عناصر الخطبة
1/ مكانة الزكاة في شريعة الإسلام 2/ كثرة الجهل بأحكام الزكاة 3/ تنبيهات سريعة على بعض أحكام الزكاة 4/ ممارسات خاطئة في حساب الزكاة وإخراجها 5/ الأصناف المستحقة للزكاة 6/ وجوب التفقه في الدين وتعلم أحكام الزكاة وسائر الفرائض.اقتباس
حديثنا عن ركن من أركان الإسلام، إنه الزكاة، الحق التكافلي، حق الفقراء، إنه شعار المواساة، ورمز الأخوة، وبتركه يُستباح مال المسلم ودمه.. ومع أن الزكاة ركن من أركان الإسلام إلا أن الجهل بأحكامها يغلب على الكثير من الناس، بل البعض تجب عليه الزكاة وهو لا يعلم، وذلك من غلبة الجهل عليه، ولا يُعذَر بجهله، فالدين واضح، والعلماء متوافرون، والتقصير منه في عدم البحث والسؤال...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد فيا أيها الناس: لقد شرع الله للأمة شريعة غراء، كاملة، صالحة لكل زمان ومكان، لا يوجد للأمة شريعة أصلح لأحوالهم منها، بل لا يوجد مثلها فضلاً عن أن يوجد أفضل منها، وكيف لا يكون ذلك وقد شرَعها من خلق الخلق -جل في علاه- (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].
وقد نوَّع -سبحانه- في الشريعة، فجعل أوامرها على درجات، فمنها السنة التي يثاب فاعلها امتثالاً، ولا يعاقب تاركها، ومنها الواجب الذي يأثم العبد بتركه عمدًا، ومنها الركن الذي يقاتل من تركه كالزكاة، ومنها الركن الذي يكفر تاركه كالصلاة، وكلما عظم الأجر بالفعل كلما عظم الوزر بالترك.
معاشر المؤمنين: سيكون حديثنا في هذا اليوم -بإذن الله- عن ركن من أركان الإسلام، إنه الزكاة، الحق التكافلي، حق الفقراء، إنه شعار المواساة، ورمز الأخوة، وبتركه يُستباح مال المسلم ودمه، فقد قاتل أبو بكر الصديق والصحابة -رضوان الله عليهم- مانعي الزكاة، وسُمُّوا بالمرتدين، قال أبو بكر -رضي الله عنه- قولته المشهورة: "والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة".
عباد الله: ومع أن الزكاة ركن من أركان الإسلام إلا أن الجهل بأحكامها يغلب على الكثير من الناس، بل البعض تجب عليه الزكاة وهو لا يعلم، وذلك من غلبة الجهل عليه، ولا يُعذَر بجهله، فالدين واضح، والعلماء متوافرون، والتقصير منه في عدم البحث والسؤال.
سنمر على تنبيهات سريعة تختص بأحكام الزكاة فمن ذلك:
الزكاة تجب في خمسة أصناف، النقدين يعني الذهب والفضة، ويقوم مقامها الآن النقود. وعروضِ التجارة، ويُقصد بها كل مال أُعِدَّ للتجارة، سواءً كان مأكولاً أو ملبوسًا، أو عقارًا. والخارجِ من الأرض من المزروعات والمعادن. وبهيمةِ الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، إذا بلغت نصابًا وكانت سائمة أغلب الحول.
ومما يخطئ البعض فيه، أن الراتب لا زكاة فيه، أو أن المال المجموع للزواج أو بناء مسكن لا زكاة فيه، وهذا خطأ، فكل مال له صاحب ودار عليه الحول وقد بلغ نصابًا فيجب أن يُزَكَّى.
وآخرون يظنون أن الدَّيْن لا زكاة فيه، والصواب التفصيل؛ فالدَّيْن إما أن يكون على معسر يعني على عاجز عن السداد أو على مليء، وهو الغني الباذل غير المماطل.
فإن كان على مليء, فإن الزكاة واجبة فيه كل سنة؛ لأنه في حكم الموجود، وأداؤها إذا قبض الدين بعدد السنين التي مرت عليه. أو مع زكاته لماله كل سنة وهو أفضل وأبرأ للذمة.
وإن كان على مماطل أو معسر فلا زكاة فيه إلا سنة القبض مرة واحدة، ومثال ذلك المال المنسي المدفون, أو المفقود، وكذلك الأراضي الكاسدة؛ التي لا تُسَام بقليل ولا بكثير، ومثلها المساهمات المتعثرة لا زكاة فيها إلا سنة القبض عن سنة واحدة، فهي بمنزلة الدَّيْن على المعسر.
وزكاة المالِ النقودِ أو الذهب والفضة أو عروض التجارة، ربع العشر؛ إذا بلغ نصابًا وحال عليه الحول.
أما المساهمات التجارية ففيها الزكاة حسب ما يتفق صاحب المساهمة مع المساهمين؛ إما أن يزكيها أو يزكونها هم.
وإن كانت أسهم تتداول، فحسب نية المساهم، فإن كان مستثمرًا فإنه لا زكاة عليه؛ لأن الشركات تُزكِّي عنه، وإن كان مضاربًا فعليه الزكاة؛ لأنها من عروض التجارة.
النصاب للذهب والفضة والنقود على مقدار الفضة مائتين درهم, ويعادل هذه السنة ألفاً ومئتين ريال تقريبًا.
عباد الله: يخطئ البعض فتراه يسقط الدَّيْن عمن استدان منه ويخصمه من زكاته، وهذا خطأ، أو يدفع الزكاة لمن جاء يستلف منه مالاً، أو يعطيها لقريب فزعة أو مداهنة أو حياء، أو يدفعها لمن يثني عليه أو يمدحه، ويمنع من لا يثني عليه، فالزكاة لا يُحابى بها أحد ولا يجلب بها مدحة، ولا يدفع بها عن المال، فهي حق واجب للفقراء، يدفعها المسلم يرجو براءة ذمته، لا يمنُّ بها، ولا يتشرط فيها، بل يحمد الله أن وقعت في يد مستحق.
اللهم فقهنا في الدين وارزقنا العمل بالتنزيل أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أيها الناس: لا يزال الحديث موصولاً عن الركن الثالث من أركان الإسلام، إن مما عمت به البلوى أن بعضًا من الناس -هداهم الله- لا يتورعون عند دفع الزكاة فيدفعها لكل من طلبها، والآخر لا يتورع عن أخذها وهو ليس من أهلها، "ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله".
إن الله -جل وعلا- كما تولى قسمة المواريث بنفسه، فقد تولى قسمة الزكاة بنفسه فلا يجتهد فيها مجتهد، فقد عيَّن الله الأصناف الذين تُدفع لهم الزكاة، وهم المذكورون في آية التوبة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60] ثمانية أصناف.
الفقراء والمساكين: وهم الذين لا يجدون شيئًا أو يجدون بعض الكفاية.
والعاملون عليها: هم المتولون أمر الزكاة وصرفها إلى مستحقيها بعد جمعها، وهم الذين عيَّنهم ولي الأمر بدون مرتبات.
والمؤلفة قلوبهم: وهم الذين يرجى إسلامهم أو قوة أيمانهم أو كفّ شرهم، وهم السادة المطاعون في قومهم.
والرقاب: وهم المكاتبون, أو الأسير المسلم أو إعتاق الأرقاء.
والغارم: إما لغيره كإصلاح ذات البين, ولو مع غنى إذا نوى الرجوع على أهل الزكاة. أو الغارم لنفسه، فيكون عليه دَيْن يعجز عن سداده وأهله يطالبونه به.
وفي سبيل الله: وهم الغزاة المتطوعة وأسلحتهم وكل ما يعين على الجهاد.
وابن السبيل: وهو المسافر المُنْقَطَع به ولا نفقه معه. ولو كان عنده أموال في بلده فيعطَى ما يوصله إلى بلده.
ويجوز صرفها إلى صنف واحد أو تفريقها عليهم.
والأفضل دفعها إلى القريب من هذه الأصناف فتكون زكاةً وصلة.
ومن كان له تجارة تأتيه أمواله بالتقسيط، فعليه الزكاة لكل المال إذا دار عليه الحول، سواء ما قبضه أو كان عند الناس؛ لأنها عروض تجارة.
وتجوز للعمال والسائقين إذا كانوا فقراء بشرط عدم تكليفهم بأعمال زائدة أو خصم شيء من رواتبهم.
عباد الله: كثيرة هي مسائل الزكاة، والواجب على المسلم أن يتفقه في دينه، فطلب العلم الذي لا يقوم دين المسلم إلا به فرض عين على كل مسلم ومسلمة.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم