عناصر الخطبة
1/ أنواع الرؤيا 2/ من علامات صدق الرؤيا 3/ الرؤيا الكاذبة وكيفية التعامل معهااقتباس
فالرؤيا الصادقة إما أن تكون جلية فتأتي كما رأها الرائي فهذه لا تحتاج إلى من يأولها ورؤيا ليست جلية بل هي مرموزة تحتاج إلى من وهب معرفة تأويل الرواء وإذا عبرت الرؤيا وكان العابر الأول عالماً فعبر فأصاب التأويل وقعت وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في أن الرؤيا تقع إذا عبرت، أما إذا كان العابر ليس عالماً أو أخطأ فلا تقع على تأويله بل تقع على تأويل من أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك إلى مراد الله فيما ضربه من المثل ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد: مما يشغل بال البعض لاسيما النساء ما يرى في المنام فما أن يرى الواحد من هؤلاء شيئاً في منامه إلا وتجده خائفاً من هذه الحلم وقد شغل باله وأصبح هو شغله الشاغل ولعلي في هذه الدقائق أذكر نفسي وإخوتي ببعض ما يتعلق بالرواء سائلاً الله أن يهبنا جميعاً علماً نافعاً يضيء لنا طريقنا في حياتنا وبعد مماتنا.
إخوتي: ما يراه الناس في منامهم ثلاثة أنواع منها ما يحدث به المرء نفسه في اليقظة ويهتم به أو يتمناه. فنفسه مشغولة به حتى في منامه فِيراه كما هو في المنام وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة فهذه أحاديث نفس متوالية وشهوات غالبة وهموم لازمة ينام عليها فيراها في نومه فلا التفات إليها.
الثاني: تسلط الشيطان عليه في منامه فيره من الأشياء التي تحزنه ويخاف منها.
والثالث الرؤيا الصادقة التي من الله فعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يَهُمُّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة" رواه ابن ماجه (3907). بإسناد صحيح
فالرؤيا الصادقة وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم فكان النبي يرى الرؤيا فتأتي كما رأها ففي حديث عائشة أنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" رواه البخاري ومسلم. وهذه هي رؤيا الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين وقد تقع لغيرهم لكن ذلك قليل. وقد تحتاج الرؤيا الصادقة إلى تأويل.
فالرؤيا الصادقة إما أن تكون جلية فتأتي كما رأها الرائي فهذه لا تحتاج إلى من يأولها ورؤيا ليست جلية بل هي مرموزة تحتاج إلى من وهب معرفة تأويل الرواء وإذا عبرت الرؤيا وكان العابر الأول عالماً فعبر فأصاب التأويل وقعت وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في أن الرؤيا تقع إذا عبرت، أما إذا كان العابر ليس عالماً أو أخطأ فلا تقع على تأويله بل تقع على تأويل من أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك إلى مراد الله فيما ضربه من المثل.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني رأيت الليلة في المنام ظلة تَنْطُف السمن والعسل فأرى الناس يتكَفَّفُون منها فالمستكثر والمستقل وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وُصِلَ فقال أبو بكر يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعْبُرَها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعْبُرْهَا قال أما الظلة فالإسلام وأما الذي يَنْطُفُ من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تَنْطُفُ فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت قال النبي صلى الله عليه وسلم أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً قال فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت قال لا تقسم"رواه البخاري ومسلم. فهذه رؤياء في النبي والخلفاء الثلاثة من بعده، وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه على هذا الحديث: "بَاب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ" فأشار البخاري إلى تخصيص ذلك بما إذا كان العابر مصيباً في تعبيره وأخذه من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً فإنه يؤخذ منه أن الذي أخطأ فيه لو بينه له لكان الذي بينه له الصحيح ولا عبرة بالتعبير الأول.
من علامات صدق الرؤيا صدق صاحبها فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا …"رواه مسلم.
فأصدق الناس رؤيا الأنبياء فرؤياهم وحي فالصدق أعظم أوصافهم يقظة ومناما. فمن كان غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه فلا يرى إلا صدقاً بخلاف الكاذب والمخلط فإنه يفسد قلبه ويظلم فلا يرى إلا تخليطاً وأضغاثاً وقد يرى الصادق ما لا يصح ويرى الكاذب ما يصح وهذا قليل والحكم للأغلب الأكثر.
إخوتي: إذا رأى أحدنا الرؤيا الصالحة التي تسره فقد سن لنا النبي ثلاثة أشياء أن نحمد الله عليها وأن نستبشر بها وأن نحدث بها من نحب فعن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره رواه البخاري (6985).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: الرؤيا الكاذبة من الشيطان فيري النائم في منامه من الأحلام التي تزعجه ويغتم بها، وربما نكدت عليه صفوحياته وأشغلت ذهنه وهي لاتعدو أنْ تكون من تلاعب الشيطان به ليحزنه بها.
فعن جابر رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأنَّ رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددت على أَثَرِه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "لا تحدث الناس بتَلَعُّب الشيطان بك في منامك" رواه مسلم.
فإذا تحصن العبد بالذكر العام الطارد للشيطان، والذكر الخاص عند النوم؛ عجز الشيطان عن وسوسته وعن تحزينه في منامه بإذن الله. فهذا لدفعه قبل وقوعه فلا يسلط عليه في منامه. أما إذا وقع ورأى ما يكرهه فيشرع له مايأتي:
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: لقد كنت أرى الرؤيا فتُمْرِضُنِي حتى سمعت أبا قتادة رضي الله عنه يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا تُمْرِضُنِي حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فإنَّها لن تضره" رواه البخاري (7044) ومسلم (2261). وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً؛ وليتحول عن جنبه الذي كان عليه" رواه مسلم (2262).
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم النائم إذا رأى ما يكرهه أن يتفل عن يساره ثلاثاً، وأنْ يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ثلاثاً، وأنْ يتحول إلى جنبه الآخر ولايحدث بها أحداً، فإذا فعل ذلك لم تضره فهذا يدفع شرها بإذن الله فقد جعل الله ما ذكر سببا للسلامة من المكروه المترتب على الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال.
الرؤياء من الله فيحرم أن يقدم أحد على تأويلها إلا إذا كان أهلا لذلك وإن كانت الرؤيا لا تسر فليقل العابر خيرا أو ليسكت. قيل للإمام مالك رحمه الله- التمهيد (1/288) - أيعبر الرؤيا كل احد فقال أبالنبوة يلعب؟ لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها فإن رأى خيرا أخبر به وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت أ هـ من الكذب المحرم التحلم وذلك بأن يدعي كذبا أنه رأى في المنام كذا وكذا والبعض يقع في ذلك ويظن أنه يحسن صنعا فربما تحلم وقال لشخص كذبا إني رأيت فيك كذا وكذا حتى يمنعه عما هو فيه من الشر جهلا منه بحرمة هذا الفعل فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ" رواه البخاري (7042).
فهذا وعيد شديد في التحلم مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه أحيانا لأن الكذب في المنام كذب على الله فالرؤيا جزء من النبوة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم