عناصر الخطبة
1/مكانة التوحيد وأهميته 2/حقيقة التوحيد وماهيته 3/تحقيق الصحابة للتوحيد وتفريط المسلمين فيه 4/أسباب عدم انتفاع بعض المسلمين بعقيدة التوحيد 5/ضابط الانتفاع بكلمة التوحيد 6/حرص الكفار على إفساد عقيدة المسلميناقتباس
هذه الكلمة العظيمة التي من نطق بها دخل في الإسلام، وصار له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم؛ لأنه شهد بأن لا إله إلا الله، ومن لازمها؛ الشهادة لنبيه وخليله محمد بن عبد الله، بأنه رسول الله حقاً وصدقاً، لجميع الثقلين من الإنس والجن.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، أحمده سبحانه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- واستغفروه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
عباد الله: نسمع عن عقيدة التوحيد، وأنه يجب على الإنسان أن يعتقدها، ويتمسك بها، ويعض عليها بالنواجذ، وأنها مصدر سعادته وفوزه في الدنيا والآخرة، فما هذه العقيدة؟
إنها -عباد الله- العقيدة التي دعت إليها جميع الرسل، وأنزلت بها جميع الكتب، ألا وهي الإقرار الجازم بوحدانية الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وكل قسم من هذه الأقسام يستحق خطبة مستقلة، ولكن الذي أريد أن أتكلم عنه هو توحيد الله -عز وجل- في ألوهيته، وأنه لا إله إلا هو.
هذه الكلمة العظيمة التي من نطق بها دخل في الإسلام، وصار له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم؛ لأنه شهد بأن لا إله إلا الله، ومن لازمها؛ الشهادة لنبيه وخليله محمد بن عبد الله، بأنه رسول الله حقاً وصدقاً، لجميع الثقلين من الإنس والجن.
تعالوا معي -عباد الله- لهذه الشهادة العظيمة التي يدوي بها المؤذنون من فوق المنابر خمس مرات في اليوم والليلة، والتي يقولها كل مسلم أكثر من مرة في يومه وليلته، في صلواته المفروضة، وفي تطوعاته وأوراده.
تعالوا لنقف عندها قليلاً.
إن هذه الكلمة لتدل على معنى عظيم، وأمر كبير، ألا وهو: أنه لا معبود بحق إلا الله، لا يوجد معبود يعبد بحق سوى الله -عز وجل-، فمن عبد الأصنام والأوثان، ومن عبد الأحجار والأشجار والشيطان، ومن عبد النار والظلمة، ومن عبد البقر والمدر، ومن عبد الهوى والشهوة، ومن عبد الدرهم والدينا، فعباداتهم باطلة، باطلة، وقد قال سبحانه لمن يعبد غيره: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) [الأنبياء: 98].
وقال جل وعلا: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) [الجاثية: 23].
وقال عن نبيه إبراهيم: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا) [مريم: 42].
وقال: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا) [مريم: 44].
وقال عليه الصلاة والسلام: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة".
إنها -عباد الله- شهادة عظيمة تدل على التجرد الكامل لله -سبحانه وتعالى-، والتأله له، والتعبد له، وإفراد القول والقصد والعمل له سبحانه وتعالى.
ولقد عرف السلف الصالح من هذه الأمة قدر هذه الشهادة، وعظم مكانتها، وكبير شأنها، فحققوا معناها تحقيقاً كاملاً، وذلوا لخالقهم ذلا كاملاً، وخضعوا لعظمته خضعاناً تاماً، فعبدوه بما شرع، فأتمروا بأوامره، وانتهوا عن نواهيه، واتبعوا رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-، في كل ما أمر به، أو نهى عنه، مستجيبين لقوله جل وعلا: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7].
فحصلوا الأنس والسعادة، وفازوا بالذكر الجميل، والثناء الحسن في الآخرين.
أما في هذا الزمان الذي انتشر فيه الفتن، وكثرت فيه المحن، فقد ابتلى المسلمون بالمشككين في الدين، والمهونين أمر العقيدة، وشهادة التوحيد، والحاطين من قدر العبادة والأخلاق الفاضلة، والآداب الحسنة، وابتلى كثير منهم بضحالة العلم الشرعي وضعفه، والاهتمام بعلم الاقتصاد، وعلم المادة، وعلم السياسة، والإنصراف إلى الدنيا، والانشغال بعلومها التي تسيرها تسييراً ماديا بحتاً، فكان من آثار ذلك أن خف قدر هذه الشهادة العظيم في قلوب بعض المسلمين، إن لم نقل أكثرهم، وأصبحوا ينطقون بهذه الشهادة وهم غافلون عن معناها ومغزاها، ووقع بعضهم فيما ينقض هذه الشهادة ويبطلها -والعياذ بالله- من حيث لا يشعرون.
ووقع أكثرهم فيما ينقص كمال هذه الشهادة.
لو سألتكم -عباد الله- عن معنى هذه الشهادة لقلتم معناها: أنه لا معبود بحق إلا الله.
إذًا، ليس الشأن في النطق بها فحسب، فقد نطق بها المنافقون ولكن لم تنفعهم، بل حكم الله عليهم بأنهم: (فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء: 145].
ولن يجدوا لهم من دون الله نصيراً.
ونطق بها عباد القبور والأولياء، ولكن لن ينفعهم نطقهم بها، فلو ماتوا على هذا العمل لماتوا وهم كفار ومأواهم النار لا يخرجون منها أبد الآباد، ودهر الداهرين.
ونطق بها بعض الملحدين الشاكين المشككين، ولكن لا ينفعهم نطقهم بها.
ونطق بها، وينطق بها، من واد أعداء الله -عز وجل-، وأعداء رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ووالاهم وأحبهم، وربما فضلهم على المسلمين، ولكن لن تنفعه هذه الشهادة، ولو نطق بها ألف مرة.
وينطق بها من يترك الصلاة كلية، فلا يصلي أبداً، وهذا لو مات على تركه للصلاة فلن تنفعه هذه الشهادة، ولو كان ينطق بها مليون مرة؛ لأن من ترك الصلاة أبداً، فإنه كافر كفراً يخرج من ملة الإسلام، على الصحيح من قولي أهل العلم.
لو سألتكم -عباد الله- عن معنى هذه الشهادة لقلتم معناها: أنه لا معبود بحق إلا الله.
والمصيبة كل المصيبة أننا ابتلينا في هذا الزمان بمن يلبس على المسلمين أمر هذه الشهادة، ويقول: إن من نطق بها فهو موحد، ومآله إلى الجنة، ولو عمل أي عمل -نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ به من الزيغ والميل-.
هل من يأتي بناقض من نواقضالإسلام، حقق معنى شهادة أن لا إله إلا الله؟
كلا.
من يستحل ما علم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام كالربا، والزنا، والخمر، وما أشبه ذلك، هل حقق معنى هذه الشهادة؟
كلا.
من ينكر ما علم وجوبه بالضرورة من دين الإسلام، كالصلاة والزكاة والصوم والحج، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله، هل حقق معنى هذه الشهادة؟
كلا.
من يعترض على بعض الأحكام الشرعية، ويصمها بالموروث الذي انتهى زمنه، ولا يصلح لهذا الزمان زمن الفضاء والصناعة والتكنولوجيا والكمبيوتر، زمن التحضر والتقدم، هل حقق معنى هذه الشهادة؟
كلا.
من يترك بعض الواجبات -سوى الصلاة- ويفعل بعض المحرمات -سوى الشرك- هل حقق هذه الشهادة تحقيقاً كاملاً؟
كلا.
عباد الله: ليست هذه الشهادة كلمة تقال على اللسان فحسب، بل هي قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح.
فاحذروا من يلبس عليكم فيها، ويأتي بنصوص من كتاب الله، وسنة رسوله، يشكك بها عليكم أمر التوحيد.
الخطبة الثانية:
إن هذه الشهادة لن تنفع صاحبها ما لم يحقق معناها ومرادها، ولله المثل الأعلى، لو أقررت بإمرة أمير، وآمنت بأحقيته في الإمارة، وبطاعته، وشهدت له بذلك، ولكنك تعصيه، وتعمل كل ما يناقض إقرارك وشهادتك له بالإمارة والطاعة، فإنك لم تصدق في هذه الشهادة، وفي هذا الإقرار، ولن ينفعك مجرد الإقرار والشهادة أبداً، بل إنك تستحق اللوم والتأنيب والعقاب، ولو أنك تشهد له على الملأ بالإمرة والطاعة، فالله -عز وجل- أحق أن تصدق في شهادتك له، بأنه لا إله إلا هو، وتحقق معناها في جميع شؤون حياتك القولية والفعلية والسلوكية، ولا طريق لك في تحقيق معناها -بعد عون الله وتوفيقه- إلا بالعلم الشرعي، وطلبه.
قال أحدهم:
اطلب العلم ولا تكسل فما *** أبعد الخير على أهل الكسل
واحتفل للفقه في الدين ولا *** تشتغل عنه بمال وخول
واهجر النوم وحصله فمن *** يعرف المطلوب يحقر ما بذل
في ازدياد العلم إرغام العدى *** وجمال العلم إصلاح العمل
ومن الطرق: صحبة الصالحين، والبعد عن مصادر الإثم، مرئية كانت أو مسموعة أو مقروءة، وسؤال أهل العلم بشرع الله عن كل ما يشكل في أمر العقيدة والعبادة والمعاملة والسلوك، وأن تعلم أن أعداء الدين قد شمروا عن ساعد الجد في إضلال المسلمين، وصدهم عن دينهم وعقيدتهم، فلتكن على حذر دائم منهم، بل إنهم لم يتركوا أولاد المسلمين الصغار في حالهم، وعلى فطرتهم وبراءتهم، فجعلوا لهم حظاً من سهام خبثهم وإجرامهم، لكي يلطخوا فطرتهم التي ولدوا عليها، في قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
يريدون أن ينشأ صغار المسلمين من ذكور وإناث، وعقيدتهم مزلزلة ومشوشة، وذلك عن طريق الأفلام التي خصصوها للصغار، أفلام رعب وعنف، وأفلام خيال ووهم وكذب، وأفلام كرتون مليئة بما يناقض عقيدة التوحيد، فنحن في زمان عجيب وخطير، يجب أن ننتبه فيه، ونحافظ على عقيدتنا، ونصونها عن كل ما يفسدها أو ينقصها، فإننا إذا لم تسلم لنا هذه الشهادة، فنحن على خطر عظيم.
فنسأل الله أن يحفظ لنا عقيدتنا وديننا، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يعيذنا من الزيغ والضلال، وأن يصلح لنا نياتنا وذرياتنا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم