الرؤيا آداب وضوابط

الشيخ د محمود بن أحمد الدوسري

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/المقصود بالرؤيا وأنواع الرُّؤى 2/آداب الرؤيا الصالحة 3/آداب الرؤيا المكروهة 4/آداب مهمة تتعلَّق بالرؤيا 5/آداب صاحب الرؤيا والمعَبِّر 6/مفاسد التعبير الخاطئ للرؤيا

اقتباس

الرؤيا لا تخرج عن ثلاث: الرؤيا الصالحة، أي الرؤيا الحسنة التي لا تشتمل على شيءٍ يكرهه الرائي؛ بل فيها مصلحة دينية أو دنيوية. ورؤيا الخاطر: بأنْ يُحدِّث المرءُ نفسَه بأمرٍ مَّا، فيكون البالُ مشغولاً به، ثم ينام فيرى هذا الشيءَ المشغولَ به، فهذا حديثُ نفسٍ، لا يضر ولا ينفع. ورؤيا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده.

 

الرؤيا والحُلْم هو ما يراه النائم في نومه من الأشياء، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيءِ الحَسَن، وغلب الحُلْم على ما يراه من الشر والقبيح.

 

وجاءت نصوص السُنَّة ببيان أنواع الرُّؤى؛ كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ"(رواه مسلم).

 

وفي قوله عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ: مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ. وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ، فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ"(صحيح، رواه ابن ماجه).

 

فالرؤيا لا تخرج عن هذه الثلاث: الرؤيا الصالحة، أي الرؤيا الحسنة التي لا تشتمل على شيءٍ يكرهه الرائي؛ بل فيها مصلحة دينية أو دنيوية.

ورؤيا الخاطر: بأنْ يُحدِّث المرءُ نفسَه بأمرٍ مَّا، فيكون البالُ مشغولاً به، ثم ينام فيرى هذا الشيءَ المشغولَ به، فهذا حديثُ نفسٍ، لا يضر ولا ينفع.

ورؤيا تَحزِينٌ من الشيطان.

 

عباد الله: ولا يكاد إنسانٌ ينفك عن مناماتٍ يراها في نومه، وقد شَرَعَ الإسلامُ آداباً تتعلَّق بالرؤيا، سواء كانت رؤيا صالحة أو رؤيا سوء، ومن أهم آداب الرؤيا الصالحة: أولا: أنْ يعلم أنها من الله -تعالى- فيحمده عليها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا"(رواه البخاري)، وفي رواية: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ"(رواه البخاري ومسلم).

 

ثانيا: أنْ يفرح ويستبشر بها، وينشرح لها صدره، ولا يقصها إلاَّ على مَنْ يُحبُّ، ولا يطلب تأويلَها إلاَّ من ذي رأيٍ ولُبٍّ وحِكمة، وعلمٍ ونُصح؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً؛ فَلْيُبْشِرْ، وَلاَ يُخْبِرْ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ"(رواه مسلم)، وفي رواية: "وَلاَ تُحَدِّثُ بِهَا إِلاَّ لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا"(صحيح، رواه الترمذي)، وفي رواية: "وَلاَ يَقُصُّهَا إِلاَّ عَلَى وَادٍّ، أَوْ ذِي رَأْيٍ"(صحيح، رواه أبو داود)، وفي رواية: "لاَ تُقَصُّ الرُّؤْيَا إِلاَّ عَلَى عَالِمٍ، أَوْ نَاصِحٍ"(صحيح، رواه الترمذي).

 

والحِكمة في عَرْضِ الرؤيا على أهل العلم والنُّصح: أنَّ العالم: يؤوِّلها له على الخير مهما أمكنه.

وأمَّا الناصح: فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويُعِينه عليه.

وأمَّا اللبيب: وهو العارف بتأويلها -فإنه يُعلِمه بما يُعَوَّل عليه في ذلك، أو يَسْك.

وأمَّا الحبيب: فإنْ عَرَفَ خيراً قاله، وإنْ جَهِلَ أو شَكَّ سَكَت.

 

ثالثا: أن يُفسِّرها على أحسن الوجوه، فإنَّ ذلك مما يشرح صدر الرائي، ويزيد في استبشاره وتوقُّعه للخير، والمسلمُ مطالَب بالتفاؤل، وإحسانِ الظنِّ بالله -تعالى- في كلِّ أحواله، والتفسيرُ الحَسَنُ يصب في هذا الاتجاه؛ وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رَأى أحَدُكُمُ الرُّؤيا الحَسَنَةَ فَلْيُفَسِّرْها، ولْيُخْبِرْ بِها، وإذا رَأى الرُّؤيا القَبِيحَةَ فلا يُفَسِّرْها، ولا يُخْبِرْ بِها"(صحيح، رواه ابن عبد البر في "التمهيد").

 

عباد الله: ومن أهم آداب الرؤيا السُّوء المكروهة: أولا: الاستعاذة بالله -تعالى- من شرِّها، والاستعاذة من الشيطان؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ؛ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا"(رواه البخاري)، وفي رواية: "وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْهُ"(رواه البخاري)، وفي رواية: "وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا"(صحيح، رواه ابن ماجه).

 

وأفضل صيغةٍ أن يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، والاستعاذة بالله -تعالى- مشروعة عند كل أمرٍ يُكره، والاستعاذة من الشيطان؛ لأنَّ هذا الحُلْمَ منه، وهو يخيل به بغرض تحزين الآدمي، والتهويل عليه.

 

ثانيا: أنْ يبصق أو ينفث عن يساره ثلاثاً؛ ويوقن بأنها لنْ تضره؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَكْرَهُهُ؛ فَلْيَنْفُثْ"، وفي لفظ: "فَلْيَبْصُقْ" عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضرَّهُ"(رواه مسلم).

 

وكون البصق يساراً؛ لأن جهة اليسار محل الأقذار، ويبصق ثلاثاً؛ للتأكيد أو لتكون وِتراً.

 

فيجب على المسلم أنْ يعتقد يقيناً أنَّ الحُلْمَ لن يضره، وهو أمر مرتبط بالاعتقاد الصحيح، فيكون سبباً للسلامة من المكروه.

 

ثالثا: التَّحول عن الجَنْب الذي ينام عليه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ"(رواه مسلم) أي: إلى الجَنْب الآخَر؛ تفاؤلاً بتحوِّل تلك الحال التي كان عليها.

 

رابعا: أنْ يقوم فيصلي؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ؛ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ"(رواه مسلم)، والصلاة فيها لجوء إلى الله -تعالى-، وفي التحريم بها عصمةٌ من السوء؛ لِقُرب المصلي من ربه عند سجوده.

 

خامسا: ألاَّ يَقُصَّها على أحد، ولا يطلبَ تفسيرها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرؤيا السَّيئة: "فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ"(رواه البخاري)، وفي رواية: "وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا"(رواه مسلم).

 

ومما يؤسف له: أنَّ كثيراً من الناس يُصِرُّون على تفسير الرؤيا السوء، ويسعون لذلك ولا يتراجعون عنه، وقد تُفسَّر لهم تفسيراً سيِّئًا، ويكون لذلك عواقب وخيمة، فمَنْ تأدَّب بهذه الآداب كان مُثاباً، ولم تضره الرؤيا السيئة؛ كما وعد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

­عباد الله: ومن الآداب المهمة التي تتعلَّق بالرؤيا: أولا: ألاَّ يتعجَّل المرءُ في التأويل للرؤيا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ"(صحيح، رواه أبو داود وابن ماجه)، حتى يتبصَّر، ويؤوِّلها على أحسن وجه، فإنها إذا أُوِّلت وقَعَتْ على ما أُوِّلت إلاَّ أنْ يشاء اللهُ -تعالى-.

 

ثانيا: ألاَّ يَكْذِبَ في رؤياه، والكذبُ في الرؤيا من أكبر الكبائر؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم­: "مِنْ أَفْرَى الْفِرَى؛ أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ"(رواه البخاري)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ؛ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ"(رواه البخاري).

 

ثالثا: ألاَّ يُخْبِرَ أحداً بِتَلَعُّب الشيطان به في منامه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ؛ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ"(رواه مسلم).

 

وقد زَجَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أعربياً -حَلَمَ كأنَّ رأسَه قُطِعَ، فتَدَحْرَج، فهو يتبعه- فقال له: "لاَ تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ"(رواه مسلم).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أيها المسلمون: هناك آدابٌ وضوابطُ مُعتَبَرةٌ لصاحب الرؤيا وللمُعَبِّر، فمن الآداب والضوابط المُعتَبَرة في "صاحب الرؤيا": أنْ يحتَرِزَ من الكذب في رؤياه، ولْيكن صادقاً فيما يُخبِر به، ويُستحب أنْ ينام على وضوء؛ لِتَكونَ رؤياه صالحة، وأنْ يتخلَّص من الذنوب والمعاصي، وألاَّ يقصَّها على مُعَبِّرٍ -وفي بلده مَنْ هو أحذق منه في التعبير، ألا ترون ما جاء في "مَلِكِ مَصْرَ" حين رأى ما رأى، فَقَصَّ رؤياه على مُعَبِّري بلده؛ فقالوا له: (أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ)[يوسف: 44]، فسأل عنها يوسفَ -عليه السلام- فعبَّرها له.

 

وأمَّا الآداب والضوابط المُعتبَرة في "المُعبِّر": أن يكون عالِماً حاذِقاً بعلم تأويل الرؤى، وإذا قُصَّتْ عليه الرؤيا؛ أنْ يقول: "خيراً"، أو يقول: "خيراً تلقاه، وشراً تتوقَّاه"، وأنْ يحفظ الأسرار؛ فلا يذهب فيقول: "فلانٌ رأى كذا، أو كذا"، مما فيه كَشْفٌ لها، وأنْ يكون فَطِناً ذكيًّا تقِيًّا نقِيًّا من الفواحش، عالِماً بكتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولغةِ العرب، وأمثالِها، وما يجري على ألسنة الناس. وألاَّ يُعبِّرَ الرؤيا وقت الاضطرار. وألاَّ يُعَبِّر الرؤيا حتى يعرف لِمَنْ هِيَ؟ وأنْ يُعَبِّر الرؤيا على مقادير الناس، ومذاهبِهم وأديانِهم وبلدانِهم، مع الاستعانة بالله -تعالى-، وسؤالِه التوفيقَ والسدادَ في تعبيره للرؤيا.

وإذا لم يمكنه تأويلها؛ فإنَّ الأَولى أنْ يُحيلها على مَنْ هو أعلم منه بالتأويل، ولا يتحرَّج في ذلك.

 

وإذا كانت الرؤيا فيها شيء يكرهه صاحبُها؛ فإنه يَصْمُت، أو يدعو صاحِبَها إلى الْتِزام تقوى الله -تعالى-، وأنْ ينوي بتعبيره التقرب إلى الله -تعالى-؛ لأن تعبير الرؤيا سنة مأخوذة عن الأنبياء.

 

عباد الله: وهناك مفاسد تَحْدُث بسبب التعبير الخاطئ للرؤيا، ومن ذلك: أنَّ بعض الناس يَضْعُف توكُّلهم على الله -تعالى- بسبب اعتمادهم على رؤيا، دون الأخذ بأسباب تحصيلِه إنْ كان خيراً، أو الأخذ بأسباب اجتنابِه إن كان شراً.

 

ومن الآثار السلبية للرؤيا: إثارة الخوف والفَزَع عند الناس، فلو سَكَتَ المُعبِّر عن تعبيره؛ أخذاً بأسباب السلامة له ولصاحبها، لكان أَولى وأَسلم.

 

ومن الآثار السلبية -لبعض المُعبِّرين غير المُجِيدِين-: ظُلْمُ الآخَرِين والاعتداءُ عليهم، فقد يرى بعضُهم رؤيا، ثم تُعبَّر له بطريق الخطأ، فيقال له: "هناك عدو لك!" ثم يُخبِرُه به، أو يَصِفُه له، وهذا ظلمٌ للناس بغير برهان، ويكون سبباً في الاعتداء عليهم بالضَّرب أو السَّب، أو ذِكْرِهِم بما لم يكن فيهم.

 

ومن الآثار السلبية: تخريب البيوت، وهذا أمرٌ مُشاهد، فقد يرى بعضُهم رؤيا؛ تُعبَّر له: على "أنَّ امرأتَه أو أحدَ أقاربه؛ يقولون -في حقك: كذا!" أو "يحصل منهم كذا!" فتَحْدث أمورٌ تؤدِّي إلى خراب هذا البيت، أو قَطْعِ صلةِ رحمٍ.

 

ومن ذلك: قد يُصاب بعضُهم بأمرٍ مَّا، ثم يرى رؤيا، فتُعَبَّر له: "بأنَّ فلاناً هو الذي أصابك بهذا السحر، أو العين، وما شابه ذلك!" وهذا من أعظم الأمور خطراً؛ فإنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وهو ناتج عن جهل المُعَبِّر.

 

المرفقات

أحكام وآداب صلاة الجمعة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات