د. أمير بن محمد المدري
الخطابة في اللغة:
(مادة خطَبَ): جاء في أساس البلاغة: يقال: خاطبه أحسن خطاب وهو المواجهة بالكلام،
وخطب الخطيب خُطبة حسنة، واختطب القوم فلانًا؛ أي دعوه إلى أن يخطب إليهم، وجاء في المختار: الخطب سبب الأمر، يقال: ما خطبُك؛ أي: ما أمرك، وجمعه: خطوب، وخاطبه بالكلام مخاطبة وخطابًا.
وفي الاصطلاح:
عُرِّفت بتعريفات كثيرة منها تعريف أرسطو بأنها: القدرة على النظر في كل ما يوصل إلى الإقناع في أي مسألة من المسائل، وعرَّفها آخرون بأنها: نوع من فنون الكلام غايته إقناع السامعين واستمالتهم والتأثير فيهم بصواب قضية أو بخطأ أخرى. وعُرِّفت بأنها: «فن من فنون الكلام يُقصد به التأثير في الجمهور عن طريق السمع والبصر معًا، فمما يدخل أثره عن طريق السمع وهو الأسلوب والإلقاء والصوت، وما يدخل أثره عن طريق البصر هو الهيئة والحركة والملامح، وتلك المؤثرات هي قوام هذا الفن وملاكه».
الخطابة ضرورة اجتماعية تفرضها الظروف، وتعبر عن المجتمع بوجه عام، وكل الأمم في حاجة إليها، بل إن المواقف المجيدة في تاريخ الأمم مدينة للخطباء الذين عبروا عن قضاياهم أصدق تعبير، وأثروا في مجتمعاتهم أعظم التأثير.
الخطابة أنواع كثيرة منها: الخطابة العلمية، والخطابة العسكرية، والخطابة الدينية، والخطابة الاجتماعية، والخطابة القضائية، والخطابة الحفلية؛ [خمسون وصية ووصية لتكون خطيبًا ناجحًا للمؤلف].
وللخطابة طرق للتحصيل وعوامل للرقي، فمن طُرق تحصيلها: الموهبة والاستعداد الفطري، ودراسة أُصول الخطابة، ودراسة كثير من كلام البلغاء، وحفظ الكثير من الألفاظ والأساليب، وكثرة الاطلاع على العلوم المختلفة، والتدريب والممارسة.
وفن الخطابة له أصول يتعلق بعضها بالخطيب وبعضها بالخُطبة.
فأما ما يتعلق بالخطيب فأهمه:
الموهبة ورباطة الجأش، وسلامة الصوت من العيوب، وطول النفس، وحُسن الوقفة، وحُسن استخدام الإشارة في موضعها المناسب، والسمت الذي يستميل سامعيه.
وأما ما يتعلق بالخُطبة فأهمه:
براعة الاستهلال، ووفرة المحصول من مختلف أساليب البيان، والتنقل بين الإنشائية والخبرية، ووضوح المعاني من خلال قِصر الجُمل، وملاحظة تقسيم الخُطبة، ثم موضوع الخُطبة، ثم الختام الذي يجب أن يشتمل على جُمَل يسهل تردادها وتذكرها بعد انتهاء الخطيب من خُطبته.
ولقد ابتدأ طور الخطابة الإسلامية بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواقفه الخطابية، خطيبًا غير شاعر، وأول موقف وقفه للخطابة كما روى الشيخان والترمذي عن ابن عباس قال: لما نزلت: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، صعد صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش حتى اجتمعوا، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا، قال صلى الله عليه وسلم: «فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد، فكان ما كان».
وهكذا كان العلم الأكبر لصاحب هذه الدعوة العظيمة صلى الله عليه وسلم بادي أمره غير تبليغ القرآن واردًا من طريق الخطابة، ثم ورثها من بعده صلى الله عليه وسلم خلفاؤه الراشدون هم أركان البلاغة وسادات الفصاحة، ويرجع الفضل في ارتقاء الخطابة في بلاغتها وتأثيرها في عهد الصحابة والتابعين، يرجع إلى الكتاب المبين والدين القويم، فقد نزل القرآن بلغتهم.
إذًا الخطابة إحدى الركائز الأساسية والوسائل المهمة في الدعوة إلى الله، فهي تُمثِّل مظهر الحياة التي تجعل القيم النبيلة والمثل الرفيعة، والأخلاق الفاضلة تصل من قلب إلى قلب، ومن فكر إلى فكر، فتُنعش الروح ويتجدَّد الإيمان، فلا غرو أن تكون بذلك من شعائر الإسلام.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم