عناصر الخطبة
1/خطورة العين وشدة ضررها 2/التعامل الشرعي مع العين 3/الرقية علاج للعين 4/إرشادات للوقاية من العيناقتباس
بدلَ أن تملأَ قلبَك بالظنونِ، وتُشغِلَ بالَكَ بالدعاءِ والحسْبَلةِ على مَن تظنُّ أنه أصابَك؛ أشغِلْ نفسَك ولسانَك بالدعاءِ لنفسِكَ، والرقيةِ لها من تِلقاءِ نفسِكَ، ولا تَتَعنَّ بالترددِ على الرُّقاةِ وطَرْقِ أبوابِهم؛ لأنه لا أخلصَ للإنسانِ من دعائهِ لنفسهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي أحاطَ بكلِ شيءٍ عِلماً، وقضَى بما يُريدُ حِكمةً وحُكماً، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وسلم تسليماً كثيرًا.
أما بعدُ: فإن العبدَ يأمَلُ في هذهِ الدنيا أن يعيشَ سالماً من كلِ أذىً وآفةٍ، ولكنَّ هذهِ الأمنيةَ لم تتحققْ لأكرمِ البشرِ على اللهِ، وهمُ الأنبياءُ، فكيفَ بغيرِهم؟!.
وحديثُ اليومِ عن آفةٍ تستنزِلُ الفارسَ عن فرسِهِ، بل إنها "تُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ، وَالرَّجُلَ الْقَبْرَ"(أخرجه أبو نعيم في الحلية، وحسّنه الألباني في الصحيحة)، إنها العينُ التي إذا أصابتْ أحداً ضَرَّتْهُ -بإذنِ اللهِ-، حتى لقدْ قالَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرهِ بِالْأَنْفُسِ"(أَخْرَجَه الْبَزَّار بِسَنَدٍ حَسَن)، الْأَنْفُسِ: يَعْنِي بِالْعَيْنِ.
عبادَ اللهِ: ومع ثبوتِ العينِ وأثرِها -بإذنِ اللهِ-، فلقد أنكرَ أو تساهَلَ أناسٌ أن لها أثراً، وهؤلاءِ قالَ عنهمُ ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ-: "إنَّهمْ مِنْ أَجْهَلِ النّاسِ بِالسّمْعِ وَالْعَقْلِ، وَمِنْ أَغْلَظِهِمْ حِجَابًا".
والعجيبُ أنه قد يكونُ العائنُ صالحاً، وربما أصابَ أقربَ الناسِ إليه، وإن لم يَقصِدْ، لكنْ لنحذرْ أنْ كلما رأينا أحدًا يتكلمُ أو ينظرُ أنْ نتهمَه بأنه يُصيبُ بالعينِ، فهذا الاتهامُ ظلمٌ إذا كانَ مبنياً على الظنِ.
وكما لا يَسوغُ إنكارُها، فلا يَسوغُ التهويلُ منها، كما يسلُكُه من استولَتْ على قلوبِهِمُ الهمومُ، وطاردَتُهمُ الأوهامُ، فصارُوا يَنسِبونَ كلَ إخفاقٍ إلى العينِ، وربما استدرجَهم الشيطانُ فأَمرضَهم وما بِهِم مرضٌ، وأَقعدَهم عن العملِ وما بِهِم عِلةٌ، وهؤلاءِ صارَ إيمانُهم بأن العينَ حقٌ أكثرَ من إيمانِهِم بأن اللهَ حقٌ.
وانتبه -أيُها المُصابُ بالعينِ- بدلَ أن تملأَ قلبَك بالظنونِ، وتُشغِلَ بالَكَ بالدعاءِ والحسْبَلةِ على مَن تظنُّ أنه أصابَك؛ أشغِلْ نفسَك ولسانَك بالدعاءِ لنفسِكَ، والرقيةِ لها من تِلقاءِ نفسِكَ، ولا تَتَعنَّ بالترددِ على الرُّقاةِ وطَرْقِ أبوابِهم؛ لأنه لا أخلصَ للإنسانِ من دعائهِ لنفسهِ، حتى ولو كان واقعًا ببعضِ المعاصي.
فإنْ قلتَ: لا أعرفُ أَرقيْ نفسِي، فيُقالُ: بل تَعرفُ؛ أفَلَسْتَ تحفظُ أعظمَ سورةٍ؟ ألا وهيَ الفاتحةُ التي قالَ النبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن رَقَى بها: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟!"(رواه البخاري)، أفَلَسْتَ تَحفظُ المعوذتينِ؟ فقدْ كَانَ رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ، حَتَّى نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا.(رواه الترمذي)، قالَ ابنُ القيمِ: "وَهَذَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ شَكّ فِيهِ أَوْ فَعَلَهُ مُجَرّبًا".
نعم، العينُ تُسرِعُ إلى الأطفالِ والحِسانِ والموهوبينَ أكثرَ من غيرِهِم؛ لقولهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: "مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ؟!"، قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ، قَالَ: "ارْقِيهِمْ"، قَالَتْ: فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "ارْقِيهِمْ"(رواهُ مسلمٌ).
أيُها المسلمونَ: وأما العائنُ فيُقالُ له: اتقِ اللهَ، ولا تضرَّ أحدًا من إخوانِك المسلمينَ من حيثُ لا تَشعرُ، وإياكَ والحسدَ فإنه مَنْفَذٌ للعينِ، واعملْ بوصيةِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القائلِ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ"، أي: يقولُ -مثلاً-: باركَ اللهُ فيكَ، وليسَ أن يقولَ: ما شاءَ اللهُ فقطْ.
وإليكمْ هذهِ القصةَ الصحيحةَ المعبِّرةَ: فقدْ مَرَّ صحابيٌ بآخر وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ واصفاً بياضَ بشرتهِ: "لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ، وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ!"، يعني: أن بياضَ جِلْدِهِ كبياضِ جِلْدِ الفتاةِ البِكْرِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ وقعَ صَرِيعًا!، فقَالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ"، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَأَمَرَ العائنَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَأَمَرَ أَنْ يُصَبَّ وُضُوْؤُهُ عَلَى المَصْرُوعِ.(سنن ابن ماجه).
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَآوَانَا، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مَنْ للهُدَى دَعَانَا، أَمَّا بَعْدُ:
فيا إخوةَ الإيمانِ: بقيَ أمرٌ مهمٌ يَحسنُ التنبيهُ إليهِ، وهو أن كثيراً منا إذا وقعَ لهم مرضٌ أو مصيبةٌ عَزَاهُ للعينِ مباشرةً دونَ أن يَتَّهِمَ نفسَه، أو يفتشَ في أحوالهِ وعلاقتهِ بربهِ، فينبغِي ألا ينسَى أن للذنوبِ أثرًا في وقوعِ المصائبِ، كيفَ لا؟ والحقُ -سبحانهُ- يقولُ: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30].
فاحتسِبُوا ما يُقدِّرُ اللهُ عليكم من المصائبِ والأسقامِ، واستغفِروا ربَكم واشكروهُ، ولا تُحيلُوا كلَ شيءٍ للعينِ، فيَضعُفَ توكلُكُم، والرقيةَ الرقيةَ، وقبلَ ذلكَ الوِرْدَ الوِرْدَ.
فاللهم إنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا يُبَاشِرُ قُلُوبَنَا، وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبْتَ لَنَا، اللهم وفقنا قبلَ الوَفاةِ لأخذِ العُدةِ للمُوافاتِ، اللهم اخصصْ بتوفيقِكَ وتسديدِكَ إمامَنا الملكَ سلمانَ ووليَ عهدِهِ، اللهم افرُج لهم في المضائقِ، واكشِف لهم وجوهَ الحقائقِ، وأعِنهم ببطانةٍ ناصحةٍ صادقةٍ، واحفظنا وجنودَنا وحدودَنا.
اللَّهُمَّ مُشْبِعَ الْجَوْعَةِ، وَقَاضِيَ الْحَاجَةِ: انْصُرْ أَهْلَ غَزَّةَ، واجْبُرْ كَسِيرَهُمْ وآوِ طَرِيدَهُمْ، وأَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ عَلَى طَاعَتِكَ، وَحُطَّ مِنْ وَرَائِهِمْ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً، وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ.
اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم