ملايين من المسلمين يُسحقون في كثير من بقاع الأرض، ولا يَعرف إخوانهم في الدِّين معاناتهم إلا النَّذْرُ اليسير، كما هو الحال في ميانمار (بورما سابقاً)، بل إن البعض لم يسمع بهذه البلاد أصلاً إلا بعد إعصار (نرجس) الذي خلَّف وراءَه عدداً كبيراً من الضحايا والمفقودين جُلَّهم من المسلمين. تاريخ ميانمار يشهد بالعزةّ: تقع دولة ميانمار حالياً في الجنوب الشرقي لقارة آسيا، ويحدُّها من الشمال الصين والهند، ومن الجنوب خليج البنغال والهند وبنغلاديش، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 50 مليون نسمة، وتُقدّر نسبة المسلمين بـ15% من مجموع السكان. دخل الإسلام هذه الدولة عن طريق (أراكان) -ولاية ضمن جمهورية بورما، والتي تضم أكبر تجمّع لأهل هذا البلد- في القرن الأول الهجري عن طريق الصحابي الجليل وقّاص بن مالك رضي الله عنه، وهناك مؤرخون يقولون بأنّ الإسلام وصل إليها عبر (أراكان) في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد رحمه الله في القرن السابع الميلادي عن طريق التُّجار العرب، حيث أُعجب أهل بورما بأخلاقهم فدانوا بدينهم، وعملوا في الزراعة في البدء، ثم هيمنوا على التجارة واستوطنوا في كثير من البقاع. حتى أصبحت بعد ذلك دولة إسلامية حكمها 48 ملكاً مسلماً على التوالي ما بين عامي 1430-1784م، وكان لهم عملات نقدية تتضمن شعارات إسلامية مثل كلمة التوحيد. ومما يدلّ على قِدَم وجود المسلمين في هذه الدولة أيضاً بعض الآثار التاريخية كمسجد (بدر مقام) في (أكياب) عاصمة (أراكان)، (مسجد سندي خان) الذي بني منذ 560 عاما،ً ومسجد (الديوان موسى) الذي بُني عام 1258م، ومسجد (ولي خان) الذي بني في القرن الخامس عشر الميلادي. بورما في قبضة البوذيين ثم الإنجليز: تعتبر أراكان ركناً من بورما، وتمثّل أكبر تجمّع إسلامي فيها، كما يوجد تجمّعات أخرى للمسلمين في كل من: (ماندلي وديفيو وشاه ومكاياه والعاصمة رانجون) وغيرها، حيث يقع على تلك التجمّعات أعظم ضغط جماعي مِن قِبل حكومة بورما العسكرية. أما العنصران الأساسيان من سكانها والموجودان فيها حالياً هما: (الروهنجيا) الذين يدينون بالإسلام ويتحدّرون من جذور عربية وفارسية وهندية وتركية، أما لغتهم فخليط من البنغالية والفارسية والعربية، و(الماغو) الذين يؤمنون بالبوذية، بالإضافة إلى أقليات عرقية متعددة. احتُلت أراكان من قِبَل الملك البوذي (بوداباي) عام 1784م الذي قام بضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغ على ذلك طِوال فترة احتلالهم. في عام 1824م احتلت بريطانيا بورما، وضمّتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية. وفي عام 1937م جعلت بريطانيا بورما مع (أراكان) مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية آنذاك، وعُرفت بحكومة بورما البريطانية. واجه المسلمون الاستعمار الإنجليزي بقوة مما جعل بريطانيا تخشاهم، فبدأت حملتها للتخلّص من نفوذ المسلمين باعتماد سياساتها المعروفة (فرِّق تَسُد) فعَمَدَتْ على تحريض البوذيين ضد المسلمين، وأمدّتهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً عام 1942م فتكوا خلالها بحوالي مائة ألف مسلم في أراكان!! استقلال بورما: وفي عام 1948م، وبالتحديد يوم 4 كانون الثاني منحت بريطانيا الاستقلال لبورما شريطة أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن ما أن حصل البورمان على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم، ونكثوا على أعقابهم، واستمروا في احتلال أراكان بدون رغبة سكانها من المسلمين الروهينغا والبوذيين الماغ أيضاً، وقاموا بالممارسات البشعة ضد المسلمين. مآسي مسلمي بورما في الناحية الاجتماعية: - يتعرض المسلمون في بورما وخصوصاً في (أراكان) لسلسلة لا تنتهي من أعمال الشغب التي يذهب ضحيتها الأرواح والممتلكات، ولم تتخذ السلطات أية إجراءات أمنية لحماية المسلمين. - يطوف الجنود البورماويون وهيئات التنفيذ القضائي وسفاحو (الماغ) البوذيين بأنحاء القرى المسلمة حيث يقومون بإذلال كبار السن وضرب الشباب المسلم ودخول المنازل وسلب الممتلكات. - يتم إرغام المسلمين على تقديم الأرز والدواجن والماعز وحطب النار ومواد البناء بالمجّان طِوال العام إلى الجنود وهيئات التنفيذ القانونية. - على الصعيد السكاني فإن الحكومة ما زالت تقوم بإحداث تغييرات ملموسة في التركيبة السكانية لمناطق المسلمين. فلا توجد أية قرية أو منطقة إلا وأنشأت فيها منازل للمستوطنين البوذيين سلّمتهم السلطة فيها. ومنذ عام 1988م قامت الحكومة بإنشاء ما يسمى بـ(القرى النموذجية) في شمال (أراكان)، حتى يتسنّى تشجيع أُسَر البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق. - عدم السماح لهم باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، أما المَبيت فيُمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقَبُ عليها بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته. - حرمان أبناء المسلمين من مواصلة التعلُّم في الكليات والجامعات، ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، أما إذا عاد فيُعتقل عند عودته، ويُرمى به في غياهب السجون. - فرض العمل القسري لدى الجيش أثناء التنقلات أو بناء ثكنات عسكرية أو شق طرق وغير ذلك من الأعمال الحكومية أو في بناء الطرق والسدود سخرة دون مقابل. - غير مسموح للمسلمين بالانتقال من مكان إلى آخر دون تصريح، الذي يَصعُب الحصول عليه. كما يتمّ حجز جوازات السفر الخاصة بالمسلمين لدى الحكومة ولا يُسمح لهم بالسفر للخارج إلا بإذن رسمي، ويُعتبر السفر إلى عاصمة الدولة (رانغون) أو أية مدينة أخرى جريمة يُعاقب عليها. - إرغام الطلاب المسلمين في المدارس الحكومية على الانحناء للعَلَم البورمي. - الطرد أو التهجير الجماعي المتكرر خارج الوطن مثلما حصل في الأعوام التالية: عام 1962م عقب الانقلاب العسكري الفاشي حيث طرد أكثر من 300.000 مسلم إلى بنغلاديش. وفي عام 1978م طرد أكثر من (500.000) أي نصف مليون مسلم، في أوضاع قاسية جداً، مات منهم قرابة 40.000 من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وفي عام 1988م تم طرد أكثر من 150.000 مسلم، بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي. وفي العام 1991م تم طرد قرابة (500.000) أي نصف مليون مسلم، وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة، انتقاماً من المسلمين لأنهم صوتوا مع عامة أهل البلاد لصالح الحزب الوطني الديمقراطي (NLD) المعارض. - إصدار قانون الجنسية الجديد الذي صدر عام 1982م وهو يُقسّم المواطنين كما يلي: 1- مواطنون من الدرجة الأولى وهم: (الكارينون والشائيون والباهييون والصينيون والكامينيون). 2- مواطنون من الدرجة الثانية: وهم خليط من أجناس الدرجة الأولى. 3- مواطنون من الدرجة الثالثة: وهم المسلمون حيث صُنِّفوا على أنهم أجانب دخلوا (بورما) لاجئين أثناء الاحتلال البريطاني حسب مزاعم الحكومة فسُحبت جنسيات المسلمين وصاروا بلا هوية وحُرموا من كل الأعمال وصار بإمكان الحكومة ترحيلهم متى شاءت. مآسي مسلمي بورما في الناحية الاقتصادية: - تُصادر الحكومة البورمية أراضي المسلمين وقوارب صيد السمك دون سبب واضح. - فرض الضرائب الباهظة على كل شيء، والغرامات المالية، ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يُمثّلُهم بسعر زهيد بهدف إبقاء المسلمين فقراء، أو لإجبارهم على ترك الديار. - منع المسلمين من شراء الآلات الزراعية الحديثة لتطوير مشاريعهم الزراعية. - إلغاء العملات المتداوَلة بين وقت وآخر من دون تعويض، ودون إنذار مسبق. - إحراق محاصيل المسلمين الزراعية وقتل مواشيهم. - عدم السماح للمسلمين بالعمل ضمن القطاع الصناعي في (أراكان). مآسي مسلمي بورما في الناحية الدينية: - لا تسمح الحكومة بطباعة الكتب الدينية وإصدار المطبوعات الإسلامية إلا بعد إجازتها من الجهات الحكومية وهذا أمر صعب جداً. - عدم السماح للمسلمين بإطلاق لِحاهُم أو لبس الزيّ الإسلامي في أماكن عملهم. - تصادر الحكومة ممتلكات الأوقاف والمقابر المخصصة لدفن المسلمين وتُوزّعها على غيرهم أو تحوّلها إلى مراحيض عامة أو حظائر للخنازير والمواشي!! - يتعرّض كبار رجال الدين للامتهان والضرب ويتم إرغامهم على العمل في معسكرات الاعتقال. - يُمنع استخدام مكبرات الصوت لإطلاق أذان الصلاة، ولقد مُنع الأذان للصلاة بعد رمضان 1403 هـ. - تتدخل الحكومة بطريقة غير مشروعة في إدارة المساجد والمدارس بهدف فرض إرادتها عليها. - يُمنع المسلمون من أداء فريضة الحجّ باستثناء قلة من الأفراد الذين تعرفهم الحكومة وترضى عن سلوكهم. - منع ذبح الأضاحي. - هدم المساجد وتحويلها إلى مراقص وخمّارات ودُور سَكَن أو تحويلها إلى مستودعات وثكنات عسكرية ومتنزّهات عامة، ومصادرة الأراضي والعقارات الخاصة بالأوقاف الإسلامية وتوزيعها على الماغ البوذيين، في هذا الصدد يقول نائب رئيس اتحاد الطلاب المسلمين في إقليم أراكان إبراهي محمد عتيق الرحمن في حديث لـ(وكالة الأنباء الإسلامية- إينا): "إنّ حكومة ميانمار قامت خلال عام 2001م بتدمير نحو 72 مسجداً وذلك بموجب قانون أصدرته منعتْ بموجبه بناء المساجد الجديدة أو ترميم وإصلاح المساجد القديمة، كما أن هذا القانون ينص على هدم أي مسجد بُنِيَ خلال العشر سنوات الأخيرة". - حملات التنصير لا سيما بعد الإعصار الأخير. - المحاولات المستميتة لـ (برمنة) الثقافة الإسلامية وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي البورمي قسراً، فلقد فرضوا الثقافة البوذية والزواج من البوذيات وعدم لبس الحجاب للبنات المسلمات والتسمّي بأسماءٍ بوذية. - طمس الهوية والآثار الإسلامية: وذلك بتدمير الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس تاريخية، وما بقي يُمنع منعاً باتاً من الترميم فضلاً عن إعادة البناء أو بناء أي شيء جديد لـه علاقة بالدين من مساجد ومدارس ومكتبات ودُور للأيتام وغيرها، وبعضها تهوي على رؤوس الناس بسبب مرور الزمن، والمدارس الإسلامية تُمنع من التطوير أو الاعتراف الحكومي والمصادقة لشهاداتها أو خرّيجيها. وضع المرأة المسلمة في بورما: 1- إعطاء حُقَنْ مانعة للحمل للنساء المسلمات في حالات كثيرة، ورفع سن الزواج للفتيات لـ 25 عاماً والرجال 30 عاماً، منع عقود النكاح إلا بعد إجراءات طويلة وإذن من السلطات، منع التعدد منعاً باتا مهما كان السبب، منع الزواج مرة أخرى للمطلق أو الأرمل إلا بعد مرور سنة، ومن يخالف ذلك يُعرّض نفسه للسجن والغرامات الباهظة أو الطرد من البلد. والهدف من كل ذلك هو القضاء عليهم أو تقليل أعدادهم. 2- إذا حَمَلَت الزوجة فلا بدّ من ذهابها طِبْقاً لقرار السلطات الحاكمة إلى إدارة قوّات الأمن الحدودية (ناساكا) لأخذ صورتها الملوّنة كاشفة بطنها بعد مرور كلّ شهر حتّى تضع حملها، وفي كلّ مرّة لا بدّ من دفع الرسوم بمبلغ كبير، وذلك للتأكّد كما تدّعي السلطة من سلامة الجنين، ولتسهيل إحصائية المولود بعد الولادة. 3- يتم أخذ النساء عَنوةً من منازلهن وإجبارهن على العمل في معسكرات الجيش دون مقابل. 4- إجبار الفتيات المسلمات على الزواج من البوذيين. 5- الحضور الإجباري للبنات المسلمات غير المتزوجات إلى قيادة القوات المسلحة والعمل لمدة 6 أشهر تحت إشراف أفراد قوات حرس الحدود. 6- انتهاك حُرُمات النساء وإجبارهنّ على خلع الحجاب. 7- عمليات الاغتصاب الجماعي وهتك الأعراض في صفوف المسلمات اللاتي يموت بعضهن بسبب الاغتصاب. دور المسلمين حيال إخوانهم في بورما: قامت بعض الجماعات والحركات والمنظمات الإسلامية بتقديم بعض المساعدات للمسلمين في بورما. إلا أنّ الجهود التي تُبذل ما زالت محدودة الأثر تنحصر في توزيع المعونات الغذائية والإعانات العينية مما يُخجَل من ذِكره لأمة يأمرها دينها أن تكون كالجسد الواحد ولكنْ آلَ أمرها اليوم إلى التفرّق واعتياد معاملة المسلمين المنكوبين وكأنّهم (شحّاذون) في الوقت الذي يعيش فيه كثير من أثريائها مستوى من البذخ والتّرف وكأنهم ليسوا من أمة الإسلام!! منال المغربي
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم