عناصر الخطبة
1/ الهدي النبوي في التكسُّب والإنفاق وعزة النفس 2/ محاربة النبي الكريم للعطالة والتسول 3/ ترغيب الإسلام في الكسب الحلال والإنفاق منه 4/ تفشِّي ظواهر من الكسب الحرام في المجتمع 5/ ظاهرة التهاوُن في الإنفاق على الأسرةاقتباس
لم يكُن -صلى الله عليه وسلم- عالةً على المجتمع، لم يقل إنِّي نبيٌّ ولي أنْ أُعطَى من كنوز الدنيا، لا! ولكن ما أمسَك في يده أَنْفَقَه على أهل بيته -عليه الصلاة والسلام-، قبل أن يكون نبياً كان زوجاً، كان أباً يُنفق على أبنائه، ويكسوهم، ويعطيهم مما أعطاه الله. وكان هذا هديه -صلى الله عليه وسلم- ..
تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:102-103].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].
اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا، وأن تلم شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا برحمتك يا قوي يا عزيز.
أما بعد: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جالساً مع أصحابه يحادثهم ويحادثونه، ويستأنسون بكلامه العذب، وبتوجيهاته الربانية، وتربيته النبوية، حتى حكى لهم عن زمنٍ ماضٍ أنه كان يرعى الغنم فقالوا: يا رسول الله! أكنت ترعى الغنم؟! وأنت النبي، وأنت الرسول، وأنت القريب من ربك، وأنت الحبيب إلى مولاك، وأنت من اجتباك واختارك لتكن نبياً رسولاً؟ سمعنا عن موسى أنه رعى الغنم يا رسول الله، وعن أنبياء أنهم رعوا الغنم، أفرعيت أنت الغنم؟ قال:"نعم، ما من نبي إلا ورعى الغنم، وإني كنت أرعاها بقراريط لأهل مكة" رواه البخاري.
فداه أبي وأمي -صلى الله عليه وسلم-، رعى الغنم، واشتغل بالتجارة، كان يبيع ويشتري، كان يذهب إلى الشام في بضاعة لخديجة فيذهب إلى الأسواق ويلتقي بالتجار، ويشتري منهم البضاعة ويبيع إليهم ثم يعود إلى مكة فيبيع ويشتري.
كان تاجراً -صلى الله عليه وسلم- وسؤالي: ما كانت حاجته إلى رعي الغنم؟ ولماذا عمل في التجارة؟ وهو يمتلك كنوز الدنيا، وهو لو رفع يديه إلى السماء فقال: يا رب ارزقني، يا رب أعطني، كيف وقد قال لأصاحبه -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله" رواه البخاري، كيف وليس بينه وبين ربه حجاب ولا واسطة، ينزل عليه ملك الجبال، وينزل عليه ملك المطر، وينزل عليه ملائكة السماء تحت رهن إشارته -عليه الصلاة والسلام-.
أيها الإخوة الكرام: إن نبينا كان يتيماً -لكي يقول للأيتام إني نبي لكنني كنت يتيماً فليس في اليتم عيب- وكان فقيراً -ليخبر الفقراء أنني نبيكم لكنني كنت فقيراً- وكان راعياً وتاجراً وأباً لكي يخبر الآباء أنني قبل أن أكون نبياً مرسلاً فأنا زوج وقد أوجب الله عليّ النفقة لزوجتي والإحسان إليها والعناية بها، ليس الزواج لهوا وعبثاـ نبينا -عليه الصلاة والسلام- عمل في رعي الغنم وفي التجارة لكي يعلمنا أنه يجب علينا كسب القوت وجمع المال، لكي نحصن أنفسنا، ولكي نعيل من أوجب الله علينا النفقة عليهم.
ليست قضية الزواج، أو الأبوة، أو البنوة، أمراً ليس له تبعات، فمَن تزوج وجبت عليه النفقة، ومن كان أباً وجبت عليه النفقة، ومن كان ابناً وجب عليه أن ينفق على أبويه؛ لذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يكون نبياً كان زوجاً لخديجة، فكان يعمل لينفق على زوجته -صلى الله عليه وسلم-، وكان أباً لفاطمة، و لرقية، ولأم كلثوم، كان أباً -عليه الصلاة والسلام- لأبنائه وبناته، فكان إذا دخل عليهم بيته كان يعطيهم من الحلوى، ويعطيهم من الماء، ويعطيهم من الطعام من قوته من ماله الخاص من كسب يده -صلى الله عليه وسلم-.
لم يكُن -صلى الله عليه وسلم- عالةً على المجتمع، لم يقل إنِّي نبيٌّ ولي أنْ أُعطَى من كنوز الدنيا، لا! ولكن ما أمسَك في يده أَنْفَقَه على أهل بيته -عليه الصلاة والسلام-، قبل أن يكون نبياً كان زوجاً، كان أباً يُنفق على أبنائه، ويكسوهم، ويعطيهم مما أعطاه الله. وكان هذا هديه -صلى الله عليه وسلم-.
لذلك حث أمته -عليه الصلاة والسلام- على الكسب، والغنى، بل كان يقول: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى" رواه مسلم، كان يسأل الله الغنى ويستعيذ بالله من الفقر، يستعيذ بالله من قلة اليد حتى لا يلجأ إلى أحد؛ بل إنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" متفق عليه، وقد جاءه رجل فقال: يا رسول الله! أعطني مما أعطاك الله، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وما ذا تملك؟"، ما ذا عندك؟ ما هو رأس مالك؟ قال: يا رسول الله! والله إنه رداء، خرقة قماش، فآكل عليه طعامي، وألتحفه أنا وزوجتي، وليس لنا إلا هو. قال -عليه الصلاة والسلام-: "هاتِه". أقبِل به.
فذهب إلى بيته وأتى بذلك الرداء فقال: هذا هو يا رسول الله! قال: "اخرج إلى السوق وبعه" قال: سمعاً وطاعة يا رسول الله! فذهب إلى السوق وباع ذلك القماش أو ذلك الرداء، ثم أتى بالمال قال: هذا قيمته يا رسول الله! قال: "اذهب واشتر به معولاً"، اشتر به فاساً، فذهب واشترى به فاساً قال: هذا الفأس وهو لم يفهم شيئاً إلى الآن، فعل كل ذلك وهو لم يعرف ما هو الهدف! هذا هو الفأس يا رسول الله! فأخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- وخرج إلى الوادي وبحث عن عود أو خشبة وأدخل فيها ذلك الفأس. وقال له: "خذ هذا واحتطب" رواه أبو داود وابن ماجة وضعَّفه الألباني. كن رجلاً لا تكن عالة، لا تسأل الناس، لا تعش على الناس أو على الديون، كن شخصاً منتجاً في المجتمع، لا تكن عالة على والديك، ولا عالة على الدولة والمجتمع.
سبحان الله! نعيش في الفقر ولدينا ما يسمى بالبطالة المقنَّعة، وتجد أفراداً مسجلين في الجيش ويستلمون المرتبات وهم لا يعملون، وكذلك البعض مسجلون مدرسون وهم لا يعملون، والله إني أعرف أحد الناس يحمل أربع وظائف: مدرس ولا يدرس، وجندي ولا يحضر يوما واحدا، ومسجل كذلك في الشهداء يستلم راتب شهيد، ومسجل في وزارة من الوزارات! عالة على المجتمع، هذا يأكل حرام، هذا يأكل من قوت الأمة، حرام، أين سيذهب يوم القيامة؟ بماذا سيجيب الله -جل وعلا-؟ وماذا سيقول؟ كذب، افتراء، بهتان، دجل.
يتفق مع المدير في المدرسة، أو مع الضابط في الجيش، أو مع المدير في الوظيفة، فيعطيه جزءاً من المبلغ وربما ذهب ليغترب وما زالت معه أربع وظائف، والأمة تعاني من الفقر، ومن الفساد، ومن السرقة، ومن الدجل.
أيها الإخوة الأفاضل: الإسلام عندما أمرنا بالدين أمرنا بالدنيا، يقول: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:77].
لا تنس نصيبك من الدنيا، لا تكن عالة، ابتغ مما آتاك الله من كنوز المال، وكنوز الجسم، والصحة والعافية، والعقل فاجنِ بها المال، لكن علِّم أسرتك وجنبهم الحرام، وجنبهم الرشوة، سبحان الله! لم أسأل أحداً عن معاملة في بلادنا بلاد اليمن إن كانت لا يمكن أن تنجز إلا وقال لك: يمكن أن تمشي، هات حق القات! وما عليك! كل شيء يمشي! .
سبحان الله! هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- كما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- في صحيح الإمام مسلم قال: وكان النبي عليه الصلاة والسلام جالساً قال: فأخذ الحسن بن علي -رضي الله عنهما- تمرة من مال الصدقة –انتبه! تمرة! كم قيمة التمرة؟ هل لها قيمة مادية؟- ثم وضعها في فمه، أراد أن يأكلها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: "كخ! كخ! أما علمت أننا لا نأكل الصدقة؟" متفق عليه. نحن آل البيت، آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا نأكل من الصدقة؛ تربية على علو الهمة وعزة النفس! .
هذه التمرة ليست رشوة، وليست سرقة، وليست حراماً، وليست أكل مال اليتامى، إنما هي صدقة. إرم بها، أما علمت أننا لا نأكل الصدقة! فكيف بالذين يأكلون الرشوة؟! كيف بالذين يأكلون السحت؟! كيف بالذين يأكلون الحرام؟! كيف بالذين يأكلون قوت المساكين؟! ينهبون أموالهم، يسرقون حقوقهم، ماذا سيجيبون الله -جل وعلا- يوم القيامة.
بل الأشدّ من ذلك الذي يأخذ الرشوة، والله إني لأتفكر في هذا الذي يأخذ الرشوة سواء كان في دائرة، أو في وزارة، فيأخذها، كيف يستحل أن يشتري بها طعاماً فيدخل به على زوجته، أو على بناته الصغار، أو على أولاده في البيت؟! كيف يشعر في ضميره وفي قلبه أن يرى ابنته وهي تأكل من الحرام، وهو يعلم أنه حرام، إنها رشوة، إنها سرقة، أما يخشى الله؟ أما يتقي الله؟ هذا أكل السحت.
وكيف بالذين يطعمون أولادهم وبناتهم وزوجاتهم مالاً حراماً ثم يريدون من أولادهم أن يطيعوهم؟! كيف تريد من ابنك أن يصلي وقد غذيته من حرام؟، كيف تريد من ابنك أن يطيعك، وأن يقبل رأسك، وأن يبتسم في وجهك، وأن ينفذ أوامرك وقد أطعمته حراماً؟! حتى إذا بلغ عمره خمس عشرة سنة عرف أنك سارق، عرف أن أباه مرتشٍ، عرف أن أباه يأكل أموال الشعب، وأموال الأمة، وأقوات الناس، كيف ينظر الى والده وكيف ينظر الى نفسه وكيف ينظر اليه المجتمع؟! .
أيها المؤمنون: إنني لا أوبخ ولا أفضح ولا أتكلم عن أحد، إنني أتكلم عن أمتي أمة الإسلام، إذا أردنا الريادة وأردنا السيادة، وأردنا أن نكون أمة محترمة يجب أن نحترم أنفسنا، وأن نقدر ديننا، وأن نتبع أوامر ربنا، وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأن لا نهبط إلى المستوى السيئ والمستوى المنحط.
أيها المؤمنون: لقد أوجب الله -جل وعلا- على الزوج حقوقاً، أوجب عليه النفقة على زوجته، والنفقة على أولاده، وأن لا يطعمهم إلا حلالاً، (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34]؛ لذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- يرشد إلى أن المال -ولو كان قليلاً- تطعم به أولادك أجره عظيم عند الله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك -يعني على زوجتك، على أولادك- قال -صلى الله عليه وسلم-: أعظمهما أجراً الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم، حتى اللقمة تضعها في فم زوجتك تؤجر عليها، يكتب الله لك بها حسنة وأجراً إلى يوم تلقاه.
بل قال -عليه الصلاة والسلام-: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" أحمد وأبو داود وحسَّنه الألباني؛ أن يضيع من أوجب الله عليه قوتهم، بل إني -والله! - لأتعجب من بعض الآباء، يتزوج ثم يرزق أبناءً فيصبح عنده من الأولاد عشرة، ثم يوزعهم فهذا يعمل في شارع، وهذا يشحذ في شارع، وهذا لا يدرس، وهذا لا يدري أين هو، وهذا يشرب دخان، وهذا في مجالس القات، وهذا ضايع، أي أب هذا؟! .
بل إن بعض الآباء -وأنا أعرفهم- أبناؤه الصغار الذين لا يتجاوز عمرهم الاثنتي عشرة سنة هم الذين يصرفون على البيت، والله أني أعرف أباً لا هَمَّ له إلا القات والسيجارة وأولاده يمسحون السيارات عند الجولات، ليس عيباً أن يعملوا، لكن العيب أنهم هم الذين يصرفون على أبيهم الضائع، أبيهم الذين ضيعهم "كفى المرء إثماً أن يضيع من يقوت".
اللهم أصلح آباءنا، وأصلح أولادنا، وأصلح بيوتنا، وأصلح أبنائنا؛ اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتجاوز عن خطئنا؛ اللهم إنا نسألك رضاك عنا، وسترك علينا، وغفرانك لذنوبنا؛ فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى.
أما بعد: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) [الملك:15]، امشوا في مناكب الأرض، في سهولها وجبالها، وهضابها وبحارها، وكلوا من رزقه، مما أعطاكم الله إياه من حرفة تتقنها، أو وظيفة تجيدها، أو عمل تصنعه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" الطبراني وأبو يعلى وحسَّنه الألباني. أي: أن يحسنه، يضبطه في مواعيده، إن كان موظفاً يأتي في أول الدوام، ويخرج في آخر الدوام، يتقي الله فيما تعطى إليه من عهد من سيارات، من مكاتب، من أقلام، قال رجل: يا رسول الله، ولو شيئاً يسيراً؟ قال: "ولو قضيباً من أراك" رواه مسلم، ولو حتى عود سواك ستسأل عنه يوم القيامة، فكيف بالذي يضيع أموالاً بالملايين في هذه الأمة المسكينة، هذه الأمة الفقيرة, المغلوبة على أمرها؟.
أيها الأب الكريم: إن الله قد رزقك زوجة فاتق الله فيها، وأحسن إليها وأشعرها بالأمان، والله إن بعض النساء اشتكين إليَّ عبر رسائل، وبعضهن عبر الهاتف، قالت إحداهن: أنا لا أشعر مع زوجي بالأمان، قلت لماذا؟ قالت: لا أعلم من أين يأتي بالمال! مرتبه لا يتجاوز ثمانية عشر ألف وهو يأتينا بالآلف المؤلفة! قالت: لا أعرف من أين يأتي بالمال، لا أشعر معه بأمان.
وأخرى تقول: أنا زوجي يسهر الليل حتى منتصفه حتى الساعة الثالثة قبل صلاة الفجر، ثم ينام ولا يصلي الفجر إلا الساعة الثانية عشرة ظهراً، ثم يذهب ويشتري القات! ثم يعود ثم يخزن إلى منتصف الليل وهكذا. قلت لها ومن أين المرتب؟ قالت: موظف في وزارة كذا ويعطونه المرتب وهو لا يذهب! سبحان الله! كيف سيكون أبناء هذا الرجل، أي قدوة هذا لأبنائه، وأي موظف أمام زملائه.
أيها الآباء الكرام: أعزكم الله وحفظكم، إن الأسد يعلِّم أبناءه الصيد، ويعلم أبناءه أن يكونوا سادة في الغابة، وأن يقتاتوا بأنفسهم، وهذه دواب وحيوانات، تعلم أبناءها كيف تأكل، وكيف تقتات، فكيف بنا وقد ميزنا الله -جل وعلا- بالعقل! .
أيها المؤمنون: إن الله -سبحانه وتعالى- قد أوجب علينا -وعلى الآباء خصوصاً- أن نتقي الله في بيوتنا؛ لذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق" رواه أحمد وصححه الألباني، بالكلمة الطيبة، والنصيحة الطيبة، والتفاهم، والرحمة، والمودة، والأخوة، فيكون بيتاً عامراً، وتكون الزوجة صالحة، ويكون الأبناء بارين، ويكون بيتاً هانئاً كما ذكر الله -جل وعلا- أن المرأة سكن لزوجها إذا اتقى الله فيها، وإذا أمرها بالمعروف، ونهاها عن المنكر.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وبصفاتك العلى، أن تصلح لنا بيوتنا، وأن تصلح لنا زوجتنا، وأن تصلح لنا أولادنا.
اللهم ارزقنا حلالا، اللهم ارزقنا حلالا، اللهم ارزقنا حلالا. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم إنا نعوذ بك من الفقر، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر. اللهم لا تلجئنا إلى أحد من خلقك إلا إليك.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، نسألك رضاك عنا. اللهم وعن أمهاتنا، وعن أبنائنا، وعن زوجاتنا، وعن من له حق علينا.
اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره. اللهم إنا نسألك أن تجعل بيوتنا عامرة بذكرك. اللهم اجعل بيوتنا عامرة بذكرك. اللهم اجعل أبناءنا لنا بارين ومطيعين وسامعين، واجعلهم يا رب العالمين لك راكعين لك ساجدين، لك مطيعين يا رب العالمين.
اللهم استر على إخواننا المجاهدين في كل مكان. اللهم انصرهم في كل مكان، اللهم اربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وانصرهم على عدوهم.
اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا وأن تستر عيوبنا. اللهم واغفر لآبائنا وأمهاتنا. اللهم مَن توفيته منا فتوفه على الإيمان. اللهم واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم