الصراع بين الحق والباطل

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أهمية الوعي بطبيعة الصراع بين الحق والباطل 2/ أول رافع للواء الباطل وخلفه جنوده 3/ كيف نميز الحق من الباطل؟ 4/ حكم الديمقراطية في الإسلام 5/ التجريب في أمور الدنيا وعدم الاستسلام لأسر العادة 6/ الوعي المطلوب بحقيقة العلاقة مع الغرب 7/ الرواد المسلمون في شتى مجالات العلوم الطبيعية 8/ إنصاف الحضارة الإسلامية

اقتباس

الحق والباطل في صراع مستمر إلى قيام الساعة، إنها سنة الله في خلقه منذ نشأة الجنس الإنساني، منذ أن خلق الله -تبارك وتعالى- أبانا آدم -عليه السلام-، وسارع الشيطان إلى معاداته؛ ابتدأ ذلك الصراع بين الحق والباطل في شتى الميادين، وبوسائل عديدة، منها الوسوسة، ومنها جمع الحشود والأعوان والجنود لإدارة أشكال من الصراعات العقدية والأخلاقية والنفسية والمادية لكل مؤمن موحّد..

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

الثقة بالعقيدة ومبادئها، والوعي بالواقع، والاستمرار في إصلاح النفس والمجتمع؛ أمور في غاية الأهمية ينبغي تعزيزها في قلب وعقل كل مؤمن يقرأ القرآن ويتدبره ويتتبع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ويفهم مغزاه ويدرك سر الحياة وعلاقة الدنيا بالآخرة .

 

الثقة بالعقيدة والوعي بالواقع والاستمرار في إصلاح النفس والمجتمع، هذا ما ينبغي تعزيزه في عقل وقلب المؤمن، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها الأمة في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها، قد تكالب فيها على الأمة الأعداء من كل حدب وصوب.

 

أما الوعي فهو معنى واسع متشعب، لكن المقصود بالتحديد هو الوعي بطبيعة الصراع بين الحق والباطل في كل الميادين؛ بدءًا بالنفس وانتهاءً بالميادين السياسية والعسكرية، صراع محتدم ومستمر بين الحق والباطل، يقول الله –سبحانه-: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء:81]، وقال سبحانه: (قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ:49]، وقال جل وعلا: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء: 18].

 

إذاً الحق والباطل في صراع مستمر إلى قيام الساعة، إنها سنة الله في خلقه منذ نشأة الجنس الإنساني منذ أن خلق الله -تبارك وتعالى- أبانا آدم -عليه السلام-، وسارع الشيطان إلى معاداته؛ ابتدأ ذلك الصراع بين الحق والباطل في شتى الميادين، وبوسائل عديدة، منها الوسوسة، ومنها جمع الحشود والأعوان والجنود لإدارة أشكال من الصراعات العقدية والأخلاقية والنفسية والمادية لكل مؤمن موحّد على مدى التاريخ، إبليس هو رافع لواء الباطل وخلفه جنوده وأعوانه من الجن والإنس (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6].

 

وقد أخبرنا الله في القرآن أن إبليس قال بخصوص المؤمنين: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 16- 17].

 

إبليس هو حامل لواء الباطل ينبغي أن نعي أن الله -تعالى- قد بيّن لنا عداوته، عداوة الشيطان وأعوانه، بين أن عداوتهم له هو بالأصل -جل وعلا- قبل أن تكون لأوليائه المؤمنين فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة: 1] أي: لا تلقوا إليهم بالمودة وهم أعدائي.

 

قال الشنقيطي في تفسيره لهذه الآية: "عداوة العبد لله هي الأصل، وهي أشد قبحًا، فلذا قُدمت، وقبحها في أنهم عبدوا غير خالقهم، وشكروا غير رازقهم، وكذبوا رسل ربهم وأذوهم، عداوة العبد لله هي الأصل وهي أشد قبح.

 

بل إن الله –سبحانه- نفى الإيمان بالله واليوم الآخر عمن يلقي بالمودة إلى أعدائه قال سبحانه (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة: 22]، إذاً هناك باطل يصارع الحق، هذا الباطل سندته إبليس وأتباعه تجب معاداتهم.

 

وفي مزيد من الوعي بالحق يجب أن نعي أن الحق واحد لا يتجزأ، ليس بعده إلا الضلال، قال -تعالى-: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس:32]، لكن كيف نميز الحق من الباطل؟

 

أولاً: القياس الشرعي، كل ما وصل بالله فهو حق، وكل ما انفصل عن الله فهو باطل، يقول سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ)، ويقول -تعالى-: (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) [النور:25]، ويقول سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [لقمان:30].

 

كل ما وصل بالله فهو حق، وكل ما انفصل عنه -جل وعلا- فهو باطل، وبالتالي كل عبادة أو تشريع أو خلق أو قيمة أو تنظيم منفصل عن الله -تعالى- وخارج عن ثوابت الإسلام فهو باطل، وكل ما كان منها متصلا بالله ودينه فهو الحق .

 

ففي العبادة مثلا البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان لا في كتاب ولا سنة ولا إجماع هي باطل؛ لأنها منفصلة عن الله -تعالى- ودينه، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" صح ذلك في البخاري.

هذا بخصوص العبادات.

 

أما في التشريع المدني سياسيا كان أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو حتى ثقافيا، أي تشريع كان في هذه المجالات وغيرها لا يقره الإسلام فهو باطل.

 

مثلا مفهوم أن الشعب هو مصدر السلطات، أي: أن الدين لا دخل له، ليس هو مصدر السلطة التشريعية، بل المصدر هو فلسفات الحكام وآراء البشر يشرّعون من خلال مجالس تشريعية منتخبة تحتكم للقانون الدولي والأحكام القانونية البشرية المنشأ وقرارات منظمات حقوق الإنسان بلا أثر لدين ولا معتقد كما هو الشأن في نظام الحكم الديمقراطي الذي يجمع بين ليبرالية التعامل مع حقوق الإنسان والعلمانية فيما يتعلق بالأديان والثقافة والتعليم؛ هذا نظام باطل.

 

لماذا هو باطل؟

لأنه ليس متصلاً بالله ورسوله، دستور المسلمين هو القرآن، والقرآن يقول بكل وضوح (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) [الأنعام: 57]، وقال جل وعلا: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ) [النساء:105]، ويقول أيضًا جل وعلا: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 49].

 

يكفي القول بأن الديمقراطية تتفق مع روح الإسلام، كما يرددها بعض الدعاة، هذه العبارة يمكن أن تستغل لتبرير هذا المبدأ، فالإسلام لا يقبل بالتجزئة، ولا يقبل بالروح دون الجسد، ولا بالجسد دون الروح، كيف وقد قال الله -تعالى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة: 208]، قال ابن القيم "أي في شرائع الإسلام كافة".

 

بل إن الله -تعالى- أنكر على اليهود والنصارى تلاعبهم بدينهم وتجزئته وأخذهم ما بدا لهم منه وتركهم ما بدا لهم منه قائلا (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [البقرة: 85]، وأخبر عنهم باستنكار في قوله (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ)[النساء: 151]، قال الشنقيطي: "اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها".

 

إذاً فمن أسس الديمقراطية: إخراج الدين من عملية التشريع السياسي والاقتصادي والإعلامي والتربوي، أو إدخال بعض الأشياء منه، وفي هذا انفصال عن الله -تعالى-، وبالتالي فإنه باطل كما قررنا في بداية الكلام عن التمييز بين الحق والباطل .

 

أيها الإخوة: ينبغي أن نعي أن مرونة الشريعة واستعدادها للتعامل مع المستجدات في كل عصر وبكل حكمة، موجود هذا الاستعداد، وإذا ناد المنادي بالرجوع للشريعة فقال "يجب أن نعود إلى شريعة الإسلام، فالمقصود بالرجوع ليس إلى الآليات والوسائل والتطبيقات المدنية القديمة التي كانت في عصر من العصور، وإنما المقصود بالرجوع إلى الشريعة، أي: في المنطلق والأصل والمرجعية، فبها يحكم على الوسائل والتطبيقات المستجدة بمختلف أنواعها، هل تأتلف مع مقاصد الشريعة فتقبل أم تختلف معها فترفض؟

 

الشريعة لا تعترض طريق التطور العلمي، ولا تمنع الإبداع في المجالات الحياتية، ولا تقيد التنظيمات العامة كطريقة الترشيح أو التصويت أو تجهيز الجيوش أو التعمير أو الصناعة والزراعة والطب وإدارة الأجهزة المدنية بشكل عام، وغيرها من مصالح الدنيا، هذه وسائل ومصالح مرسلة إذا تحققنا أنها فعلاً مصلحة بأن شهد لها الشرع بالصحة والقبول؛ فإن الأصل فيها الحِل، بل إنها تكون مطلوبة شرعا.

 

وإن شهد لها الشرع بالبطلان، فإنها في الحقيقة ليست حقيقة مرسلة ولو زعم صاحبها أنها كذلك.

 

وفي العموم الحكمة هي ضالة المؤمن؛ حيث ما وجد فهو أحق بها، ولذا فإن هذه الوسائل والمصالح بعد القياس الشرعي في معرفة كونها حقًّا، أو غير ذلك وتجاوزها هذا القياس نخضعها من بعد للقياس المعرفي العقلي الذي هو المرتبة الثانية من مراتب معرفة الحق.

 

ومن ذلك ما صح في مسلم من حديث أنس قال: "مررت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوم على رءوس نخل، فقال: "ما يصنع هؤلاء؟"، فقالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أظن يغني ذلك شيئا"، قال: فأُخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًّا، فلا تؤاخذوني بالظن..".

 

قال ابن تيمية: والمقصود "أن جميع أقواله -صلى الله عليه وسلم- يستفاد منها شرعا وهو لما رآهم يلقحون النخل، قال لهم: "ما أرى هذا يغني شيئا"، ثم قال لهم بعد أن خرج المحصول رديئا: "إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا، فخذوا به، فإني لن أكذب على الله -عز وجل-"، وقال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم، فمن كان من أمر دينكم فإلي".

 

فهو لم ينهاهم عن التلقيح، ولكنه قال مقالة فظنوا أنه شرع فتركوا التلقيح.

الحاصل أن الناس يستطيعون أن يميزوا الحق بعقولهم بعد أن يمحّصوه بالشرع، الحديث يحث على التجريب في أمور الدنيا وعدم الاستسلام لأسر العادة.

 

قد استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته في أكثر من موقف وعمل برأيهم استشارهم وعمل برأيهم، وهو نبي الله الموحَى إليه، بل هو حث القرآن ذاته (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) [آل عمران: 160]، وثناء القرآن عليهم وأمرهم شورى بينهم.

 

معاشر الإخوة: لا جدال في أن هناك قواسم مشتركة فطرية بين الناس جميعا مسلمين وغيرها هذه القواسم يقرها الإسلام ويدعو إليها، ولو نادت بها الديمقراطية كالحرية بمفهومها العام طبعا، والتأكيد على قيمة الفرد وضمان حقوقه والعدل والمساواة ..

 

نادى بها الإسلام قبل الأنظمة الوضعية لكن الاتفاق على هذه القواسم لا يعني الانخراط فيها فيما يخالف ثوابت الإسلام في تفاصيلها وتفريعاتها فهي ليست من القواسم.

 

فينبغي أن نعي الحق في صورته المثلى، ونصفيه مما يعلق به من شوائب الباطل بالقياس الشرعي، ثم القياس العقلي المعرفي.

 

أسأل الله -تعالى- أن يهيئ لنا وللمسلمين من أمرنا رشدًا، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا ونينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فمن الوعي المطلوب بحقيقة العلاقة مع الغرب.. إن الغرب اليوم -أيها الإخوة- هو الذي يملك الصولة؛ الإعلام بيده، كتابة التاريخ بيده، التقديم والتأخير بيده، التصنيع بيده، الاقتصاد بيده، الصناعة بيده، القوة العسكرية والسياسية بيده، التقنية بيده، لقد مكّن الله لهم في ظل ضعف الأمة وتفرقها.

 

فكيف هي أخلاق من مكّنه الله -تعالى- من هذا التفوق؟ يفصح وزير الخارجية الأمريكية السابق -وهو من أكبر السياسيين، ومن أهم واضعي استراتيجيتها الخارجية في كتابه "سنواتي في البيت الأبيض"- يفصح عن أخلاق الغرب المادية الجشعة قائلا "أمريكا ليس لديها أصدقاء دائمون ولا أعداء، لديها مصالح فقط" هكذا قال!!

 

إن الذين لا يهتدون بهداية الإسلام، ولا يؤمنون باليوم الآخر، بل ويحرفون نصوص دينهم كما يحلو لهم كيف يؤتمنون؟! إنهم لا يؤتمنون على عِرض ولا مال ولا على عدل وقسط في التعامل ولا على صدق في النية والقول .

 

أقول هذا بشكل عام، وللقاعدة شواذ، فقد يصحو الضمير عند بعضهم فيقولون الحق، ويظهر عليهم نوع من العدل والإنصاف كما هو الحال عند بعض المنظمات الإنسانية التي تدعو إلى السلام، ورفع الظلم عن المستضعفين أينما كانوا، هؤلاء قلة أما السواد الأعظم فخلاف ذلك تمامًا.

 

أيها الإخوة: نحن أمة ذات حضارة عظيمة أخرجت -فضلا عن علماء دينها العظيم- طائفة من أبرز علماء الاجتماع والطبيعة على مر العصور، الخوارزمي، البيروني، ابن النفيس، ابن خلدون، ابن الهيثم، وغيرهم من الرواد في شتى مجالات العلوم الطبيعية في الرياضيات والجبر، في الهندسة والميكانيكا، في الفلك والجغرافيا، في الطب والكيمياء، في النبات والتشريح وغيرها من العلوم حتى انبهرت أوروبا من تقدم المسلمين في هذه العلوم، فكانت تبعث بطلابها من إيطاليا وإنجلترا وفرنسا يأتون إلى المسلمين في قرطبة وطليطلة في الأندلس وإلى القيروان وفاس في المغرب العربي يتعلمون اللغة العربية حتى يفهموا سر تلك العلوم المبهرة .

 

ذلك التقدم المذهل الذي برع فيه المسلمون حتى ينقلوه إلى ديارهم جاءوا إليه من كل مكان، نحن المسلمين نفخر بأن لنا إنجازات عظيمة في هذه المجالات العلمية على البشرية قاطبة .

 

طيب ما هو موقف الغرب فيما بعد من هذه الإنجازات التي طالما استفاد منها وبنى عليها نهضته الصناعية، وبنى عليها هذه الحضارة العلمية؟ النكران والتجاهل التام والطمس التام؛ حسدًا من جهة، ومن جهة أخرى يريدون إبقاء أجيالنا تابعة لهم منبهرة بهم، غافلة عن عراقة الحضارة الإسلامية العلمية التي ينتمون إليها، والتي كانت يوما ما أهلاً لتنوير وتطوير أوروبا..

 

يفعلون ذلك حتى تظل الأجيال المسلمة في يأس من النهوض والتفوق العلمي؛ ليعتقد أن دينه هو سبب تخلفه، حتى جاء في معجم ويبستر وصف العربي يقول فيه: "هو من سكن الجزيرة العربية من البدو الذين يرعون الإبل والشاة، ويتكلمون العربية وحدهم، الذين نشروا الإسلام بالقوة في آسيا وشمال إفريقيا والجنوب الشرقي من أوروبا وفي الوقت الحاضر كان للنفوذ الغربي أثر في تعديل قيمهم وتحضرهم"، هكذا باختصار هم العرب.

 

ولم ينصف تاريخ الحضارة الإسلامية في هذا الجانب إلا قلائل، أما السواد الأعظم من الغربيين فهم أهل غل وحسد، هذا الوعي مهم جدًّا في معرفة حقيقة الصراع بين الحق والباطل.

 

وللحديث صلة إن شاء الله..

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..

 

 

 

المرفقات

بين الحق والباطل1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات