عناصر الخطبة
1/ السعي على الضعفاء من أبر البر 2/ القيام بشؤون الأقارب والسعي بخدمتهماقتباس
اتقوا الله بالعطف والشفقة عليهم والاعتناء الصادق بمصالحهم، والصبر على لأوائهم وشدَّتهم، وما قد يبدر من أحدهم من أذى أو مضايقة أو سوء خلق، فإنكم بذلك تغدون وتروحون في رضا الله، تغدون وتروحون في سبيل الله، تغدون وتروحون في مجلبة الأرزاق ومنسأة الأعمار، ومدرأ البلاء ومدرج الوصول إلى الله سبحانه، وإلى جنته التي وعدها القائمين على ذوي الضعف والمسكنة ..
الحمد لله الذي لا إله إلا هو، وله الحمد في الأُولى والآخرة، وهو الحكيم الخبير، أحمده تعالى وأشكُره، وأشهدُ أن لا إله إلا هو، إليه المصير، وأشهد أن سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسوله. اللهُمّ صلِّ وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت وباركت على إبراهيم في العالمين، إنَّك حميد مجيد. وسلِّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد: أيُّها الناس: لقد جاء دين الإسلام الحنيف مليئاً بأنواع البر والتعاون والتراحم، والتكافل الاجتماعي قال تعالى: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد:11]. وقال: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر:9]
وإنّ أبرّ البرِّ الذي جاء به الإسلام، وأفضل أنواع التعاون والتراحم والتكافل الذي وعد الله أهله في الدنيا حسن الحال، وفي الآخرة طيب المآل -هو السعي والعناية، ابتغاء وجه الله ووفق منهاج رسول الله، بذوي الضعف والمسكنة، ولاسيما من تربطهم بالشخص رابطة نسب، كالأبوين في الكبر، والبنيّات حال الصغر، والأرامل والأيامى من النساء الّلاتي فقدن مودة الزوج ورحمته والأُنس به، ومن فقدوا حنوَّ الأُبوَّة وعطفها من الأيتام، وما شابه أولئك من ذوي الفقر والعاهات.
قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [الإسراء: 23]. وقال: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [النساء:9]
روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- أنَّ رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد. فقال: "أحيٌّ والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد". وروى الطبراني بسندٍ رجالُه رجال الصَّحيح عن كعب بن عجرة. قال: مرَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فرأى أصحاب رسول الله من جلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان".
ويقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم -رحمهما الله-: "من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له ستراً من النار".
عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كنّ له ثلاث بنات يؤويهنَّ ويرحمهنَّ ويكفلهن ويزوجهنَّ وجبت له الجنة البتة" قيل: يا رسول الله: وإن كانتا اثنتين. قال: "وإن كانتا اثنتين" قال: "فرأى بعض القوم أن لو قالوا واحدة".
ويقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه-: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله" وأحسبه قال: "وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر".
وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة" وأشار مالك بالسبابة والوسطى. ويقول -صلى الله عليه وسلم- في العموم: "إنَّما تُنصرون وترزقون بضعفائكم".
فاتَّقوا الله -عباد الله-، وأولوا هذه الطبقة التي جلُّ ما تملكه قلب منكسر أو عين دامعة، معظم اهتمامكم.
اتقوا الله بالعطف والشفقة عليهم والاعتناء الصادق بمصالحهم، والصبر على لأوائهم وشدَّتهم، وما قد يبدر من أحدهم من أذى أو مضايقة أو سوء خلق، فإنكم بذلك تغدون وتروحون في رضا الله، تغدون وتروحون في سبيل الله، تغدون وتروحون في مجلبة الأرزاق ومنسأة الأعمار، ومدرأ البلاء ومدرج الوصول إلى الله سبحانه، وإلى جنته التي وعدها القائمين على ذوي الضعف والمسكنة، والبساطة من المسلمين.
فبادروا -رحمكم الله- إلى كفالة أمثال هؤلاء بطيب نفس وقلب رحيم، وضمير مخلص عمله لله تعالى، وأخلصوا نياتكم في كدِّكم، وكدحكم عليهم، واصبروا وتحملوا برضاً ما قد يعترضكم في ذلك من مشقة أو مكروه، محتسبين جزاء ذلك ومضاعفة أجره عند الله احتساب من قال الله فيهم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان:8-9] الذي يقول وقوله الحق: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة:7] ويقول: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:35]
أقول قولي هذا، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا هداة مهتدين، متعاونين مع ذوي الضعف والمسكنة والمحتاجين، أسأله أن يعيننا على أنفسنا، وأن يجعلنا من الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصَل، إنَّه أكرم مدعوٍ وخير مستعان.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم