اقتباس
ومع ذلك فإن العالم الآن يعِجُّ بأناس قساة القلوب، الذين لديهم جمود في القلوب لكل ما هو خير، وجحود في الأنفس لكل ما هو إسلام، جمدت القلوب فهي كالحجارة..
واقعٌ مرير في عالمٍ مُتَّشِح بالظلم والخِذلان، مجرد من الإنسانية، خالٍ من العدل والقسط، إلا ما رحم ربي وعصم، الناس للأسف في غابة، القوي يأكل الضعيف، والمجرم يتَّهم الشريف، والغني يلتهم الفقير، الضحية أمسى جلَّادًا، والجلاد أصبح ضحية، واختلط الحابل بالنابل، الدماء تسيل، والجثث تتساقط، والأرواح تتصاعد، رغم أن حرمة الدم المسلم في الإسلام عظيمة، بل أعظم من الكعبة: “والذي نفس محمد بيده، لَحُرْمَةُ المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك؛ ماله ودمه، وأن نظنَّ به إلا خيرًا”(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
في بلاد الإسلام الدماء أنهار، والفجر أسوار، والتخاذل أسرار، حتى جاءت حرب غزة الأخيرة هذه، فأظهرت الأسرار، وهدمت الأسوار، وكشفت الأشرار، وفضحت المتخاذلين الفجَّار.
للأسف أصحاب المصالح يريدون أن يصرفوا المسلمين عن دماء إخوانهم الزكية التي تسيل في فلسطين الأبية، فهل تجدي الصرخات؟ هل ينفع النحيب؟ هل تنجح الصيحات؟ هل يفلح الشَّجْب فحسب؟ ربما لا يرضي هذ رسول الإسلام، إنما يرضيه اتِّباع سُنَّتِهِ، ونصرة دعوته، وفهم شريعته، وما فيها من جهاد بالنفس والنفيس.
نحن نشاهد كلَّ يوم الجثث فوق الأرض وتحت الأرض، أطفال، نساء، شيوخ، كلهم مدنيون، بيد أنه لم يمت أحد منهم في ميادين الجهاد في غزة، وفي جموع فلسطين، بل ماتت الإنسانية في كل دول العالم، أما هم فقد ارتقَوا في السماء في أعلى الجِنان، إن شاء الله تعالى، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين... كيف؟ إنهم (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169].
رسالة هامة في وقت عصيب لكل الأطراف، للمجاهدين والمترددين والمشككين والمخذِّلين.
جند الأقصى: صامدون، يزهدون فيما عند الناس، ويرغبون فيما عند الله، يتوقون إلى جنته، ويُهرعون إلى رضوانه، إنهم يتخفَّفون من أثقال الدنيا، ويتخلصون من جواذب الأرض، وينطلقون صوب الآخرة في سعادة غامرة، لسان حالهم يهتف: وا فرحتاه، غدًا نلقى الأحِبَّة؛ محمدًا وصَحْبَه.
جند الأقصى: صامدون، فهم يعملون لمعادهم كما يعملون لمعاشهم، ويعملون لغدهم كما يعملون ليومهم، ويعملون لآخرتهم كما يعملون لدنياهم؛ (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 148].
جند الأقصى: صامدون، تجدهم فيضًا من العطاء، أقوياء في البناء، ثابتين عند اللقاء، أبطالًا حين تدلهمُّ الخطوب، صامدين حين تشتعل الحروب، لا ييأسون حين يقنط الناس، ولا يَمَلُّون عن العمل حين يفتُر العاملون، يصنعون من الشمعة نورًا، ومن الحزن سرورًا، وهم متفائلون في حياتهم، شاكرون لنعمائه، صابرون في بأسهم، قانعون بعطاء ربهم لهم، مؤمنون بأن لهذا الكون إلهًا قدَّر مقاديره قبل أن يخلُق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
جند الأقصى: صامدون، يعلمون أن متاع الدنيا مهما طال فإنه قصير، ومهما كثر فإنه قليل: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) [النساء: 77].
يعرفون أن الآخرة هي الخالدة، هي الباقية؛ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى: 16-17].
جند الأقصى: صامدون، يتحركون في الأرض بهذا الفَهم، ويعيشون في الدنيا بهذا الفقه، تبقى الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، فيجعلونها مزرعة لآخرتهم، ومرضاة لربهم، لقد وعى المجاهدون في فلسطين الحبيبة - وخاصة في غزة الأبية - ذلك جيدًا، فلم يعملوا من أجل مصلحة شخصية ولا منفعة مادية، ولا شهوة حسية، وإنما يعملون من أجل إعمار الحياة؛ حبًّا لذات الله، واتباعًا لرسول الله؛ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
نعم، جند الأقصى الصامدون علموا أن الله جعل النصر بيده؛ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران: 126]، واختصهم به؛ (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]، لكنه علَّق هذا النصر وشَرَطَه بعمل المؤمنين أنفسهم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
جند فلسطين: علِموا أن الله أرسل رسولهم بالسيف، وجعل رزقه في ظلال رمحه: “بُعِثْتُ بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبَدَ الله تعالى وحده لا شريك له، وجُعِلَ رزقي تحت ظل رمحي، وجُعِلَ الذل والصَّغار على من خالف أمري، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم”(صحيح الجامع).
لذلك انطلقوا إلى الجهاد ما بقوا، إلى المجد التليد، يحققون للأمة الوعد: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا) [الإسراء: 5]، ويحذرونها الوعيد: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق: 20-22].
لقد أخبر الله تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن؛ ليتبيَّنَ الصادق من الكاذب، والمرابط من المخادع، والجازع من الصابر، والساخط من الشاكر، والمؤمن من الكافر، وهذه سُنَّته تعالى في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها ضراء، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر.
الابتلاء سُنَّة من سنن الله في الكون؛ قال ربنا: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155-157].
ما أجمل العودة إليه! ما أعظم ردَّ الأمور والأقدار كلها إلى الله، وبذل الذل والتوبة، والانكسار والأوبة؛ ليرفع الضراء، ويُديم السَّرَّاء!
يبتلي ليرفع العبد درجات، أو ليكفر عنه السيئات، وكلا الأمرين خير للمؤمن المحتسب.
أخبر الله في هذه الآية أنه سيبتلي عباده (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) [البقرة: 155] أرادوا أن يبثُّوه في أرض الرباط، لكن هيهات هيهات، (وَالْجُوعِ) [البقرة: 155]؛ أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لَهَلَكُوا، والمحن تمحِّص لا تُهلِك، وهذا ما حدث في فلسطين جرَّاء الحصار المضروب منذ سبعة عشر عامًا، (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ) [البقرة: 155]، وهذا كله في غزة من المتآمرين والمحاصرين، (وَالْأَنْفُسِ) [البقرة: 155]؛ أي: ذهاب الأحباب من الأولاد، والأقارب، والأصحاب، بل ذهاب أُسَرٍ بكاملها، وعائلات تحت الأنقاض، (وَالثَّمَرَاتِ) [البقرة: 155]؛ أي: الحبوب، وثمار الزيتون، والأشجار كلها، والخُضَر، وهذا ما أجهز عليه الصهاينة وأعوانهم في حرق الأرض، ومحو البلاد، وقتل العباد.
والناس أمام هذه الابتلاءات نوعان: جازعون خارج الميدان أيديهم مرتعشة، وقلوبهم منافقة، ومواقفهم مفعمة بالخِذلان، وصابرون في أرض الميدان، فلسطين الوفية وغزة الأبية،، الجازع حصلت له مصيبتان؛ فَقْدُ المحبوب، وفوات ما هو أعظم منها، وفقدان الأجر بعدم امتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان.
وأما من وفَّقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخُّط، قولًا وفعلًا، واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه؛ لأنها صارت طريقًا لحصول ما هو خير له وأنفع منها؛ فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب؛ فلهذا قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155]؛ أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
والثابتون الصابرون - في فلسطين وغير فلسطين - هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الكبيرة؛ ثم وصفهم بقوله: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) [البقرة: 156]، وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
شعارهم: (قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ) [البقرة: 156]؛ أي: مملوكون لله، مدبَّرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد علمُه بأن وقوع البلية من المالك الحكيم، الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره لِما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك، فكون العبد لله، وراجعًا إليه من أقوى أسباب الصبر، ومن عوامل النصر.
(أُولَئِكَ) [البقرة: 157] الموصوفون بالصبر المذكور، (عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة: 157]؛ أي: ثناء وتنويه بحالهم، (وَرَحْمَةٌ) [البقرة: 157] عظيمة، ومن رحمته إياهم أن وفَّقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر، (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 157] الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع، علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعمِلوا به وهو هنا صبرهم لله.
إنه عالم تخدَّرت فيه الضمائر، وسقطت فيه القيم، وانهارت فيه المبادئ، وتلاشت فيه الأخلاق، إلا ما رحم ربي وعصم.
أعراض تُنتهَك، وأموال تُغتصَب، وشباب يغترب، وقامات تغيب، حقوق تُصادَر، دماء وأشلاء، كل يوم بل كل ساعة، نيران تبرق، ونفوس تُزهَق، وأرواح تُحلِّق، لا دواء ولا غذاء، ولا كساء ولا إيواء، حتى المياه غابت عنهم، الجزار السفاح يعمل في غزة بآلته العسكرية، فيضرب الكبار والصغار، الرجال والنساء، المرضى والأصحاء، حتى إنه يضرب المستشفيات، ورغم ذلك نغُطُّ في نوم عميق، إلا ما رحم الله.
الغرب يساعد الصهاينة المجرمين في الباطن، بل في العلن، ومعه أمريكا وبريطانيا وفرنسا، على ذبح المسلمين في فلسطين، فهل لأهل فلسطين من مناصرين يضمدون جراحهم، ويمسحون دموعهم، ويسُدُّون جوعهم؟
غزة تناديكم أطفالًا ونساء، غزة تناديكم شيوخًا وكهولًا، غزة تناديكم جوارًا ورحِمًا، غزة تناديكم تاريخًا ودمًا، غزة تناديكم بحق الأُخوة والدين والعقيدة.
تنهمر الدموع بغزارة، كيف لا، وهم أطفال في عمر الزهور، أحدهم يقضي مقصوفًا، والآخر يقضي محروقًا، والثالث يقضي مذبوحًا، والرابع يقضي مهدومًا؛ أي تحت الهدم؟
لذلك يرتجف القلم، وينتحب الحلق، وتنزف الحروف؛ لتعبِّرَ عن بركان يغلي في صدر كلِّ حُرٍّ، وكل حرة، لكن البشرى عظيمة، والرائحة كريمة، والنهاية - بإذن الله - بهم رحيمة، كيف؟
البشرى عظيمة: عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم”.
والرائحة كريمة: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما من مكلوم يُكلَم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكَلْمُه يَدمى، اللون لون دم، والريح ريح مسك”(صحيح البخاري).
والنهاية - بإذن الله - بهم رحيمة، كيف؟
(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 169-171].
في بعض الأحاديث: “وأن رائحة دمه رائحة المسك، وأن الله يكرمه فيرى مقامه في الجنة، ويفرح أشد الفرح”.
الرحمة في قلوب الجنود:
هذه كلمات لأسيرة إسرائيلية لم تتجاوز العشرين من عمرها عن حارسها في الأسر، تقول: "كان رجلًا بكل معنى، اهتم بي كثيرًا، ولم يحاول أن يقترب عليَّ من الناحية الجنسية، على الرغم من أنني كنت متاحة له بسبب ظروف الأسر.
على قدر استطاعته أمَّن لي كافة احتياجاتي من مأكل وملبس وحاجات نسائية خاصة، واهتم بعلاجي مع دكتور متخصص بسبب إصابتي العرضية.
أحببت احترامه الشديد لوقت الصلاة، كان يؤديها بإخلاص، وأحببت القرآن بصوته العذب.
الرجل الذي يحمي بلاده وأرضه وقضيته هو رجل أهل للارتباط به، وأضافت: كنت معه بأمان مطلق، لم يحاول أن يشعرني بأنني أسيرة، لم أكن أقلق إلا من القصف المدمر، أتمنى أن يأتي اليوم الذي نعيش فيه بسلام معًا".
ومع ذلك فإن العالم الآن يعِجُّ بأناس قساة القلوب، الذين لديهم جمود في القلوب لكل ما هو خير، وجحود في الأنفس لكل ما هو إسلام، جمدت القلوب فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وجحدت النفوس كالابن الذي يتنكر لوالديه بعد أن ربَّياه، قلوب لا تكترث للقتل، ونفوس لا تهتم بالدماء، وضمائر لا تتأثر بالأشلاء.
ورغم الجحود من أعداء الإسلام، والمنافقين، لكل غيور على دينه، متمسك بحقه، ثابت في أرضه، ثابت على مبدئه، أصحاب الحق لهم الانتصار والانتشار، وأهل الظلم والباطل ليس لهم إلا الخزي والعار والشَّنار؛ وصدق الله: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: 14].
ورغم التشويه والتنكيل، رغم المكر والخداع، رغم الجمود والجحود، ستبقى غزة عاصمة الكرامة والعزة، عاصمة البطولة والصمود، عاصمة الشهادة والشهداء، عاصمة العطور الزكية في العالم، رائحة دماء شهدائها أزكى من عطور كل الأرض: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 171-173]، (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 254]، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].
اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم حقِّق مرادهم، وحرِّر أرضهم ومقدساتهم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم