عناصر الخطبة
1/ أهمية الصلاة ومكانتها 2/ تعظيم الأنبياء للصلاة 3/ فرضية الصلاة 4/ خطر تضييع الصلاة والتهاون بها 5/ أمر الأهل والأولاد بالصلاة وتربيتهم عليها 6/ وجوب صلاة الجمعة على الرجال وبعض ما يجب على حضرهااقتباس
إنَّ الله لما أثنى على المؤمنين الذين يفوزون بفردوس الجنة بدأ صفاتهم بالخشوع في الصلاة، وختمها بالمحافظة على الصلوات، وميَّزهم الله بالمداومة على الصلاة، والمحافظة عليها، وإتمام قيامها وركوعها وسجودها، والقراءة، والذكر فيها...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: إنَّ الصلاة ملاذ المؤمنين، ومأوى المتقين، تزول بها الهمم، وتنكشف الغموم، و "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى" [رواه أبو داود وأحمد، وحسنه الألباني في صحيح الجامع].
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "أَقِمِ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ، أَرِحْنَا بِهَا".
الصلاة من ذكر الله -تعالى- الذي تسكن له النفوس، وتخشع القلوب، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
أيها المسلمون: تكرر ذكر الصلاة في القرآن كثيرًا، وتكرر الأمر بها: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة: 43].
(وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنعام: 72].
(وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف: 29].
و"كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ: "الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" [رواه ابن ماجة وصححه الألباني في الإرواء، وصحيح ابن ماجة].
والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من قبله صلى الله عليه وسلم كانوا يعظمون الصلاة، فهذا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- يقول: (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37].
ويقول تعالى عن إسماعيل -عليه الصلاة والسلام-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم: 54 - 55].
ويقول جل وعلا لموسى -عليه الصلاة والسلام-: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 13 – 14].
ولما ولد عيسى -عليه الصلاة والسلام- قال: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم: 30 - 31].
يا أهل الإيمان: إنَّ الله لما أثنى على المؤمنين الذين يفوزون بفردوس الجنة بدأ صفاتهم بالخشوع في الصلاة، وختمها بالمحافظة على الصلوات، وميَّزهم الله بالمداومة على الصلاة، والمحافظة عليها، وإتمام قيامها وركوعها وسجودها والقراءة والذكر فيها.
عباد الله: إنَّ الله لم يعذر أحدًا تهاون بها فتركها، لا بمرض ولا سفر ولا بعجز، كبيراً أم صغيراً مميزاً، ففي صحيح البخاري: عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ".
فيجب على المسلم أدائها في وقتها على قدر الاستطاعة، ويحرم عليه تأخيرها لغير عذر.
وذمَّ الله التكاسل عنها والتهاون بها وعدَّه في خصال المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 142].
وقال: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى) [التوبة: 54].
بل جعلها العلامة الفارقة بين المسلم والكفر، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ والكفر، تَرْكَ الصَّلاَةِ" [رواه مُسلم].
وأفتى جمع من أهل العلم من السلف ومن بعدهم، بأن من ترك فرضًا من الصلاة تهاوناً بها من غير عذر كَفَرَ، رَوَى التِّرمِذِيُّ عن شقِيق بن عبدِ الله التَّابِعيِّ -رَحِمهُ اللهُ-، قَالَ: "كَانَ أصْحَابُ محَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- لا يَرَوْنَ شَيْئاً مِنَ الأعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلاَةِ".
فاتقوا الله -عباد الله- وحافظوا على صلاتكم، ولتكن من أهم أولوياتكم، ويتعاهد الواحد منا أهله وأبناءه عليها، فإن الله أمرنا بذلك، فقال: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه: 132].
وعلينا نربي أولادنا عليها وهم صغار، ونعودهم عليها، فإن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- قال: "مُرُوا أولاكمِ بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ".
ولنحذر -عباد الله- من أن نكون ممن ذمهم الله -تعالى-، فقال الله فيهم: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ: (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [البقرة: 223].
إن من أعظم الصلوات: صلاة الجمعة، أمر الله -تعالى- الرجال بحضورها، وإذا حضر وقتها حَرُم الانشغال عنها بتحصيل الأرزاق، وغيرها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة: 9].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا" [رواه مسلم].
ومن حضرها وجَبَ عليه الإنصات التام لخطبتها، فلا ينشغل غنها بأي شيء ولو بتلاوة القرآن، أو الصلاة -إلا تحية المسجد إذ دخل- و "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ" [رواه البخاري ومسلم].
ومن جاء متأخرًا فليجلس حيث تيسر له، ولا يتخطى الناس فيؤذيهم؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عهنما-: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ" [رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الترغيب، وصحيح ابن ماجة].
اللهم بارك لمن حضر صلاتنا في علمه وعمره وعمله، وبارك له في صحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.
اللهم إنا نعوذ بك من البلاء والغلاء وسيء الأدواء.
اللهم أدم علينا أمننا، وبارك اللهم في أماننا، واجعل بلدنا هذا آمنًا مطْمئنا، وسار بلاد المسلمين.
الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، واحفظ اللهم جندنا المرابطين في الثغور، وأيِّدهم وانصرهم على عدوهم، ورُدَّهم لأهليهم سالمين غانمين.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَواصِيهم لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
الَّلهُمَّ اجْعَلْهُم سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ.
اللهم وفق لهم وزراء حق وعدل، وخير وصلاح، يرشدونه للخير، ويعينونه عليه.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم