عناصر الخطبة
1/ تأملات في ذكر لفظة الصخرة في القرآن والسنة 2/ هل لقمان نبي أم عبد صالح؟ 3/ دروس وعبر من صخرة الخندق 4/ تعامل المسلمين مع صخرة بيت المقدس.اقتباس
اعلموا عباد الله أن مفردة الصخرة مفردة حاضرة في كتاب الله في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تاريخ هذه الأمة الإسلامية المجيد. فأما في كتاب الله -جل وعلا-؛ فإن الله ذكرها على صيغة الجمع في قوم صالح نبيه قال الله -عز وجل- (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ)....
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله بلَّغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته؛ نبي سلم الحجر عليه، ونبع الماء من بين أصبعيه، فصلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه. اللهم وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اتبع أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن خشية الله وتقواه موصلة إلى رحمته ورضاه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1- 2].
ثم اعلموا عباد الله أن مفردة الصخرة مفردة حاضرة في كتاب الله في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تاريخ هذه الأمة الإسلامية المجيد.
فأما في كتاب الله -جل وعلا-؛ فإن الله ذكرها على صيغة الجمع في قوم صالح نبيه قال الله -عز وجل- (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) [الفجر:9].
وما زالت ديارهم باقية إلى اليوم تدل على ما كانوا عليه؛ إلا أن الله -عز وجل- لم يجعل لهم بقية، وهذا ما يسمى في عرف الشرع بعذاب الاستئصال -أعاذنا الله وإياكم منه- قال الله -عز وجل- عن قوم عاد: (فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ) [الحاقة: 8].
وجاءت مفردة الصخرة في خبر الكريم موسى بن عمران -عليه السلام- مع ذلك العبد الصالح ومع فتاه قال: (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)[الكهف:63].
فذكر الله -عز وجل- أن موسى سأل غلامه غداءه، وكان الله -عز وجل- قد أمر موسى أن يحمل حوتًا في مكتل؛ فحيث ما فقَد الحوت فثمَّ الخَضِر، ثمَّ العبد الصالح.
ثم جاءت لفظة الصخرة في خبر العبد الصالح لقمان، وقد اختلف العلماء في نبوته من عدمه، والأظهر -والعلم عند الله- أنه كان رجل من عباد الله الصالحين؛ إذ إن الله -عز وجل- ذكر في تلك السورة الكريمة المسماة باسم ذلكم العبد الصالح سورة لقمان؛ ذكر الله -عز وجل- فضله عليه بأن آتاه الحكمة، وذكر -عز وجل- ما كان من وصاياه لابنه، ومن ضمنها قول الله -تبارك اسمه وجل ثنائه-: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان:16].
وللعلماء -رحمهم الله- أقوال في تفسير معنى الآية، فبعضهم يرى أن الآية تتحدث عن الرزق، وأن رزقك لو كان في صخرة صماء أو منتشرًا في الأرض بعيدًا عنك أو حتى معلقًا في السماء؛ فإن الله -عز وجل- يسوقه إليك.
وهذا لا خلاف فيه، لكن الاختلاف هل الآية ترنو إلى هذا أو غير ذلك، وإلا فإن أحدًا لن يموت حتى يستكمل رزقه.
وقال بعض العلماء: إن المراد بقول الله تعالى: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ) أي: إن كانت الحسنة التي تعملها أو السيئة التي تعملها تكن يسيرة قليلة جدًّا قد انتشرت في الأرض أو ذهبت في السماء، أو كانت مخفية في تضاعيف صخرة؛ فإن الله يأتي بها، فإن كانت حسنة أثابك عليها، وإن كانت سيئة عاقَبَك عليها، إلا أن يتولاك ربك بالمغفرة.
والأظهر -والعلم عند الله- أن الآية عامة في هذين وفي غيرهما، والمراد منها إظهار قدرة الله -عز وجل-، وأنه تبارك اسمه -وجل ثناؤه- أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان:16].
بعض أهل الفضل استلَّ من معنى هذه الآية أبياتًا ذكر فيها تضرُّعه إلى ربه وسؤاله الله -عز وجل- أن يمُنَّ عليه بالتوبة، فقال في أبيات تمتلئ حكمة:
يا مَنْ يَرى مَدّ البعوض جناحها *** في ظلمةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ
ويرى مناط عروقها في نحرها *** والمخّ من تلك العظام النحّلِ
امنُنْ عليَّ بتوبةٍ تمحو بها *** ما كانَ مني في الزمان الأول
اللهم إنا نسألك في هذه الدنيا العافية والستر، اللهم إنا نسألك في هذه الدنيا العافية والستر، اللهم إنا نسألك في هذه الدنيا العافية والستر، اللهم إنا نسألك في الآخرة جنة عرضها السماوات والأرض.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد:
وكذلك مفردة الصخرة حاضرة في سيرة نبينا -صلوات الله وسلامه عليه-؛ فإنَّ النبي قبل مشورة سلمان فارس -رضي الله عنه-، وأمر الأصحاب يوم الأحزاب أن يحفروا خندقًا، فحفروه فعرضت لهم صخرة لا يمضي فيها المعول، فقدم -صلى الله عليه وسلم- ونزع عليه السلام رداءه ووضعه ناحية الخندق.
ثم أخذ المعول وتلا قول الله -عز وجل- (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنعام:115]، فضرب المعول فسقط ثلث الصخرة، فقال عليه الصلاة والسلام: "الله أكبر لقد أُعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا".
ثم تلا الآية مرة أخرى (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنعام:115]، وضرب المعول فسقط الثلث الثاني من الصخرة، فقال عليه الصلاة والسلام: "لقد أعطيت مفاتيح فارس، لقد أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن الأبيض من مكاني هذا".
ثم تلا الآية مرة ثالثة، وضرب الصخرة فسقط ثلثها الباقي، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر لقد أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا".
ولم يمضِ أكثر من ربع قرن إلا وتحقق كل ما رآه صلوات الله وسلامه عليه.
الصخرة حاضرة في تاريخنا يوم أن دخل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- بيت المقدس، وقد فُتحت القدس صلحًا في زمن خلافته عام 16 من هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي: بعد أربعة أعوام إلا قليلاً من خلافته -رضي الله عنه-.
فلما دخل المسجد الأقصى رأى الصخرة التي تعظّمها يهود وقد جعلت النصارى عليها من فضل طعامهم وأزوادهم ونفايتهم، فأخذ -رضي الله عنه وأرضاه- رداءه فمسح ما على الصخرة، فرأى المسلمون صنيع أمير المؤمنين فتبعوه على ما صنع حتى طهَّرها من كل ما كان عليها مما وضعته النصارى من أذى؟
وكانت النصارى إذا علت على أمر القدس في زمنهم يهينون اليهود، واليهود إذا علت يهينون النصارى، وهكذا يتداولون الأمر بينهم، فلما دخل أمير المؤمنين لم يتعرض لكنسية النصارى، ولم يتعرض لصخرة اليهود، والمشهور عندهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقال هذا حتى في التاريخ الإسلامي عرج به -صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات العلى من تلك الصخرة، والعلم عند الله.
ثم إنه -رضي الله عنه وأرضاه- تقدم حتى أتى قبلة المسجد وصلى فيه في المحراب المتقدم من المسجد الأقصى اليوم.
قال شوقي -رحمه الله- يتذكر ما كان من معراج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تلك البقاع الطاهرة:
أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ *** وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِم *** كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ
صَلّى وَراءَكَ مِنهُم كُلُّ ذي خَطَرٍ *** وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللَهِ يَأتَمِمِ
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِم *** عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ *** لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها *** عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ *** وَقُدرَةُ اللَهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ
اللهم ارزقنا صلاة في المسجد الأقصى قبل الممات.. اللهم ارزقنا صلاة في المسجد الأقصى قبل الممات.. اللهم ارزقنا صلاة في المسجد الأقصى قبل الممات..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم