عناصر الخطبة
1/كثرة حدوث السمنة في آخر الزمان 2/إحصاءات السمنة في العالم 3/أضرار السمنة 4/ علاج السمنة في السنة النبوية 5/من أسباب البركة في الأكل والشرب 6/ من هديه -صلى الله عليه وسلم- في الأكل والشرب 7/ الحث على الرياضة الروحية والحركية.اقتباس
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنَّ السمنة عاملٌ رئيسٌ لبعض أنواع مَرَضِ السرطان: سرطان الغشاء المبطن للرحم، وسرطان الثدي، وسرطان المبيض، وسرطان البروستاتا، وسرطان المرارة، وسرطان الكلى، وسرطان القولون، نسأل الله السلامة والعافية.
الخُطْبَة الأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عبدُه ورسولُه.
أمَّا بعد: فيا أيها الناسُ اتقوا الله -تعالى-، (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29].
واعلموا أنه قد تواترت الأحاديث عن نبيِّنا الصادقِ المصدوقِ -صلى الله عليه وسلم- بِحُدوثِ السمنة في آخرِ الزَّمَانِ؛ قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»... قالَ: "ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ، يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا"(رواه مسلم).
قال النووي: "السَّمَانَةُ بفَتْحِ السِّينِ هِيَ السِّمَن، قال جمهور العلماء في مَعنى هذا الحديثِ: الْمُرَادُ بالسِّمَنِ هُنَا كَثْرَةُ اللَّحْمِ، ومعناهُ أنه يَكْثُرُ ذلكَ فيهم، وليسَ مَعناهُ أنْ يَتَمَحَّضُوا سِمَانًا، قالُوا والْمَذْمُومُ مِنْهُ مَنْ يَسْتَكْسِبُهُ، وأمَّا مَنْ هو فيهِ خِلْقَةً فلا يَدْخُلُ في هذا، والْمُتَكَسِّبُ لهُ هو الْمُتَوَسِّعُ في الْمَأْكُولِ والْمَشْرُوبِ زائِدًا على الْمُعْتَادِ". انتهى.
وقد نقلت مُنظمةُ الصحة العالمية أنَّ السمنة زادت في العالَم بأكثر مِن الضعفِ منذ عام 1980 ميلادي، وفي عام 2014 ميلادي كان أكثر من 1.9 مليار بالغ مِن سِنّ 18 عامًا فأكثر زائدي الوزن، وكان أكثر من (600) مليون منهم مُصابون بالسمنة.
وأُعْلِنَ خلال منتدى الرياض للسُّمْنةِ والذي أُقيمَ قبلَ ثلاثةِ أعوامٍ ملامسة نسبة السمنة في المملكة 40%، وأشارَ المشرفُ على كرسيِّ السمنة بجامعة الملك سعود إلى أنَّ نحو 47 مَرَضًا سَبَبُها الرئيس: السمنة، وأنَّ حجمَ الإنفاقِ على عمليات السمنة ومُضاعفاتها في المملكة يَصِلُ سنويًا إلى 19 مليار ريال، ويَمُوتُ سنويًّا نحو عشرين ألف مواطن.
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنَّ السمنة عاملٌ رئيسٌ لبعض أنواع مَرَضِ السرطان: سرطان الغشاء المبطن للرحم، وسرطان الثدي، وسرطان المبيض، وسرطان البروستاتا، وسرطان المرارة، وسرطان الكلى، وسرطان القولون، نسأل الله السلامة والعافية.
فَمَا هُوَ عِلاجُ السمنة في السُّنةِ النبويَّةِ؟
عبادَ اللهِ: لقد ذَمَّ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- مَن تَطَلَّبَ السمنة، رَأَى -صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا سَمِينًا، فجَعَلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُومِئُ إلى بَطْنِهِ بِيَدِهِ، ويَقُولُ: "لَوْ كانَ هذا في غَيْرِ هذا الْمَكَانِ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ"(رواه الإمام أحمد وجوَّد إسناده العراقي والبوصيري).
ولقد ذَمَّ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- الشِّبَعَ والإسرافَ في الأكلِ والشُّربِ، فقال: "مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وثُلُثٌ لِلنَّفَسِ"(رواه ابنُ ماجه وحسَّنه ابن حجر).
قال ابنُ رجبٍ مُعلِّقًا: "هذا الحديثُ أَصْلٌ جامِعٌ لأُصُولِ الطِّبِّ كُلِّهَا، وقدْ رُوِيَ أنَّ ابنَ مَاسَوَيْهِ الطَّبِيبَ لَمَّا قَرَأَ هذا الحديثَ في كِتَابِ أَبي خَيْثَمَةَ قالَ: لَوِ اسْتَعْمَلَ النَّاسُ هذهِ الْكَلِمَاتِ سَلِمُوا مِنَ الأَمْرَاضِ والأَسْقَامِ، ولَتَعَطَّلَتِ الْمَارِسْتَانَاتُ -المستشفيات- ودَكَاكِينُ الصَّيَادِلَةِ" انتهى.
وعن ابنِ عُمَرَ قالَ: تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِندَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ: "كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ؛ فإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا في الدُّنيا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ القِيَامَةِ"(رواه الترمذيُّ وحَسَّنه الألباني)، قال الْمُنَاوي: "والنَّهيُ عَنِ الْجُشَاءِ نهيٌ عن سَببهِ وهوَ الشِّبَع، وهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا وطِبًّا" انتهى.
وعنْ عائشةَ أنها قالتْ: "ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حَتَّى قُبِضَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-"(رواه مسلم).
ومِن هديه -صلى الله عليه وسلم- في علاج السمنة: الأخذ بأسباب بركة الطعام والشراب، ومنها: قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وكُلْ بِيَمِينِكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"(متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ ولا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا"(رواه مسلم).
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ طَعَامًا في سِتَّةِ نَفَرٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ سَمَّى باللهِ لَكَفَاكُمْ، فَإِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَسِيَ فَي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ"(رواه ابن حبان، وقال الألباني: صحيح لغيره).
ومِن أسباب البركة في الأكل والشرب: عدم الاتكاء؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا آكُلُ مُتَّكِئًا"(رواه البخاري).
قال ابن القيم: "وَقَدْ فُسِّرَ الاتِّكَاءُ بِالتَّرَبُّعِ، وَفُسِّرَ بالاتِّكَاءِ عَلَى الشَّيْءِ وهُوَ الاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وفُسِّرَ بِالاتِّكَاءِ عَلَى الْجَنْبِ" انتهى.
وأَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- شَاةً، فَجَثَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ؟ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا"(رواه ابن ماجه وحسَّنه ابن حجر).
وقال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مُقْعِيًا يَأْكُلُ تَمْرًا"(رواه مسلم). والإقعاء: أن يُلصق الرجلُ إليتيه بالأرض وينصب ساقيه.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده.
أما بعد: مِن هديه -صلى الله عليه وسلم- في الأكل والشرب: يَتَنَفَّسُ في الشَّرَابِ ثَلاثًا، ويَقُولُ: "إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ"(رواه مسلم).
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ: أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِثَرِيدٍ أَمَرَتْ بِهِ فَغُطِّيَ حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرَةُ دُخَانِهِ، وَتَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "هُوَ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ"(رواه الدارمي وصحَّحه الألباني).
وكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا.(رواه مسلم).
و"نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ"(رواه البخاري ومسلم)، و"زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا"(رواه مسلم).
ومن علاج السمنة في السُّنة النبوية: الحث على الرياضة الرُّوحية والحركية: قال ابنُ القيم: "وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَدْيَهُ -صلى الله عليه وسلم- في ذلكَ -أي في الرياضة - وَجَدْتَهُ أَكْمَلَ هَدْيٍ حَافِظٍ لِلصِّحَّةِ وَالْقُوَى، وَنَافِعٍ في الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ" انتهى.
ومنها: قيام الليل، والإكثار من الصيام: قال ابن القيم: "قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ أَنْفَعِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَمِنْ أَمْنَعِ الأُمُورِ لِكَثِيرٍ مِنَ الأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ، وَمِنْ أَنْشَطِ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ وَالْقَلْبِ، كَمَا في الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنْ هُوَ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ثَانِيَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ"، وفي الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ وَرِيَاضَةِ الْبَدَنِ والنَّفْسِ مَا لا يَدْفَعُهُ صَحِيحُ الْفِطْرَةِ" انتهى.
ومنها: حثُّه -صلى الله عليه وسلم- على الذهاب للمسجد ماشيًا: ومن هديه -صلى الله عليه وسلم- في مَشْيِهِ: "كَانَ إِذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا، لَيْسَ فِيهِ كَسَلٌ"(رواه الإمام أحمد وصححه محققو المسند)، وقال أبو هريرة: "وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ في مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، كَأَنَّمَا الأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا، وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ"(رواه الإمام أحمد وحسَّنه محققو المسند).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ"(رواه مسلم).
وقال: "مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا"(رواه ابن ماجه وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن السكن والألباني).
وصُعُودُهُ -صلى الله عليه وسلم- لِجَبَلِ أُحُدٍ (البخاري ومسلم)، وسَابَقَ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الْخَيْلِ (البخاري ومسلم).
قال ابن القيم: "فَعَلِمْتَ أَنَّ هَدْيَهُ فَوْقَ كُلِّ هَدْيٍ في طِبِّ الأَبْدَانِ وَالْقُلُوبِ، وحِفْظِ صِحَّتِهَا، وَدَفْعِ أَسْقَامِهِمَا، ولا مَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ قَدْ أَحْضَرَ رُشْدَهُ، وباللهِ التَّوْفِيقُ". انتهى.
"أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(متفق عليه)، فاحذر أخي المسلم مِن أنْ تُدخِلَ على مَن استرعاك الله أمرهم ما يَضُرُّهم مِن مَأْكَلٍ أو مَشْرَبٍ.
رَزَقنا الله والمسلمين والمسلمات العفو والعافية.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم