عناصر الخطبة
1/تفسير سورة الضحىاقتباس
الوَحْيَ انْقَطَعَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَن؛ وَأَبْطَأَ جَبْرِيْلُ عَنْ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدْ كَانَ نُزُوْلُ الْوَحْي، هُوَ زَادُ الرَّسُوْلِ وأَنِيْسُهُ في طَرِيْقِ الدَّعْوَةِ؛ وَعِنْدَمَا انْقَطَع الوَحْيُ مِنَ السَّمَاء...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
أَمَّا بَعْد: فمَنْ اتَّقَى اللَه وَقَاه، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْه كَفَاه! (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق:3].
عِبَادَ الله: إِنَّهَا لَمْسَةٌ شَافِيَة، تَمْسَحُ الآلامَ والمَوَاجِع، وَتَسْكُبُ الطُّمَأْنِيْنَةَ على قَلْبِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، إِنَّهَا سُوْرَةُ الضُّحَى.
وَذَلِكَ أَنَّ الوَحْيَ انْقَطَعَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَن؛ وَأَبْطَأَ جَبْرِيْلُ عَنْ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدْ كَانَ نُزُوْلُ الْوَحْي، هُوَ زَادُ الرَّسُوْلِ وأَنِيْسُهُ في طَرِيْقِ الدَّعْوَةِ؛ وَعِنْدَمَا انْقَطَع الوَحْيُ مِنَ السَّمَاء؛ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا: وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ!؛ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ السُّوْرَةَ؛ تَسْلِيَةً لِنَبِيِّهِ، وَإِيْنَاسًا لِوَحْشَتِهِ (رواه مسلم).
(وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى): أَقْسَمَ اللهُ بِالنَّهَارِ إِذَا انْتَشَرَ ضِيَاؤُهُ، وَبِاللَّيْلِ إِذَا غَطَّى بِظَلَامِهِ، عَلَى عِنَايَةِ اللهِ بِرَسُوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَقَالَ تَعَالى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلى)؛ أَيْ مَا تَرَكَكَ مُنْذُ اخْتَارَكَ، وَلَا أَبْغَضَكَ مُنْذُ أَحَبَّكَ.
وَهَذَا إِثْبَاتٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ حَتَّى بَلَغَ مَرْتَبَةَ الخُلَّةَ، وَهِيَ أَعْلَى دَرَجَاتِ المَحَبَّة، فَهُوَ أَحَبُّ عِبَادِ اللهِ إلى اللهِ! قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهِ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا"(رواه مسلم).
(وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى)؛ أَيْ مَا أَعَدَّ اللهُ لَكَ مِن المَقَامِ المَحْمُوْد، والحَوْضِ المَوْرُوْدِ، والخَيْرِ المَوْعُوْدِ، في جَنَّاتِ الخُلُوْد؛ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا؛ فَلَا تَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا؛ فَإِنَّ الجَنَّةَ بَاقِيَةٌ خَالِصَةٌ، وَهَذِهِ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ زَائِلَةٌ.
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى): وَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ مَا أَعْطَاهُ اللهُ في الدُّنْيَا: مِن النَّصْرِ والتَّمْكِيْن، وَدُخُوْلِ النَّاسِ فِي الدِّينِ أَفْوَاجًا، وَيَعُمُّ كُلَّ مَا سَيُعْطِيْهِ اللهُ في الآخِرَةِ: مِنَ الشَّفَاعَةِ في أُمَّتِهِ، والأَجْرِ العَظِيْمِ في جَنَّاتِ النَّعِيْمِ! قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي"، وَبَكَى! فَقَالَ اللهُ: "يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوْؤُكَ"(رواه مسلم).
ثُمَّ امْتَنَّ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِنِعَمٍ ثَلاثٍ؛ فَقَالَ تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)؛ فَقَدْ كانَ -صلى الله عليه وسلم- يَتِيْمَ الأَبِ والأُمِّ، فَإِنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يُوْلَدَ، وَأُمُّهُ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تُتِمَّ إِرْضَاعَه! وَلَكِنَّ اللهَ تَكَفَّلَ بِه، وأَدَّبَه فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَه؛ فَكَانَتْ تِلْكَ التَّرْبِيَة الرَّبَّانِيَّة؛ خَيْرًا مِنْ تَرْبِيَةِ الْأَبَوَيْنِ والنَّاسِ أَجْمَعِيْن.
وَلَمَّا آوَىَ اللهُ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-؛ صَارَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- مَأْوَى المُؤْمِنِيْنَ، وَمَلَاذَ الحَائِرِيْنَ، بِبَرَكَةِ دَعْوَتِهِ وَرِسَالَتِه؛ فَإِنَّ اللهَ آوَاهُ، وَآوَى بِه.
(وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى)؛ أَيْ كُنْتَ فِي حَيْرَةٍ مِنْ حَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَوَجَدَكَ في قَوْمٍ ضُلَّالٍ: فَهَدَاكَ وَاجْتَبَاك، وعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم؛ وَهَدَاكَ وَهَدَى بِكَ.
فَمَنْ أَرَادَ الهِدَايَةَ والسَّلام فَعَلَيْهِ بِـالإِسْلَامِ، الَّذِي جَاءَ بِهِ سَيّدُ الأَنَام! (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[الشورى:52].
(وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى): أَيْ كُنْتَ فَقِيْرًا: فَـأَغْنَاكَ اللهُ بِمَالِ خَدِيجَةَ، حَيْثُ جَعَلَتْ مَالَهَا تَحْتَ يَدِك.
وأَعْظَمُ الغِنَى الَّذِي أَغْنَاكَ اللهُ بِه: هو "غِنَىَ القَلْبِ": بِالرِّضَى والقَنَاعَة! ولمَّا خَيَّرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-: بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ؛ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ الله!(رواه البخاري) قالَ ابْنُ عُثَيْمِيْن: "(وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى): أَيْ وَجَدَكَ فَقِيْرًا لا تَمْلِكُ شَيْئًا؛ فَأَغْنَاكَ وَأَغْنَى بِكَ، وَلَوْ أَنَّ الأُمَّةَ عَادَتْ إلى ما كانَ عَلَيْه؛ لَعَادَ إِلَيْهِمُ الغِنَى والعِزَّةُ!".
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ بِشُكْرِ هَذِهِ النِّعَمِ الثَّلَاث، بِثَلَاثَةِ أَعْمَالٍ تُقَابِلُهَا، فَقَالَ تَعَالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)؛ أَيْ لا تُؤْذِ اليَتِيْمَ، بَلْ أَحْسِنْ إِلَيْهِ، وَاجْبُرْ كَسْرَهُ، وَاصْنَعْ بِهِ كُمَا تُحِبُّ أَنْ يُصْنَعَ بِوَلَدِكَ، وَكُنْ لِلْيَتِيمِ؛ كَالْأَبِ الرَّحِيْمِ! ويَتِيمُ الْيَوْمِ: رَجُلُ الْغَدِ! فَكَمَا تُحْسِنُ إِلَيْهِ: يُحْسِنُ هُوَ إِلَى أَيْتَامِكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ.
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)؛ أَيْ فَلَا تَزْجُرْه، بَلْ أَعْطِهِ مَا تَيَسَّر، أَوْ رُدَّهُ بِإِحْسَان، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيْهِ السَّائِلُ لِلْمَال، وَالسَّائِلُ لِلْعِلْم.
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْد: قَالَ تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ): أَيْ تَحَدَّثْ بِهَا: إِظْهَارًا لِلْنِّعْمَةِ، وَشُكْرًا لِلْمُنْعِمِ، لا افْتِخَارًا بِهَا عَلَى الخَلْقِ؛ لِأَنَّ التَّحَدُّثَ بِنِعْمَةِ اللهِ: يَدْعُوْ لِشُكْرِهَا، وَالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ بِهَا، وَتَحْبِيْبِ القُلُوْبِ إِلَى المُنْعِمِ بِهَا! (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[العنكبوت:17].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم