الحقد

ناصر بن محمد الأحمد

2013-02-12 - 1434/04/02
عناصر الخطبة
1/ الحقد خُلق مذموم 2/ لماذا يحقد بعض الناس على بعض؟ 3/ دوافع الحقد وأسبابه 4/ مساوئ الحقد ومفاسده 5/ علاج الحقد.

اقتباس

ليس هناك أهنأ من سلامة الصدر، كم هو مرتاح صاحب القلب السليم الذي لا يحقد على الناس، شعاره العفو، سلوكه مسامحة الآخرين، غايته... أيها الأحبة في الله: الحقد كله شر، لكن بعضه أهون من بعض. إذا كان الحقد من أحل الدنيا. فتارة أخف، لو حصل هذا لأجل مال أو جاه، أو عقار، أو ذرية، لهان الأمر نوعاً ما، في مقابل الحقد من...

 

 

 

 

إن الحمد لله..

أما بعد: الحقد مرض سيئ خبيث، لو أُصيب به الشخص أتعبه ثم أهلكه. الذين يصابون بمرض السرطان. في بعض حالاتهم يكونون أحسن حالاً من الذين يصابون بمرض الحقد. هل تدرون أيها الأحبة، ما هو الحقد، وماذا يفعل بصاحبه؟

الحقد، يبدأ من الكراهية الشديدة، ثم يتحول إلى عداوة دفينة في القلب. وآخر مراحله، هو الرغبة بالانتقام، وإنزال السوء بمن يكرهه الحاقد.

الحقد، حملٍ ثقيل يتعب حامله، لماذا؟ لأنه دائماً مشغول الفكر، غير مرتاح البال، دائماً يفكر. يبحث عن الكلمة التي يُخرجها، لكي تزعج الشخص الذي يحقد عليه، دائماً يحاول أن يناله بسوء، لذا هو دائماً في قلق، لا يهنأ بمنام، ولا يتلذذ بلقمة، حتى إن بعض الحاقدين، يكون حلمه في المنام فيمن يحقده، نسأل الله السلامة والعافية.

إن الحقد أيها الإخوة، أساساً ليست من الفطرة وليست من طبع البشر، بشكل عام. لأنها من رديء الأخلاق. ومن سفاسف الأفعال، وهي في المسلمين أشنع.

إنها ليست من صفات أهل الإيمان، أن يحملوا الحقد في صدورهم؛ وذلك لأن الأصل في صدرهم أن تكون مملوءة بالمحبة وإرادة الخير للناس، والقلب أيها الأحبة إناء، إذا ملئت قلبك بالمحبة للناس. لم يجد الحقد مكاناً، ينزل فيه، لكن لو كان قلبك فارغاً من حب الآخرين، فإنه والحالة هذه، يجد الحقد مرتعاً خصباً يسكن فيه.

لقد مدحت آيات سورة الحشر، المهاجرين والأنصار لخصال طيبة فيهم، ليست هذا مجال ذكرها، ثم عقبت بالثناء على الذين يأتون بعدهم، إنهم يسألون الله جل وتعالى ألا يجعل في قلوبهم، حقداً ولا غلاً للذين آمنوا، قال الله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 8- 10].

ولما كانت الجنة دار سعادة، ونعيم عامل شامل، كان لابد لأصحابها من أن يكونوا مبرئين، من كل حقد وغلّ، ومن كل علة خلقية، لأن الحقد لا مكان ولا وجود له هناك، إنما توجد في هذه الدار الدنية. لهذا فإن الله جل وتعالى ينزع الحقد من كل الصدور التي تدخل الجنة، كما قال جل وعز في سورة الأعراف: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 43]. وقال جل وعز: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [الحجر: 45- 48].

الحقد، يكون على حساب كثير من الفضائل، وجوانب الخير لدى الإنسان، كلما زاد الحقد في قلبه مثل الصفات الحميدة، وبذور الخير في نفسه..

الحقد داءٌ دفين ليس يحمله *** إلا جهول مليء النفس بالعلل
مالي وللحقد يشقيني وأحمله *** إني إذن لغبيٌ فاقد الحيل
سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي *** ومركب المجد أحلى لي من الزلل
إن نمت قرير العين ناعمها *** وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي
وأمتطى لمراقي المجد مركبتي *** لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي
مبرأ القلب من حقد يبطئني *** أما الحقود ففي بؤس وفي خطل

كم جميل كلام هذا الشاعر، ليس هناك أهنأ من سلامة الصدر، كم هو مرتاح صاحب القلب السليم الذي لا يحقد على الناس، شعاره العفو، سلوكه مسامحة الآخرين، غايته رضا الله عز وجل، قدوته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابي الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، لأنه كان لا ينام إلا وقد محا ما في قلبه على كل أحد، ومن يقدر على هذا؟ ولهذا شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بالجنة.

أيها المسلمون: لماذا يحقد الناس بعضهم على بعض؟ الحقد غالباً لا يكون إلا من الأدنى للأعلى، تجد الإنسان الدنيء، قليل المنزلة، خسيس الطبع، هذا الذي يمتلئ قلبه بالحقد غالباً. لكن كريم الطبع، ذو الأخلاق الفاضلة لا يعرف الحقد. ولهذا، لا يحقد عليك أحد إلا إذا كنت أكثر منه، مالاً، أو جاهاً، أو سمعة، أو ذكاءً، أو عملاً، أو نحو ذلك، وهذا الذي هو أقل منك، فيما ذكرت أو غيرها لم يتربى على الإسلام كاملاً، ولا يدرك أن ما فيه إنما هو ابتلاء، فلا سبيل له إلا الحقد على الآخرين.

أيها الأحبة في الله: الحقد كله شر، لكن بعضه أهون من بعض. إذا كان الحقد من أحل الدنيا. فتارة أخف، لو حصل هذا لأجل مال أو جاه، أو عقار، أو ذرية، لهان الأمر نوعاً ما، في مقابل الحقد من أجل الدين، فهذه هي الطامة، وهذه هي بلية البلايا. أن يكون الحقد للدين، ولأهله، ولدعاته فهذه يكون صاحبها على خطر عظيم.

بعض الناس، تجد أن الغالب عليهم هو الشهوة، أياً كانت هذه الشهوة، إما شهوة البطن، أو شهوة الفرج، أو حتى شهوة المنصب والرئاسة، أو غيرها، هذا النوع من الناس، يظن بأن الدين، لا يجعله يستمتع كاملاً بما ترغبه نفسه، فتجد أنه بدأ يكره الدين، ثم يحمله هذا إلا كره أهله، ثم تجد أن الحقد يبلغ منتهاه لدعاة الدين، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؛ لأنهم له بالمرصاد يفضحون فساده، ويبينون شروره وغوائله فتجد أن مثل هذه النوعية من الناس لو مكن له، وتمكن لأذى أصحاب الدين، إما بلسانه بالكلام عليهم، والطعن فيهم أو بفعاله، بإلحاق الأذى المباشر به، لو تمكن من ذلك.

وهناك طائفة أخرى من الناس، وهم الذين يحملون المبادئ المنتنة، والأفكار الخبيثة ويحاولون نشر هذه السموم في بلاد المسلمين، أفكار، يفوح منها رائحة الإباحية والخلاعة والمجون، يريدون ترويجها بين الناس، بشتى الوسائل، عن طريق المجلة أو الإذاعة، أو التلفاز، أو غيره من الوسائل. عن طريق القصة، أو القصيدة، أو المسرحية، أو ندوة، أو اجتماع، أو غيره.

من الذي في الغالب، يفضح هؤلاء، ويبن، عورهم للناس، ويكشف مخططاتهم، هم حملة الدين، فيحقدون عليهم، ويبغضونهم، ويحاولون أذيتهم.. إن هذه الفئة، من الناس، يزعجهم، إقبال الناس على الدين، ويضايقهم إقبال الناس على سماع الدروس والمحاضرات، لأنهم، أصحاب مبادئ منحرفة، وأفكار سيئة، فتجد أن الحقد يغلي في قلوبهم، لأن التزام الناس بالإسلام يعني كساد بضاعتهم، فلا أحد يقبل عليها.

أيها المسلمون: أعود فأقول، بأن الحقد على الدين أخطر بمراحل من الحقد من أجل الدنيا، فلينتبه ممن في قلبه حقد على أحد بسبب الشرع، أو ممن يغلي قلبه حقداً على انتشار الإسلام في أوساط الكبار والصغار، الشباب والشابات، فإنه على خطر عظيم، وإلا فالدين والشرع لا خوف عليه، ولا حتى على جملته، فإن أصابهم أذى، فهم محتسبون مأجورون لكن الخسارة كل الخسارة لهذا الأبله الذي يحقد على شريعة الله، والذي يحقد على ملة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهَّاب. ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم. أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله..

أما بعد، أيها المسلمون: إن الحقد قد تتسع دائرته، ويتعدى الأفراد العاديين، وتصبح هناك أحقاد على مستوى المجتمعات، بل حتى دول. دولة تحقد على أخرى، أو مجتمع بأكمله يحقد على آخر. فلا غرابة، إذا سمعنا بأن هناك دولة، اعتدت على دولة أخرى، فدخلت أراضيها ونهبت خيراتها، وخرّبت وفعلت، أو سمعنا بأن هناك دولة تخطط لقلب نظام الحكم في دولة أخرى، أو غيرها مما نسمع بين فترة وأخرى.

أيها المسلمون: كان العرب، قبل الإسلام، قبائل متفرقة، لا قيمة لهم ولا وزن، فاختارهم الله جل وعلا، وبعث فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وما هي إلا سنوات قلائل، حتى امتدت دولة الإسلام بقوة الحق والعدل والجهاد، واكتسحت عقائد بالية، وصهرت شعوباً كبرى، وقوضت أركان دولٍ عظمى في زمانها، إلى الأبد، وشتت ديانات محرفة سابقة. فألقى كل ذلك أحقاداً سوداء على الإسلام والمسلمين في قلوب بعض المتعصبين لقومياتهم ومعقداتهم ودولهم التي جرفها سيل الإسلام، بنوره المبين فيما جرف، من اليهود والنصارى وغيرهم. أو نال منهم نيلاً، فأفقدهم بذلك زعاماتهم الدينية أو السياسية في الأرض.

ونشأ من جرّاء هذه الأحقاد السوداء مؤامرات عديدة على الإسلام والمسلمين في أحقاب التاريخ الإسلامي المتتابعة، وما يزال العالم الإسلامي يكتوي بنيران هذه المؤامرات المختلفة في أشكالها وألوانها وأساليبها، فمنها ما يحمل حرباً فكرية مسلحة بألوان شتى من المكر والخديعة، ومنها ما يحمل حرباً مادية مسلحة بكل قوة مادية مريعة.

وهناك أساليب أخرى يستخدمها العدو الآن، أشد فتكاً مما سبق، وهو أن يجعل بأس العرب والمسلمين فيما بينهم، فيزرع هو الأحقاد بين الدولة وجارتها وبين الطائفة وأختها وهكذا، حتى تحول العالم الإسلامي، إلى كتلة من الأحقاد، وتأمل واسرح بنظرك في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه إلا تكاد تجد دولة إلا ولها مشكلة حدودية مع جارتها، ثم الحرب الإعلامية بينهم ثم الحقد والعداوة، هذا إذا سلموا من الاعتداءات المسلحة.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ذكاء الغرب في زرع الأحقاد بين الدول الإسلامية ثم يقعد هو على كرسيه يتفرج، لأنه هو يحقد على الإسلام كله، وعلى أهله كله وذلك لعدة أسباب: منها لعلم الغرب أجمع، بأن المسلمين لو اتحدوا، وصار لهم شوكة فإن هذا ليس في صالحهم. ومنها لعلمه بأن الإسلام لو قوي فإنه سيتحول إلى جهاد حقيقي كما كان في السابق، وهذا هو الذي يخيف الغرب حقيقة. وسيكتسح الإسلام أراضيه كما حصل من قبل.

ومن أهم ما يوقد أحقاد الغرب في هذه الفترة الحالية. هو هذه الخيرات الموجودة في البلاد الإسلامية. هذه الأموال الطائلة، وهذه النعم، وفي مقدمتها البنزين الذي به قوام حياتهم فنقصه عندهم، ووفرته عندنا، وحاجتهم إليه مع أسباب أخرى أوجد الحقد الدفين على هذه المنطقة. وعلى أهلها وعلى دينهم الذي يتمسكون به.

فهل يعي المسلمون هذا؟ عداء الغرب واضح للعالم الإسلامي، للأسباب التي ذكرت ولغيرها، وحقدهم بين لكل عاقل، ومكرهم واعتداءاتهم معلومة للقاصي والداني، العجيب، وهذا الذي أفكر فيه أحياناً، ولا أجد له تفسير في ذهني. مع كل هذه العداوة، ومع كل هذا الكيد المعلن ومع أمر الإسلام للمسلمين بعدم موالاة الكفار ومع نهي الشرع عن ذلك، مع كل هذا وهذا تجد هناك من المسلمين من يوالي الكفار، ويحبهم ويجلهم ويعظمهم، وهو يعلم عداءاتهم.

فالذي يحيرني أمرين: الأول: أقول كل هذا الحب لهم وموالاتهم، والتعظيم والتقرب لهم، وهم كفار، وليسوا كفار سالمين، بل كفار محاربين. فأقول كيف لو لم يكونوا محاربين. وكانوا مسالمين وكان عندهم العدل والإنصاف. ماذا يفعل هؤلاء فوق الحب والموالاة والتعظيم لهم. أتوقع أنهم سيعبدونهم، لأنه ليس بعد هذا إلا العبادة.

الأمر الثاني: وهي نظرة مادية، مع أن الدين أمرنا أصلاً ببغضهم وكرههم وعدم موالاتهم، فأقول لو أن الإسلام والشرع لم يأمرنا بهذا، فقط من النظرة المادية، شخص تسلط عليك، وهو الآن، يأخذ من أرضك، وينهب من مالك، ويستنزف كل الخيرات التي لديك، فمن باب النخوة ومن باب الاستماتة لأجل الحلال ولأجل المال من الطبيعي أنك تعاديه وتقاومه، ولا تدعه يسيطر عليك.
فأتعجب وأقول أنه حتى من هذا الباب لم يحصل شيء، بل ومع علمنا بنهبه لخيرات بلادنا وأكل أموالنا ومع ذلك الحب والموالاة والتقدير، والله المستعان.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

 

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات