عناصر الخطبة
1/الإسلام دينٌ ودولة 2/أهمية منصب رئيس الدولة 3/شروط رئيس الدولة 4/واجبات رئيس الدولة 5/واجبات الحكومة ومسؤولياتها 6/جريمة عدم حماية الدولة لمواطنيهااقتباس
إخوة الإسلام والإيمان: تعلمون أن الإسلام دينٌ ودولة، وتشريعات سماويَّة أنزَلها الله لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وهذه التشريعات صالحة لكلِّ زمان ومكان، ولكلِّ الأُمم بلا استثناء، فشمَلت تشريعاته نظامَ دولة كاملة لها أُسسها ومبادئها، دولة قوية عقديًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، وهذا بشهادة أعداء الإسلام قبل أتباعه. ويعتبر رئيس الدولة من المناصب المهمة جدًا في الدولة الإسلامية، فهو...
الخطبة الأولى:
المقدمة والوصية بالتقوى.
إخوة الإسلام والإيمان: تعلمون أن الإسلام دينٌ ودولة، وتشريعات سماويَّة أنزَلها الله لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وهذه التشريعات صالحة لكلِّ زمان ومكان، ولكلِّ الأُمم بلا استثناء، فشمَلت تشريعاته نظامَ دولة كاملة لها أُسسها ومبادئها، دولة قوية عقديًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، وهذا بشهادة أعداء الإسلام قبل أتباعه.
ويعتبر رئيس الدولة من المناصب المهمة جدًا في الدولة الإسلامية، فهو يؤثر على مسيرتها، وعلى تقدمها وعلى سيادتها، وهو منصب حساس جدًا، إذ لا ينبغي لأي أحد أن يأخذه، فالذي يجب أن يستلم هذا المنصب شخص يستحقه، وللتأكد من أن الشخص يستحقه يجب توافر الشروط التالية فيه:
1- التكليف: أي أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا.
2- الحرية: فلا يجوز إعطاء المنصب إلى عبد.
3- الذكورة، فلا يجوز أن تحكم الناس امرأة؛ فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "عَصَمَنِي اللَّهُ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا هَلَكَ كِسْرَى، قَالَ: مَنْ اسْتَخْلَفُوا؟ قَالُوا بِنْتَهُ! قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً".
وقد اتفق العلماء على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماماً ولا قاضياً؛ لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأمور المسلمين، القاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال، ولا يصلح لهما الأعمى؛ لأنه لا يمكنه التمييز بين الخصوم.
4- العدالة: أي أن يكون قائمًا بالفرائض والأركان، مجتنبًا الكبائر من الآثام، غير مصر على صغيرة، لا يتحكم به هواه، فهو يؤتمن في كل وقت سواء راضيًا أم غاضبًا، وبعيد عن مواطن الريب.
5- الكفاءة: أن يكون كفؤ لهذا المنصب، فيكون جريئًا في إقامة الحدود واقتحام الحروب بصيرًا بها، كفيلًا يحمل الناس عليها، ويجب أن يكون لديه رأي سديد وحنكة سياسية، ويقظة واعية بعيدا عن الغفلة.
6- أن لا يطلب المنصب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنا والله لا نولي هذا الأمر أحدًا سأل هذا الأمر ولا حرص عليه".
7- المواطنة: بمعنى أن يكون رئيس الدولة من سكان الدولة الإسلامية المستقرين فيها.
8- سلامة الحواس والأعضاء: والمقصود هو سلامة الحواس والأعضاء التي يؤثر فقدانها على قيام رئيس الدولة الإسلامية بالواجبات الموكلة إليه.
قال العلماء: وليس هناك ثمة ما يمنع من اشتراط شروطٍ أخرى إذ اقتضتها المصلحة العامة، فيجوز مثلًا اشتراطُ أن يكون رئيسُ الدولة قد بلغ سنًا معينًا، ويجوز الاشتراط فيه أن يكون حاصلًا على درجات علمية معينة، ويجوز أن يشترط فيه أي شرط آخر دعت لذلك الشرط المصلحة العامة أو اقتضته ظروف الحياة بما لا يخالف الشريعة.
معشر المؤمنين: فهل أحد من حكام اليوم الذين سلطهم الله على رقاب المسلمين تجتمع فيه هذه الخصال والشروط؟ هل توفرت في أحدهم هذه الشروط؟ أمَّا أنا فلا أعلم أحدًا، والله أعلم.
ثم إن هذا الإمام أو الحاكم أو ولي الأمر حدد الإسلام عليه واجبات يجب أن يقوم بها، فاسمعوا يا حكامنا، وانتبهوا لواجباتكم، وإلا فإنه الخزي والعار واللعنة في الدنيا والآخرة.
يقول الإمام أبو الحسن الماوردي -رحمه الله-: "وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ -أي الحاكم- مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: حِفْظُ الدِّينِ عَلَى أُصُولِهِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، فَإِنْ نَجَمَ مُبْتَدِعٌ أَوْ زَاغَ ذُو شُبْهَةٍ عَنْهُ، أَوْضَحَ لَهُ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابَ، وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ، لِيَكُونَ الدِّينُ مَحْرُوسًا مِنْ خَلَلٍ وَالْأُمَّةُ مَمْنُوعَةً مِنْ زَلَلٍ.
الثَّانِي: تَنْفِيذُ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ، وَقَطْعُ الْخِصَامِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ حَتَّى تَعُمَّ النَّصَفَةُ، فَلَا يَتَعَدَّى ظَالِمٌ وَلَا يَضْعُفُ مَظْلُومٌ.
الثَّالِثُ: حِمَايَةُ الْبَيْضَةِ وَالذَّبُّ عَنْ الْحَرِيمِ، لِيَتَصَرَّفَ النَّاسُ فِي الْمَعَايِشِ، ويَنْتَشِرُوا فِي الْأَسْفَارِ آمِنِينَ مِنْ تَغْرِيرٍ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ.
وَالرَّابِعُ: إقَامَةُ الْحُدُودِ لِتُصَانَ مَحَارِمُ اللَّهِ -تعالى- عَنْ الِانْتِهَاكِ، وَتُحْفَظَ حُقُوقُ عِبَادِهِ مِنْ إتْلَافٍ وَاسْتِهْلَاكٍ.
وَالْخَامِسُ: تَحْصِينُ الثُّغُورِ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ، حَتَّى لَا تَظْفَرَ الْأَعْدَاءُ بِغِرَّةٍ يَنْتَهِكُونَ فِيهَا مُحَرَّمًا، أَوْ يَسْفِكُونَ فِيهَا لِمُسْلِمٍ، أَوْ مُعَاهَدٍ دَمًا.
وَالسَّادِسُ: جِهَادُ مَنْ عَانَدَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ، حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَدْخُلَ فِي الذِّمَّةِ لِيُقَامَ بِحَقِّ اللَّهِ -تعالى- فِي إظْهَارِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.
وَالسَّابِعُ: جِبَايَةُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ نَصًّا وَاجْتِهَادًا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا عَسْفٍ.
وَالثَّامِنُ: تَقْدِيرُ الْعَطَايَا وَمَا يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَدَفْعُهُ فِي وَقْتٍ لَا تَقْدِيمَ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرَ.
التَّاسِعُ: اسْتِكْفَاءُ الْأُمَنَاءِ وَتَقْلِيدُ النُّصَحَاءِ فِيمَا يُفَوَّضُ إلَيْهِمْ مِنْ الْأَعْمَالِ وَيَكِلُهُ إلَيْهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ، لِتَكُونَ الْأَعْمَالُ بِالْكَفَاءَةِ مَضْبُوطَةً وَالْأَمْوَالُ بِالْأُمَنَاءِ مَحْفُوظَةً.
الْعَاشِرُ: أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ مُشَارَفَةَ الْأُمُورِ وَتَصَفُّحَ الْأَحْوَالِ؛ لِيَنْهَضَ بِسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَحِرَاسَةِ الْمِلَّةِ، وَلَا يُعَوِّلُ عَلَى التَّفْوِيضِ تَشَاغُلًا بِلَذَّةٍ أَوْ عِبَادَةٍ، فَقَدْ يَخُونُ الْأَمِينُ وَيَغُشُّ النَّاصِحُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تعالى-: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [ص: 26].
لقد كانت العدالة في رعاية مصالح المحكومين في الإسلام من الصفاتِ البارزة، فالنظامُ الإسلامي يرعى مصلحةَ الأغنياءِ بإتاحةِ الفرصةِ لهم للتنميةِ والاستثمار في الحدودِ الشرعيةِ الصحيحة، وتُحفظُ أموالُهم وتقيم الحدودَ على من اعتدى عليها، ولا تجُيز أخذَ شيءٍ من أموالهم إلا بطيْبِ أنفسهم أو بحقٍ شرعي أو لمصلحة شرعية ظاهرة، وكذلك ترعى مصالحَ الضعفاء بالانتصاف لهم ممن يظلمونهم، وتكفلهم وترعاهم، وترى أن ذلك حقٌ لهم وواجبٌ شرعيٌ عليها فتجعل لهم حظهم من الزكاة والفيء والغنيمة.
ولتطبيقِ ذلك النظام والتشاريعِ الإسلامية كان ضروريًا من وجودِ الحكومةِ الإسلاميةِ لتطبيقِ شرعِ الله في الأرض؛ بحيث تتحمل هذه الحكومةُ مسؤوليةَ كل من هو داخلُ الدولةِ من جماعاتٍ وأفراد، وهذه المسؤولية ذات شقين هما:
1- تقديمُ كل ما يخص الإسلام وتعاليمِه، وأيّ شيءٍ متصلٍ بالإسلام إلى المسلمين الجدد.
2- وجوبُ وجودِ هيئةٍ تطبقُ أحكامَ الإسلام، وتُلزم المسلمين بتلك الأحكام وإنزال العقوبة بكل من يخالف تلك الأحكام بالحكم الذي حدده الشرعُ من العقوبات.
عباد الله: إن نظامَ الحكم جزءٌ من دين الإسلام، وقد أجمعت عليه مصادره وعلى سبيل المثال: قول الله: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحـج: 41].
وأيضًا يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[النساء: 59].
الخطبة الثانية:
المقدمة والوصية بالتقوى.
إخوة الإسلام: هذا هو الإسلام دين شامل، تناولت تعاليمه جميع أمور الدنيا التي نعيشها، فهو دين ودولة، خلق وقوة، سياسة وحكم، ومادة وثروة، كما أنه دعوةٌ وجهاد، وهو الدين الصحيح؛ لأنه آخرُ الديانات الصحيحة، وأكثرها استحقاقًا، وأيضًا غير محرف كمثل بعض الديانات الأخرى التي حرفها الناس، وغير مستحدثة من قبل البشر كبعض الديانات، لذا فهو يتناول نظامًا فيه قواعد وشروط تنظِّم حياة الناس بأفضل الطرق، ويجب على كل حكومة إسلامية إتباع نظامه الذي وضعه لنا الخالق -عز وجل-.
إن الذي حملني على الحديث عن هذا الموضوع، هو المقارنة بين الدولة والحكومة في اليمن، والحكومة في الإسلام، وهل حكومتنا هذه التي نعيش فيها تقوم ولو بجزء من واجبات الدولة الإسلامية.
كل يوم ونحن في قتل وسفك للدماء، وآخرها ما حصل للمقدم سعد بن حبريش -رحمه الله-، وكيف أن الدولة إن لم تكن غضت الطرف عن قتله فقد قتلته بدلًا من أن تحميه، وتقاتل من أجله.
إن هذه الجريمة الشنعاء التي وقعت لهي من قواصم الظهر لأهل حضرموت.
وهذا العمل الإجرامي ليس الأول، بل هو واحد من سلسة أعمال إجرامية تُسفك فيها دماءٌ معصومةٌ محرمةٌ، فلا يكاد يمر يوم دون حادثةِ قتل أو اغتيال مع غياب كامل عن القبض على المجرمين؛ بما يوحي بعجزٍ كاملٍ للدولة وأجهزتها أو تواطؤ في تنفيذ هذه الأعمال الإجرامية.
وقد دعا اتحادُ علماءِ ودعاةِ المحافظات الجنوبية في بيان له جميعَ أبناءَ هذه البلاد للتحالف لنصرةِ المظلومِ وردع الظالمِ، وحفظِ الأمن والاستقرارِ في هذه الظروف العصيبة التي تكادُ البلدُ أن تنزلقَ فيها إلى فتن عظيمة، استجابةً لقول الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ"[أخرجه البخاري].
ويطالب اتحاد العلماء من خلال هذا البيان رئيسَ الجمهوريةِ والحكومةَ بسرعةِ تقديمِ الجناة إلى العدالة، والكشف عن ملابسات الحادث، والحوادث الأخرى، ومن يمول؟ ومن يخطط؟ ومن ينفذ؟ هذه الأعمال لتأخذ العدالة مجراها ويلقى المجرمون عقابَهم الرادع.
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة، وقال عمر -رضي الله عنه-: "لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً"[أخرجه البخاري معلقاً، وقال الحافظ في الفتح: وهذا الأثر موصول إلى عمر بأصح الأسانيد].
[استفدت في الخطبة من كتاب: "الأحكام السلطانية" للماوردي، و" شرح السنة" للبغوي، و"بيان علماء ودعاة اتحاد المناطق الجنوبية" وغير ذلك من المقالات والمواضيع المتفرقة].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم