عناصر الخطبة
1/حث النبي على التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده 2/صور من الأذى الذي لاقاه النبي وأصحابه في مكة 3/قصة الهجرة إلى المدينة 4/قصة التأريخ الهجري وبدايته 5/خطر استبدال التاريخ الهجري بالتاريخ الميلادي 6/مدار جميع الأحكام الشرعية على التاريخ الهجرياقتباس
إنه لمن المؤسف حقاً أن يعدل أكثر المسلمين اليوم عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت لدينهم بصلة، ولئن كان لبعضهم شبهة من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم على أن نسيان تاريخهم الإسلاميَّ الهجري، فليس لهم الآن أيُّ عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي وقد أزال الله عنهم الـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، وسلَّم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: ففي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: "وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصنا؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله -عز وجل-، والسمع والطاعة، وإن أمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هنا يأمرنا ويحثنا على التمسك بسنته، وسنة الخلفاء الراشدين بعده، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي.
ونحن في هذا الأسبوع نستقبل عاماً إسلامياً جديداً، ابتدأ عقد سنواته من أجل مناسبة عظيمة في الإسلام، ألا وهي: هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي ابتدأ بها تكوينُ الأمة الإسلامية في بلد إسلامي مستقل، يحكمه المسلمون بعد تلك الفترة التي عاشها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضوان الله عليهم- في مكة، فعانوا فيها وقاسوا أشد أنواع الاضطهاد والبلاء والامتحان؛ من ضرب وتعذيب بصنوف العذاب، وجوع وسخرية واستهزاء.
فهذا خباب بن الأرت -رضي الله عنه-؛ كما في صحيح البخاري وغيره يأتي للرسول -صلى الله عليه وسلم- في ظل الكعبة، فيقول: "يا رسول الله ألا تدعوا الله لنا، ألا تستنصر لنا؟!" وهذا بسبب ما يلاقونه من صنوف العذاب، فيقول له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إنه كان فيمن كان قبلكم يؤتى بالرجل، فيوضع المنشار في مفرق رأسه، فينصف نصفين، ويؤتى بالرجل فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، ما يصدُّه ذلك عن دينه" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد كان بلال -رضي الله عنه- يوضع على صدره الحجرُ الكبير في الرمضاء في شدة... الخ، ويقال له: اكفر بمحمد، فما يزيد رضي الله عنه على أن يقول: "أحد أحد".
وحصرت قريش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبني هاشم في الشعب مدة طويلة أصابهم في أثنائها مجاعة شديدة أكلوا فيها مالا يمكن أكله، وهم مع ذلك صابرون على ما من أجله امتحنوا، إلى أن جاء نصر الله، وأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه بالهجرة للمدينة، وقريش تحاول منعهم من الهجرة، حتى إنها همّت بأمر عظيم ومكيدة خطيرة، ألا وهي: أن يجتمع من كل قبيلة شاب من الشباب فيهجموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته فيضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، ولا يدرى من قتله، فتعجز بنو هاشم عن مقاتلة تلك القبائل جميعها؛ كما قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].
فأطلع الله نبيه على الذي أرادت قريش، فبات علي رضي الله عنه على فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً رد الله -تعالى- مكرهم، فقالوا: "أين صاحبك هذا"؟ قال: "لا أدري" فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: "لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه".
فمكث فيه صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر ثلاث ليال، وقريش جادّة في البحث عنهم، ويمرون بالغار فيصرفهم الله -عز وجل- عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه -رضي الله عنه-، حتى إن أبا بكر -رضي الله عنه- يقول: "يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا" فيقول له صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن إن الله معنا، يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما".
ثم بعدها هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تلك الهجرة التي أصبحت فيصلاً بين الحق والباطل، وأصبح المسلمون بها أعزةً بعد الذلة، وأقوياء بعد الضعف، حتى أعلا الله كلمته ونصر عبده وجنده.
أيها الإخوة: إن التاريخ السنوي لم يكن معمولاً به في أول الإسلام، حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته - رضي الله عنه - كتب إليه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- يقول له: "إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ" فجمع عمر الصحابة -رضي الله عنهم- فاستشارهم، فيقال: إن بعضهم قال: "أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها كلما هلك ملِك أرخوا بولاية من بعده" فكره الصحابة ذلك.
فقال بعضهم: "أرخوا بتاريخ الروم" فكرهوا ذلك أيضاً.
فقال بعضهم: "أرخوا من مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ".
وقال آخرون: "من مبعثه".
وقال آخرون: "من مهاجره".
فقال عمر: "الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها" فأرخوا من الهجرة، واتفقوا على ذلك.
ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداءً السنة؟
فقال بعضهم: "من رمضان؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن".
وقال بعضهم: "من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة مهاجراً".
واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم؛ لأنه شهر حرام يلي ذي الحجة الذي يؤدي فيه المسلمون حجهم الذي به تمام أركان الإسلام، والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي -صلى الله عليه وسلم- والعزيمة على الهجرة.
فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر الحرام.
ووجب على المسلمين الإذعانُ لهذا الأمر، لما مر معنا من قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء....".
جعلني الله وإياكم من المتمسكين بشرعه، المتبعين لسنة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا هو، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها الناس: فقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن أمته ستتبع سنن من كان قبلها حذو القذة بالقذة، وحذو النعل بالنعل، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخله أولئك.
ومن تأمل نصوص السنة يلحظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكره الشيء الذي فيه تشبه بأعداء الله، ويأمر بمخالفته، حتى إن اليهود لحظوا هذا الأمر، فقالوا: "ما يُرِيدُ هذا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ من أَمْرِنَا شيئًا إلا خَالَفَنَا فيه".
وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يقول: "خالفوا اليهود، خالفوا المشركين، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى".
وإنه لمن المؤسف حقاً أن يعدل أكثر المسلمين اليوم عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت لدينهم بصلة، ولئن كان لبعضهم شبهة من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم على أن نسيان تاريخهم الإسلاميَّ الهجري، فليس لهم الآن أيُّ عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي وقد أزال الله عنهم الاستعمار.
أيها المسلمون: لقد أخبر الله -سبحانه- أن عدة الشهور اثنا عشر شهراً، فقال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)[التوبة: 36].
وجعل الطريق لمعرفة هذه الشهور رؤية الهلال، فقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة: 189].
مواقيت للناس كلهم بدون تخصيص، لا فرق بين عرب وعجم ذلك؛ لأنها علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد يعرف بها دخول الشهر وخروجه.
فمتى رؤي الهلال في المغرب بعد غروب الشمس ولو بلحظة يسيرة، فقد دخل الشهر المستقبل، وانتهى الشهر الماضي، وبذلك عرفنا أن ابتداء التوقيت اليومي من غروب الشمس لا من زوالها؛ لأن أول الشهر يدخل بغروب الشمس، وأول الشهر هو أول الوقت.
وهو الذي عليه مدار الأحكام الشرعية؛ بحيث لو أن طفلاً ولد قبل غروب الشمس بدقيقة واحدة في آخر يوم من أيام رمضان لأوجبنا على وليه صدقة الفطر عنه إن كان الولي قادرًا، ولو أنه ولد بعد غروبها من ذلك اليوم بدقيقة واحدة لما أوجبنا عليه الصدقة.
وهكذا لو أن شخصاً أحرم بالعمرة قبل غروب الشمس بدقيقة واحدة في آخر يوم من أيام رمضان وبقي في مكة لم يجب عليه الهديُ إذا أحرم بالحج؛ لأنه أتى بالعمرة في غير أشهر الحج، ولو أنه أحرم بعد غروب الشمس من ذلك اليوم بدقيقة واحدة وبقي في مكة لأوجبنا عليه الهدي لأنه أتى بالعمرة في أشهر الحج؛ بعد رؤية هلال شوال.
من هذه القاعدة -أيها الإخوة-: نعلم بأن التبعية لأعداء الله في هذا العصر قد شملت كثيرًا من أمور حياتنا؛ ومنها: التوقيت الإسلامي، سواء الهجري، أو الغروبي، وما ذاك إلا لأجل الضعف والخور الذي خيَّم على نفوس المسلمين في هذه الأزمان؛ بحيث أصبحوا مقودين بعد أن كانوا قادة، وأذلة بعد أن كانوا أعزة، ومَغْزُوِّين بعد أن كانوا غازين، كل ذلك بسبب ما اقترفته أيديهم من الذنوب.
فنسألك اللهم بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، أن ترفع عنا هذا البلاء، وأن تجمع المسلمين على كلمة الحق يا من إليه المشتكى.
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، يا منان، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم نسألك أن تجعل عامنا هذا وما بعده من أعوامٍ أعوامَ أمن وطمأنينة، وعلم نافع وعمل صالح، به رشاد الأمة، وذلُّ الأعداء، في جميع البلاد يا أرحم الراحم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم