عناصر الخطبة
1/الإسلام منهج متكامل 2/خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية 3/الأدلة على تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية 4/بعض صور الخلوة المحرمة 5/مأساة من الواقع وعظة من القرآن 6/خطورة الاختلاط والأدلة على تحريم الاختلاط 7/بعض صور الاختلاط المحرم 8/مأساة من الواقع وصورة مشرقة من القرآن 9/هل من مُدَّكِرْ؟!اقتباس
الإسلام لا يتنكر لتلك الفطرة التي فٌطِرت عليها المرأة، ولم يعاكسها الإسلام في أنوثتها وحبها للزينة والجمال، ولكن الإسلام أحاطها بسياج من الوقاية لا كما يقول زعماء وعبيد المَدَنِيَّة السوداء: "أنكم تخافون على نسائكم أكثر من خوف الغرب الملحد، والكافر على نسائه". نقول: ليس كذلك يا دعاة العربية والمدنية -تحت ستار التحرر والتطور الأسود- وإنما لأن المرأة في الإسلام هي دُرّةٌ مصونة، ولؤلؤة مكنونة، لا يريد الإسلام لها أن تعبث بها الأيدي الآثمة، ولا تمتد..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أحبتي في الله: إن الإسلام منهج حياة متكامل، لا يقوم على العقوبة ابتداءً، وإنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة الطاهرة، ثم يعاقب بعد ذلك من ترك هذه الأسباب الميسرة، وذهب ليتمرغ في الوحل، والطين، والتراب، طائعًا مختارًا غير مضطر.
إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع طاهر نظيف، لا تستثار فيه الدوافع والشهوات الكامنة، لذا فقد وضع مثل هذه الضمانات، والضوابط، والقيود.
إن الإسلام العظيم إنما هو تشريع الذي يعلم من خلق: (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ) [البقرة: 140].
(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].
إنه دين الله -جل وعلا- وشرع النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى، بأبي هو أمي -عليه الصلاة والسلام-.
أيها الأحبة في الله: ومن أعظم الضمانات الوقائية التي وضعها الإسلام سياجًا واقيًا للمرأة المسلمة أولاً، ولأفراد المجتمع الإسلامي ثانيًا: أَن حرَّم الخلوة بين المرأة الأجنبية، والرجل الأجنبي، حرَّم الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء؛ لأن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين النفسي؛ لأن الله قد أناط به امتداد الحياة على ظهر الأرض، لذا فهو ميل دائم لا ينقطع ولا ينتهي، والمرأة بطبيعتها فُطرت على الأنوثة والجمال، وحب الزينة، ليتم الانسجام بينها وبين زوجها كما أراد الله.
والإسلام لا يتنكر لتلك الفطرة التي فٌطِرت عليها المرأة، ولم يعاكسها الإسلام في أنوثتها وحبها للزينة والجمال، ولكن الإسلام أحاطها بسياج من الوقاية لا كما يقول زعماء وعبيد المَدَنِيَّة السوداء: "أنكم تخافون على نسائكم أكثر من خوف الغرب الملحد، والكافر على نسائه".
نقول: ليس كذلك يا دعاة العربية والمدنية -تحت ستار التحرر والتطور الأسود- وإنما لأن المرأة في الإسلام هي دُرّةٌ مصونة، ولؤلؤة مكنونة، لا يريد الإسلام لها أن تعبث بها الأيدي الآثمة، ولا تمتد إليها النظرات السَامَّة.
فهي الأم، والأخت، والزوجة، والابنة، والعمة، والخالة، فهي في غاية من الصَّوْنِ والحفظ والعفاف.
الإسلام ما أحاط المسلمة بهذه الضمانات إلا حماية لها وحرصًا عليها ابتداءً، ولأفراد مجتمعها المسلم الذي تعيش فيه انتهاءً، فالخلوة مُحَرَّمة بين الرجال والنساء، والاختلاط مُحَرَّمٌ في دين الله -جل وعلا- ونظرًا؛ لأن هذا الموضوع طويل -أيها الأحبة-: فسوف أركز الحديث في عدة عناصر:
أولاً: خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية، والأدلة على تحريمها.
ثانيًا: صور من الخلوة المحرمة شرعًا.
ثالثًا: مأساة من الواقع، وعظة من القرآن.
رابعًا: خطورة الاختلاط، والأدلة على تحريمه.
خامسًا: صور من الاختلاط المحرم شرعًا.
سادسًا: مأساة من الواقع وصورة مشرقة من القرآن.
سابعًا: هل من مُدَّكِرْ؟!
فأعيروني القلوب والأسماع -أيها الأحبة في الله-.
أولا: خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية والأدلة على تحريمها:
الخلوة هي: أن ينفرد الرجل بامرأة أجنبية عنه، في غيبة عن أعين الناس، هذه خلوة محرمة في دين الله، ولو كانت بين أصلح الرجال وأتقى النساء، فهي حرام في دين الله -جل وعلا-، والأدلة على تحريمها كثيرة:
ففي البخاري ومسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ، ولاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إلا ومَعَهَا مَحْرَمٌ" فقام رَجُلٌ فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حَاجَّة، وإني اكْتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا، قال: "اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ"[رواه البخاري رقم (3006) في الجهاد والسير، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة، ومسلم رقم (1311) في الحج، باب سفر المرأة مع محرم في الحج وغيره].
هل تفلسف هذا الرجل؟ وقال: يا رسول الله: كيف أدع الجهاد في سبيل الله وأذهب لمرافقة زوجتي؟
أنا أثق في أخلاقها يا رسول الله! أنا لا أشك في تربيتها يا رسول الله! كيف تأمرني بهذا: فهي بنت بيت التُّقَى، والوَرَع، والدين، والالتزام؟!
كلا، كلا، فإن المرأة هي المرأة وإن الرجل هو الرجل، والمرأة تضعف أمام شهوتها وغريزتها، ولو كانت ذات شرف، ومنصب وجمال، إلا مَنْ عصم الكبير المتعال -جل وعلا-.
هذه هي مكانتك عندنا -أيتها الأخت الكريمة الفاضلة-، هذه هي مكانتك عندنا -أيتها المسلمة الكريمة-: أنت دُرَّتُنَا المصونة؛ أنت لؤلؤتنا المكنونة، التي حرص الإسلام على ألا تمتد إليك الأيدي العابثة، ولا أن تلوثك النظرات الآثمة، بل أنت مُكَرَّمة في دين الله، وعزيزة في شرع رسول الله.
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه وقال حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الإمام الذهبي من حديث عامر بن ربيعة -رضي الله عنه- أنه قال: "ألاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامرأةٍ لاَ تَحِلُّ لَه، فإن ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَان"[رواه الترمذي رقم (2166) في الفتن وأخرجه أحمد في المسند (3/446)، وأخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك (1/115) من حديث عمر بن الخطاب وصححه الألباني في الصحيحة (430)].
وفي مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فَلاَ يَخْلُوَنَّ بامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَان".
إن الشيطان شريك في هذا اللقاء، فيزين المرأة للرجل ولو كانت دميمة، وسيزين الرجل للمرأة ولو كان قبيحًا، وكثيرًا ما نرى رجلاً أعطاه الله امرأة حسناء جميلة، على خلق، وذات دين، وتراه قد ترك هذا الحسن وهذا الجمال الحلال، وذهب إلى امرأة قبيحة دميمة لا دين لها ولا خلق ليفعل بها الفاحشة!! ما هذا؟! إنه التزيين إن الشيطان قد زينها له وزينه لها.
كما قال في الحديث الذي رواه الإمام الترمذي وقال: حديث حسن غريب قال: "إِذَا خَرَجَتْ المَرْأَةُ مِنْ بَيْتِهَا اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَان".
إذا خرجت المرأة على غير شرع الله وعلى غير الضوابط التي وضعها رسول الله يستشرفها الشيطان، يزينها في قلوب الرجال ويزين الرجال في قلبها وربما تكون المرأة تقية نقية طاهرة، وخرجت لحاجة من حوائجها الضرورية إلا أن الشيطان لا يدعها وإنما يزينها للرجال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!.
فما ظنك بعد ذلك بامرأة متبرجة متعطرة متزينة، ولذا حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- تحذيرًا صريحًا واضحًا؛ كما في حديث البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: "إِيَّاكُم والدُّخُولَ علَى النِّسَاء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحَمْوَ؟ فقال: "الحَمْوُ المَوْتُ".
وزاد مسلم: قال الليث: "الحمو أخو الزوج وأقاربه".
إذا دخل أخوك على زوجتك فخلا بها فهي خلوة محرمة في دين الله، سترى كثيرًا من الناس يعجبون لهذا الكلام، ويقولون: ما هذا التطرف الذي أنتم فيه؟!
وهؤلاء نقول لهم: هذا كلام رسول الله، ونسألكم هل أنتم أعلم بالناس من رب الناس؟! هل أنتم أعلم بطبائع البشر ممن لا ينطق عن الهوى؟
الحمو هو: أخوك وأقاربك وأقارب الزوجة من غير المحارم لا يدخلون على زوجتك في غيبتك وإلا فالموت، وإلا فالهلاك، وإلا فالدمار بموعود رسول الله.
ربما لا تقع المعصية من أول مرة، والشيطان له خطوات، ولا تتبعوا خطوات الشيطان إن له مداخل- يا عباد الله-.
وهذا يجرنا إلى العنصر الثاني من عناصر هذا اللقاء ألا وهو:
مأساة من الواقع:
وهذه مأساة طالعتنا بها جرائدنا التي راحت هي الأخرى تنم عن نفسها بمنتهى الصراحة والوضوح كوضوح الشمس في رابعة النهار.
وسوف ألخص هذه المأساة بقدر ما يسمح به الحياء والمقام، وتتلخص هذه المأساة في قصة امرأة غاب زوجها وترك لها من وسائل الإفساد والفساد ما الله به عليم، ترك التلفاز: ذلك الشيطان الذي جثم على الصدور في البيوت والقلوب، ودخل عقر دور المسلمين برغبتهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، يبث الرذيلة بثًا، ويدمر الأخلاق تدميرًا على مرأى ومسمع منا، هذه المرأة كان لبناتها غرفة خاصة بهن وضعت بداخلها التلفاز والفيديو، وبعد مرور الزمان ومضي الأيام دخل البنات بشريط جنسي -والعياذ بالله- ليشاهدنه في غرفتهن الخاصة وأصبح الأمر عاديًا لدى البنات والأب غائب، والأم مشغولة لا تدري عن حال بناتها شيئًا، ودخل عم البنات يومًا عليهن في البيت، وكان يدخل كعادته بغير ضوابط، وبدون قيود وبدون شروط، أمر عادي إنه عم البنات: إنه أخ الزوج فماذا في ذلك؟!
دخل العم إلى غرفة البنات وهو لا يعلم شيئًا، وبتلقائية وضع يده على زر التشغيل في جهاز الفيديو اللعين ليقضي بعض الوقت حتى يرجع البنات، وإذ به يرى الفاجعة الكبرى يرى الشريط الذي نُسي في هذا الجهاز، ويضعف هذا الرجل أمام هذه المناظر التي تحول العُبَّاد الزهاد إلى فساق فجار، يضعف ويجلس ليرى، وتدخل عليه زوجة أخيه بكأس من الشاي أعدته له، فترى المرأة ما يُحَوِّلُ التَّقِيَّات الطاهرات إلى فاسقات ماجنات، وباختصار بقدر ما يسمح الحياء والمقام أوقع الشيطان بينهما وزنا بها، وتكرر هذا الأمر مرات ومرات، والمؤلم في هذه المأساة -يا عباد الله- أن المرأة تقول: إن ذلك أصبح أمرًا عاديًا، وأرسلت هذه المرأة رسالة إلى أهل الفتوى من العلماء والدعاة، تقول: إن ما يزعجني في هذه الأيام أنني حامل من أخ الزوج: فماذا أصنع؟! -إنا لله وإنا إليه راجعون-!.
هذه ثمرة حنظل مرة من ثمرات البعد عن كتاب الله وهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أن عاند الناس شرع ربهم وشرع نبيهم، هذه هي الثمار -يا عباد الله-.
الرسول حَذَّر تحذيرًا صريحًا، فقال: "الحمو الموت" فأَبَيْتَ إلا أن تعاند أمر رسول الله، وقلت: أنا أثق في أخلاق زوجتي، ولا أشك في تربيتها، وأثق في أخلاق أخي، ولا أشك في تربيته!.
هذا -يا عبد الله-: لا ننكره، ولكن المرأة تضعف أمام شهوتها، وكذلك الرجل إلا مَنْ عَصَمَ الله -جل وعلا-، وإلا مَنْ رحم الله -جل وعلا-، وهذا يجرنا للحديث عن العنصر الثالث من عناصر اللقاء ألا وهو:
صور من الخلوة المحرمة شرعًا:
أولاً: من صور الخلوة المحرمة أن تفتح المرأة بيتها في غياب زوجها أو أحد محارمها إلى أصدقاء زوجها وإلى أقاربها من غير المحارم وإلى أقارب الزوج من غير المحارم.
وقد لا تقع المصيبة أول مرة لأن للشيطان خطوات كما قال رب الأرض والسموات -جل وعلا-. فهذه خلوة محرمة في دين الله -عز وجل-.
ثانيًا: من صور الخلوة المحرمة
أن يخلو السائق بالمرأة في السيارة في غيبة عن أعين الناس وهذا مما ابتلي به كثير من المسلمين، ولا حول ولا قوة إلى بالله وربما كان السائق شابًا وسيمًا جميلاً يخلو بالمرأة في سيارة واحدة في بعض الطريق في غيبة عن أعين الناس، ولا يعلم أحد طبيعة الحوار الذي يدور في السيارة إلا الذي يسمع ويرى.
ثالثًا: من صور الخلوة المحرمة:
أن يخلو الخطيب بخطيبته بحجة أن يتعرف كل منهما على أخلاق الآخر، وبعد ذلك نندم يوم لا ينفع الندم -ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم-.
رابعًا: من صور الخلوة المحرمة أن تذهب المرأة وحدها بغير محرم إلى الطبيب، فيخلو الطبيب بها بحكم عمله، فيكشف جسدها بحكم وظيفته، وهي خلوة محرمة في دين الله.
إن اضطرت المرأة إلى الطب فلتذهب إلى طبيبة مسلمة، فإن عجزت جاز لها أن تذهب إلى الطبيب مع محرم لها.
ومن أخطر صور الخلوة المحرمة: أن يخلو الخادم في البيت بالمرأة وحدها، وأن يخلو الرجل بالخادمة في البيت وحده، وكم وقع من المآسي والمصائب بسبب ذلك، أن يخلو الخادم بالمرأة، وربما يكون الخادم شابًا وسيمًا جميلاً وربما يكون الزوج مسنًا، أو كبيرًا، أو دميمًا، أو هاجرًا لفراش زوجته، فتقع المصيبة؛ لأن الكلفة ترفع على مدى الأيام والزمان، والرسول يخبر بأنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.
أيها المسلمون: أليست لنا في القرآن عظة؟! أليست لنا في القرآن عبرة؟! ألم يحكِ القرآن قصة امرأة شريفة عزيزة وجيهة غنية جميلة مع يوسف -عليه السلام-! ألم يقص القرآن علينا قصة امرأة عزيز مصر مع خادم لها في البيت.
هي من هي، هي في غاية الشرف والجمال والمال والجاه والسلطان وهو من هو؟ هو عبد لها ليس خادمًا فحسب، بل هو عبد لها وخادم عندها في بيتها يعيش معها في بيت ،واحد وتحت سقف واحد؛ ما الذي جرى؟ هكذا بإيجاز شديد وبدون مقدمات كما قال الله -سبحانه-: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)[يوسف: 23].
هكذا بوضوح بصراحة بمنتهى المراوغة المكشوفة الجاهزة: "هَيْتَ لَكَ" تقول لمن؟ لشاب في كامل فتوته، وكامل قوته، وكامل جماله وشبابه، بل وغَلَّقَتْ عليهما لا أقول باب واحد ولكن عدة أبواب ولكن يوسف كان قلبه موصولًا بالله -جل وعلا-: (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23] أنَّى للقلوب الموصولة بالله أن يؤثر عليها الشيطان.
ألم يقل: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص: 82-83].
ولقد حكم الله ليوسف أنه من عباده المخلصين: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف: 24].
الذي لا تأثير ولا سلطان للشيطان عليهم، ولكن المرأة العنيدة التي ضعفت أمام شهوتها، وأمام غريزتها، لعبد من عبيدها، ولخادم من خدامها، تنتصر لكبريائها الذي وضعه يوسف في الوحل والطين والتراب، فينتشر الخبر، ويسري كسريان النار في الهشيم: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف: 30-31].
وكأن هذا الإعلان السافر من هؤلاء النسوة قد دفع المرأة لتعترف اعترافًا صريحًا، وأن تنتصر لكبريائها وشهوتها، انتصارًا متبجحًا: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)[يوسف: 32].
وهنا لم يعتر يوسف بعصمته وإنما اعترف بعجزه، وضعف بشريته، ولجأ إلى الله الحفيظ العليم -جل وعلا-: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[يوسف: 33].
لم تعد الدعوة من امرأة العزيز وحدها، بل أصبحت الدعوة منهن جميعًا: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ) [يوسف: 33].
لم يقل كيدها، وإنما قال: (كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: 33].
فماذا كانت النتيجة؟
(فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يوسف: 34].
الذي يسمع ويرى، ويعلم القلوب التقية النقية، من القلوب الكاذبة المنافقة، إنه السميع العليم -سبحانه وتعالى- هذا نموذج وعظة من قرآن الله، ومن كتاب الله الذي نقرأه في الليل والنهار.
أحبتي في الله: نرجئ ما تبقى من عناصر اللقاء إلى ما بعد الاستراحة.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وآله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الأحبة: رابعًا: خطورة الاختلاط والأدلة على تحريمه:
والاختلاط -أيها الأحباب- هو: اختلاط الرجال بالنساء من غير المحارم في مكان واحد بدون حجب ولا حواجز.
إن الاختلاط -حتى في بيت الله الحرام- خطر جسيم، وشر عظيم.
لقد قال الله -سبحانه-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33].
وقال الله -سبحانه-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)[الأحزاب: 53].
ولكننا نرى النساء يدافعن ويزاحمن الرجال حتى حول بيت الله الحرام بصورة يندى لها الجبين خجلاً، ويقشعر لها البدن أسفًا وحزنًا!.
ترى النساء يدافعن الرجال بصورة متبجحة -إلا من رحم الله -جل وعلا- وهن كثرة -ولله الحمد والمنة- فإن الخير لا ينقطع في هذه الأمة أبدًا إلى قيام الساعة- فإننا نرى نساء على قمة الحياء والالتزام والورع والدين، نسأل الله أن يكثر من أمثالهن، وأن يزيدهن حياءًا وشرفًا وعفة.
أيها المسلمون: ألا تعلمون أن الرسول قد خصص بابًا في مسجده للنساء حتى لا يختلط النساء بالرجال.
قال نافع: لما خصص النبي -صلى الله عليه وسلم- باب النساء، قال عبد الله بن عمر: والله لن أدخل منه أبدًا فما دخل منه عبد الله حتى توفاه الله -عز وجل-.
وهو باب معروف الآن في مسجد رسول الله بباب النساء إلى جوار باب جبريل -عليه السلام-، وكان يأمر الرجال أن يتأخروا وألا ينصرفوا بعد السلام حتى ينصرف النساء حتى لا يختلط الرجال بالنساء، وقال في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُها، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهًا وشَرُّهَا أَوَّلُها"[رواه مسلم رقم (440) في الصلاة، باب تسوية الصفوف].
حتى لا يقترب الرجال بالنساء، ولا يقترب النساء من الرجال وكانت المرأة في العهد النبوي المبارك تستحي من الرجال، لا تدافع الرجال، ولا تزاحم الرجال في المساجد والطرقات، وإنما كانت تطوف حول بيت الله، بعيدة، بعيدة عن أعين الرجال، وعن مدافعة الرجال، ولما جاءت امرأة -والحديث في البخاري- إلى عائشة -رضي الله عنها- قالت: "قومي بنا نستلم الحجر يا أم المؤمنين فقالت: انطلقي.. إليك عني، وأبت رضي الله عنها أن تقوم لتطوف مع هذه المرأة خشية أن تدافع الرجال أو تزاحم الرجال.
كما روى الإمام الشافعي في مسنده جاءت امرأة إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقالت: يا أم المؤمنين لقد طفت بالبيت سبعًا، واستملت الركن مرتين أو ثلاثًا، أي قبلت الحَجَر مرتين أو ثلاثة.
أتدرون ماذا قالت عائشة؟ قالت: لا آجرك الله، تدافعين الرجال أما كبَّرت ومررت، تدافعين الرجال عند الحجر؟!
إن الحياء هو شرف المرأة، ورأس مالها، وعظيم بضاعتها، والحياء والإيمان قرينان إذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ"[السلسلة الضعيفة (2/264)، آداب الزفاف ص 35].
إن الحياء خصلة عظيمة من صفات المرأة المسلمة المؤمنة النقية التقية، فنسأل الله أن يرزقنا ونساءنا الحياء والتقى، إنه ولي ذلك ومولاه.
أيها الأحبة: لقد قالت كاتبة إنجليزية: إن الاختلاط بين الرجال والنساء شيء يألفه الرجال وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا!.
والحمد لله أثبتت الدراسات والإحصائيات كذب وافتراء ما كان يدعيه عبيد المدنية الغربية، وعبيد التطور والتحرر تحت ستار المدنية الأسود، كانوا يقولون إن الاختلاط يهذب غريزة الرجل! إن الاختلاط يخفف من الكبت الجنسي بين الرجل والمرأة! فعلام هذا الغلو والتطرف؟!
مهلاً مهلاً: يا دعاة الاختلاط ارجعوا واقرؤوا الدراسات والإحصائيات لتعلموا أن كثرة الاختلاط كثرة للجرائم والفواحش والزنا -والعياذ بالله-.
اتقوا الله -يا عباد الله- واعلموا بأنكم موقوفون بين يدي الله -جل وعلا-، وستسأل بين يدي الله - جل وعلا - عن هذه البنت وعن هذه الزوجة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّكُمْ راعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِه"[رواه البخاري رقم (893) في الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، ومسلم رقم (1829) في الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل].
ومن صور الاختلاط المحرم -أيها الأحبة-: أن يختلط الرجال بالنساء فيما يسمى بالجلسات العائلية وتظهر المرأة فيها على أتم زينة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهذا اختلاط محرم في دين الله.
أيضًا من صور الاختلاط: الاختلاط في دور التعليم وأصبح الأمر واضحًا لكل مسلم بأن معظم دور الدراسة والتعليم قد تحولت إلى سباق علني واضح لأرقى الموديلات، وأحدث الأزياء، وأرقى العطور، والبرفانات.
ومن صور الاختلاط المحرم: الاختلاط في أماكن العمل وهذا ما يغفل عنه كثير من الطيبين والطيبات.
الإسلام لا يحرم عمل المرأة إذا اضطرت، وألجأتها الضرورة إلى ذلك، لكن بضوابط وشروط وقيود، ونحن في حاجة أن تعمل المرأة في مواطن الطب لتطبب النساء لا الرجال، وفي حاجة إلى المعلمة المسلمة لتعلم البنات لا الأولاد والشبان.
وهكذا -أيها الأحبة-: أكتفي بهذا القدر وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتقبل منا وإياكم، وأن يجعلنا وإياكم ممن: (يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر: 18].
وأسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يتقبل منا، وأن يرزقنا وإياكم الزهد والحياء والإخلاص والتقى والعفاف.
اللهم احفظ بناتنا، الله احفظ نساءنا.
اللهم انصر الإسلام، وأعز المسلمين، اللهم مَكِّنْ لدينك يا رب العالمين، ربنا إننا مغلوبون فانتصر، اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، وضعف الموحدين، الله ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، واستر عيبنا، وفك أسرنا، واختم بالصالحات أعمالنا.
اللهم تَوَلَّ خلاصنا، اللهم إنا نسألك أن تجعل بلدنا مصر واحةً للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين.
اللهم ارفع الغلاء والوباء والبلاء وجميع بلاد المسلمين، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تجعل لأحد منا في هذه الجمع المبارك ذنبًا إلا غفرته، ولا مريضًا بيننا إلا شفيته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا عاصيًا إلا هديته، ولا طائعًا إلا وثبته، ولا حاجة هي لك رضًا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا وتفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، ولا تجعل منا ولا بيننا شقيًا ولا محرومًا.
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببًا لمن اهتدى، اللهم اقبلنا وتقبل منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
هذا وما كان من توفيق من الله، وما كان من خطأ أو زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
وأقم الصلاة..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم