرُهُ؛ فَيَأْتِي كَمَا عَلِمَ وَكَتَبَ وَقَدَّرَ، وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ، عَلِمَ الْخَلَائِقَ وَالْأَعْمَالَ وَالسَّرَائِرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا وَيُقَدِّرَهَا وَيَقْضِيَهَا، النَّجْوَى عِنْدَهُ جَهْرٌ، وَالسِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ، وَالْخَافِي لَدَيْهِ مَكْشُوفٌ؛ بَاتَ نَفَرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُدَبِّرُونَ الدَّسَائِسَ، وَيَحِيكُونَ الْخُطَطَ؛ فَكَشَفَهُمْ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَقَالَ: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)[النِّسَاءِ: 108].
جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بَعَدْ بَدْرٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَيْلًا؛ يُدَبِّرَانِ اغْتِيَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِكَيْدِهِمْ، وَأَطْلَعَهُ عَلَى فِعْلِهِمْ.
مَلِيكٌ عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ *** لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الْوُجُوهُ وَتَسْجَدُ
نَعَمْ؛ إِنَّهُ الْمُهَيْمِنُ الْحَافِظُ -سُبْحَانَهُ-، وَالْأَمِينُ وَالشَّاهِدُ، وَالرَّقِيبُ عَلَى خَلْقِهِ بِأَعْمَالِهِمْ، وَاطْمَئِنَّ -أَيُّهَا الْعَبْدُ!-؛ فَقَدْ فُرِغَ مِنَ الْقَضَاءِ، وَوَقَعَ الِاخْتِيَارُ، وَحَصُلَ اللُّطْفُ؛ كَمْ مَرَّةً خِفْنَا مِنَ الْمَوْتِ؛ فَمَا مِتْنَا؟!
كَمْ مَرَّةً ضَاقَتْ بِنَا السُّبُلُ، وَتَقَطَّعَتْ بِنَا الْحِبَالُ، وَأَظْلَمَتْ فِي وُجُوهِنَا الْآفَاقُ؛ فَإِذَا هُوَ الْفَتْحُ وَالنَّصْرُ، وَالْخَيْرُ وَالْبِشَارَةُ؛ (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)[الْأَنْعَامِ: 64].
كَمْ مَرَّةً أَظْلَمَتْ أَمَامَنَا الدُّنْيَا، وَضَاقَتْ عَلَيْنَا السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ؛ فَإِذَا هُوَ الْخَيْرُ الْعَمِيمُ وَالْيُسْرُ؛ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يُونُسَ: 107].
ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَثَرًا، قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ: "وَعِزَّتِي وَجَلَالِي! مَا اعْتَصَمَ بِي عَبْدٌ، فَكَادَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ؛ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ مِنْ بَيْنِهِنَّ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي! مَا مِنْ عَبْدٍ اعْتَصَمَ بِغَيْرِي؛ إِلَّا أَسَخْتُ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ"، قَالَ تَعَالَى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 7]، وَهَذَا وَعْدٌ مِنْ أَصْدَقِ الْقَائِلِينَ، وَعَهْدٌ مِنْ أَكْرَمِ الْمُعْطِينَ.
إِنَّهُ الْمُهَيْمِنُ -سُبْحَانَهُ-؛ الَّذِي يَكْشِفُ الشِّدَّةَ بِالْفَرَجِ، وَيُبَدِّلُ الْيُسْرَيْنِ بِالْعُسْرِ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ؛ (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 2-3].
وَالشَّقِيُّ: مَنْ غَفَلَ عَنْ دُعَائِهِ، وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ، وَنَسِيَ مَسْأَلَتَهُ؛ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 124].
فَإِذَا مَسَّكَ الضُّرُّ فَالْجَأْ إِلَى الْمُهَيْمِنِ؛ فَإِنَّهُ الرُّكْنُ الْقَوِيُّ، فَمَا قَصَدَهُ أَحَدٌ إِلَّا وَجَاءَتْهُ أَلْطَافُ رَبِّهِ، وَرَحَمَاتُ مَوْلَاهُ؛ فَأَزَالَتِ الْهَمَّ وَأَبْعَدَتِ الْغَمَّ، وَأَزَاحَتِ الْحُزْنَ؛ (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)[الْأَنْعَامِ: 64].
جَلَالُكَ يَا مُهَيْمِنُ لَا يَبِيدُ *** وَمُلْكُكَ دَائِمٌ أَبَدًا جَدِيدُ
وَحُكْمُكَ نَافِذٌ فِي كُلِّ أَمْرِ *** وَلَيْسَ يَكُونُ إِلَّا مَا تُرِيدُ
ذُنُوبِي لَا تَضُرُّكَ يَا إِلَهِي *** وَعَفْوُكَ نَافِعٌ وَبِهِ تَجُودُ
فَهَبْهَا لِي وَإِنْ كَثُرَتْ وَجَلَّتْ *** فَأَنْتَ اللَّهُ تَحْكُمُ مَا تُرِيدُ
فَنِعْمَ الرَّبُّ مَوْلَانَا وَإِنَّا *** لَنَعْلَمُ أَنَّنَا بِئْسَ الْعَبِـيدُ
وَيَنْقُصُ عُمْرُنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ *** وَلَا زَالَتْ خَطَايَانَا تَزِيدُ
قَصَدْتُ إِلَى الْمُلُوكِ فَكُلُّ بَابٍ *** عَلَيْهِ حَاجِبٌ فَظٌّ شَدِيدُ
وَبَابُكَ مَعْدِنٌ لِلْجُودِ يَا مَنْ *** إِلَيْهِ يَقْصِدُ الْعَبْدُ الطَّرِيدُ
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَصَفَ رَبُّنَا كِتَابَهُ -وَهُوَ الْقُرْآنُ- بِأَنَّهُ: مُهَيْمِنٌ عَلَى الْكُتُبِ السَّابِقَةِ؛ (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)[الْمَائِدَةِ: 48]؛ فَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ حَاكِمٌ عَلَى الْكُتُبِ قَبْلَهُ؛ فَقَدْ جَاءَ بِأَحْسَنِ مَا فِيهَا، وَنَسَخَ مِنْهَا مَا نَسَخَهُ، وَقَصَّ عَلَى بَنِي إِسَرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ؛ فَأَظْهَرَ تَحْرِيفَهُمْ، وَأَظْهَرَ الْحَقَّ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْكُتُبُ السَّابِقَةُ.
وَمَا آمَنَ مُسْلِمٌ بِهِذَا إِلَّا أَثْمَرَ تَعْظِيمُ كِتَابِ اللَّهِ فِي صَدْرِهِ مَحَبَّةً وَفَرَحًا، وَحَمْدًا لِلَّهِ وَشُكْرًا عَلَى الْهِدَايَةِ إِلَيْهِ؛ وَهِيَ الَّتِي يَرْجُوهَا كُلُّ إِنْسَانٍ، وَيَطْلُبُهَا الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الْفَاتِحَةِ: 6].
اللَّهُمَّ يَا مُهَيْمِنُ! اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم