عناصر الخطبة
1/ التحذير من الانخداع بالمظاهر الزائفة 2/ لماذا يلجأ البعض الظهور بغيره مظهره الحقيقي؟ 3/ قصة رائعة في ذم الاغترار بالمظاهر الزائفة 4/ خطورة الدعاوى الزائفة 5/ قاعدة شرعية بها النجاة 6/ نصيحة للقائمين على مخيمات البر والرحلات الخلوية 7/ التميز المذموماقتباس
محبة الظهور والتميز أمر جبل الله النفوس عليه، وكل يحب أن يكون مذكوراً بما لم يذكر به غيره، ولهدا حذر الشارع التمادي مع هده الصفة بالباطل والانخداع وراء بريقها الزائل. أيها الإخوة: إن الاغترار بالأشكال الظاهرة، والإعجاب بالزخارف البالية الخادعة؛ تبتلى به بعض النفوس حينما تشعر بالنقص والدون، فيضيع مقياس القناعة، ويغيب...
الخطبة الأولى
الحمد لله أبان طريق الهدى، وأوضحه بمعالم متتابعة تترى، وحذر سبل الشيطان والهوى، وقال في كتابه: (وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طـه: 132].
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداُ عبده ورسوله القدوة العليا صلى الله عليه وعلى آله ومن بهديه اهتدى وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
فمن أكبر الأدلة على وعي المجتمع، وصحة منهجه، وسلامة توجه أفراده هو البعد عن المظهرية الجوفاء، وترك مجاراة الناس في تحقيق الرغبات والأهواء.
نعم أيها الإخوة: محبة الظهور والتميز أمر جبل الله النفوس عليه، وكل يحب أن يكون مذكوراً بما لم يذكر به غيره، ولهدا حذر الشارع التمادي مع هده الصفة بالباطل والانخداع وراء بريقها الزائل.
فالمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور؛ فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: "أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن لي جارة - تعني ضرة- هل علي جناح إن تشبعت لها بما لم يعط زوجي؟ قال: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"[رواه أبو داود].
أي: الذي يستكثر من شيء وهو غير واجد له، وغير مالك له، فيوهم السامع بغير ما هو عليه، فيعامله السامع بناءً على كلامه الكاذب غير الصحيح.
فهذا "كلابس ثوبي زور" يعني: أن كلامه وفعله زور، فهو كالمتصف بوصفين ذميمين، وهذه زيادة في الإثم، وزيادة في الضرر.
أيها الإخوة: إن الاغترار بالأشكال الظاهرة، والإعجاب بالزخارف البالية الخادعة؛ تبتلى به بعض النفوس حينما تشعر بالنقص والدون، فيضيع مقياس القناعة، ويغيب عن البال قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس".
واستمع إلى قصة تلك الأم التي حدث عنها النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام حينما خدعها المظهر، فتمنت لابنها كمالا خداعاً، ودعت أن يكون ابنها مثل هذا الرجل المظهري.
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصتها ليحذر من هذا المسلك، قال: "وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون سرقت زنيت ولم تفعل"[متفق عليه].
أرأيت هذا رضيع في حجر أمه، مر رجل مهيب له شارة وعلامة وأبهة، فأعجبت به الأم المسكينة، وخدعها الهندام الظاهر، ودعت أن يكون رضيعها إذا كبر مثل هذه الشخصية المتميزة.
فأراد الله أن يعطي الأم درساً في الاختيار للأولاد، وأراد الله أن تبقى القصة آية تحكى للأجيال؛ ليتعظوا ولا ينخدعوا بتكلم الصبي الرضيع.
نعم تكلم وهو في المهد، وقال بعد دعوة أمه: "اللهم اجعله مثله".
تكلم بقدرة الله، ثم عاد لثدي أمه يمصه.
الله أكبر.
ثم مرَّ بعد ذلك بأمة مملوكة يوبخها أهلها، ويتهمونها بالسرقة والزنا، ولكنها بريئة من دلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم تفعل"، فقال أم الصبي: "اللهم لا تجعل ابني مثل هذه".
فتكلم الرضيع مرة ثانية، وقال: "اللهم اجعلني مثلها".
ليعطي أمه درساً أن لا تنخدع بما يقال، وأن تفتش وتنظر في الحقائق، فهده مستضعفه محتقرة عند أسيادها، فمن ينقذها من هدا الظلم؟!.
ومن إعانة الظالم أن تصدقه فيما يقوله عمن ظلمه، ثم يتسرب إليك شك في حقيقة المظلوم ونزاهته مما قيل فيه.
أيها الإخوة: الدعاوي التي يطلقها الناس بعضهم على بعض، أو يطلقها بعض الناس على أنفسهم حتى يكادوا بتزويرهم وكبرهم وتلبيسهم للحق يبلغون عنان السماء علواً، وسؤدداً، ولكنه زور وبهتان كالضباب المرتفع، تبدده حرارة الشمس إذا طلعت، وينتهي أمره.
هده حقائق المتكئين على المظاهر، حينما يبنون حياتهم على أمجاد موهومة، ويصفون أنفسهم في غير مصافها.
فلا بالركب لحقوا، ولا بالحقيقة رضوا وقنعوا، كالقابض على الماء بيده أصابها بلل الماء ولم يمسك منه شيئا.
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض * * * على الماء خانته فروج الأصابع
وأبلغ من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم, ولا إلى صوركم, ولكن ينظر إلى قلوبكم" [رواه مسلم].
الخطبة الثانية
الحمد لله.
أيها الأخ الموفق: فبعد أن عرفت قاعدة الشرع التي ينبني عليها نجاة العبد وسعادته، وهي في قوله عليه الصلاة والسلام: "ولكن ينظر إلى قلوبكم".
فالأجساد والصور والمظاهر قد تورد الإنسان المهالك إذا سعى خلفها وغره زيفها.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر: 5].
فالمباهات في أمور الدنيا غرور بها، واستحسان لزائل عنك، أو زائل عنها.
فلنؤدب أنفسنا بأدب القناعة والرضا بالحقائق والاعتزاز بالباقي، وما عند الله خير وأبقى.
فمصالحنا تقضى من غير بهرجة قول ولا فعل.
فرفقاً بأنفسكم أيها المفاخرون بمتاع الدنيا؛ من وظيفة أو تجارة أو مسكن!.
رفقاً يا من حملتم أنفسكم ديوناً تلاحقكم لتشتروا مركوبات فاخرة!
ما حملكم على دلك إلا لتكون مثل فلان مظاهر ومفاخرة.
رفقاً يا من يعدون حفلات نجاح أبنائهم، ويعدون بالهدايا بعض شيء قد يغني عن كل شيء.
وأنتم يا من يبتهجون بزواج أبنائهم وبناتهم دعاؤنا لهم بالتوفيق، ولكن لا تنس أن من أسباب التوفيق البعد عن المظهرية، ليقال وضعوا كذا وتكلفوا بكذا.
وأعظم النساء بركة أيسرهم مؤنة.
أما أنتم يا أصحاب مخيمات البر، ومستعدون للرحلات الخلوية، فالله في البعد عن المظهرية والإسراف في التجهيز والإعداد، فالكرم شيء والإسراف والتفاخر شيء يختلف عنه ويغايره.
وأهم شيء ألا تحملنا مظهريتها على التساهل في محارمنا، والتفريط في رعاية أولادنا، فيصيبهم شيء في بدنهم أو أخلاقهم، فينقلب تفاخرنا أسفاً وحسرة في قلوبنا.
والتميز في مناشطنا ومهرجاناتنا إذا أضاع قيم المجتمع، وأوقع أفراده بحرج ديني أو دنيوي، وأصم القائمون عليه المنظمون له آذانهم عن الناصحين القائلين لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وكفى بالتجارب عظة لمن كان له قلب، وتحركت غيرته؛ التميز بهذه الصفة هو مطية يركبها مريدو الفساد، ومن في قلبه مرض.
التميز بهده الصفة هو مظهرية تنذر بخطر وتفرق وحدة الكلمة، ويشرخ في صرح التعاون والألفة في زمن أحوج ما نكون فيه إلى هذا كله.
وليعلم الجميع أن التمييز منه حق وباطل.
فإبليس لعنه الله وهو متميز، ومن بعثه رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم هو متميز.
والكتاب المارقون الذين باعوا دينهم وتنصلوا من دينهم هم أيضا متميزون.
وعذراً في قصص الأدب القديمة من بال في بئر زمزم، فقيل له: لماذا؟ فقال: ليذكرني الناس، فهو إذن متميز!!
فشتان بين المعالي والأسافل!
ألهمنا الله رشدنا، ووقانا شرور أنفسنا، وجعلنا متعاونين على البر والتقوى.
اللهم وفق العاملين بالحق في كل مكان الناصحين لحكومتهم، ولشعوبهم الآمرين بالمعروفين والناهين عن المنكر.
اللهم أصلح ..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم