عناصر الخطبة
1/ كثرة جراحات الأمة الإسلامية ومآسيها 2/ مجازر وحشية لمسلمي أراكان 3/ معلومات تاريخية عن الإسلام في بورما ومأساته 4/ حقائق عن اضطهاد أهل هذه البلاد 5/ صمت إعلامي وحكومي رهيب تجاه المأساة 6/ دور الشعوب والحكومات إزاء الأزمةاقتباس
تلكم هي بعض المآسي التي يئن تحت وطأتها إخوانكم في العقيدة في منطقة أراكان بدولة بورما، ولعل كثيرًا منا لا يعرف عنها وعن موقعها وعن مآسي المسلمين فيها على يد البوذيين عبر التاريخ، إنها كانت في عهد من الزمن دولة إسلامية، تعاقب على حكمها ثمانية وأربعون ملكًا مسلمًا، دخل إليها الإسلام في القرن الأول الهجري، وقيل: في زمن الخليفة هارون الرشيد العباسي على يد التجار العرب، الذين نشروا الإسلام في شرق آسيا وجنوبها بسماحتهم وحسن خلقهم وكرم معاملتهم، وقد احتلتها دولة بورما البوذية...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
عباد الله: جراحات أمتنا الإسلامية قد كثرت، وكل يوم تطلع فيه الشمس تطالعنا من هنا وهناك أخبار غير سارة عن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، تحمل في طياتها أنباءً مؤلمة عن مآسٍ يئن منها المسلمون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هناك مجازر تفتك بالمسلمين في سوريا، وأخرى في فلسطين، وغيرها من بلدان الإسلام، وهذه الأيام تطالعنا الجرائد والقنوات بأخبار محزنة عن عملية إرهابية آثمة، ومجزرة وحشية بشعة على مسلمي ولاية أراكان بدولة بورما البوذية قام بها مجموعة بوذية إرهابية وعددهم ثلاثمائة بوذي في شرقي أراكان بمنطقة تنغو؛ ما أسفرت عن قتل عشرة من المسلمين الأبرياء كانوا ينتمون لجماعة الدعوة، وذلك يوم 13/7/1433هـ، الموافق 3/6/2012م، فأشعلوا بذلك نار الفتنة الطائفية بين عامة المسلمين والبوذيين في جميع أنحاء بورما، وسرت فيها كالنار في الهشيم، وإليكم بعض تبعاتها وآثارها المأساوية على المسلمين هناك، في الأسبوع الأول من المحرقة والمجزرة:
إثر هذه العملية الإرهابية خرجت مجموعة من المسلمين بتظاهرة سلمية في عاصمة بورما يوم الاثنين 14/7/1433هـ مرددين: "لا للعدوان البوذي على المسلمين، والتحقيق العاجل في الموضوع"، فوعدت الجهات المعنية الحكومية بإجراء التحقيق لكن بأسلوب بارد دون جدية ولا مبادرة، ومع ذلك انتظر المسلمون لمدة ثلاثة أيام من الإعلان الحكومي، وحينما تيقن المسلمون من عدم قيام الجهات الحكومية المعنية بالتحقيق وعدم اتخاذ أي قرار حيال ذلك، استعد المسلمون للخروج بتظاهرة سلمية في بعض المناطق الأراكانية منها: أكياب عاصمة أراكان القديمة، ومنغدو المتاخمة لبنجلاديش، عشية يوم الجمعة الموافق 18/7/1433هـ الموافق 8/6/2012م بعد صلاة الجمعة، فقامت الحكومة المحلية بمنعهم من الخروج للتظاهرة، متخذة عدة نقاط للتفتيش قبل صلاة الجمعة، بل منعتهم من الوصول إلى المساجد بتواطؤ ومساندة من الشعب البوذي، وإزاء وقوف القوات الحكومية بجانب البوذيين ومساندتها لهم تجرّأ البوذيون على التعدي وضرب المسلمين بالساطور والعصي ورمي الأحجار، فحصل قتال شديد بين الجانبين، حتى أدى إلى قيام كل طرف من الفريقين بإضرار الطرف الآخر، وذلك بإحراق البيوت والقرى وأماكن العبادة والأسواق، فقامت الحكومة بإطلاق النار بطريقة عشوائية تجاه المسلمين، أسفر عن قتل عدد من المسلمين، يتجاوز عددهم خمسين مسلمًا، وإحراق مائة بيت من كلا الجانبين.
في ليلة الأحد 15/7/1433هـ أصدرت الحكومة المركزية قرار حظر التجول يوميًّا من الساعة السادسة مساءً حتى الساعة السادسة صباحًا على المسلمين فقط دون البوذيين، فخرج البوذيون بمساندة الحكومة، وأشعلوا النار في بيوت وقرى المسلمين، ودخلوا أسواق المسلمين فأعملوا فيها النهب والتخريب والدمار، بينما الحكومة حظرت التجول على المسلمين، ومنعتهم من الخروج من بيوتهم، ومن خرج منهم ترديه العساكر قتيلاً بطلقة نارية فورًا، ثم تلتقطه في سيارات الجيوب، لتخفيه عن الأنظار والإعلام في مكان مجهول لا يعلم عنه أحد، وأصبح المسلمون محبوسين في البيوت ممنوعين عن الخروج حتى عن العمل والعبادة وشراء الضروريات، فباتوا مهددين بالموت الجماعي إن طال الحصار للحيلولة بينهم وبين الحصول على الغذاء في بيوتهم.
هذه الأحداث جرت في مدينة منغدو ذات الأغلبية السكانية من المسلمين في الوقت الراهن منذ 8/6/2012م حتى اليوم.
أما في مدينة أكياب ذات الأغلبية السكانية من البوذيين والأقلية من المسلمين، فتم تطويقها بالحصار من الحكومة بحجة حفظ الأمن منذ الجمعة 8/6/2012م، ورغم ذلك قام البوذيون بإحراق ثلاث قرى من قرى المسلمين، وقتلوا ما لا يقل عن ثلاثمائة مسلم، وخطفوا خمسين من وجهاء المسلمين ذوي الكلمة المسموعة بعيدًا عن الأنظار والإعلام إلى مكان مجهول، وظل المسلمون معزولين، بينما الساحة باتت مفتوحة للبوذيين، يفعلون ما يريدون بالمسلمين، يرتعون في دمائهم ويسرحون في قراهم، دون نكير من الحكومة ولا قدرة للمقاومة من المسلمين العزل.
وفي منطقتيْ راسيدنغ وبوسيدنغ: قام البوذيون بالفظائع ذاتها التي ارتكبوها في منغدو بمساندة الحكومية البوذية، وربما الحال هناك أسوأ من منغدو، لبعدها عن الحدود البنغالية.
أما المناطق الشرقية لأركان مثل: قيقتو – وفاكتو – رامبري – مامبرا – مروهانغ، فيتحدث عنها أهلها من المسلمين أنها دمرت تمامًا، حيث عمّ فيها القتل والدمار والنهب وانتهاك الأعراض من قبل البوذيين، وباتت تلك المناطق مطوقة ومغلقة على المسلمين من جميع الجوانب، ولا توجد وسيلة للاتصال بالخارج، لقطع الحكومة وسائل الاتصال عنها منذ اندلاع الفتنة الطائفية.
ومن شدة ما يلاقي المسلمون من الجرائم في تلك المناطق، اضطر كثير منهم للفرار بدينهم وعِرضِهم عبر خليج البنغال المتفرع عن بحر العرب، وباتت المنطقة ترزخ تحت ويلات النار برًّا وبحرًا كما صرح به شهود عيان من أهاليها. والله المستعان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أيها الإخوة المباركون: والآن قد مضى الأسبوع الثاني ولا زالت الحكومة البورمية تشدد الحصار على أحياء المسلمين بحظر التجول: فبات مصير الأمهات والأطفال إما الموت جوعًا أو القتل بالرصاص إذا خرجوا من بيوتهم، وأما الرجال فمصيرهم القتل أو الخطف، وأما أعيانهم وعلماؤهم فمردهم الاعتقال ولا مفر لهم منه، وتجاوز عدد ضحايا المجازر الآلاف، وبلغ عدد البيوت المحرقة قرابة سبعمائة بيت، وتم تهجير آلاف الجماعات؛ ما تعرض الكثير منهم للموت والغرق، كما تم تسميم آبار المسلمين، في خطة مدبرة لإبادة هذه الأقلية المسلمة من الوجود. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعجل بالفرج لهم، وأن ينصرهم على عدوهم، وأن يعجل بهلاكهم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القوي المقتدر، القاهر فوق عباده، ومنه نستمد النصر، أحمده حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على المبعوث إلى كل البشر، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده فانتصر.
أما بعد:
أيها الإخوة المصلون: تلكم هي بعض المآسي التي يئن تحت وطأتها إخوانكم في العقيدة في منطقة أراكان بدولة بورما، ولعل كثيرًا منا لا يعرف عنها وعن موقعها وعن مآسي المسلمين فيها على يد البوذيين عبر التاريخ، إنها كانت في عهد من الزمن دولة إسلامية، تعاقب على حكمها ثمانية وأربعون ملكًا مسلمًا، دخل إليها الإسلام في القرن الأول الهجري، وقيل: في زمن الخليفة هارون الرشيد العباسي على يد التجار العرب، الذين نشروا الإسلام في شرق آسيا وجنوبها بسماحتهم وحسن خلقهم وكرم معاملتهم، وقد احتلتها دولة بورما البوذية، فصارت إحدى ولاياتها، وهي تقع بين بورما والهند وبنغلاديش.
وقد تتابع فيها على المسلمين عبر فترات التاريخ قتل جماعي وحرق للقرى بأكملها، وتهجير جماعي بغية تغيير الخريطة الجغرافية بإحلال البوذيين مكانهم، وتم بالفعل ذلك، فأصبح المسلمون أقلية، وصار عددهم يقل يومًا بعد يوم، ما يخشى عليها أن يأتي يوم تصبح في قائمة النسيان، كما حصل للأندلس تمامًا.
وينبغي أن نقف على بعض الحقائق عن مآسي أهل هذه البلاد، والتي يخفى على كثير منا، وإليكم بعضها:
لا يملك المسلمون وسيلة ولا آلة للدفاع عن أنفسهم، حتى الآلة البسيطة كالسلاح الأبيض (الساطور)، حيث تم نزعها عنهم منذ زمن، حسب نظام وقرار الحكومة القاضي بنزع السلاح عن السكان بحجة الحفاظ على الأمن، بينما يملك البوذيون أسلحة بمساندة من الحكومة.
الإعلام البورمي يذكر في أخبارهم عن المسلمين أشياء سلبية، تاركًا الجوانب الإيجابية ومنها مآسيهم، بل أشد من ذلك أنها تقلب الحقائق عن المسلمين فتصورهم بأنهم إرهابيون يشنون الحملات.
المناطق الشرقية لولاية أراكان ذات الأقلية السكانية من السكان قطعت عنهم وسائل الاتصال تمامًا، ليتم فيها الإبادة الجماعية وحرق القرى بأهلها بأكملها.
وللبوذيين جماعات إرهابية ومنظمات سرية محظورة لدى الحكومة، ورغم ذلك اشتركت في الهجوم على المسلمين بمساندة الجيش الحكومي.
أيها الإخوة المصلون: لا زالت دماء المسلمين في أراكان تسيل إلى اليوم، واستحالت عدد من القرى ببيوتها كومًا من الرماد، والحصار الحكومي وحظر التجول على المسلمين ضربت أطنابها حتى الآن، فلا يستطيع المسلمون الخروج للصلاة ولا للعمل والكسب، ما يخشى عليهم الموت الجماعي إن طال الحصار لما يحول بينهم وبين الحصول على الغذاء، ومع كل هذه الأحداث المؤلمة والإجرام البشع لا نكاد نرى من القنوات الهائلة في بلاد المسلمين الاهتمام بسردها أمام المسلمين، وتفعيل قضيتها في الإعلام سوى بعضها وهي تمرر -على استحياء- الخبر سريعًا، وكأنها لا يعنيها أمرهم، في حين لا يملك المسلمون هناك وسيلة إعلامية واحدة لبث همومهم ونشر مآسيهم أمام إخوانهم في العقيدة، وقد حوصروا بتعتيم إعلامي شامل من قبل الحكومة، فلا ناطق إلا باسم الحكومة البوذية، ولا جهة إعلامية إلا جهة الحكومة البوذية، والأمل في أصحاب القنوات في بلاد المسلمين الاهتمام بنشر مثل هذه القضية، حتى تصل إلى كافة أنحاء المعمورة لكي تخفف عنهم على الأقل الألم، وليحصلوا على تعاطف دولي ليتم الضغط على الحكومة البورمية، كي توقف هذه المجزرة وتلك المحرقة والإبادة الجماعية.
ثم ما دورنا نحن -عامة المسلمين- إزاء هذه المأساة، فنحن على الأقل نملك وسيلة واحدة لنصرتهم ألا وهي الدعاء، بأن يفرج الله عنهم كربهم، وينصرهم على عدوهم وعدوه، ويحقن دماءهم، فلا نبخل عليهم بهذه الوسيلة العظيمة، وماذا نجيب ربنا غدًا إن بخلنا عليهم بها في حقهم!!
أتـهزأ بالـدعاء وتزدريه *** وما تدري بما فعل الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن *** لـها أمد وللأمد انقضاء
ثم الأمل من الحكومات الإسلامية السعي إلى الحكومة البورمية لوقف هذه المجزرة والإبادة الجماعية أداءً لحق إخوانهم المسلمين المستضعفين، واتخاذ الوسائل للضغط عليها كي يتمتعوا بحقوقهم الإنسانية، وأملنا في حكومة خادم الحرمين الشريفين كبير ليقوم بهذه المبادرة، فهي السباقة دائمًا في حمل لواء القضايا الإسلامية، وفقها الله لذلك، ولما فيه خير للإسلام والمسلمين.
اللهم صل على محمد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم