عناصر الخطبة
1/ كثرة الفتن وتتابعها 2/ الاستقامة مخرج من الفتن 3/ قصص الأولين عظة وعبرة 4/ لزوم الاستقامة والبقاء عليها 5/ اتفاق الشرائع السابقة على الاستقامة 6/ أهمية الاستقامة للعبد المؤمن 7/ الوصية الجامعة 8/ أهمية الصبر على الاستقامةاقتباس
فِتَنٌ تَطَايَرَ هُنَا وَهُنَاكَ شَرَرُهَا، وَتَعَدَّى الحُدُودَ أَثَرُهَا وَزَادَ خَطَرُهَا، مَن لم يُصِبْهُ لَهَبُهَا اكتَوَى بِحَرِّ جَمرِهَا، وَمَن لم يَصْلَ سَعِيرَهَا أَصَابَهُ دَخَنُهَا، غَيرَ أَنَّ ذَلِكَ لم يَخلُ مِن حِكَمٍ إِلَهِيَّةٍ بَالِغَةٍ؛ مِن أَهَمِّهَا أَن يَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَيَجعَلَ الخَبِيثَ بَعضَهُ عَلَى بَعضٍ، فَيَركُمَهُ جَمِيعًا، فَيَجعَلَهُ في جَهَنَّمَ ..
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) [آل عمران:200]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّنَا في زَمَنٍ تَوَالَتِ الفِتَنُ فِيهِ وَتَسَارَعَ عَرضُهَا عَلَى القُلُوبِ، وَكَثُرَت مُلامَسَةُ النَّاسِ لها وَمُنَادَمَتُهُم لأَهلِهَا، فِتَنٌ يَرَاهَا المَرءُ في طَرِيقِهِ وَسُوقِهِ وَلَولم يَقصِدْ إِلَيهَا، وَيَعِيشُهَا في مُجتَمَعِهِ وَلَو لم يَرغَبْ فِيهَا، وَتُعرَضُ عَلَيهِ في بَيتِهِ وَمَقَرِّ عَمَلِهِ بِوَسَائِلَ خَادِعَةٍ وَأَسَالِيبَ مَاكِرَةٍ.
فِتَنٌ تَطَايَرَ هُنَا وَهُنَاكَ شَرَرُهَا، وَتَعَدَّى الحُدُودَ أَثَرُهَا وَزَادَ خَطَرُهَا، مَن لم يُصِبْهُ لَهَبُهَا اكتَوَى بِحَرِّ جَمرِهَا، وَمَن لم يَصْلَ سَعِيرَهَا أَصَابَهُ دَخَنُهَا، غَيرَ أَنَّ ذَلِكَ لم يَخلُ مِن حِكَمٍ إِلَهِيَّةٍ بَالِغَةٍ؛ مِن أَهَمِّهَا أَن يَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَيَجعَلَ الخَبِيثَ بَعضَهُ عَلَى بَعضٍ، فَيَركُمَهُ جَمِيعًا، فَيَجعَلَهُ في جَهَنَّمَ.
وَمَعَ هَذَا؛ فَإِنَّ الشَّارِعَ الحَكِيمَ لم يَدَعِ المُسلِمَ تَتَهَاوَى بِهِ الفِتَنُ دُونَ دِلالَةٍ إِلى مَا يَعصِمُهُ مِنهَا وَيَحمِيهِ مِن شَرِّهَا، بَل لَقَد أَرشَدَهُ إِلى الاستِقَامَةِ وَأَمَرَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الصِّرَاطِ حَتى المَمَاتِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتى يَأتِيَكَ اليَقِينُ) [الحجر :99]
وَإِنَّنَا -وَنَحنُ نَعِيشُ سُقُوطًا لِبَعضِ مَن كَانَ عَلَى الجَادَّةِ في مُستَنقَعَاتِ الفِتَنِ، وَنُعَايِشُ سَيرَ آخَرِينَ في رِكَابِ المَفتُونِينَ، وَنَرَى في المُقَابِلِ مَن ثَبَّتَهُمُ اللهُ مِن عُلَمَاءِ الأُمَّةِ وَدُعَاتِهَا وَالآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ فِيهَا وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ- لَنَتَذَكَّرُ مَا قَصَّهُ -تَعَالى- في سُورَةِ هُودٍ عَلَى نَبِيِّهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- مِن قَصَصٍ تُبَيِّنُ سَبِيلَ الحَقِّ وَتُعَرِّي أَهلَ البَاطِلِ، ثم مَا خَتَمَ بِهِ مِن بَيَانِ مَصِيرِ كُلِّ فَرِيقٍ وَعَاقِبَتِهِ حَيثُ قَالَ: (وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم رَبُّكَ أَعمَالَهُم إِنَّهُ بِمَا يَعمَلُونَ خَبِيرٌ * فَاستَقِمْ كَمَا أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا إِنَّهُ بما تَعمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود11: 12]
فَبَيَّنَ -سُبحَانَهُ- أَنَّهُ مُوَفٍّ كُلاًّ مَا عَمِلَ، وَأَنَّ كُلاًّ مُلاقٍ مَا قَدَّمَ، ثُمَّ عَقَّبَ بِأَمرِ نَبِيِّهِ وَأَتبَاعِهِ بِالاستِقَامَةِ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ، وَلا يَخفَى عَلَى مَن وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ سِرُّ هَذَا الأَمرِ الصَّرِيحِ لَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَلأَتبَاعِهِ بِلُزُومِ الاستِقَامَةِ، وَالبَقَاءِ عَلَى الدِّينِ القَيِّمِ وَسُلُوكِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ مِن غَيرِ عِوَجٍ عَنهُ يَمنةً وَلا يَسرَةً، فَإِنَّ الشَّيطَانَ لم يَزَلْ سَاعِيًا في إِضلالِ بَني آدَمَ عَن طَرِيقِ الاستِقَامَةِ، حَيثُ يَقُولُ عَدُوُّ اللهِ -فِيمَا حَكَى اللهُ عَنهُ-: (قَالَ فَبِمَا أَغوَيتَنِي لأَقعُدَنَّ لَهُم صِرَاطَكَ المُستَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِينَ) [الأعراف 16: 17]
وَإِنَّ أَمرَهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- بِالاستِقَامَةِ وَهُوَ إِمَامُ المُستَقِيمِينَ، إِنَّمَا هُوَ في الحَقِيقَةِ أَمرٌ لَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ، وَهُوَ بَيَانٌ لأَهمِيَّةِ الثَّبَاتِ عَلَى الحَقِّ وَخَطَرِ التَّذَبذُبِ عَنهُ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي يَتَّضِحُ لِمَن تَأَمَّلَ تَكرَارَ المُصَلِّي قِرَاءَةَ قَولِهِ -تَعَالى-: (اِهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) في كُلِّ رَكعَةٍ.
فَالمُصَلِّي عَلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ وَلا شَكَّ، لَكِنَّ المَقصُودَ الأَعظَمَ أَن يَدُومَ عَلَى استِقَامَتَهِ وَيَثبُتَ عَلَى صِرَاطِهَا وَيَستَمِرَّ في طَرِيقِهَا.
يُوَضِّحُ هَذَا أَكثَرَ وَأَكثَرَ أَنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ مَلِيءٌ بِالأَمرِ بِهَذَا الأَصلِ العَظِيمِ وَالثَّنَاءِ عَلَى أَهلِهِ في مَوَاضِعَ مُتَنَوِّعَةٍ وَبِأَكثَرَ مِن أُسلُوبٍ؛ مِن ذَلِكَ مَا جَاءَ في مَعرِضِ الحَدِيثِ عَنِ اتِّفَاقٍ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ في جُملَةٍ مِنَ الأُصُولِ، حَيثُ قَالَ -سُبحَانَهُ-: (شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوحَينَا إِلَيكَ وَمَا وَصَّينَا بِهِ إِبرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَن أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ..) [الشورى:13] إِلى أَن قَالَ -سُبحَانَهُ-: (فَلِذَلِكَ فَادعُ وَاستَقِمْ كَمَا أُمِرتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهوَاءَهُم).
وَمِن ذَلِكَ أَنَّهُ -تَعَالى- أَمَرَ بِهَذَا الأَصلِ مُوسَى وَهَارُونَ -عَلَيهِمَا السَّلامُ-: (قَالَ قَد أُجِيبَتْ دَعوَتُكُمَا فَاستَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعلَمُونَ) [يونس:89]
بَلِ امتَنَّ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، فَإِنَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمَّا ذَكَرَ عَدَدًا مِنهُم قَالَ: ( وَمِن آبَائِهِم وَذُرِّيَّاتِهِم وَإِخوَانِهِم وَاجتَبَينَاهُم وَهَدَينَاهُم إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ) [الأنعام :87]
وَقَالَ -تَعَالى- لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحَى إِليَّ أَنَّمَا إِلَهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاستَقِيمُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ وَوَيلٌ لِلمُشرِكِينَ) [فصلت:6]
وَفي السُّورَةِ نَفسِهَا بَشَّرَ عِبَادَهُ المُستَقِيمِينَ عَلَى دِينِهِ بِأَعظَمِ بِشَارَةٍ تَتَمَنَّاهَا نَفسٌ وَيَتُوقُ إِلَيهَا قَلبٌ بَشَرٍ، فَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ) [فصلت:30]
وَمِن ثَمَّ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-؛ فَإِنَّ كُلَّ إِنسَانٍ مَهمَا بَلَغَ مِنَ التَّقوَى وَالإِيمَانِ بِحَاجَةٍ إِلى التَّذكِيرِ بِلُزُومِ الاستِقَامَةِ وَالتَّنبِيهِ إِلَيهَا؛ فَكَيفَ بأَزمِنَةِ الغُربَةِ وَأَيَّامِ الفِتَنِ وَكَثرَةِ المَفتُونِينَ.
وَلَو كَانَ أَحَدٌ مُستَغنِيًا عَن ذَلِكَ لَكَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَولى النَّاسِ بِهَذَا، كَيفَ وَقَد أَمَرَهُ رَبُّهُ بِالاستِقَامَةِ كَمَا تَقَدَّمَ؟
وَفي المُسنَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- قَالَ: "أَتَاني اللَّيلَةَ رَبِّي -تَبَارَكَ وَتَعَالى- في أَحسَنِ صُورَةٍ" وَذَكَرَ الحَدِيثَ وَفِيهِ: "قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِذَا صَلَّيتَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ فِعلَ الخَيرَاتِ وَتَركَ المُنكَرَاتِ وَحُبَّ المَسَاكِينِ، وَأَن تَغفِرَ لي وَتَرحَمَني وَتَتُوبَ عَلَيَّ، وَإِذَا أَرَدتَ بِعِبَادِكَ فِتنَةً فَاقبِضْني إِلَيكَ غَيرَ مَفتُونٍ" الحَدِيثَ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-: وَاستَقِيمُوا عَلَى أَوَامِرِهِ وَاجتَنِبُوا نَوَاهِيهِ، فَإِنَّ مَنِ استَقَامَ عَلَى صِرَاطِ اللهِ في الدُّنيَا استَقَامَ سَيرُهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَومَ القِيَامَةِ، وَمَن خَرَجَ عَنهُ وَهُوَ يَعرِفُهُ فَهُوَ مَغضُوبٌ عَلَيهِ كَاليَهُودِ وَنَحوِهِم، وَمَن تَرَكَهُ جَهلاً بِهِ فَهُوَ ضَالٌّ كَالنَّصَارَى وَنَحوِهِم، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ وَهَدَاهُ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ * نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت 30: 32]
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: رَوَى الإِمَامُ مُسلِمٌ في صَحِيحِهِ عَن سُفيَانَ بنِ عَبدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لي في الإِسلامِ قَولاً لا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدًا غَيرَكَ. قَالَ: "قُلْ: آمَنتُ بِاللهِ ثُمَّ استَقِمْ".
فَانظُرُوا -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- إِلى هَذِهِ الوَصِيَّةِ الجَامِعَةِ، المُبَيِّنَةِ لِهُوِيَّةَ المُسلِمِ الَّتي يَنبَغِي أَن يَحيَا عَلَيهَا وَعَلَيهَا يَمُوتَ، وَهِيَ الاستِقَامَةُ الحَقَّةُ دُونَ عِوَجٍ وَلا انحِرَافٍ وَلا تَخَاذُلٍ وَلا تَرَاجُعٍ، الاستِقَامَةُ الجَامِعَةُ لأَركَانِهَا وَرَكَائِزِهَا الثَّلاثِ: استِقَامَةُ اللِّسَانِ وَالَّتي دَلَّ عَلَيهَا قَولُهُ: "قُلْ: آمَنتُ بِاللهِ".
وَاستِقَامَةُ القَلبِ وَالجَوَارِحِ وَالَّتي دَلَّ عَلَيهَا قَولُهُ: "ثُمَّ استَقِمْ" ذَلِكَ أَنَّ مُجَرَّدَ الادِّعَاءِ بِاللَّسَانِ لا يُعَدُّ استِقَامَةً أَصلاً، كَمَا أَنَّ الاستِقَامَةَ بِالجَوَارِحِ وَالقَلبُ خَالٍ مِنهَا لا يُعَدُّ استِقَامَةً أَيضًا، وَقَد عَابَ اللهُ قَومًا ادَّعَوُا الإِيمَانَ فَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا قُلْ لم تُؤمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ في قُلُوبِكُم) [الحجرات :14]
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعلَمُوا أَنَّ المُشكِلَةَ الكُبرَى وَالمُصِيبَةَ العُظمَى أَن يُكَذِّبَ فِعلُ المَرءِ دَعوَاهُ، أَو تَكُونَ حَالُهُ مُخَالِفَةً لِمَقَالَهِ (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم في سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات:15] (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [الأنعام 153]
وَإِنَّنَا لَنَعلَمُ -أَيُّهَا المُؤمِنُونَ- أَنَّ الاستِقَامَةَ تَحتَاجُ لِجِهَادِ نَفسٍ، وَطُولِ نَفَسٍ وَمَزِيدِ اجتِهَادٍ، وَأَنَّ دُونَ بُلُوغِ الكَمَالِ فِيهَا صِعَابًا وَعَقَبَاتٍ، غَيرَ أَنَّ هَذَا لا يُعفِي مِنَ السَّعيِ في تَحصِيلِهَا وَبَذلِ الوُسعِ في إِقَامَتِهَا في وَاقِعِ الحَيَاةِ، مَعَ استِحضَارِ السَّدَادِ وَالمُقَارَبَةِ؛ لِقَولِهِ -سُبحَانَهُ-: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم) وَقَولِهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "اِستَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا، وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ أَعمَالِكُمُ الصَّلاةُ، وَلا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤمِنٌ" رَوَاهُ أَحمَدُ وَابنُ مَاجَهْ، وَفي الصَّحِيحَينِ: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبشِرُوا".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم