عناصر الخطبة
1/مكانة فريضة الزكاة في الإسلام 2/جمع القرآن بين الصلاة والزكاة 3/مقدار الزكاة وشروط وجوبها 4/التحذير من منع الزكاة أو التكاسل عنها 5/نوافل الزكاة 6/أهمية إخراج الصدقات.اقتباس
وَالزَّكَاة جعلها الله جزءًا يسيرًا واجبًا في المال الَّذِي أودعه عندك وديعة؛ لينظر -سُبْحَانَهُ- ما تصنع بهذا المال، فالمال مال الله، وما هو بيدك إِلَّا أمانة ووديعة، فمن حال عليه الحول -الحول الهجري-؛ وجب عليه أن يخرج زكاة ماله ربع العشر مِمَّا عنده...
الخطبةُ الأولَى:
الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إقرارًا به وتوحيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بعثه الله -جَلَّ وَعَلَا- بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، فصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم إِلَى يوم الدين، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاس! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادكم عَلَى النَّار لا تقوى.
عباد الله: أقبل عليكم رمضان، فهل استقبلتموه بتوبةٍ صادقة؟ هل استقبلتموه بنية عازمة عَلَى فعل طاعةٍ والاجتناب عن المحرَّم؟ هل استقبلتموه استقبال ضيفٍ كريمٍ عزيزٍ عَلَى قلوبكم؟ فإنَّ النَّاس إذا دعوا أضيافهم إِلَى بيوتهم اهتموا أيامًا وليالي لإكرام هذَا الضيف، فبِمَ استقبلتم -يا رعاكم الله- رمضان؟ بِمَ مضت عليكم أول أيامه، أول يومٍ منه وأول لياليه؟ هل مضت منكم بعملٍ صالحٍ؟ أو أنكم ما زلتم في غفلاتكم ولهوكم تلعبون؟
إنَّ العاقل -يا عباد الله- من يستذكر في هذَا أيما استذكار، ويعتني بنفسه فيحاسبها ويقللها، لعلها أن ترعوي، وأن ترجع إِلَى الحق، وأن تنصاع إِلَى أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ-؛ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[القمر: 17].
واعلموا -عباد الله- أنَّ من فرائض الله عليكم مع صوم رمضان: أداء الزَّكَاة، وهي مطلق الصَّدَقَة الَّتِي جاء الأمر بها في القرآن؛ ففي قول الله -جَلَّ وَعَلَا- في سورة براءة، في سورة هي الفاضحة للمنافقين وأمثالهم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)[التوبة: 103]، أتدرون ما هذِه الصَّدَقَة؟ إنها الزَّكَاة الواجبة، إنها الصَّدَقَة المفروضة، إنها الحقُّ الَّذِي جعله الله في أموالكم إذا بلغ المال نصابًا.
وَالزَّكَاة -يا عباد الله- قرنها الله -عَزَّ وَجَلَّ- بِالصَّلَاةِ في نيِّف وأربعين آية، ولقد أجمع الصَّحَابَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- إجماعًا تقريريًّا هو من أقوى الإجماعات عَلَى أنَّ من فرَّق بين الصَّلَاة وَالزَّكَاة أنه مرتد بمنعه الزَّكَاة، ومقاتلته عَلَى منعها، قَالَ أبو بكر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "وَالزَّكَاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً"، أو قَالَ: "عناقًا كانوا يؤدونه للنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؛ لقاتلتهم عليه".
وَالزَّكَاة -يا عباد الله- جعلها الله جزءًا يسيرًا واجبًا في المال الَّذِي أودعه عندك وديعة؛ لينظر -سُبْحَانَهُ- ما تصنع بهذا المال، فالمال مال الله، وما هو بيدك إِلَّا أمانة ووديعة، فمن حال عليه الحول -الحول الهجري-؛ وجب عليه أن يخرج زكاة ماله ربع العشر مِمَّا عنده من ذهبٍ، أو فضةٍ، أو عروض تجارة، أو أموال حال عليها الحول.
وطريقة ذلك -يا عباد الله- أن تُحصي ما عندك من الأموال في حساباتك وفي صندوقك وفي جيبك، ففي مجموعها تخرج منها الزَّكَاة ربع العشر، بأن تقسم هذَا المال كلها عَلَى أربعين، فالناتج هو زكاة مالك.
وتجب الزَّكَاة في ذهب النساء المُعَدّ للاستعمال والزينة، إذا بلغ النصاب، ونصابه: ثمانون جرامًا فأكثر، وإن كان من الفضة فإذا بلغ نصابه وهو خمسمائة وتسعون جرامًا من الفضة؛ أدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، طاعةً لربكم، وأداءً لفرضه، ودفعًا للبلاء عنكم وعن أولادكم وعن أموالكم.
واعلموا -عباد الله- أنه ما مُنع القطر من السماء إِلَّا بسبب منع الزَّكَاة "ولولا البهائم لم يُمطروا"، أي: لم تأتهم هذِه الرحمة والخيرات من ربهم.
فأداء الزَّكَاة رحمة؛ رحمةٌ عليك، رحمةٌ من الله عليكم، وأداء الزَّكَاة أداء لفرض ربكم، وأداء الزَّكَاة مواساتكم للفقراء والمساكين وأصحابها المستحقين لها، المشمولين في قول الله -جَلَّ وَعَلَا-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60].
واعلموا -عباد الله- أنَّ من كنز المال فبخل وطمع، وتكاسل وتهاون في أداء الزَّكَاة؛ أنه مُعرَّضٌ للعقوبة؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كما في الصحيحين عنه: "ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة، لا يؤدي منها زكاتها؛ إِلَّا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار، فكُوي بها جبينه، وجنبه، وظهره، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، ثُمَّ يُرى سبيله إِمَّا إِلَى جنة، وَإِمَّا إِلَى نار".
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ؛ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة: 34، 35].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ذلكم الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم وأحبهم وذَبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فقد شرع الله لكم من جنس هذِه الفرائض نوافل، كما شرع من الصلوات الخمس فرائض، شرع من جنسها نوافل، وآكدها: صلاة القيام، قيام اللَّيل، وركعتي الفجر مع النَّوافِل، وشرع الصِّيَام، ففرض عليكم صيام رمضان، وشرع لكم من جنسه نوافل، وشرع لكم فرض الزَّكَاة، وشرع لكم من جنسها مطلق الصَّدَقَة.
والصَّدَقَة -يا عباد الله- شأنها عظيمٌ في دفع البلاء، شأنها كبير في استنزال رحمة رب السماء، شأنها كبير في راحة قلبك، وسكون نفسك -أَيُّهَا المبتلى-.
الصَّدَقَة -يا عباد الله- راحةٌ للمؤمن؛ لِما فيها من إدخال الفرح والسرور عَلَى أخيك المغبون، وأخيك الَّذِي حصل عليه النقص والتلف.
هذِه الصَّدَقَة أنت في ظلها يوم القيامة، إذا كانت لله، ولأجل الله، وطلبًا لثواب الله، ومن السبعة الَّذِينَ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إِلَّا ظله: "ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حَتَّى لم تعلم شماله ما تنفق يمينه".
فتفقدوا بصدقاتكم المحاويج، واحذروا تلكم الحسابات المشبوهة، والجمعيات غير المرخصة، الَّذِينَ يطلبونكم هذِه الصدقات والزكوات، فلا تبرأ الذِّمَّة بدفعها إليهم، وتحروها في أهلها، وأدوها إِلَى الجهات الرسمية المعتمدة؛ لئلا تُغلبوا في أموالكم، فإنَّ "المؤمن كَيِّسٌ فَطِنٌ"؛ كما قاله النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
ثُمَّ اعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن العشرة وأصحاب الشجرة، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ عِزًّا تعزُّ به الإسلام وأهله، وذلاً تذلُّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ إنَّا نسألك من خير هذِه الريح، وخير هذِه الأعاصير، وخير ما فيها، وخير ما أُمرت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، وشر ما أُمرت به.
اللَّهُمَّ إنَّا نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللَّهُمَّ اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ ادفع عنَّا الزلازل والأعاصير والرياح، اللَّهُمَّ ادفع عنَّا نقمك، اللَّهُمَّ عنَّا الغلاء والوباء، اللَّهُمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك.
اللَّهُمَّ من ضارنا أو شاقنا أو مكر بنا أو بالمسلمين، اللَّهُمَّ فامكر به يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ ادفع عنَّا الرِّبَا والزِّنا والزَّلازل والمِحَن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذَا خاصَّة، وعن بلدان المسلمين عامَّةً يا ذا الجلال والإكرام، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم