عناصر الخطبة
1/خطورة الخمر والمخدرات 2/قصة وعبرة 3/وجوب الحفاظ على نعمة العقل 4/أخطر أنواع المخدرات المستحدثة 5/أربع رسائل لمن يعنيهم الأمر.اقتباس
تجعلُ مدمنَها أسيرًا لها، وَجُرْعَةٌ وَاحِدَةٌ تَكْفِي لِجَعَلِ مُتَعَاطِيهَا غَارِقًا فِي الإِدْمَانِ، ثم تُجرّؤوهُ على أشنعِ الجرائمِ، وتُسهِّلُ عليه قتلَ النفسِ، وهتكَ الأستارِ، وتُهونُ عليه انتهاكَ المحارمِ، فهي سلابةُ النعمِ، وجلابةُ النقمِ....
الخُطْبَة الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].
أما بعدُ: فهل سمعتم بقصةِ ذلك المجرمِ الذي فعلَ ثلاثَ جرائمَ شنيعةً في وقتٍ واحدٍ، قتلَ وزنَى وشربَ فأجرمَ. إذًا فاستمعوا لهذه القصةِ البليغةِ:
عَنْ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلاَ قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ. فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا، فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ، عِنْدَهَا غُلاَمٌ وَخَمْر، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلاَمَ. فَإِنْ أَبَيْتَ صِحْتُ بِكَ وَفَضَحْتُكَ.
فَلَمَّا رَأَى أنه لا بد مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا. فَسَقَتْهُ كَأْسًا، قَالَ: زِيدُونِي! فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ؛ فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ؛ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، وإِنَّهَا وَاللَّهِ لاَ يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلاَّ لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ (سنن النسائي 5666 وصحيح ابن حبان 5348).
إنه العقلُ إذا غابَ غابت معه كلُ مكرمةٍ، وحضرت كل مُهلكةٍ. وقد اخترعَ شياطينُ الإنسِ وأعداءُ المسلمين نوعًا هو أخطرُ من الخمرِ وسائرِ المخدراتِ، فلئن كانت الخمرُ أمَّ الخبائثِ فإن الشبوَ أبوُها، والشبوُ أدهى وأمرُّ. وهو مَادَّةٌ شَبِيهَةٌ بِالزُّجَاجِ، تُؤْخَذ كَمَسْحُوقٍ عَنْ طَرِيقِ الشَّمِّ، أَوْ عَنْ طَرِيقِ التَّدْخِينِ.
ذلك أنها تجعلُ مدمنَها أسيرًا لها، وَجُرْعَةٌ وَاحِدَةٌ تَكْفِي لِجَعَلِ مُتَعَاطِيهَا غَارِقًا فِي الإِدْمَانِ، ثم تُجرّؤوهُ على أشنعِ الجرائمِ، وتُسهِّلُ عليه قتلَ النفسِ، وهتكَ الأستارِ، وتُهونُ عليه انتهاكَ المحارمِ، فهي سلابةُ النعمِ، وجلابةُ النقمِ.
والحملةُ الحازمةُ في بلادِنا هذه الأيامِ حربًا على المخدراتِ حملةٌ مسددةٌ، وضربةٌ قاسيةٌ على المجرمينَ في بلادِ الحرمينِ، فجزى اللهُ مليكَنا ووليَ عهدِه ووزيرَ الداخليةِ على هذه الضربةِ الحديديةِ التي ستتلوها ضرباتٌ ماحقاتٌ لدابرِ الشرِ.
ولأجل المساهمةِ في قمعِ دابرِ شرِ المخدراتِ والمسكراتِ بأنواعِها؛ فإليكم أربعَ رسائلَ لمن يعنيهم الأمرُ:
وأولُ هذه الرسائلِ: إلى المرابطينَ المخلصينَ والمبلغينَ، لمحاربةِ هذه السمومِ، من رجالِ الأمنِ والحدودِ والجماركِ، والأطباءِ والجمعياتِ الخيريةِ لمعالجةِ المدمنين؛ فكلهم يتلقَّون عنتًا وعناءً، وإنهم يستحقونَ منا ثناءً ودعاءً، وليُبشروا بهذه البشارةِ من الشيخِ ابن بازِ -رحمه اللهُ-، حيث يقولُ: "مكافحةُ المسكراتِ والمخدراتِ من أعظمِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ.. ومن أعانَ على فضحِ هذهِ الأوكارِ، وبيانِها للمسؤولينَ فهو مأجورٌ، ويُعتبرُ مجاهداً في سبيلِ الحقِ"(مجموع فتاوى ابن باز: 4/ 410).
الرسالةُ الثانيةُ: إلى الآباءِ والأولياءِ الذين استرعاهمُ اللهُ شباباً تتخطفهم فتنٌ وشهواتٌ: فليعلموا أن أخطرَ العواملِ المؤديةِ إلى تعاطي الشبابِ للخمورِ أو المخدراتِ: نقصُ التربيةِ الصحيحةِ مِن قِبَل الوالدينِ، إما بالقسوةِ، أو بالتدليلِ الزائدِ، أو انشغالِ الوالدينِ، وغيابِهما عن معرفةِ أحوالِ أولادِهما، وقلةِ الجلوسِ إليهم، وتلمُّسِ معاناتِهم، فيبقون نهباً للفراغِ القاتلِ، وللرفقةِ الفاسدةِ، فكم جرُّوا وجرّؤوا.
ألا فلتصاحِبوا أولادَكم، ولتُراقبوُهم بحذرٍ وشفقةٍ لا بشكٍّ وريبةٍ. ولا تتّكلُوا على حولِكم وقوتِكم، وعلى خبرتِكم وتربيتِكم، فالحافظُ هو اللهُ، والمُثبِّتُ هو اللهُ، فأكثروا من الدعاءِ لأولادِكم بأن يحفظَ عليهم دينَهم وعقولَهم.
الرسالةُ الثالثةُ: إلى الشبابِ عموماً! فاحذرُوا واعلمُوا أن شياطينَ الإنسِ، وجلساءَ السوءِ يتفننونَ في أن يوقعوكُم في دركاتٍ مهلكاتٍ، بدءًا من التدخينِ والشيشةِ، ثم الحبوبِ المنبهةِ، ثم في عالمٍ اسمُه الإدمانُ. ويُوهمُونه أنها تُنسِي متعاطيَها الهمومَ والمشكلاتِ، وهذا أولُ الأوهامِ الكاذبةِ.
(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة91].
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ، والعاقبةُ للمتقينَ.
أما بعدُ: فأما رابعُ الرسائلِ: فهي لمن وقعَ في شِراكِ المسكراتِ والمخدراتِ تعاطيًا أو بيعًا، فإليكموها دامعةً داميةً، في رسالةٍ حقيقيةٍ لا خياليةٍ، كتبَها مدمنٌ تائبٌ، يُخاطبُ فيها أُمَّه وهو يذوقُ الحسراتِ بعدَ وفاتِها، فيقولُ: "أميَ الغاليةَ: أسفي لكِ وأنتِ تحت الثرى، بألا تسمعي كلماتي.. فماذا عسايَ أن أقولَ لكِ؟! وأنا الذي أرغمتُكِ على الخروجِ من المنزلِ في ليلةٍ شديدةِ البردِ إلى الشارعِ، وأنا تحتَ تأثيرِ المخدرِ. فسامحيني يا أمي. ولكن لتعلمي بأن حياتي قد تغيرت.. ودخولي المسجدَ هو الخطوةُ الأولى للعودةِ. رحمكِ اللهُ يا أمي" (المصدر مجلة شهد للفتيات- العدد 12).
فاللهم يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ! احفظنا وأولادَنا وشباب وفتيات المسلمينَ من الفسادِ والمفسدين. وافضح واهدِ المتورطين، واشفِ المتعاطين، وردهم للصوابِ.
اللهم احفظْ دينَنا وعقولَنا، وبلادَنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودَنا. اللهم احفظ ووفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم