عناصر الخطبة
1/ أهمية الخشوع في الصلاة 2/ أشياء تبطل صلاة المسلم 3/ أسباب الخشوع في الصلاة 4/ تأملات في خشوع حاتم الأصم في صلاته.اقتباس
إنّ من أعظم أسباب الخشوع: استشعار عظمة الله جلاله، فأنت في الصلاة واقف أمام الله تناجيه وتدعوه، تعبده وتستعين به وتسبحه بـ"سبحان ربي العظيم" في ركوعك فتصفه بالعظمة، و"سبحان ربي الأعلى" في سجودك، فتصفه بالعلو، فهو سبحانه العلي الأعلى المستوي على عرشه -جل جلاله- فتفكر أيها المسلم أنّك في هذا الموضع –أعني: موضع السجود- حين تضع جبهتك على الأرض وتذل نفسك لخالقك أتعلم أن هذا الموضع -هو موضع العزة والارتفاع والقرب- وصدَق إمام الخاشعين -صلى الله عليه وسلم-: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ"...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، أمرنا بالاستعانة بالصبر والصلاة، على مشاقّ الحياة، وأخبر أنها كبيرة إلا على الخاشعين، ووصف المؤمنين بالخشوع في صلاتهم، وجعل ذلك أول صفاتهم، فقال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1- 2]، أحمده على عظيم فضله وإحسانه.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.
أيها المؤمنون: ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: "وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي"، قَالَ: "إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا".
وروى البخاري عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً يصلي ولا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها فَقَالَ لَهُ: "مُنْذُ كَمْ هَذِهِ صَلاتُكَ؟"، قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ له حذيفة: "مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ مُتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاةَ، لَمُتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "لا تُجْزِئُ صَلاةٌ لا يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ)، وفي رواية أخرى: "حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود".
وهذا نص عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أن من صلى ولم يُقم ظهره بعد الركوع والسجود كما كان، فصلاته باطلة، وهذا في صلاة الفرض، وكذا الطمأنينة أن يستقر كل عضو في موضعه.
وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا" (سنن أبي داود: وحسنه الألباني في صحيح الجامع).
وثبت عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "إنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلاتِهِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلاتِهِ؟ قَالَ: "لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلا سُجُودَهَا".
عباد الله: وقال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) أي خائفون ساكنون.
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرَّغ قلبه لها، واشتغل بها، وقد ذكر الله -عز وجل- الخاشعين والخاشعات في صفات عباده الأخيار, وأنه أعد لهم مغفرة وأجراً عظيماً.
وَقَدْ عَلَّقَ –سُبحانَهُ- الْفَلاحَ بَخُشُوعِ الْمُصَلِّي فِي صَلاتِه، فَمَنْ فَاتَهُ خُشُوعُ الصَّلاةِ لَمْ يَكُنْ من أهلِ الْفَلاحِ، وَيَسْتَحِيلُ حُصُولُ الْخُشوعِ مَعَ الْعَجَلَةِ والنَّقْرِ في الصلاة, بل لا يَحْصُلُ الْخُشُوعُ إلا مَعَ الطُّمَأنينةِ، وَكُلَّما زادَتْ الطمأنينةُ ازدَاد خُشُوعًا.
أيها المسلمون: هناك أسبابٌ يُرجَى لمن فعلها أن يُرزَق الخشوع في الصلاة, وأول طريق الخشوع يَبدأ من قبل أداء الصلاة، فهذه الرحلة الإيمانية للصلاة تبدأ من حين سماع الأذان فهو يحمل الدعوة للفلاح "حي على الفلاح"، والفلاح يعني السعادة في الدنيا والآخرة فيُقبِل المسلم إلى الصلاة لأنّه لا شيء يوازي هذا الفلاح.
- ثم إنّ المرحلة الثانية من مراحل هذه الرحلة المباركة يتمثل في الوضوء فهذه القطرات التي تتساقط معها الذنوب والسيئات تذكيرٌ آخر بالاستعداد للصلاة.
- ثم محرك آخر لهذا الخشوع يتمثل في استشعار الأجر العظيم المتمثل في الذهاب إلى المسجد، فخطوة ترفع درجة وأخرى تحط خطيئة، فكم من الحسنات المكتسبة! وكم من السيئات المُكَفَّرة!!
- ثم يا عبدالله حين تضع أول رِجْل في دخولك للمسجد, تقول: "اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك"، نعم لقد دخلت الآن إلى مكان الرحمات والمغفرة والتوبة، الملائكة تستقبلك وتستغفر لك، "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه"، ثم تصلي ركعتي المسجد فتزداد قربًا من الله، ثم تأخذ مصحفًا وتفتحه وتقرأ منه فتزداد قربًا من الله، وترفع يديك وتدعو ربّك، وتتوسل إليه وتتضرع إليه فتزداد قربًا منه، وتذكُر الله وتُسبّحه وتَستغفره، وتُكبره فتزداد قربًا منه، وهكذا تستعد للخشوع في الصلاة، بهذه الطمأنينة وذلك القرب من الله.
- ثم قبل الصلاة يأتي تذكير ثانٍ بـ"حي على الفلاح" عند إقامة الصلاة فتنهض الهمة قبل الجسم، وهكذا لكي يُقبل الإنسان إلى الصلاة وهو في أتم الاستعداد لها.
عباد الله:
- ثم ليعلم من يريد الخشوع في صلاته أنّ من أعظم أسباب الخشوع في الصلاة تدبر ألفاظ الصلاة وما يتلى من الآيات، (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21].
- ثم إنّ من أعظم أسباب الخشوع: استشعار عظمة الله جلاله، فأنت في الصلاة واقف أمام الله تناجيه وتدعوه، تعبده وتستعين به وتسبحه بـ"سبحان ربي العظيم" في ركوعك فتصفه بالعظمة، و"سبحان ربي الأعلى" في سجودك، فتصفه بالعلو، فهو سبحانه العلي الأعلى المستوي على عرشه -جل جلاله- فتفكر أيها المسلم أنّك في هذا الموضع –أعني: موضع السجود- حين تضع جبهتك على الأرض وتذل نفسك لخالقك أتعلم أن هذا الموضع -هو موضع العزة والارتفاع والقرب- وصدَق إمام الخاشعين -صلى الله عليه وسلم-: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ".
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛....
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.
أما بعد فيا عباد الله: أذكر لكم قصة أحد السلف واسمه حاتم الأصم؛ من خيار السلف، كان أخشع عباد الله، ولما سئل عن الخشوع: كيف تخشع في صلاتك؟ فأجاب: "إذا أردت أن أصلي وسمعت نداء ربي، قمت إلى وضوئي، ثم أقبلت على مصلاي -يعني المسجد- فأكبر في تحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأجلس في طمأنينة، وأتصور أن الجنة عن يميني، وأن النار عن يساري، وأن ملك الموت خلف ظهري، وأن الصراط تحت قدمي، وأن الكعبة أمامي، ثم لا أدري بعد ذلك أَقُبِلَت صلاتي، أم رُدَّت عليَّ".
انظروا كيفية صلاته: أول شيء يقول: أتهيأ لصلاتي، وأتوضأ، وآتي إلى مصلاي، ثم أقف بين يدي ربي فأتصور أن الكعبة أمامي، وأن الجنة عن يميني، وأن النار عن شمالي، وأن ملك الموت خلف ظهري -فقد تكون آخر صلاة أصليها- وأن الصراط تحت قدمي، ثم أكبر في تحقيق، وأقرأ في ترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأجلس في طمأنينة، ثم أسلم في رجاء -يعني: رجاء أن الله -عز وجل- يتقبل صلاتي- ولا أدري أقبلت صلاتي بعد هذا، أم رُدت عليَّ.
هذا هو الخشوع، أن تستحضر عظمة الله، وتظن وأنت في الصلاة أنها آخر صلاة تؤديها.
عباد الله: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة: 45 - 46].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم