د. نهى عدنان قاطرجي
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت أسير منذ بضعة أشهر في اروقة "معرض بيروت الدولي للكتاب" ، حين استوقفني أحد الأجنحة الفارغة من الكتب، فتوقفت أقرأ الإعلانات المعروضة في هذا الجناح، والتي تحمل عنوانا عريضا واحدا " انا مثلي" ... بقيت هذه العبارة تتردد مرات ومرات في ذهني بشكل تلقائي ودون أن استوعب معانيها، فجأة مدّت الفتاة المسؤولة عن الجناح يدها لتعطيني وريقات تعريف بمحتويات الجناح، عندئذ انتفضت بسرعة وكأن حية لسعتني، وقلت للفتاة بشكل عفوي وغاضب "الموضوع لا يهمني على الاطلاق" . فما كان من الفتاة إلا أن أخذت الورقة ووضعتها في مكانها بشكل لا مبالي وكأنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيه مثل هذا الموقف ...
بقيت هذه الحادثة عالقة في خاطري ، إلى ان لفت انتباهي أحد الاعلانات لبرنامج" لا يمل" التلفازي المشهور، والذي يجسد في أحد لقطاته شخصيتي اثنين من مثليي الجنس، يتحاوران باسلوب ماجن، فاجر، ساقط، ينم عن المستوى الهابط لبعض البرامج التلفازية التي تدعي أنها تضحك الناس وترفه عنهم، بينما هي في الحقيقة تؤسس - بوعي أو بغير وعي- لقبول بعض التصرفات الشاذة التي لا يقبلها دين ولا شرع ...
خبر آخر استوقفني ، وهو ذلك الذي نشرته صحيفة الوطن السعودية في عددها الصادر في 24_ 12_ 2008م. ، ومفاده أن "قاضيا كويتياً وافق على تزويج فتاتين احداهما من جنسية عربية في سابقة تشهدها البلاد لأول مرة " .
إن وجود الشذوذ الجنسي في المجتمعات العربية والإسلامية أمر ليس بالجديد ربما، وكتب التاريخ تتقل بعض القصص التي حدثت قديما، ولكن الجديد في الأمر هو اتجاه بعض الناس إلى الدفاع عن هذا الشذوذ، والترويج له، والدعوة إليه، والقبول به، كأمر طبيعي لا دخل للإنسان في إيجاده أو دفعه ... ومما شجع على انتشار هذه الظاهرة أمور عدة :
1- الدعم الدولي للشاذين والشاذات، وهذا الدعم قد يكون معنوياً أو مادياً، ويأتي الدعم المعنوي عبر اضفاء الصبغة القانونية على هذا النوع من الشذوذ . ويتولى هذا الأمر المؤتمرات الدولية التي تشرع هذا العمل وعلى رأسها مؤتمر بكين 95 وتفرعاته الذي يدعم حرية الشذوذ بحجة حرية المرأة والمساواة في الجندر بمعنى إلغاء كل الفوارق بين الرجل والمرأة . كما يأتي أيضاً عن طريق المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية التي "شطبت الشذوذ الجنسي كمرض نفسي عقلي ليصير عملا سويا لا ضرر فيه" .
اما الدعم المادي فيأتي عن طريق التمويل المالي الذي تقدمه بعض المنظمات والجهات المانحة للجمعيات التي تمثل الشاذين ، ومن بين هذه المنظمات: البنك الدولي الذي قدم" مساعدة مالية للمنظمة التركية الوحيدة التي يتجمع تحت لوائها الشاذون الأتراك وهي "كاووس ج.ل." في أكتوبر/تشرين الأول 2005 لتنظيم ورشات تتدارس مشاكلهم في تركيا ". ومن الجهات الداعمة الولايات المتحدة الأميركية التي ذكر موقع " حماسنا " على الشبكة العنكبوتية أنها تقدم دعماً ماديا كبيرا للشواذ في العالم العربي . وكذلك أعلن الموقع نفسه أن هناك علاقة بين اسرائيل وعدد من الجمعيات العربية، وأن مواقع الشذوز تدار من " تل أبيب" .
2- انشاء الجمعيات التي تدعو إلى هذا الشذوذ وتنشره ، وأولى هذه الجمعيات التي أنشئت في لبنان عام 2006 م. جمعية " حلم"، التي استحصلت على رخصة قانونية لها من الدولة اللبنانية ، وهي تمارس نشاطها بشكل عادي ، كما أنها تقوم بأنشطة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام ، وهي تسعى لخلق جماعات صديقة كما يقول مؤسسها ورئيسها " جورج قزي" .
أن هذه الجمعية ليست الوحيدة في هذا المجال في لبنان ، فللأسف ، هناك جمعية أخرى خاصة بالشاذات، ولديها مجلة الكترونية ومدونة خاصة تصدر عنها، وهي تهدف كما تقول عن نفسها إلى إلغاء " الوصم والتمييز اللاحق بالنساء بسبب ميولهن الجنسية " .
3- الدعم الإعلامي لهذا النوع من الشذوذ فإضافة إلى بعض البرامج الماجنة التي تتعرض لهذا الموضوع بشكل ساخر، تظهر بعض البرامج الحوارية -التي تعتبر نفسها جادة- وتستضيف الشاذين في برامجها وتحاورهم وتدافع عنهم وتستضيف الباحثين الذين يبررون هذه تصرفاتهم ويدعون إلى تقبلهم كفئة من المجتمع لها حقوق وعليها واجبات ...
هذا ويأتي الدعم الاعلامي للشذوذ ايضاً عن طريق بعض الأفلام السينمائية العربية التي تسعى إلى تجسيد هذه الظاهرة في سابقة خطيرة لم تكن معروفة ، بل وكانت مستنكرة ، وقد حاول أحد هذه الأفلام تقديم صورة الشاذ على أنه ضحية للمجتمع .
إن خطورة الشذوذ الجنسي لا يكمن في وجوده بالدرجة الأولى، ولكن خطورته تكمن في محاولة نقل التجربة الغربية إلى المجتمعات العربية، والسعي لإسقاطها على مجتمعاتنا كما هي ، والدعوة إلى شرعنتها من الناحية الفقهية والقانونية، متناسين نتائج انتشار هذه الظاهرة في الدول الغربية والآثار السلبية الخطيرة التي تركتها على المجتمعات هناك، ومن بينها التفكك الأسري، والانحرافات الأخلاقية، والأمراض الجديدة التي لم تعرف سابقا، وعلى رأسها مرض الإيدز الذي يقتل سنويا حوالي ربع مليون شخص وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية ...
من هنا فإن الواجب على المسلمين وغير المسلمين التكاتف والعمل يد واحدة من أجل محاربة هذا الشذوذ بشتى الوسائل الفردية والجماعية، ومن هذه الوسائل: السعي لسحب التراخيص عن مثل هذه الجمعيات ومحاربتها وكشف سوءاتها للمجتمع ... ومنها أيضا استصدار القوانين والتشريعات التي تحرم هذه الظاهرة وتفرض العقوبة الشديدة والمغلظة عليها ، خاصة في حال الجهر بها والمباهاة بها.
يقول المفتي الجوزو في الشذوذ الجنسي انها جريمة " أشد خطرا من جريمة الزنا -على قبحها- لأن الشذوذ محرم عقلاً وطبعاً وشرعاً، وحرمته لا تزول أبداً، ولذلك فكل من يبيحه يعتبر مرتداً عن شريعة الله، واقعاً في حد من أخطر حدوده" . ويؤكد المفتي الجوزو أن هذا الفعل ليس مرضاً، بل هو اختيار سلوكي، "ومن هنا فالتعاطف مع هؤلاء مرفوض مطلقا". و يؤكد هذا الكلام بعض علماء النفس الذين يقولون " إن المثلية الجنسية ليست مرضاً أو تشويهاً وإنما حالة يمكن علاجها في حال ......... وُجدت الرغبة في المعالجة" .
أما في حال الإصرار على هذه الجريمة فإن الحكم الشرعي في هذا الفعل يتراوح بين تطبيق حد الزنا على فاعله والذي هو الرجم في حال الإحصان (الزواج) والجلد في حال عدم الإحصان عند البعض ، وبين القتل للفاعل والمفعول به لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به).
إن شدة العقوبة التي فرضها الإسلام على هذا الفعل لهو أكبر دليل على أن هذا الفعل هو مخالف للفطرة الإنسانية التي تحصر العلاقة الجنسية في إطار الزواج الشرعي الذي يتم بين المرأة والرجل، فمن أخل بهذه القاعدة يكون مخالفا للفطرة الإنسانية .
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم