عناصر الخطبة
1/أهمية الوحدة والتلاحم 2/ واقع الإسلام قديماً في تركستان 3/ واقع تركستان المرير قبل قرنين إلى الآن 4/ مقصد الغرب من وقوفهم معهم 5/ واجبنا نحوهماهداف الخطبة
تعريف المسلمين بمعاناة إخوانهم في الصين / تحفيز المسلمين إلى نصرة إخوانهم المستضعفينعنوان فرعي أول
سلمان منا آل البيتعنوان فرعي ثاني
من الآثار التي لم تندرسعنوان فرعي ثالث
مكاسب سياسيةاقتباس
لقد استطاع الأعداء النفاذ إلى عمق المسلمين، وتأليب بعضهم على بعض، والاستفراد بهم دولة دولة، وطائفة طائفة، مع منع البقية من إغاثة إخوانهم إلا بإذن الأعداء، فضلاً عن نجدتهم ونصرتهم ورفع الظلم عنهم، ولا عجب حينئذ أن يُحاصر المسلمون في غزة؛ لتقتل أمة مسلمة صبراً، ولا عجب أن يعتدي الوثنيون في الصين على مسلمي تركستان الشرقية، فيقتلوهم ويسحلوهم في الشوارع ..
الحمد لله رب العالمين؛ جعل المؤمنين إخوة متحابين، تجمعهم رابطة الدين (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10] نحمده على نعمه العظيمة، ونشكره على آلائه الجسيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الخير بيديه، والشر ليس إليه، والمهدي من هدى، ونحن عباده بين يديه ومنه وإليه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق؛ فكان منه البلاغ وعلى الله تعالى الحساب.
بَلَغَ دينُه ما بلغ الليل والنهار؛ فما من دولة في الأرض إلا وفيها قائمون بأمر الله تعالى، يؤمنون به وله يركعون ويسجدون، ولا يشركون به شيئاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ رفعوا للإسلام أعلاماً، وشيدوا له بنياناً، فمنهم من مات بالشرق ومنهم من قضى بالغرب، ومنهم من أتته منيته وهو في لجة البحر، لم يخرجه إلا دعوةٌ للإسلام وجهاد في سبيل الله تعالى، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأقيموا له دينكم، وأخلصوا له أعمالكم، وأسلموا له وجوهكم (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى وَإِلَى الله عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [لقمان:22].
أيها الناس: حين اختار الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم خاتماً لرسله، وأنزل عليه الكتاب، وقضى بأن يبقى دينه إلى آخر الزمان؛ فإنه سبحانه ما جعل الإسلام لجنس دون جنس، ولا اختص برسوله صلى الله عليه وسلم أمة دون أخرى، بل كانت بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف:158].
إنه صلى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة جمعاء.. لم يستأثر به أهل مكة وحدهم، ولا اقتصرت هدايته على العرب دون غيرهم، ولا فرح به أهل الجزيرة على من سواهم، بل كان للبعيدين فيه أوفر الحظ بإيمانهم وإخلاصهم؛ كبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، ومارية القبطية، فكانوا من أوليائه وإن تباعدت بهم ديارهم، واختلفت أعراقهم..
ولم يحظ بهذا الشرف من كفر به من سادة العرب وقادة قريش؛ كأبي جهل وأبي لهب وأمية بن خلف.. فما أعظم هذا الدين حين جمع قلوب أتباعه عليه! فذابت الأعراق والأجناس والألسن والألوان في ذات الله تعالى وابتغاء مرضاته.
إنها أمة واحدة: ربها جل جلاله واحد، ونبيها صلى الله عليه وسلم واحد، ودينها واحد.. دين يجسد الوحدة بين المسلمين عن طريق وحدة العبادات والشعائر؛ لتحقيق وحدة القلوب والمشاعر؛ انطلاقاً من قول الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92].
ولأجل ذلك أمرنا الله عز وجل بالاجتماع والمحبة، ونهانا عن التفرق والبغضاء (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].
وعزز النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة وقواها حين جعل المسلمين كلهم جسداً واحداً فقال: " الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إن اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ " رواه مسلم.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ من أَهْلِ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لأَهْلِ الإِيمَانِ كما يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا في الرَّأْسِ " رواه أحمد.
وأوجب -صلى الله عليه وسلم- على المسلم نصرة أخيه المسلم، وعدم خذلانه أو إسلامه لأعدائه؛ وذلك بنجدته إن كان مظلوماً، وردعه عن ظلمه إن كان ظالماً فقال صلى الله عليه وسلم " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ " رواه الشيخان، وقال صلى الله عليه وسلم " وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُه " رواه مسلم. وفي حديث ثالث قال صلى الله عليه وسلم: " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا " رواه الشيخان.
وهذه الوحدة العظيمة التي كرستها نصوص الكتاب والسنة جعلت أمة الإسلام عظيمة القدر، كبيرة الشأن، مهابة الجانب، لا يوطأ كنفها، ولا يهان عرضها.. ولا سبيل إلى كسرها، ولا مطمع لعدو فيها؛ لأن الاعتداء على مسلم واحد أينما كان يحرك الأمة بأجمعها، ويبعث جيوشاً جرارة لإغاثته.
وإجلاءُ بني قينقاع عن المدينة كان بسبب إهانة اليهود لامرأة مسلمة، فَعُدَّ ذلك نقضاً للعهد أوجب جلاءهم عن ديارهم، ولما استغاثت امرأة بالمعتصم سيَّر لها جيشاً كثيفاً يفك أسرها، ويحفظ عرضها، ويعيد لها كرامتها.
لقد كان هذا هو حال المسلمين قبل أن يتمكن الأعداء منهم فيمزقوا وحدتهم، ويفتتوا دولتهم، ويفرقوهم إلى شيعَ متناحرة، وأحزاب متباغضة.. يعتز كل قوم منهم بعرقهم أكثر من اعتزازهم بدينهم، ويفاخرون بأصلهم ومذهبهم أعظم من مفاخرتهم بإسلامهم.. تلك المفاخرة التي أُمروا بها في قول الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ) [فصِّلت:33].
وحوّلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى واقع عملي حين أسرعت كل طائفة منهم تريد ضم سلمان الفارسي رضي الله عنه إليها فقال المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلمان منا أهل البيت " رواه الحاكم.
لقد استطاع الأعداء النفاذ إلى عمق المسلمين، وتأليب بعضهم على بعض، والاستفراد بهم دولة دولة، وطائفة طائفة، مع منع البقية من إغاثة إخوانهم إلا بإذن الأعداء، فضلاً عن نجدتهم ونصرتهم ورفع الظلم عنهم، ولا عجب حينئذ أن يُحاصر المسلمون في غزة؛ لتقتل أمة مسلمة صبراً، ولا عجب أن يعتدي الوثنيون في الصين على مسلمي تركستان الشرقية، فيقتلوهم ويسحلوهم في الشوارع، وينقل ذلك إلى العالم ولا يحرك في الناس ساكناً.
إن الإسلام في بلاد التركستان قديم جداً؛ إذ فتحها المسلمون في العهد الأموي على رأس المئة الهجرية الأولى، وظلت مسلمة أكثر من ألف سنة، وكان لها تاريخ مجيد مع المسلمين؛ إذ إن السلاجقة السنة الذين أبلوا بلاء حسناً في مكافحة الصليبيين، وكسر عملائهم من بني عبيد الباطنيين، كانوا ينحدرون من سلالات تركستان.
ومن نسلهم ظهر بنو عثمان الذين أسسوا أقوى دولة وأطولها حكماً في الإسلام، وظلت تركستان مسلمة حتى غزا الروس جانبها الغربي فاحتلوه، وغزا الصينيون جانبها الشرقي في أواسط القرن الثاني عشر الهجري فيما سمي بالعهد المانشوري، وتتابعت عليها الدول حتى تولى الشيوعيون زمام الأمر في الصين قبل ستين سنة، فساموا المسلمين سوء العذاب، وقهروهم على مبادئهم الإلحادية، وألغوا الكتابة بالعربية، وأتلفوا مئات الآلاف من الكتب الإسلامية، بما في ذلك نسخ القرآن الكريم، وأغلقوا ما يقرب من ثلاثين ألف مسجد، وقضوا على أوقاف المسلمين، وأجبروا بناتهم على العيش مع الشباب الشيوعيين حسب ما تقتضيه أفكار الماركسيين، وأُبيد في سبيل ذلك عشرات الآلاف من المسلمين الذين تمسكوا بدينهم، ومُنعوا من الحج، حتى نقل لنا من حضروا مع الحجاج التركستانيين والصينيين لما سمح لهم بالحج أنهم كانوا إذا رأوا البيت بكوا بكاء شديداً فرحاً بالوصول إليه بعد أن حيل بينهم وبينه عشرات السنين.
وكان من مكر الشيوعيين أنهم سلطوا على المسلمين في تركستان عرق الهان الوثني، ووطنوهم في ديار المسلمين لتغيير التركيبة السكانية لبلادهم، وإجبارهم على الهجرة منها
وفي رمضان الماضي فرضت السلطة الشيوعية قيوداً على بعض العبادات.. ومنعت النساء من النقاب كما منعت الرجال من إعفاء اللحى.
وأعظم من ذلك منعت المسئولين الحكوميين المسلمين من صوم رمضان، وعدوا صلاة التراويح والقيام سبباً للتطرف.
لقد عمل الشيوعيون على تغييب هذه الشعوب المسلمة عن الإسلام، وقطعوا صلتها بالمسلمين، واجتهدوا في تجهيلها بكل الوسائل؛ حتى إن كاتباً زار بلادهم قبل ربع قرن، فذكر أن مساجد المسلمين ليس فيها مصاحف، وكتب في رحلته قائلاً: ولا أنسى منظر أحد أئمة المساجد حين قدمت له نسخة من المصحف فظل يقبله وهو يبكي، ولا مشهد الشاب الذي جاءني ذات مرة ليتوسل إليَّ أن أعطيه مصحفاً؛ لكي يقدمه مهراً لمخطوبته التي ينوي الزواج بها.
وقد لاحظ في رحلته أن أغلب المصلين يوم الجمعة يرتدون ثياباً بيضاء، ويركعون ويسجدون وهم صامتون؛ لأنهم قد جُهِّلوا، وحيل بينهم وبين معرفة أحكام دينهم، ولكنهم يحافظون على شعيرة الجمعة، ويعدونها عيداً، وهي من آثار دينهم التي لم تندرس، فلله هم ما أحرصهم على دينهم! وما أشد ما يلقونه في ذات الله تعالى!
نسأل الله تعالى أن يفرج عنهم وعن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، وأن يظهر أمرهم، ويكبت أعداءهم، وما ذلك على الله بعزيز.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ جعل للحق أنصاراً، وجعل للباطل أعواناً؛ ابتلاء للعباد وامتحاناً، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ) [البقرة:194]
أيها المسلمون: باتت قضايا الجاليات المسلمة المضطهدة في كافة أرجاء الأرض هي آخر ما يأبه به العالم المتحضر، ومنظماته الدولية، وليس لها أي حقوق دينية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، بل ليس لها حق في العيش الكريم؛ لمجرد أنها تدين بالإسلام.. ومن سيأبه بهم إذا كان أكثر المسلمين لا يأبهون بهم مع أنهم إخوانهم وعلى دينهم، فقضية المسلمين في تركستان وفي الصين كافة ليست كقضية البوذيين في التيبت الذين يتعاطف العالم مع قضيتهم. ولا مثل كاثوليك إيريان الغربية الذين وقفت الدول الكبرى مع استقلالهم عن إندونيسيا. ولا وجه لمقارنتهم باليهود الذين واجهوا مشكلة في أوروبا فقررت الدول المهيمنة حلها عن طريق تمكينهم من اقتلاع شعب فلسطين وإقامة دولة لهم على أرضهم.
لقد عانت هذه الجاليات المسلمة المضطهدة الأمرَّين من تجاهل إخوانهم لهم، وتسلط أعدائهم عليهم، وتُركوا يواجهون مصيرهم وحدهم. وحين يتباكى الغرب ودوله الاستعمارية التي عانى منها المسلمون الويلات.. حين يتباكى على المضطهدين في تركستان المسلمة، ويرثي حقوقهم المهدرة، ويبرز قضيتهم للعالم، فذلك ليس صحوة ضمير، ولا نداء برفع الظلم عنهم؛ فإن الظالم لا يرضى بالعدل أبداً، ولكنها حيلة الغرب ومكرهُ الشيطانيُّ؛ لإثارة القلاقل في المنافس الوثني اللدود.
وإلا فإن الغرب الذي يصيح بحقوق المسلمين في تركستان هو الغرب الذي يدعم الدولة اليهودية التي تطحن المسلمين في غزة، ولديه من مشكلات الأقليات والتمييز العنصري ضدها ما يجل عن الوصف، وفي إحدى محاكمه قُتلت قبل أيام امرأة عفيفة وجنينها؛ لأن عفتها أبت عليها أن تنزع حجابها، رحمة الله تعالى عليها.
إن الغرب الاستعماري يسعى لليوم الذي يفَكَّكُ فيه الصين كما فُكِّكَ الاتحادُ السوفيتي والاتحاد اليوغسلافي، ويريد استخدام الأقلية المسلمة رأس حربة في مشروعه، ويسكت عن أقليات أخرى مضطهدة لم يحن بعد موعد استغلالها؛ فما أشد هوان المسلمين حين يعجزون عن نصرة إخوانهم، ورفع الظلم عنهم! ما أعظم غبنهم، وأفدح خسارتهم حين يتاجر الأعداء بدمائهم وأعراضهم، ويستغلون قضاياهم وحقوقهم؛ لتحقيق مكاسب سياسية، وبسط نفوذهم الاستعماري!!.
ألا وإن من واجب إخواننا المستضعفين علينا أن نبرز للناس قضاياهم ومعاناتِهم، ونكثر من الدعاء لهم، ونقاطع من آذاهم، وقبل ذلك وبعده: أن نتوب إلى ربنا، ونراجع ديننا، ونتخلص من ذنوبنا؛ فما أصاب المسلمين من ضراء فبما اجترحوا من السيئات، وتركوا من الطاعات (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشُّورى:30].
فلنتب إلى الله -تعالى-؛ طاعة له، ونصرة لإخواننا، ودرأً للمصائب عنا؛ فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.
وصلوا وسلموا على نبيكم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم