اقتباس
فقد اقتضاني أمرٌ عجب أن أضرب مثلًا برجل سيِّد في عشيرته وفي بلده، معظم بينهم لأنه باذل كل ما يمكنه في تحقيق مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، ويرعى حقوقهم، ويعدل بينهم في معاملته، ويسعى في منافعهم وما يرفع شأنهم، وما به عزهم، ولكنه يستعين لتحقيق هذه الغايات بظلم المستضعفين من غير أهل بلده بالإذلال، واغتصاب الأموال، ولو...
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول الله تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس:24]، وقال صلى الله عليه وسلم: لما سُبِقت ناقته وكانت لاتُسْبق: «حقٌّ على الله أن لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه» (رواه البخاري).
وقيل في الحِكمة من الشعر:
إذا تمَّ شيء بدا نقصُه *** ترقب زوالاً إذا قيل تم
تدبَّر أيها المسلم هذه الآية وهذا الحديث! فَلَعَلّهُ يخطر ببالك ما خطر ببالي، وذلك أني إذا قرأت هذه الآية أو سمعت هذا الحديث خطر ببالي أن هذه الحضارة الحاضرة مُوشِكةٌ على الانهيار والانحسار؛ لأنها قد بلغت غاية الازدهار؛ فقد أخذت الأرض بهذه الحضارة زخرفها، وتزينت بأنواع الزينة في كل وسائل الحياة؛ في المساكن والمراكب والمطاعم والمشارب والملابس وأسباب التواصلِ وسرعة الانتقالِ؛ فتقارب الزمان وتقاربت البلدان، فأوجب ذلك للكفار الذين جرت هذه الحضارة على أيديهم غرورًا واستكبارًا وظلمًا وطغيانًا، وشرهم في ذلك دولة أمريكا المتسلطة على كل الشعوب والحكومات التي لا تخافُها؛ لأنها ضعيفةٌ أمامها ومطيعة لها، وصنعوا لذلك أنواع الأسلحة وأسلحة الدمار الشامل..
وقد قلت في بيانٍ سابق :"الكفار هم المجرمون، كما سماهم الله في كتابه في ثلاثة وثلاثين موضعًا، قال تعالى: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) [الزخرف:75]، (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) [يونس من الآية:17]، (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [السجدة من الآية:22]، (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ) [القمر:47]، والدول الخمس الدائمة العضوية فيما يُسمّى مجلس الأمن هم مجرمون في حق الله بكفرهم، ومجرمون ظالمون في حق البشر، فهم أحقُّ بلقب مجرمي الحرب؛ لأنهم موقدو الحروب في العالم الإسلامي، وصانعوا أسلحة الدمار ومقتنوها، وبالمؤسسة الاستعمارية (هيئة الأمم) هم المتحكمون" اهـ.
والمتأمِّل يدرك أن المسلمين هم أكثر من وقع عليهم الظلم والتسلط، وتَضرّروا في دينهم وأخلاقهم بما أنتجته الحضارة من وسائل الإعلام المسموعة والمنظورة، فتعسَّر أو تعذّر على أهل الغيْرة حماية الأخلاق، وتعذّر عليهم الأمن في بيوتهم بما توفَّر للجهلة والفسقة من الرجال والنساء من وسائل الاتصال والتواصل، كالشبكة المعلوماتية والهواتف الذكية، ويحمل وِزر هذا الضياع في الأخلاق كل من له أثرٌ في ترويج وسائله المقروءة والمسموعة، كالتجار وشركات الاتصال، وكذلك كل من له قدرةٌ على منع هذا الباطل أو شيء منه بسدِّ أبوابه ولم يفعل، وللحكومات من إثم هذا الفساد أوفر نصيب لما لأجهزتها من التأثير، ولِمَا لها من القدرة على التغيير، وقوله تعالى: (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا) ينطبق على أصحاب هذه الحضارة؛ فإنهم لِمَا بلغوا من القوة يظنون بقوتهم أنهم قادرون على التصرف في كل ما على الأرض من وسائل الحياة وما فيها من الطاقات..
فما تزخرفت هذه الحياة ولا تزينت من قبلُ مثل هذا الزخرف والزينة، ولا ظن أهلها أنهم قادرون عليها مثل ما ظن أهل هذه الحضارة؛ إذًا فهي تنتظر أن يأتيها أمر الله ليلًا أو نهارًا فيدمرها تدميرًا، ويُسيّرها آثارًا وأحاديث، كأن لم تكن بالأمس طائرات وأقمار صناعية واتصالات بين شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها ومصابيح الكهرباء التي حولت الليل نهارًا، فعند ذاك -بأمر الله- ذهب ذلك الزُخرف والزينة، فأظلم الليل وانقطع الاتصال، فعادت الحياة إلى ما كانت عليه، وحينئذٍ انخفضت الدنيا بعد ارتفاعها، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «حقٌّ على الله أن لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه».
وقد نبَّه سبحانه إلى كمال قدرته على إحالة حال الدنيا وحال الأرض فقال: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا) [الكهف:45]، ولحكمة الله في التقدير والتدبير فأحقُ تلك الدول بالخفض والتدمير هي قمة الظلم والاستكبار دولة الإمريكان وحضارتها، ومن على سبيلهم في الظلم والطغيان فله نَصبيهم من الخفض والتدمير؛ سنة الله ولا تجد لسنة الله تبديلًا كما قال.
إذًا.. فنحن لا نأمَن في كل ليلة وفي كل يوم أن يأتي هذه الحضارة أمر الله، بل ننتظر ذلك ونتوقعه فتصير آيةً وعبرة، ونسأل الله أن يقي المسلمين شرّها مُقبِلة ومُدبِرة.
وبهذه المناسبة أنقل لك أيها القارئ نص البيان الذي سبق أن كتبته ردًا على من زعم أن أمريكا عادلة، وأنها جديرة بالإمهال وهو بعنوان: (أمريكا ليست عادلة بل ظالمة!).
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد اقتضاني أمرٌ عجب أن أضرب مثلًا برجل سيِّد في عشيرته وفي بلده، معظم بينهم لأنه باذل كل ما يمكنه في تحقيق مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، ويرعى حقوقهم، ويعدل بينهم في معاملته، ويسعى في منافعهم وما يرفع شأنهم، وما به عزهم، ولكنه يستعين لتحقيق هذه الغايات بظلم المستضعفين من غير أهل بلده بالإذلال، واغتصاب الأموال، ولو بالقتال، فهل يقول عاقل: إن هذا الرجل مُحسِن، وواصل لرحمه وعظيم لصدق وطنيته، وأنه حريٌّ بألا يخزيه الله بمعاجلته بالعقوبة، بل يمهله لعدله وبرِّه بقومه، وأن إمهال الله له مع ظلمه لا يكون استدراجًا، بل جزاء على عدله وإحسانه إلى من له السيادة عليهم..
والأمر العجب الذي اقتضاني لضرب المثل أنه نسب إلى رجلٍ ذكيّ الجنان فصيح اللسان مسموع البيان أن دولة الأمريكان دولة عادلة، لذلك فهي جديرة بالإمهال خلاف ما يتوقع كثير من الناس من سقوطها قريبًا لما ارتكبته من الطغيان والاستكبار، وإشعال الحروب في بلدان المسلمين، وفرض سيطرتها على البلدان الضعيفة ولو بالغزو وسلب خيرات تلك البلدان، وتغيير هوية أهلها فكريًا وسلوكيًا ليعترفوا بسيادة الظالم ويُسلِّموا له القياد، وهذا الزعم من ذلك الرجل يشبه أن يكون من قبيل النظر بعينٍ واحدة، ونحن المسلمين وكلَّ المظلومين على خلاف هذا الزعم، وإنَّا لِسقوط دولة الأمريكان قريبًا لمنتظرون، وما حصل ويحصل لها من إملاءٍ فما هو إلا الاستدراج والمكر الإلهي، وفي الحديث الصحيح: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)» (رواه البخاري).
فتدبَّر أيها القارئ، واستنِر بنور الله.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم