عناصر الخطبة
1/ السعادة الحقيقية في الأنس مع الله 2/ماذا بعد رمضان؟ 3/الفرائض أول ما يهتم بهن 4/الاعتناء بالصلاة وسائر الطاعات 5/مما يعين على أداء الطاعات 6/الترغيب في صيام الست من شوال 7/ساعات الحياة هي منية الأمواتاقتباس
إن ساعات الحياة هي منية الأموات, فيتمنى المرء بعد انقضاء أجله يتمنى ركعة تكتب في صحيفة أعماله, أو تهليلة أو تسبيحة أو استغفارًا يصلح بها شيئًا من حاله أو ماله, فالأعمار لا قيمة لها فتباع، وسنة الله أن لا يسترجع منها ما فرط فيه وضاع...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعــد:
فلن تجد -يا عبدالله- للحياة معنى, ولا للعافية طعمًا؛ حتى تكون على الطاعة مقيمًا, ولمراقبة سرك قبل علانيتك مديمًا, ومن رحمة الله تعالى بك أن يسر لك طرق الخير, ونوع لك أبواب الطرق, إن حاجة العبد لربه أكبر حاجة, وضرورته إليه فوق كل ضرورة, وقد يُسَر الإنسان بأصحابه, ويجد الأنس مع أولاده, ويعيش لحظات السعادة؛ يعيشها مع هواياته ومحبوباته, ولكن في النهاية لا ملجأ من الله إلا إليه, ولا حول له ولا قوة إلا بالله, ففروا إلى الله, (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) [فاطر: 15] فمتى استشعر العبد فقره إلى الله فقد حاز الغنى كله, ومتى اشتغل بطاعة مولاه فقد حصل السعادة وعاش الحياة الطيبة (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) [النحل: 97].
أيها الأخوة: إن الله تعالى جعل لنا مواسم تنشط فيها الهمم, ويزداد فيها العمل, وتتقوى لبقية العام, فبماذا انقلبت -يا عبد الله- من رمضان؟ وما هي حصيلتك الإيمانية من تلك الأيام العامرة بالصيام والليالي المتوجه بحسن القيام؟.
في رمضان خشوع في القراءة وإطالة في الدعاء ونهي للنفس عن الهوى, تركت طعامك وشرابك وشهوتك من أجل الله تعالى, أتظنها تمر بلا أثر أو تأثير؟ كلا فهي محطات إيمانية ورياض من رياض العمر, ينقلب المؤمن منها بنفس راضية وهمة عالية.
فيا عبد الله: إن من أول ما يهتم به المسلم بعد رمضان -حتى نقول أنه قد استفاد من رمضان- هو المحافظة على الفرائض, والاهتمام بما أوجب الله عليه, يقول الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: "وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه".
وإن أول ما يهتم به من الفرائض هي الصلوات الخمس التي كتبها الله على العباد, فمن حافظ عليها كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة, والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أول ما يحاسب عليه العبد من عمله صلاته، فإن صلحت قد أفلح وأنجح, وإن فسدت فقد خاب وخسر".
فالمحافظة على الصلوات مفتاح للمحافظة على كل خير, فهي مفتاح للمحافظة على نوافل العبادات, فمن حافظ على المكتوبات بطهارتها وأوقاتها وأركانها وواجباتها وصار من السابقين لها, أخذ بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا". وهو في نفس الوقت حذر أن يكون ممن قال الله فيهم: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى) [النساء: 142] وممن قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء, ولو يعلمون فيهما من الأجر لأتوا إليهما ولو حبوا".
من حافظ عليها بهذه الصفة سهل عليه اتباعها وتكميلها بنوافل الصلوات, فسوف يجد في نفسه شوقًا إلى الرواتب الاثنتي عشرة ركعة, التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشر ركعة تطوعًا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة" رواه مسلم. وهي أربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل صلاة الفجر.
بل إن الموفق يجد في نفسه شوقًا عظيمًا إلى ركعات يركعها من الليل, والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل", وعن أبي هريرة وأبي سعيد -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعًا كُتبا في الذاكرين والذاكرات" رواه أبو داوود بإسناد صحيح. وفي هذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه". ثم بعد هذه المحافظة على المكتوبات وما يتبعها من الصلوات تبقى الصلاة مانعة عن كل سوء واعية لكل خير, قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45].
فأبعد الناس عما يستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس, وأبعد الناس عن كل معصية تنكرها العقول والفطر؛ هم أهل الصلاة حيث استنارت قلوبهم وازداد بها إيمانهم, فهي أفضل عبادة تقع منهم, وفيها من عبوديات الجوارح ما ليس في غيرها.
أيها الأخ: بعد اعتناء العبد بصلاته فرضًا ونفلاً, فله اعتناء بالعبادات التي اختص الله بها، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه أنه قال: "الصوم لي وأنا أجزي به" فهو يتزود من الصيام ما استطاع متحينًا الأوقات الفاضلة والمناسبات المضاعفة, محتسبًا الأيام الطويلة والحارة, مستغلًا الأيام القصيرة الباردة, ومن صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا, وهذه حاله مع الصدقة والذكر وصلة الأرحام وسائر الطاعات وأنواع العبادات ممتثلاً قول الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
فاستعينوا بالله -عز وجل- على طاعته, وفقني الله وإياكم لفعل الخيرات وترك المنكرات وثبتنا بقوله الثابت حتى الممات, أقول ما تسمعون وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فمما يعينك -أيها العبد- على نفسك, أن تتعرف على فضائل الأعمال ومواطن الأجر, فلله أعمال خصها بمزيد أجر وعبادات, رتب عليها ثوابًا وفضلاً, أخبر الله تعالى أنه مع المتقين وأنه مع المحسنين: ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل: 128] وهذا في كل زمان وكل مكان, فمن حقق التقوى واجتهد في الإحسان في عبادة ربه ومعاملة خلقه فالله معه ورحمة الله قريبه منه, (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [الأعراف: 56].
فما أجمل الطاعة إذا اتبعت بطاعة, وما أجمل الحسنة تتلوها الحسنة, وما أحسن الإحسان يتلوه الإحسان, والمعروف يتلوه المعروف, والخير يتلوه الخير, (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد: 17]، (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) [مريم: 76]، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) [يونس: 9].
وإن من الحسنة بعد الحسنة ما حدث به أبو أيوب -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستة من شوال كان كصيام الدهر كله" فالإنسان يصوم هذه الأيام مجتمعة أو متفرقة, ولكن لا يصمها إلا إذا قضى ما عليه من رمضان إن كانت عليه أيام منه؛ لأن من عليه قضاء فلا يصدق عليه أنه صام رمضان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال" وقد قيل غير ذلك ولكن هذا هو الأقرب للحديث.
فيا عبد الله: إن ساعات الحياة هي منية الأموات, فيتمنى المرء بعد انقضاء أجله يتمنى ركعة تكتب في صحيفة أعماله, أو تهليلة أو تسبيحة أو استغفارًا يصلح بها شيئًا من حاله أو ماله, فالأعمار لا قيمة لها فتباع، وسنة الله أن لا يسترجع منها ما فرط فيه وضاع، ولكن الله جعل للعبد سبباً يصل به إلى ربه ما دامت روحه في جسده من غير انقطاع, إن الله يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) [الفرقان: 62].
فكما خلفتم أيام رمضان ولياليه سوف تخلفون أيام أعماركم ولياليها, والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني, والأيام سائرة بالناس وإن لم يريدوا, ولا بد لكل سائر من وصول, ولا بد لكل راكب وإن طال ركوبه من نزول, والدنيا مبنية على الانقضاء ولا بد بأهلها أن تزول (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) [المؤمنون: 115].
فاللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وآجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة, اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وبارك لنا في أعمالنا وأجعل نستقبل من أيامنا خيرًا مما أمضينا, اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان, اللهم مكن للمسلمين في ديارهم وولي عليهم خيارهم وآمن روعاتهم وأستر عوراتهم, اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره وأفسد عليه أمره واجعل ما يخططه تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم إنا نسألك فرجًا عاجلاً لإخواننا في غزة وسوريا تحفظ به أعراضهم وتحقن به دماءهم, ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الكافرين واستعملنا في طاعتك يا رب العالمين, واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك على ذلك قدير وبالإجابة جدير, سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم