عناصر الخطبة
1/ حفظ الله لدين الأمة المسلمة 2/ دور المجددين في إحياء ما ندرس من معالم الدين 3/ الإمام محمد بن عبدالوهاب مجدد القرن الثاني عشر الهجري 4/ نشأة الإمام المجدد ونبذة عن سيرته 5/ أبرز اتهامات المعاندين للدعوة المباركة والرد عليها 6/ بعض نصوص الإمام من كتبه المطبوعة للرد على خصوم دعوته 7/ عظيم الكذب والافتراء الذي كان يكال على دعوة الإماماقتباس
لقد جاءت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتجديد ما اندرس من عقيدة السلف الصالح؛ ولذا فقد حظيت بالقبول مِن قِبَل كثير من الناس، وقد دعا -رحمه الله تعالى- إلى الإسلام بصفائه ونقائه ووضوحه، بعيداً عن الخرافات والأساطير والخزعبلات، مما جعل أعداء هذه الدعوة المباركة يكيدون لها، ويلبسونها كثيراً من الشبهات والافتراءات..
الخطبة الأولى:
أما بعد، فيا أيها المسلمون أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها".
كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم ديناً، بعث إليهم علماء أو عالماً بصيراً بالإسلام، وداعيةً رشيداً يبصّر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة، ويجنبهم البدع، ويحذّرهم محدثات الأمور، ويردّهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة، أما الإسلامُ نفسُه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- المبينة له، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
عباد الله : لما كانت أمتنا آخرَ الأمم، ونبينا خاتم الأنبياء والرسل، جعل الله هذا الدين محفوظا، رحمة بالخلق، وجعل بين كل فترة من يجدد ما اندرس من رسوم الدين، ليبقى الناس على الإسلام الصحيح كما أنزل، وقد اجتهد أهل العلم في عدّ المجددين من العلماء، الذين يتوسمون أنهم جددوا الدين، وإن ممن عده أهل العلم مجددًا للدين في القرن الثاني عشر الشيخَ الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- والذي نتفيؤا ظلال دعوته.
ولا يعني ذلك أنه لا يوجد غيره من أهل العلم والصلاح، بل لا تزال بقاع الأرض تلد المصلحين المجددين، فقد يكون بالشام مجددون، وفي بلاد المشرق مجددون، وفي إفريقيا مجددون، وفضل الله واسع، فعلى قدر بُعد الناس عن الدين يكثر فيهم المجددون.
معاشر المؤمنين: لقد جاءت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتجديد ما اندرس من عقيدة السلف الصالح؛ ولذا فقد حظيت بالقبول مِن قِبَل كثير من الناس، وقد دعا -رحمه الله تعالى- إلى الإسلام بصفائه ونقائه ووضوحه، بعيداً عن الخرافات والأساطير والخزعبلات، مما جعل أعداء هذه الدعوة المباركة يكيدون لها، ويلبسونها كثيراً من الشبهات والافتراءات، وقد دافع -رحمه الله- تعالى ومن جاء بعده من أتباعه عن هذه الدعوة المباركة، ودحضوا كل شبهة وفرية حول هذه الدعوة المباركة، وما انتشار الدعوة السلفية الصحيحة إلا ثمرة من ثمارها، وكل ذلك بفضل الله تعالى وتوفيقه.
عباد الله : نشأ الإمام -رحمه الله- في نجد وقد غلب عليها الجهل والبدع والشركيات، ولنتصور ذلك، فقد كان قبر الصحابي الجليل زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- معظَّمًا في بلدة العيينة، ويُستغاث به من دون الله عند بعض الجهلة، ومثله قبر ذي الخلصة في تبالة، وهي قرية من قرى بيشة، وغيرها من الأشجار والأحجار التي كانت تُعظَّم من دون الله، ولم يكن حينئذ من ينكر جهارًا؛ وذلك لانتشار الباطل وضعف أهل الحق، وهذا مصداقّ لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من انتشار الشرك في جزيرة العرب، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ"، وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وفي حديث ثوبان في الصحيح: "لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان".
فلما أظهر الإمام دعوته لنشر التوحيد والدين الصحيح الذي جاء به نبينا -صلى الله عليه وسلم- شرق به أهل البدع والضلال، من الصوفيين والقبوريين، ومن كان متكسبًا من ذلك، وناصبوه العداء، وافتروا عليه، وألصقوا به ما هو منه بريء، ومن أبرز ما وصفوه به التكفيرُ وعدم العذر بالجهل، ولقد دافع الإمام عن نفسه، وألف في ذلك الرسائل والكتب، وبعث بها إلى علماء كل صقع، ودافع عنه تلاميذه من بعده، حتى تبين الحق وأبلج.
وإن مما عرفه الناس من التأريخ أنه ما قام نبي ولا رسول ولا مصلح يدعو إلى التوحيد والدين الصحيح إلا وقف في وجهه الخصوم، ونبزوه بالألقاب، وحذّروا منه، كما فعل كفار قريش بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى أخرجوه من بلده، وحاربوه.
ونحن في هذا الزمن ما بين فترة وأخرى يخرج لنا نابتة من نوابت أسلافهم، فيرمون دعوة الإمام بما هي منه براء، فسموها الوهابية، ليغرروا بالناس أنها دين جديد، ولمزوا أهلها بالشدة والقتل والتكفير، ولا يستغرب خروج مثل هذا من الرافضة والصوفية وأهل القبور، فإن الشيخ قد شدّد عليهم، وألّف في ضلالاتهم، ولكن العجب خروجها ممن يتوسم فيهم الناس الخير والعلم، ومن يسمون الآن بالتنويريين، ممن انهزموا أمام الغرب، فصاروا يتقربون إليهم بالتنازلات عن أصول الدين فضلاً عن مبادئه.
وإن من آخر لمزهم للشيخ ودعوته، وصفهم بأنهم أهل تكفير، وأن فكرهم هو من أنتج التكفير، ومن نتاجهم من يسمون بداعش، وهذا محض الكذب والقذف بالباطل، وجواب كذبهم موجود في كتب الشيخ، وكتب من عاصره من علماء زمنه كالإمامين الصنعاني والشوكاني، من علماء اليمن، وغيرهم من علماء مصر والشام، ولعلي أسوق بعضها في الخطبة الثانية -بإذن الله تعالى-.
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه.. أقول قولي هذا واستغفر الله..
الخطبة الثانية
أما بعد فيا عباد الله: فلا يزال أهل العلم يُرْمَوْن بالعظائم، ويُلصق بهم ما هم منه براء، ولهذا وجب على كل مُنْصِف أن يتريث في قبول ما يُلْمَز به أهل العلم هذه الأيام حتى يستثبت الحق، فإن جانب أهل العلم عظيم، وحقّهم كبير، لا يجحده إلا جاهل أو حاقد.
معاشر المسلمين: سأنقل لكم بعض نصوص الإمام من كتبه المطبوعة، لأبين كذب تلك النابتة في هذا الزمن..
وقد تحدّث الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- عن هذه الهجمة قائلاً: "فلما أظهرت تصديق الرسول فيم جاء به سبُّوني غاية المسبّة، وزعموا أنّي أكفِّر أهل الإسلام وأستحل أموالهم" (مجموعة مؤلفات الشيخ 5/26).
ويصف الشيخ عداوة الخصوم وفتنتهم في رسالته للسويدي – أحد علماء العراق – فيقول -رحمه الله-: "ولبّسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس، وكبرت الفتنة وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورَجْله" (مجموعة مؤلفات الشيخ 5/36).
ويبعث رسالة لمحمد بن عيد أحد مطاوعة ثرمداء، يقول فيها: "وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفّر بالظن، والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله".
وفي رسالته لأهل القصيم، يشير -رحمه الله- إلى مفتريات الخصم العنيد ابن سحيم ويبرئ نفسه من فرية تكفير المسلمين وقتلهم، يقول الشيخ الإمام: "والله يعلم أن الرجل افترى عليَّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: أني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أكفِّر من توسل بالصالحين، وأني أكفِّر البوصيري، وأني أكفِّر مَن حلف بغير الله.. جوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم".
ويؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بطلان تلك الفرية، ويدحضها فيقول -في رسالته لحمد التويجري-: "وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفّر مَن أشرك بالله في إلهيته بعد ما تبيّن له الحجة على بطلان الشرك..".
ويؤكد الشيخ الإمام -مرة أخرى- بطلان تلك الدعوى، وأنها دعوى كذب وبهتان، فيقول جواباً على سؤال الشريف.. "وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: أنّا نكفّر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على مَن قدر على إظهار دينه، وإنا نكفّر مَن لم يكفّر ومَن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله..".
ويدل على براءته - أيضاً – من تلك الفرية ما يقوله الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – في موضع آخر: "إن صاحب البردة وغيره ممن يوجد الشرك في كلامه والغلو في الدين، وماتوا لا يُحكَم بكفرهم، وإنما الواجب إنكار هذا الكلام، وبيان مَن اعتقد هذا على الظاهر فهو مشرك كافر، وأما القائل فيُرَدّ أمره إلى الله -سبحانه وتعالى-، ولا ينبغي التعرض للأموات، لأنه لا يُعلم هل تاب أم لا..".
ويورد الشيخ سليمان بن سحمان الدفاع عن الشيخ الإمام، ويبرأه من هذا البهتان فيقول -رحمه الله- حاكياً حال الشيخ: "فإنه -رحمه الله- كان على ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها.. فلا يكفّر إلا من كفَّره الله ورسوله، وأجمع على تكفيره الأمة، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلماءهم.. ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع، وأهدره الرسول، ومن نسب إليه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها فقد كذب وافترى، وقال ما ليس له به علم ..".
أيها المؤمنون: بهذا يتبين للجميع عظيم الكذب والافتراء الذي كان يكال على دعوة الإمام لينفر منه ومن دعوته، غير أنه تبين لأهل العلم في زمانه ممن أراد الحق صِدْق دعوة الإمام، حتى كثر المثنون عليه في زمنه، الناصحون باتباع سبيله، ولما مات كثُر الراثون له من العلماء، فهذا الشيخ عالم اليمن الشوكاني لما بلغه موت الإمام نعاه بقوله:
لقد مات طود العلم قطب رحى العلا *** ومركز أدوار الفحول الأفاضل
وماتت علوم الدين طُرّاً بموته *** وغُيب وجه الحق تحت الجنادلِ
إمام الهدى ماحي الردى قامع العدا *** ومروي الصدى من فيض علم ونائلِ
إمام الورى علامة العصر قدوتي *** وشيخ الشيوخ الجد فرد الفضائل
(محمدْ) ذو المجد الذي عز دركهُ *** وجلّ مقاماً عن لحـوق المطاول
إلى عابد الوهاب يُعزَى وإنه ***سلالة إنجـابٍ زكي الخصـائل
عليه من الرحمن أعظم رحمة *** تبـلّ ثراه بالضحى والأصائل
لقد أشرقت نجد بنور ضيائه *** وقام مقامات الهـدى بالدلائل
وختاما أقول أيها الأحبة: لما مات الإمام لم تمت صحوته ودعوته، بل كان له تلاميذ أطلق عليهم وعلى تلاميذهم أئمة الدعوة، وإن علمائنا في وقتنا هذا هم تلاميذهم وعلى منهجهم، وهم من أئمة الدعوة.
ونقول لمن طعن في دعوة الإمام: مُت كمدًا، فلن تضر إلا نفسك، والله ناصر دينه، ولو كره المنافقون.. ونقول لمن تنقص دعوة الإمام:
أقلوا عليهم من اللوم لا أبا لأبيكم*** أو سدّوا المكان الذي سدوا
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم