عناصر الخطبة
1/راحة القلب وزوال الهم مطلب كل إنسان 2/من أعظم أسباب انشراح الصدر معرفة الله وأسمائه وصفاته 3/اختيار الله للعبد خير من اختياره لنفسه 4/للذكر تأثير عجيب في انشراح الصدور 5/كلما اتسع علم العبد ازداد انشراح صدرهاقتباس
وقوة المؤمن مصدر عظيم لانشراح صدره، فلا ينساق مع الأوهام ولا يستسلم للأحزان ولا يضعف أمام المكاره، بل ثابت القلب واثق بأن مع العسر يسرا، وإذا استحضر العبد فَضْلَ اللهِ ونعمته عليه أوجب ذلك له إحداثَ شكر تطمئن له النفس وينشرح الصدر...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، فبها تُستجلب النِّعم، وتُسْتَدْفَع النقمُ.
أيها المسلمون: الدنيا دار بلاء وامتحان، طُبعت على كدر ونَصَب، ويكابد الإنسان فيها المتاعب والمشاق، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)[الْبَلَدِ: 4]، وحياة المرء في الدنيا قصيرة وليس له من عمره إلا ما طاب، وراحة القلب وزوال الهم والغم مطلب كل إنسان، وبذلك تحصل الحياة الطيبة والعيش الهنيء، والخلق كلهم ينشدون السعادة ويسعون إلى تحصيلها، وأصل السعادة انشراح الصدر وطمأنينة القلب، وإذا أراد الله بعبد خيرا شرح صدره، وذلك من أعظم أسباب الهدى وأجل النعم، قال ابن القيم -رحمه الله-: "شرح الصدر كما أنه سبب الهداية فهو أصل كل نعمة وأساس كل خير".
ولعظيم قدر هذه النعمة سأل موسى -عليه السلام- ربه أن يمن عليه بها أول ما أرسله إلى فرعون، (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)[طه: 25]، وابتدأ سبحانه تعداد نعمه على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)[الشَّرْحِ: 1]، وإذا عَظُمَ الشيءُ تعددت أسبابه وكان تحصيله أيسر، وأتم الأسباب وأكملها ما دلَّ عليه الشرعُ وأرشد إليه، ولا أعظم في تحقيق انشراح الصدور من العلم بالله وأسمائه وصفاته وتوحيده -سبحانه- بالعبادة، وعلى حسب كمال ذلك وقوته يكون انشراح صدر صاحبه وانفساحه، قال ابن القيم -رحمه الله-: "قال بعض أهل العلم: فكرتُ فيما يسعى فيه العقلاء فرأيتُ سعيَهم كله في مطلوب واحد وإن اختلفت طرقهم في تحصيه؛ رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم، ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه، بل ولعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده، ولم أر في جميع هذه الطرق طريقا موصلة إلا الإقبال على الله ومعاملته وحده وإيثار مرضاته على كل شيء، فليس للعبد أنفع من هذه الطريق ولا أوصل منها إلى لذته وبهجته وسعادته".
وأكمل الخلق في كل صفة يحصل بها اتساع القلب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأكمل الخلق متابعةً له أكملهم انشراحا ولذة ونعيما، ورأس الأسباب الجالبة لانشراح الصدر الإيمان والعمل الصالح، فبهما صلاح القلب والجوارح واستقامة الظاهر والباطن، وبذلك الحياة الطيبة والسعادة الدائمة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النَّحْلِ: 97].
وأشرح شيء لصدر العبد محبته -سبحانه- والإنابة إليه والتنعم بعبادته، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحا فاتهمه؛ فإن الرب -تعالى- شكور".
واختيار الله للعبد خير من اختياره لنفسه، وهو -سبحانه- أرحم بالخلق من أنفسهم، ومن آمن بالقدر خيره وشره سكن قلبه وانشرح صدره، قال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التَّغَابُنِ: 11]، قال علقمة -رحمه الله-: "هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم".
والعباد يتقلبون في حياتهم بين السراء والضراء، ولا انفكاك لأحد عن ذلك بحال، والسعادة في الإيمان بالقضاء والشكر حال السراء، والصبر على الضراء، قال عليه الصلاة والسلام: "عجبا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء فشكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر فكان خيرا له" (رواه مسلم).
ومن آمن بلقاء الله وثوابه تعلقت نفسُه بالفاضل عن المفضول، وتسلى بالموعود عن المفقود، وبهذا تصلح له دنياه وآخرته.
وحُسْن الظن بالله -تعالى- عبادة تورث صاحبَها أمنا وسعادة، وللعبد من ربه ما ظنه فيه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، قال تعالى في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي" (متفق عليه)، والفأل الحسن يشرح الصدر وهو من حسن الظن بالله، ومقاليد الأمور وأَزِمَّتُها بيد الله وحده، يقلب القلوب كيف يشاء، فسادا وصلاحا وضيقا وانشراحا، وسعادة وشقاء، والتوكل على من بيده ذلك وتفويض الأمور إليه والثقة به واجب شرعي، وهو جنة لأهله حاضرة، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطَّلَاقِ: 3].
وأرزاق العباد بيد الله ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فطِبْ نفسًا بما قسم الله لك، ولا تحزن على ما فاتك منه.
ومن لجأ إلى الله أعانه وكفاه، قال سبحانه: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)[آلِ عِمْرَانَ: 174].
ومن طمع في السعادة وابتغى انشراح الصدر فليكثر قرع باب الكريم؛ فإن الله قريب ممن دعاه، ولا يُخَيِّب مَنْ رجاه، فبالدعاء صلاح أمور الدنيا والآخرة، ومن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر"(رواه مسلم).
وللذِّكْر تأثير عجيب في انشراح الصدور واطمئنان القلوب وزوال الهموم والغموم، قال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرَّعْدِ: 28]، وكان صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم"(رواه البخاري).
والقرآن العظيم كلام الله فيه الهدى والشفا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يُونُسَ: 57]، وأَوْلَى الخلق بالسعادة مَنْ تلا القرآن وعمل بما فيه، قال سبحانه: (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 1-2].
وفي التسبيح والتحميد وكثرة السجود ودوام الطاعة سعة الصدر وذهاب الهم والضيق، قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْرِ: 97-99].
وبلزوم التقوى انفراج الهموم وانكشاف الكروب، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطَّلَاقِ: 2]، وبها تتيسَّر الأمور، قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 4].
والصلاة نور لصاحبها وعون على انشراح النفس وذهاب أحزانها، قال عز وجل: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[الْبَقَرَةِ: 45]، وكان من هديه -عليه الصلاة والسلام-: "إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة"(رواه أبو داود).
وإذا استفتح العبد يومه بالصلاة صلح له سائر نهاره، فمن صلى الفجر فهو في ذمة الله، ومن صلاها مع سُنَّتها كَفَاهُ اللهُ آخِرَ يومه، قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله يقول: يا ابن آدم، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أَكْفِكَ آخِرَه"(رواه أحمد).
والعلم الموروث عن الله ورسوله المقتَرِن بالعمل يشرح الصدور، وأهله أشرح الناس صدورا وأوسعهم قلوبا، وأطيبهم عيشا، وأحسنهم أخلاقا، وكلما اتسع عِلْمُ العبد ازداد انشراحا في صدره، قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)[الْأَنْعَامِ: 122]، قال ابن القيم -رحمه الله- عن شيخ الإسلام: "ما رأيتُ أحَدًا أطيبَ عيشًا منه قطُّ، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعم، بل ضدها، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا، وأقواهم قلبا، وأسَرِّهم نفسا، تلوح نَضْرَةُ النعيم على وجهه".
والإحسان إلى الخلق خير ولا يأتي إلا بخير، فلا ترى الكريم المحسن إلا أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا، وقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلا في انشراح صدر المؤمن المتصدق وانفساح قلبه، ومثلًا لضيق صدر البخيل وانحسار قلبه فقال: "مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جُبَّتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثُدِيِّهِما وتَرَاقِيهما، فجَعَلَ المتصدقُ كُلَّما تصدق بصدقة انبثقت عنه حتى تغشي أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هَمَّ بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها"(رواه مسلم).
ومَنْ عامل الناس لأجل الله استراح، فلا يتطلع لمدح ولا ينحسر من قدح، حاله كما في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[الْإِنْسَانِ: 9]، ويتأكد هذا في معاملة الأقربين ومَنْ قَوِيَ الاتصالُ بهم.
وقد ترى من البشر ما تكره، والعاقل لا يبخس محاسنهم لنقص بَدَرَ منهم، ولا يقطع وصلهم لتقصير أو قصور فيهم، وبذلك يعيش المرء هادئ البال مطمئنا على كل حال، قال عليه الصلاة والسلام: "لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنةً -أي: لا يبغضها- إن كره منها خلقا رضي منها آخر"(رواه مسلم).
وفي مجالسة الصالحين وأهل العلم والدين أنس وسعادة، وبها يكسب المرء علما وحكمة وتزكو نفسه وينبُل بين أقرانه، ومن رجع في أموره إلى أهل المشورة والعقل انشرح صدره وزال عنه اللبس والتردد، قال عز وجل: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النِّسَاءِ: 83].
وعداوة الشيطان للإنسان لا تنقطع، وفي الاستعاذة طرد لوساوسه التي تكدر صفو كثير من الخلق، والإسلام يسعى لأسباب شرح صدر المسلم من حين استيقاظه، والشيطان يسعى لضد ذلك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَد يضرب كل عقدة: "عليك ليل طويل فارقد" فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"(متفق عليه).
وقوة المؤمن مصدر عظيم لانشراح صدره، فلا ينساق مع الأوهام ولا يستسلم للأحزان ولا يضعف أمام المكاره، بل ثابت القلب واثق بأن مع العسر يسرا، وإذا استحضر العبد فَضْلَ اللهِ ونعمته عليه أوجب ذلك له إحداثَ شكر تطمئن له النفس وينشرح الصدر.
والقناعة رأس الغنى ومِنْ أنفعِ ما تُداوى به النفوسُ ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم"(متفق عليه).
ومن جمع قلبه على يومه وساعته اطمأنَّت نفسُه فلا يحزن على ما مضى ولا يغتم لما يستقبل، فالماضي لن يعود، والمستقبل غَيْبٌ مكتوبٌ، ومن دعائه -عليه الصلاة والسلام-: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن" (رواه البخاري).
وعدم الانتفاع بفراغ الوقت مصدر للهم والكَدَر، ومن عمَّر وقتَه بعمل صالح أو علم نافع زال عنه ذلك، وجماع السعادة في الاستعانة بالله على ما ينفع، والبعد عن كل ما يُوهِنُ العبدَ ويُضعف قلبَه وعملَه، قال عليه الصلاة والسلام: "احْرِصْ على ما ينفعُكَ، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان"(رواه مسلم).
والذنوب باب تَرِدُ منه المصائبُ على العباد، وما يجازى به المسيء من الهم والغم وضيق الصدر وقسوة القلب عقوبة عاجلة قبل الآخرة، والْمَخْرَج من ذلك بالبعد عن المعاصي والتوبة إلى الله؛ ليحل مكان الضيق انشراح ومحل الوحشة أنس.
وتطهير القلب من أمراضه يشرح الصدر ويوسعه، ومن دعاء المؤمنين: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، وعلى هذا الوصف يكون أهل الجنة، قال سبحانه: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الْأَعْرَافِ: 43].
وبعد أيها المسلمون: فالإسلام أصل كل خير ومصدر السعادة جميعها، أهله في جنة عالية ونعيم لا ينقطع، قال سبحانه: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)[النَّحْلِ: 30]، ومَنْ عَرَفَ شقاءَ الجاهلية وأهلِها عَرَفَ فضلَ نعمة الإسلام وأهله، ولم يسعه إلا شكر الله على ذلك، والتمسك بدينه والاعتزاز به، والثبات عليه ودعوة الخَلْق إليه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الْأَنْعَامِ: 125].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا.
أيها المسلمون: أسبغ الله على المملكة العربية السعودية آلاء كثيرة؛ فأكرمها بنعمة الإسلام ونشره وعمارة الحرمين الشريفين وخدمتهما وإكرام قاصديهما، وطباعة ونشر المصحف الكريم في الآفاق، وتحكيم شرع الله في أرضه، وجعلها قِبْلة المسلمين، وقلب العالم الإسلامي، مع ما أنعم عليها من الأمن واستتبابه ورغد العيش ونعيمه، ووحدة شعبها وألفته، كل ذلك وغيره بفضل الله وحده ثم بما وفَّق اللهُ ولاةَ أمرها أن جعلوا أُولى مهماتهم منذ تأسيس هذه الدولة تحقيق توحيد الله واتباع نبيه -صلى الله عليه وسلم- وخدمة الإسلام والمسلمين ونشر العلم الشرعي النابع من الكتاب والسُّنَّة واقتفاء سلف هذه الأمة، ومهما تلونت أصوات المناوئين فلن يزيد هذه البلادَ إلا تمسُّكًا بالإسلام واجتماع كلمة أهلها مع كلمتهم.
ويجب على المسلم الإعراض عن الأراجيف وإشاعات المغرضين، وعدم الإصغاء إليها وأن يشغل وقته بما ينفع.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل اللهم هذا البلدَ آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اصرف عن هذه البلاد الفتن والمحن والشرور، ومن أرادها بسوء فاجعل كيده في نحره وألقِ الرعبَ في قلبه يا قوي يا عزيز.
اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى، وانفع بهما الإسلام والمسلمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أَنْزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا غرق ولا هدم ولا بلاء، برحمتك يا أرحم الراحمين، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23].
اللهم انصر جندنا وثبت أقدامهم واجعل أعمالهم خالصة لوجهك الكريم، واحفظ بلادنا من سوء ومكروه يا قوي يا عزيز.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونِعَمِه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم