الشباب بين خطط الأعداء وسبل التحصين

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-02-09 - 1443/07/08 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ ثروة الشباب 2/خطط الأعداء في إفساد الشباب وأهدافهم 3/سبل مواجهة خطط الأعداء وحماية الشباب منها 4/خطورة إهمال الشباب ونتائجه 5/نماذج من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم والسلف بالشباب.

اقتباس

إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْتَثْمِرُ فِي أَمْوَالِهِ فَيُنَمِّيهَا، لَكِنَّ خَيْرَ اسْتِثْمَارٍ تَسْتَثْمِرُهُ إِنَّمَا هُوَ فِي أَوْلَادِكَ؛ تُحْسِنُ تَرْبِيَتَهُمْ فَيَنْشَئُونَ شَبَابًا مُنْتَمِيًا لِلْإِسْلَامِ قَلْبًا وَقَالِبًا، بَصِيرًا بِمَكَائِدِ أَعْدَائِهِ مُدْرِكًا لِحِيَلِهِمْ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مَنْ يَحْيَا فِي سِنِّ الشَّبَابِ إِنَّمَا يَعِيشُ أَجْمَلَ فَتَرَاتِ عُمْرِهِ؛ قُوَّةً وَصِحَّةً وَعَافِيَةً، إِقْبَالًا وَجِدًّا وَفُتُوَّةً، فَرَاغًا وَذَكَاءً وَصَفَاءً... إِنَّهُ سِنُّ التَّحَدِّي وَالْإِنْجَازَاتِ، سِنُّ التَّفَتُّحِ وَالتَّطَوُّرِ، فَهَنِيئًا لِمَنِ اغْتَنَمَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ: "وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَيَا تَعَاسَةَ مَنْ تَعَدَّى وَظَلَمَ فِيهِ نَفْسَهُ!

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الشَّبَابَ ثَرْوَةٌ ثَمِينَةٌ لَا يُفَرِّطُ فِيهَا عَاقِلٌ، لِذَا تَجِدُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنَبِّهُنَا إِلَى ضَرُورَةِ اغْتِنَامِهَا قَائِلًا: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ" فَأَوَّلُهَا: "شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَالشَّبَابُ هُوَ مَرْحَلَةُ الْقُوَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ -تَعَالَى- فِي قُرْآنِهِ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)[الرُّومِ: 54].

 

وَمِنْ تَمَامِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلُوهَا شَبَابًا، وَأَنْ يَدُومَ هَذَا الشَّبَابُ وَلَا يَتَغَيَّرُ؛ فَقَدْ قَالَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَكَمْ تَنَدَّمَ وَتَحَسَّرَ الْكُهُولُ وَالشُّيُوخُ عَلَى سِنِي الشَّبَابِ الَّتِي وَلَّتْ وَلَنْ تَعُودَ، مِنْ هَؤُلَاءِ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ الَّذِي يَقُولُ:

بَكَيْتُ عَلَى الشّبَابِ بِدَمْعِ عَيْنِي *** فَلَمْ يُغْنِ الْبُكَاءُ وَلَا النَّحِيبُ

فَيَا لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْمًا *** فَأُخْبِرُهُ بِمَا صَنَعَ الْمَشِيبُ

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ أَدْرَكَ أَعْدَاؤُنَا الَّذِينَ يُرِيدُونَ هَدْمَ أُمَّتِنَا أَنَّهُمْ لَنْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ إِلَّا إِذَا دَمَّرُوا شَبَابَنَا، لِذَا وَضَعُوا الْخُطَطَ الْخَبِيثَةَ لِإِفْسَادِهِمْ، وَدَارَتْ خُطَطُهُمْ هَذِهِ عَلَى مِحْوَرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: تَشْكِيكُ الشَّبَابِ فِي الثَّوَابِتِ؛ فَيُشَكِّكُونَهُمْ فِي نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَفِي نَقَلَةِ الْوَحْيِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَفِي صَلَاحِيَّةِ هَذَا الدِّينِ لِعَصْرِنَا... وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مَكْرٌ وَحِيَلٌ خَبِيثَةٌ: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)[إِبْرَاهِيمَ:46]، وَمَا مَوْجَاتُ الْإِلْحَادِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الشَّبَابُ عَنَّا بِبَعِيدٍ.

 

أَمَّا مِحْوَرُهَا الثَّانِي فَهُوَ: إِلْهَاءُ الشَّبَابِ بِالتَّوَافِهِ؛ فَشَغَلُوهُمْ بِالشَّهَوَاتِ: فَبَثُّوا الْقَنَوَاتِ وَالْمَوَاقِعَ الْإِبَاحِيَّةَ؛ يُثِيرُونَ بِهَا الرَّغَبَاتِ وَالْغَرَائِزَ لَدَى الشَّبَابِ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ شُيُوعَ الْفَوَاحِشِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)[النِّسَاءِ: 27]؛ فَالشَّابُّ إِذَا اتَّبَعَ شَهْوَتَهُ صَارَ أَسِيرًا لَهَا؛ فَإِنَّ "الْأَسِيرَ هُوَ أَسِيرُ شَهْوَتِهِ وَهَوَاهُ... وَمَتَى أَسَرَتِ الشَّهْوَةُ وَالْهَوَى الْقَلْبَ تَمَكَّنَ مِنْهُ عَدُوُّهُ وَسَامَهُ سُوءَ الْعَذَابِ"(رَوْضَةُ الْمُحِبِّينَ، لِابْنِ الْقَيِّمِ).

 

وَشَغَلُوهُمْ بِالْمَوْضَاتِ: الَّتِي أَصْلُهَا الْعُرْيُ لِلْفَتَيَاتِ، وَالتَّشَبُّهُ بِالنِّسَاءِ لِلْفِتْيَانِ، حَتَّى جَعَلُوا هَمَّ أَغْلَبِ الشَّبَابِ مُتَابَعَةَ الْمُوضَةِ وَمُسَايَرَتَهَا مَهْمَا كَانَتْ شَاذَّةً وَمُخَالِفَةً لِلدِّينِ وَلِلْعَقْلِ، وَهَا هُوَ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ يَنْعِي عَلَى الْفَتَيَاتِ ذَلِكَ:

قُلْ لِلْجَمِيلَةِ أَرْسَلَتْ أَظْفَارَهَا *** إِنِّي لِخَوْفٍ كِدْتُ أَمْضِي هَارِبَا

إِنَّ الْمَخَالِبَ لِلْوُحُوشِ تَخَالُهَا *** فَمَتَى عَرَفْنَا لِلظِّبَاءِ مَخَالِبَا

بِالْأَمْسِ أَنْتِ قَصَصْتِ شَعْرَكِ غِيلَةً *** وَأَزَحْتِ عَنْ وَضْعِ الطّبِيعَةِ حَاجِبَا

وَغَدًا نَرَاكِ نَقَلْتِ ثَغْرَكِ لِلْقَفَا *** وَأَزَحْتِ أَنْفَكِ رَغْمَ أَنْفِكَ جَانِبَا

 

وَشَغَلُوهُمْ بِالْأَفْلَامِ وَالْمُسَلْسَلَاتِ وَالْبَرَامِجِ التَّافِهَةِ: فَصَارَتْ جُلُّ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْمَقْرُوءَةِ وَالْمَسْمُوعَةِ وَالْمَرْئِيَّةِ مَشْحُونَةً بِالْمُلْهِيَاتِ لِكُلِّ فِئَاتِ الْمُجْتَمَعِ مِنَ الْأَطْفَالِ حَتَّى الشُّيُوخِ، لَكِنَّ أَغْلَبَهَا مُوَجَّهٌ -بِصِفَةٍ أَسَاسِيَّةٍ- لِلشَّبَابِ.

 

وَشَغَلُوهُمْ بِكُرَةِ الْقَدَمِ: الَّتِي صَارَتْ -بِلَا مُبَالَغَةٍ- أَهَمَّ أَحْدَاثِ الْأَرْضِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا الشَّبَابَ! وَصَدَقَ ابْنُ السَّمَّاكِ: "هِمَّةُ الْعَاقِلِ فِي النَّجَاةِ وَالْهَرَبِ، وَهِمَّةُ الْأَحْمَقِ فِي اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ".

 

فَهُمْ يُحَاوِلُونَ شَغْلَ الشَّبَابِ بِهَذَا لِيُلْهُوهُمْ عَنْ سِرِّ نَهْضَتِهِ وَحَضَارَتِهِ؛ عَنْ دِينِهِ وَقُرْآنِهِ، يَصْنَعُونَ ذَلِكَ عِيَانًا جِهَارًا نَهَارًا بِلَا اسْتِحْيَاءٍ وَلَا تَخَفٍّ!

أُمُورٌ يَضْحَكُ السُّفَهَاءُ مِنْهَا *** وَيَبْكِي مِنْ عَوَاقِبِهَا اللّبِيبُ

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ نَقِفَ مَكْتُوفِي الْأَيْدِي أَمَامَ ذَلِكَ الْكَيْدِ الَّذِي يُدَبَّرُ لِشَبَابِنَا، وَتَتَمَثَّلُ سُبُلُ مُوَاجَهَةِ خُطَطِ الْأَعْدَاءِ وَحِمَايَةِ الشَّبَابِ مِنْهَا فِي الْخُطُوَاتِ التَّالِيَةِ:

أَوَّلًا: تَحْصِينُ الشَّبَابِ بِالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ ضِدَّ التَّيَّارَاتِ الْفَاسِدَةِ؛ فَقَدْ قَالَ الْجَلِيلُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التَّحْرِيمِ: 6]، وَإِنَّ هَذَا التَّحْصِينَ لِلشَّبَابِ وِقَايَةٌ لَهُمْ مِنَ النَّارِ ثُمَّ مِنْ مَكْرِ أَعْدَائِهِمْ.

 

وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ شَبَابِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظُكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَبِالْإِيمَانِ ثُمَّ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ النَّافِعِ يُمَيِّزُ الشَّابُّ بَيْنَ الْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ فَيُنَجِّيهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الضَّلَالِ؛ (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)[الْبَقَرَةِ: 257].

 

ثَانِيًا: تَبْصِيرُهُمْ بِمُخَطَّطَاتِ الْأَعْدَاءِ وَمَا يُرِيدُونَهُ لَهُمْ؛ وَكَفَى بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مُبْصِرًا فَهُوَ الْقَائِلُ: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[الْبَقَرَةِ: 120]، وَالْقَائِلُ: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[النِّسَاءِ: 89]، وَالْقَائِلُ: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)[التَّوْبَةِ: 10].

 

ثَالِثًا: رَبْطُهُمْ بِمَاضِينَا الْمَجِيدِ؛ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، بِالْأَبْطَالِ وَالْفُتُوحَاتِ وَالِانْتِصَارَاتِ؛ كَيْ نُقَوِّيَ فِيهِمُ الِانْتِمَاءَ لِأُمَّتِهِمْ، وَنُقِيمَ لَهُمُ الْقُدْوَةَ وَالْأُسْوَةَ لِيَجِدُّوا السَّعْيَ لِيَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ، وَحَتَّى يَكُونَ لِسَانُ حَالِهِمْ:

تُرَى هَلْ يَرْجِعُ الْمَاضِي فَإِنِّي *** أَذُوبُ لِذَلِكَ الْمَاضِي حَنِينَا

 

وَحَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ تُهْمِلُوا شَبَابَكُمْ؛ فَإِنَّ لِذَلِكَ آثَارَهُ الْوَخِيمَةَ، وَمِنْهَا:

تَسَلُّطُ الْغَرْبِ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ: عَنْ طَرِيقِ غَزْوِ عُقُولِ الشَّبَابِ وَقُلُوبِهِمْ، بَلْ وَجَعْلِهِمْ أَدَاةً لِهَدْمِ دِينِهِمْ وَتُرَاثِهِمْ! فَيَصِيرُ مَصِيرُ أُمَّتِنَا بِأَيْدِي أَعْدَائِنَا! وَتَرَى مَاذَا يَفْعَلُونَ إِنْ تَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ؟ يُجِيبُ الْقُرْآنُ: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)[الْمُمْتَحَنَةِ: 2].

 

وَمِنْهَا: خُرُوجُ جِيلٍ مُتَمَيِّعٍ ضَائِعٍ؛ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، شَبَابٌ حَائِرٌ تَائِهٌ مُتَخَبِّطٌ مَشْغُولٌ بِالسَّفَاسِفِ! وَلَوْ أَنَّ هَذَا الشَّبَابَ اسْتَيْقَظَ وَأَصْلَحَ لَأَصْلَحَ اللَّهُ -تَعَالَى- لَهُ حَيَاتَهُ كُلَّهَا، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: "مَنْ مَلَكَ شَهْوَتَهُ فِي حَالِ شَبِيبَتِهِ أَعَزَّهُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي حَالِ كُهُولَتِهِ"(رَوْضَةُ الْمُحِبِّينَ، لِابْنِ الْقَيِّمِ).

 

وَمِنْهَا: انْتِشَارُ الْعُقُوقِ؛ لَيْسَ فَقَطْ عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ قَصَّرَا فِي تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ، بَلْ عُقُوقَ مُجْتَمَعِهِمْ كُلِّهِ، وَالتَّنَكُّرَ لِكُلِّ مَا هُوَ إِسْلَامِيٌّ، وَلَكَمْ رَأَيْنَا نَمَاذِجَ لِذَلِكَ لِأُنَاسٍ سَافَرُوا إِلَى الْغَرْبِ لِلدِّرَاسَةِ، دُونَ سَابِقِ تَحْصِينٍ بِالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ، فَعَادُوا أَعْدَاءً لِدِينِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ.

 

فَإِمَّا أَنْ يَتَيَقَّظَ شَبَابُنَا فَيَرْفَعُوا رَايَةَ أُمَّتِهِمْ عَالِيًا، وَإِمَّا أَنْ يَضِيعُوا وَتَضِيعَ مَعَهُمُ الْأُمَّةُ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُهْتَمًّا بِالشَّبَابِ غَايَةَ الِاهْتِمَامِ، فَهَا هُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْرِصُ عَلَى تَعْلِيمِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَا يَنْفَعُهُ، يَحْكِي مُعَاذٌ فَيَقُولُ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ"، فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَهَؤُلَاءِ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الشَّبَابِ قَدِمُوا عَلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُعَلِّمَهُمْ، وَاسْتَمَعَ إِلَى انْطِبَاعِهِمْ عَنْ مُعَامَلَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ، يَقُولُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا، أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا، سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَهَذِهِ شَابَّةٌ كَانَتْ فِي غَايَةِ الْقُرْبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ إِنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ الَّتِي تَحْكِي كَيْفَ كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُلَبِّي حَاجَاتِهَا النَّفْسِيَّةَ وَيَهْتَمُّ بِهَا، فَتَقُولُ: "وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْتَثْمِرُ فِي أَمْوَالِهِ فَيُنَمِّيهَا، لَكِنَّ خَيْرَ اسْتِثْمَارٍ تَسْتَثْمِرُهُ إِنَّمَا هُوَ فِي أَوْلَادِكَ؛ تُحْسِنُ تَرْبِيَتَهُمْ فَيَنْشَئُونَ شَبَابًا مُنْتَمِيًا لِلْإِسْلَامِ قَلْبًا وَقَالِبًا، بَصِيرًا بِمَكَائِدِ أَعْدَائِهِ مُدْرِكًا لِحِيَلِهِمْ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

الشباب بين خطط الأعداء وسبل التحصين.pdf

الشباب بين خطط الأعداء وسبل التحصين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات