عناصر الخطبة
1/أهمية الزكاة والحث عليها 2/التحذير من منع الزكاة 3/ وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام 4/شروط زكاة بهيمة الأنعام 5/النصاب في زكاة الأنعام 6/التحذير من التحايل لمنع الزكاة.اقتباس
إياكم والتهاون في الزكاة والتثاقل في إخراجه, فقد قال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة والله قرن بينها وبين الصلاة". قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "نظرت في التجار, فرأيتهم قد غلب عليهم الحرص, حتى لا يرون سوى وجوه الكسب كيف كانت, وصار الربا في معاملتهم فاشياً, فلا يبالي أحدهم من أي تحصل له الدنيا؟ وهم في باب الزكاة مفرطون, ولا يستوحشون من تركها, إلا من عصم الله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده على نعمه، ونستعينه على طاعته، ونستنصره على أعدائه، ونؤمن به حقا، ونتوكل عليه مفوضين إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه على فترة من الرسل, ودروس من العلم, وإدبار من الدنيا, وإقبال من الآخرة؛ بشيرا بالنعيم المقيم, ونذيرا بين يدي عذاب أليم, فبلغ الرسالة ونصح الأمة, وجاهد في الله حق جهاده, فعلى النبي من الله صلاة ورحمة وسلام, وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثير إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -ياعباد الله- بتقوى الله؛ فإن في التقوى تكفير السيئات وتضعيف الحسنات, وفوزا بالجنة ونجاة من النار, وأحذركم يوما تشخص فيه الأبصار وتعلن فيه الأسرار, يوم البعث ويوم التغابن ويوم التلاق ويوم التناد, يوم لا يستعتب من سيئة ولا يزداد من حسنة, (يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 18، 19].
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102], (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
أيها المؤمنون: إن الزكاة أحد مباني الإسلام، وقد قرنها الله -سبحانه وتعالى- بالصلاة، فقال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة: 43]، ومدح الله مؤديها, فقال تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور: 37], وبين الله أن رحمة للمتقين، ولمؤدي الزكاة فقال: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].
ولقد ذمّ الله من منعها وتهاون بها فقال: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [التوبة: 75 - 77], وقال -عز وجل- فيه: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) [فصلت: 6، 7].
ويقول -جل في علاه-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34، 35], ويقول -سبحانه-: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران: 180].
أيها الناس: إن الزكاة من أركان الإسلام ومبانيه العظام, عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان".
ولنعلم -أيها المتقون- بأن الفقهاء أجمعوا على أن الإبل والبقر والغنم هي من الأصناف التي تجب فيها الزكاة, واستدلوا لذلك بأحاديث كثيرة,, وفي الخيل خلاف, وأما البغال والحمير وغيرها من أصناف الحيوان فليس فيها زكاة ما لم تكن للتجارة.
أيها الإخوة: إن الزكاة واجبة في بهيمة الأنعام كغيرها من الأموال والذهب والفضة, والزروع, وعروض التجارة, فليس لأحد منعها أو جحودها, ولكنها تجب بشروط وهي: الإسلام وملك النصاب وتمام الحول، ومنها السوم وهو أن ترعى الحول أو أكثره, لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا: "في كل سائمة إبل في كل أربعين بنت لبون", وحديث: "في كل خمس من الإبل السائمة شاة". فدل بمفهومه على أن المعلوفة لا زكاة فيها.
إخوة الدين: إن نصاب بهيمة الأنعام الذي يجب على من ملكه الزكاة في الإبل والغنم, كما جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم, هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين, والتي أمر الله بها رسوله, فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها, ومن سئل فوقها فلا يعط:
في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة, فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى, فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى, فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل, فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة, فإذا بلغت -يعني ستا وسبعين- إلى تسعين ففيها بنتا لبون, فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل. فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون, وفي كل خمسين حقة. ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها, فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة.
وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة, فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان, فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث, فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة, فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها".
وأما نصاب البقر كما روى مسروق أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث معاذا -رضي الله عنه- إلى اليمن وأمره "أن يأخذ من كل حالم دينارا, ومن البقر من كل ثلاثين تبيعا, ومن كل أربعين مسنة".
إخوة العقيدة: إياكم والتهاون في الزكاة والتثاقل في إخراجه, فقد قال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة والله قرن بينها وبين الصلاة". قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "نظرت في التجار, فرأيتهم قد غلب عليهم الحرص, حتى لا يرون سوى وجوه الكسب كيف كانت, وصار الربا في معاملتهم فاشياً, فلا يبالي أحدهم من أي تحصل له الدنيا؟ وهم في باب الزكاة مفرطون, ولا يستوحشون من تركها, إلا من عصم الله, وربما توانوا عن إخراج الزكاة, وتكاسلوا باستعمال التأويلات فيها, ثم إذا حضر أحدهم مجلس وعظ بكى كأنه يصانع بتلك الحال, ومنهم من يخرج بعض الزكاة مصانعة عما لم يخرجه".
وحذاري -يا عباد الله- من الحيل في التخلص من الزكاة بتفريق المجتمع، وجمع المتفرق، ولقد كتب أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- فريضة الصدقة، التي فرض رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وفيها: "ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة". [رواه البخاري].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم