عناصر الخطبة
1/ خطورة وسائل الإعلام 2/ مفاهيم خاطئة تؤصلها القنوات في المشاهدين 3/ وقفات مع مسلسل الحور العيناقتباس
أن كثيراً من هذه الوسائل تبث موادَ إعلاميةً سيئة.. أفسدت كثيراً من أبناء وبنات المسلمين.. فحدث عن الكفر والتنصير.. وحدث عن تمييع عقيدة الولاء والبراء.. ونشر السحر والشعوذة.. وتعليم العنف والإجرام.. ناهيك عن الجنس وتأجيج الشهوات وتحريك الغرائز ..
أما بعد: فقد قال قائلهم: (نحن نخوض حرباً في الأفكار بالقدر نفسه الذي نخوض فيه الحرب على الإرهاب، لذلك وجهة نظري ترى أن تخفيف الملابس عبر الإعلام هو أفضل وسيلة للاختراق). انتهى كلام الأمريكي توكر أسكيو / مديرِ مكتبِ البيت الأبيض للاتصالات، تعليقاً على مشروع قناة تلفازية لجذب الشباب العرب إلى أمريكا.
أقول: هذا ما تفوّه به أعداء الاسلام الذين لا يزالون يكيدون المؤامرة تلو الأخرى.. لحرب الدين، وإفساد المسلمين، وكسر معنوياتهم، بعد أن فَشِلوا في حرب السلاح كما صرح الكثير من رؤسائهم.
إن زرع الفتن، وإفساد القلوب، ومحاربة العقول أهونُ بكثير من حرب السلاح والدبابات، بل و أسرعُ نتائجاً.
ومن أعظم الفتن في هذا الزمن فتنة الإعلام المنحرف بأنواعه، فالمجلات والصحف أصبح لها تأثير بالغ، والقصص والروايات تنخَر في أخلاق الأمة بحسن السبك وقوة العاطفة، وأما الشاشة فلها نصيب الأسد من ذلك كله.
الفضائيات العربية تحولت إلى مشاهدَ يندى لها الجبين، وأحداثٍ تنفر منها الأخلاق: تشرذم عائلي هنا، وخيانة وجريمة هناك، حب مخزي، وتبرج فاحش مثير.. يفسد المرأة والرجل على حد سواء.
أن كثيراً من هذه الوسائل تبث موادَ إعلاميةً سيئة.. أفسدت كثيراً من أبناء وبنات المسلمين.. فحدث عن الكفر والتنصير.. وحدث عن تمييع عقيدة الولاء والبراء.. ونشر السحر والشعوذة.. وتعليم العنف والإجرام.. ناهيك عن الجنس وتأجيج الشهوات وتحريك الغرائز.
إن كثيراً مما يعرض في هذه الوسائل مخالف لأحكام شريعتنا الإسلامية.. بل ومخالف للرؤية الإسلامية للتربية والسلوك.
كم علمت القنوات من جريمة.. وكم قلبت من قيم.. فالجريمة بطولة.. وعقوق الآباء تحرر.. والغدر ذكاء.. والاستقامة تعقيد.. والعفة كبت وحرمان.. وطاعة الزوج رق واستعباد.. والدياثة رقي وتمدن.. والتقاء الرجل مع المرأة لقاءً محرماً علاقة شريفة وصداقة حميمة وحب صادق!
ولما كانت المرأة هي أخطر فتنة على الرجال وعلى الأمة، فقد جندها العدو لتكون سلاحاً فتاكاً في هذا المجال، فهي العنصر الضعيف العاطفي، ذو الفعالية الكبيرة، والتأثير المباشر. حتى قال قائلهم: (إنه لا أحدَ أقدرَ على جر المجتمع إلى الدمار من المرأة فجندوها لهذه المهمة).
وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن الدول العربية، تستورد أكثر من نصف البرامج المقدمة للطفل.. وأن خمساً وسبعين بالمائة من هذه البرامج تستورد من الولايات المتحدة، مما ينذر بتدمير القيم والأخلاق الإسلامية في نفوس أبنائنا.
وعلى الرغم من هذا الخطر.. فإن بعض الأسر لا تأخذ هذا الأمر مأخذ الجد.. فترى الطفل أو المراهق أو الشاب، وهم من هم في شدة التقليد والمحاكاة، يجلس أحدهم الساعات الطوال أمام الأفلام الهابطة، حيث تأخذ بلبه الصورُ والأصوات.. ويُشربُ قلبه الشهواتِ والشبهات.. حتى إذا كبر وشب عن الطوق ظهرت عليه مظاهر الانحراف في وقت يصعب فيه علاجه وتقويمه.
في دار الملاحظة التقيت بشاب عمره سبعة عشر عاماً قبض عليه في قضية سرقة مرتين كان هذا الشاب يحدثني عن طرق دقيقة لسرقة السيارات.. وأساليب محكمة لسرقة المنازل والمحلات. وكنت أظن أن هذا الشاب الصغير إنما تعلم هذه الأساليب من رفاقه.. لكني لما سألته قال لي: إنه استفادها خَطوة خَطوة من بعض الأفلام الأجنبية التي تعرضها بعض القنوات.
وشاب آخر عمره تسعة عشر عاماً يقول: تمكنت من إقناع والدي بإدخال الدش إلى البيت.. كنت أجلس أمام القنوات ساعات طويلة.. كانت المشاهد تهيج الشهوة في نفسي.. فأخرج من المنزل أبحث عن وسيلة لإطفاء هذه الشهوة فلا أجد سوى فعل الفاحشة مع بعض الشباب.
لا تقولوا إننا مبالغون.. لا تقولوا إننا متشددون.. فقد أطلق بعض المفكرين الغرب قبل المسلمين صيحاتِ النذير من الأثر الخطير لوسائل الأعلام على الناشئة والأسرة.. بل ألف بعضهم كتباً ورسائل في الحرب على التلفاز ككتاب (أربع مناقشات لإلغاء التليفزيون) للأمريكي جيري ماندر، وكتاب (اليوم الذي مات فيه التليفزيون) لدون ماجواير.
لقد تسببت القنوات الفضائحية في صرف الشاب عن الطاعة والعمل النافع إلى الشهوات والأفلام والمسلسلات والتشبه بالكفار، وصرفت الفتاة إلى الأزياء والحلي والعري والخلاعة.. حتى أصبحت حياة بعض شبابنا وبناتنا شهواتٍ تتأجج، ونيراناً تتقد، بحثاً عن الحرام!
ولم تكتف القنوات الفضائحية بهذا بل سارعت إلى إيقاد نار العداوة والبغضاء وأصّلت لكره مفتعل يين الرجل والمرأة، وبين الزوج وزوجته، وبين الأب وأبنائه!
قالوا للابن: أنت حر، وقالوا للبنت: تمردي على القيود أنت ملكة نفسك!
واستمر التحريض ليصل إلى العداوة على الوالدين والزوج والأخ، بل وصل إلى ذروة الأمر فحرضت المرأة على الشريعة وأحكام المرأة والحجاب.
أهذا ما ترجوه أمتنا المنكوبة من الإعلام؟ سبحان الله؟
في الوقت الذي تعرض فيه إحدى القنوات الفضائية مشاهد لليهود في أرض فلسطين يعذبون أهلنا نساء ورجالاً بطريقة مؤلمة، وبوحشية تنم عن حقد دفين، ويقودون الشباب منهم إلى السجن، ويسحبون بعضهم على الأرض، في الوقت نفسه تعرض قناة أخرى مشاهد العري والفيديو كليب التي يتراقص فيها الرجال والنساء بطريقة مخجلة.
ولسان الحال يقول:
علام نشعّل الدنيا قصيدا *** ونحرق بين أضلعنا الوريدا
ويبكي يومُنا ألماً وقهراً *** ويَضحَك خصمنا طرباً وعيدا
تغنوا يا بني قومي غناء *** يداعب صوتُه العذبُ البليدا
فهاتِ الناي واضرب كل دفًّ ***وسيّلْ في مواجعنا الجليدا
لأن جمالنا في أن نغني *** وننسى أن في يدنا القيودا
وننسى أن مسجدنا جريحٌ *** وأن أخاً لنا طَعْناً أُبيدا
وأن نساء أمتنا سبايا *** وأن شبابنا للسجن قيدا
سيهربُ كلُّ من يغزو حِمانا *** إذا كانت معازفنا شهودا
ستأتينا الفتوح إذا طَرِبنا *** وألهبْنا الحناجر والخدودا
لا والله.. هيهات هيهات.. (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)
عباد الله.. ونحن على عتبة شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والنفحات، والمغفرة والبركات، تطالعنا القنوات الفضائية سنوياً باستعداداتها، وبرامجها المختلفة.
سباق محموم لكسب المشاهد، حتى لو اضطر الأمر عند بعض القنوات أن يطعن الخلق، ويهدم الدين.
لقد رأينا في سنوات مضت، كيف عكرت بعض البرامج والمسلسلات الطائشة روحانية رمضان، واستفزت مشاعر كثير من المسلمين بوقوعها في أنواع من الاستهزاء بالدين.
وفي هذه السنة تطالعنا الأخبار بأن إحدى القنوات الفاسدة ستقدم عملاً لمعالجة موضوع الإرهاب في المملكة العربية السعودية.
ومع اعتقادنا الجازم بفساد مسالك الإرهاب وضررها الكبير على الأمة وعلى بلادنا المباركة خاصة، إلا أنه يبقى النظر في طريقة معالجة هذا الفكر الفاسد، فلا يصح أن يزال الضرر بضرر أفسد منه، ولا يسوغ أن يتخذ بعض المنحرفين فكرياً محاربةَ الإرهاب مطيةً لطرح بعض الأطروحات الفكرية الفاسدة، أو توسيع دوائر الاتهام، أو الاستهزاء ببعض شرائع الدين أو المتمسكين به، أو تأجيج مشاعر الغضب والفرقة في المجتمع.
المشكلة على مستوى إعلامنا العربي، حينما يحاول بعض الناس معالجة بعض القضايا الحساسة والشائكة، كالجهاد، أو الإرهاب، هو في الحقيقة يشبه ذلك الأحمق الذي أراد أن يعالج رجلاً كان يتعاطى الهيروين بالحقن، فأمره أن يذوب الهيروين في كأس ثم يشربه بدلاً من أن يحقِنه، فسبب له تشققا في جدار المعدة، فأصبح الداء داءين، كما قيل أراد أن يعالج زكاماً فأورثه جذاماً.
لا شك أ ن وسائل الإعلام، عليها دور كبير في تصحيح المفاهيم ومحاربة التطرف والأفكار المنحرفة.
لكننا نقولها بمرارة إن تجربة الإعلام العربي في هذا الباب كانت فاشلة في كثير من الأحيان، وإن نظرة تحليلية لأفلام (الإرهاب والكباب) و(الطريق إلى كابل) وغيرها من الأفلام تدلك على أن هذه الأفلام كفيلةٌ بأن تولد الإرهاب الأعمى في قلوب بعض العصاة من ذوي الفطرة السليمة، فضلا عن بعض المتدينين الذين يستفزهم الخداع والتدليس والظلم الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام.
أقول ما تسمعون، وأسأل الله تعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل الطاعة ويعافى فيه أهل المعصية، ويذل فيه أهل النفاق والشقاق، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه.
عباد الله: انتشرت الأخبار في الصحف والقنوات.. أن إحدى قنوات العهر والعري ذات التمويل السعودي، ستطل علينا في رمضان بمسلسل الحور العين.
مسلسل يخرجه أحد المخرجين من النصارى العرب، ويشارك معه سبعون فناناً وفنانة، سعوديون وعرب، ويعالج البرنامج ظاهرة الإرهاب.. ويستعين بحادثة (تفجير مجمع المحيا) كنموذج.. ولما كان البرنامج سيتعرض لبعض المسائل الشرعية وضع له مشرف ديني في كتابة السيناريو.. من هو هذا المشرف؟ ما درجته العلمية الشرعية؟ إنه كاتب صحفي، معروف بكتاباته السيئة وتطاوله على العلماء والدعوة السلفية التي قامت عليها هذه البلاد.. هذا الرجل المريض المتذبذب هو أحد علل البرنامج، وكتاباته السابقة تنبيك عن فكره وانحرافه؛ فكيف يجعل مقرراً للأحكام والمسائل الشرعية في البرنامج، وماذا ننتظر منه؟.
وقد يقول قائل: لماذا تحكمون على البرنامج وهو لم يعرض بعد؟ البرنامج قصده نبيل، شاهدوه ثم احكموا عليه.
ونقول: الجواب على هذا الكلام من وجهين:
أولاً: نحن نعلم تماماً بضاعة القائمين على المسلسل، وتوجهاتهم الفكرية المنحرفة، وقد ظهر لنا من كتاباتهم مراراً ما ننكره؛ فالواجب التحذير من خطرهم، والعمل على إيقاف البرنامج كما أوقفت برامج وأفلام أخرى، قبل أن يقع الفأس في الرأس.
ثانياً: إذا افترضنا أن مقصد هذا البرنامج نبيل، فإنه مبني على خطأ جسيم في الوسيلة أو الطرح.
ومدار هذا الخطأ الجسيم هو تجاوز الثوابت الدينية، وتوظيف مظاهر الالتزام الديني لمحاربة الفكر المنحرف، وتشويه المعاني الإسلامية، مما يكون له أثره التراكمي على الناشئة، ولو بعد حين.
يكفي أن البرنامج -كما رأينا في بعض مقطوعاته الدعائية- سيبث رسائل إعلامية خاطئة عن المجتمع السعودي.. فالعلامة البارزة للإرهابيين هي اللحى والثياب القصيرة، ما يعني تشويهاً واضحاً لنمط المتدينين في السعودية.. والبرنامج يضرب على طبيعة التنشئة (العلمية)، وبعض فتاوى المشايخ المجتهدين القدامى.. ويتعرض لنصوص قرآنية تتعلق بالجهاد، وقضيةِ الولاء والبراء، وغيرِها من القضايا الحساسة التي لا يتصدى لها إلا العلماء الراسخون في العلم.. وإن أدنى مساس بهذه الأمور سيثير الغيورين، ومحبي الدين الحق، والجهاد الصحيح، وكلنا منهم.
ثم كيف تحول اسم البرنامج من المجمع او المحيا كما أعلن عنه سابقاً إلى "الحور العين"؟
الحور العين حقيقة لأهل الجنة جاءت بها نصوص القرآن وصحيح السنة، وتشويه هذه الحقيقة بربطها بممارسات أهل الفكر المنحرف فيه تجن خطير على حقائق الدين، وترسيخ للمعاني المصاحبة للملتحين، وربطها بالسمات الظاهرية لتلك الفئة في العقل الباطن، وتعزيز صورة مشوهة في ذهن المشاهد عن أهل الصلاح المتبعين للسنة.
نعم نحن نتفق جميعاً على محاربة هذا الفكر، ونعلم أن للوسيلة الإعلامية أثراً كبيراً في تسديد المسار، وتقويم المعوج، وتصحيح المفاهيم، لكن عندما يتلبّس الفن بالشرع، ويمس شيئاً من الثوابت الدينية، فإن من حق المشاهد أن يرفض مثل هذا العمل، وأن يوسّع دائرة الرفض ليوقَف عرضه، فالغاية لا تبرر الوسيلة.
وإننا من هذا المنبر المبارك، نوجه نداء عاجلاً إلى ولاة أمرنا وفقهم الله وإلى علمائنا أن يعملوا على إيقاف هذا البرنامج أو على الأقل عرضه على من يوثق بعلمهم قبل عرضه، حمايةً لحوزة الدين، وحفاظاً على أمن هذه البلاد واجتماع كلمتها.
كما إننا ندعو المسؤولين والقائمين على هذه القناة -وهم وللأسف من أهل هذه البلاد- أن يتقوا الله في شبابنا وأسرنا، وأن يتوبوا إلى الله، ولا يعارضوا شريعة الله تعالى في أرضه.
وهمسة في أذن كل أب.. وكل شاب بأن نقي أنفسنا وأهلينا هذه السهام.. سهامَ الشبهات والشهوات.. التي صوبت إلينا عبر وسائل الإعلام من المجلات والشاشات والشبكات. فلا نفتح بيوتنا للصوص الفضيلة.. وقطاع الطريق إلى الله.
إنه لابد من التحذير.. ولابد من التغيير.. (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله).
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم